في ما يقرب من أربعين رسالة على امتداد إحدى عشرة سنة يتبادل الكاتب جميل السلحوت والكاتبة صباح بشير الآراء حول نشأة كل منهما وحول بعض القضايا الأسرية ومختلف شؤون الحياة والمجتمع والناس. ويطرح كل منهما رؤيته لقضايا الوطن ومناهج التعليم القاصرة وأوضاع المرأة الفلسطينية، وما تتعرض له من ظلم وإجحاف في مجتمع ذكوري ظالم، وتجري المقارنة بين الحين والآخر مع مجتمعات أخرى منفتحة على الحضارة والرقي والتقدم، ولا نلمس أي خلاف في وجهات النظر بين الكاتب والكاتبة، بل هناك توافق في النظر إلى مختلف الأمور والقضايا، ويأخذ وصف الزيارات والرحلات إلى داخل بلادنا وإلى بلدان أخرى عربية وأجنبية والإقامة في بعضها لسنوات حيزًا ملموسًا في الرسائل. ويكثر الحديث في الرسائل عن هموم الكتابة، وعن الإنجازات التي تحققت كما في حالة جميل السلحوت، الذي أنجز خلال السنوات التي شهدت كتابة هذه الرسائل عددًا غير قليل من الروايات للكبار وللصغار وبعض كتب أخرى، وعن الإنجازات التي تحققت على صعيد كتابة المقالات العديدة،كما في حالة صباح بشير، التي تحدثت عن بعض كتب جميل السلحوت في مقالات منشورة لها، وعن طموحاتها المشروعة في الكتابة التي تتمثل في رواية بدأتها ولم تنجزها حتى الآن. الجدير ذكره أن هذه الرسائل انطلقت بعد لقاء الكاتب جميل السلحوت والكاتبة صباح بشير في إحدى ندوات اليوم السابع المقدسية، ولم تستمر هذه اللقاءات بعد انقطاع صباح عن حضور الندوات من جراء السفر أو غيره من الأمور المتعلقة بالعمل، لكن فكرة تبادل الرسائل انطلقت من هناك، وما شكّل عنصر تشجيع عليها أن الكاتب والكاتبة ينتميان إلى بلدة واحدة هي السواحرة الغربية أو جبل المكبر، ويكنان أحدهما للآخر احترامًا وتقديرًا بالغين. والرسائل مكتوبة بلغة سلسة لا تعقيد فيها ولا غموض، وفيها تشويق للقارئ بالنظر إلى أنها تأخذ من فن السيرة الذاتية قسطًا، ومن أدب الرحلات قسطًا آخر، ومن السرد الأدبي القسط الأوفر، وهي، أي الرسائل، تحمل في طياتها دعوة صريحة إلى نبذ التعصب والتزمت والمغالاة في التمسك بالعادات البالية وبالتقاليد التي لم تعد مناسبة للعصر الذي نعيش فيه، وفيها كذلك دعوة إلى نبذ التخلف والانغلاق، وضرورة التعلم من تجارب الشعوب الأخرى واكتساب ما هو نافع مفيد وترك ما هو سلبي ضار من هذه التجارب، وفيها حثٌّ على احترام المرأة في مجتمع ما زال يمارس سطوة ضارية على حق المرأة في التعلم وفي المساواة وفي التعبير عن نفسها بحرية ومن دون إكراه. وبرغم التباعد الزمني بين رسالة وأخرى، هذا التباعد الذي بلغ أربع سنوات في إحدى المرات، فإن الكاتب والكاتبة اعتمدا مبدأ تجاهل الزمن والالتزام بالرد على الرسالة المرسلة كما لو أنها وصلت قبل أيام، ما أسهم في تجسير الفجوة الزمنية الواقعة بين رسالة وأخرى، وهو أمر يحسب لصالح الكتاب الذي ضم بين دفتيه هذه الرسائل التي تطرقت إلى قضايا كثيرة مما يهم مجتمعنا وناسنا الرازحين تحت الاحتلال. والسؤال: هل نحن بحاجة إلى أدب الرسائل والمراسلات؟ والجواب من دون تردد: نعم، نحن بحاجة إلى هذا الأدب الذي يحمل قدرًا من البوح والمكاشفة، وقدرًا من نقد سلبيات المجتمع للوصول إلى التغيير المنشود الذي لا يتم إلا عبر التزود بالثقافة التي لا بد منها لكل مجتمع طامح إلى التقدم والرقي والتحرر والانعتاق. تحية إلى الكاتب جميل السلحوت وإلى الكاتبة صباح بشير.**ورقة مقدمة إلى ندوة اليوم السابع المقدسية.
14-7-2022