بغضّ النّظر عن أهداف الأديب سليم بركات ممّا كتبه عن وجود ابنة للشّاعر محمود درويش من امرأة متزوّجة، إلا أنّ اللافت هو ردود الفعل الواسعة على ذلك الخبر بغضّ النّظر عن مدى صحّته أو عدمها. وبغضّ النّظر أيضا عن الموقف من نشر خصوصيّات الأصدقاء خصوصا بعد وفاتهم! إلا أنّ المرء يجد نفسه حائرا أمام من استلّوا أقلامهم “دفاعا” عن الشّاعر محمود درويش، ذلك الشّاعر الكونيّ العظيم، وكأنّ الرّجل ملاك بعيد عن البشر ومسلكيّاتهم وحيواتهم، وهذا التّفكير بحدّ ذاته إساءة للشّاعر الكبير وليس دفاعا عنه.
ولو عدنا إلى “تابوهات” ثقافتنا العربيّة لوقفنا على الأسباب الكامنة وراء هذه الضّجّة المفتعلة، والتي تلاقي ردودا غاضبة أكثر من صفقة نتنياهو ترامب، لتصفية القضية الفلسطينيّة، واستعباد الشّعوب العربيّة.
ومع الفارق الكبير في المقارنة، دعونا نستذكر رواية “آيات شيطانيّة” للكاتب الهندي المغمور سلمان رشدي، والذي أصبح من أشهر كتّاب العالم بعد أن استباح الإمام الخميني دمه، على تلك الرّواية دون أن يقرأها هو أو أحد المقربّين منه! ولاقت ردود فعل مستنكرة واسعة من أناس في غالبيّتهم لم يقرأوا الرّواية.
لكنّ ردود الفعل على مقالة سليم بركات وما يتعلق “بأبوّة محمود درويش المزعومة” اصطدمت بـ “تابو” الجنس والمرأة، لذا فقد انطلق “عفريت الكبت الجنسي” من قمقمه، ليشهّر بالشّاعر الرّاحل أكثر ممّا يدافع عنه. ولو تمّ إهمال الموضوع وعدم الكتابة عنه من باب “وإذا بليتم فاستتروا”، لكان أفضل من التّرويج له بهذه الغزارة التي لا مبرّر لها.
وهنا لا بدّ من التّساؤل حول عظمة محمود درويش كشاعر مجدّد وعملاق، فهل اكتسب هذه المكانة المرموقة على مستوى العالم بسبب شعره أم بسبب علاقاته النّسويّة “المخفيّة”؟ وهل لو لم يكن درويش عربيّا مسلما وأقام علاقات مع نساء على رؤوس الأشهاد سيجد من يتحدّث عن هذه العلاقات؟
ذات مرّة قرأت موضوعا عن سيرة أديب أمريكيّ لم أعد أذكر اسمه يفاخر به أنّه عاشر نساء بعدد أيّام حياته، وأنّه لم يعاشر امرأة مرّتين، فاعتبروه بطلا محبوبا من النّساء. وطبعا هذا دلالة على اختلاف الثّقافات والمعتقدات.
ذات مرّة خاطب محمود درويش النّقاد والكتّاب العرب الذين كانوا يشيدون بكتابا الفلسطينيّين بغضّ النّظر عن مستواها الفنّيّ، فقال درويش”ارحمونا من هذا الحبّ القاسي”! فمن يرحم الآن درويش نفسه من هذا الحبّ القاسي؟
13-6-2020