عند الانتهاء من قراءة رواية “الخاصرة الرخوة” للأديب المقدسي جميل السلحوت، والصادرة بداية العام 2020 عن مكتبة كل شيء في حيفا، انتابتني الكثير من المشاعر المتضاربة بين الحزن، الأسى، اليأس والفرح، وتساءلت حول كيفية معاملة مجتمعاتنا للنساء، ولا يعطيهن أدنى حقوقهن كحق المرأة في اختيار الزوج الذي يناسبها، وفي ثنايا الرواية نجد الرباعي الرهيب من العادات والتقاليد والفهم الخاطئ للدين والجهل مجتمعة معا، لتكبلّ حرية المرأة في الاختيار، ولتحدّ من قدراتها وتقهرها، وهذا ما لمسناه من خلال بطلة الرواية جمانة، التي تزوجت على غير إرادتها من أسامة الذي اعتبره والداها مناسبا جدا لها، وذلك لأنه حاصل على ماجستير في العلوم الدينية، ويعمل في السعودية. وهذا ما شجعهما للموافقة عليه زوجا لابنتهما. ما أزعجني بأن جمانة المتعلمة كانت تتوقع بأن هذا شاب ليس مناسبا البتة لها، ومع ذلك تزوجته من أجل رضا والديها. وخلال زواجها به عانت من عدم الاحترام والتقدير والإهانات المختلفة بدءا من ليلة الزفاف، ومنها تقبيل قدميه لإثبات أنها زوجة صالحة حسب نظره، استفزني هذا المشهد كثيرا، ولم أمنع نفسي من إطلاق موجة غضب وسخط عليه وعلى أمثاله، وغير ذلك تدخلات والدة أسامة المزعجة في حياتهما والتي جعلت من حياة جمانة جحيما مضاعفا، وممّا زاد الطين بلة سفرها مع زوجها إلى السعودية، حيث غدت هناك رهينة، وهناك مارس ساديّته عليها واضطهدها بشكل أكبر، فأسكنها في شقة غير صالحة لسكن الحيوانات، ومنعها من استخدام هاتف خاص بها، بالإضافة إلى عزلها عن العالم من خلال عدم وجود تلفاز أو مذياع أو صحيفة بحجة أن ذلك حراما ومضيعة للوقت، وبدلا من ذلك اقتنى لها كتبا دينية تتناسب وفكره التّكفيري، ولم يسمح لها بشراء الكتب مثل المؤلفات الدّينيّة التي لا تتوافق مع فكره التّكفيري، ومثل الروايات، المجموعات القصصية والدواوين الشعرية، بحجة أنها حرام ومبنية على الأكاذيب. والمحزن أن جمانة حملت وأنجبت دون مراجعة طبيب أو مشفى، ولم يساعدها في المخاض بعد معاناة سوى والدة أحد زملائه السعوديين الذي زاره في بيته صدفة. وبعد عودتها برفقة زوجها الى القدس طلبت الطلاق منه، لأنها لم تعد تحتمل ذلك الجحيم والاضطهاد والبخل الذي عانته، ولم تستمع لأيّ نصيحة للإستمرار في حياتها الزوجية. وبقيت مصرّة على الطلاق.
وفي قصة أخرى في الرواية هناك انتقاد لاذع للزواج المبكر، وهو جريمة يتركبها بعض الأهل بحق بناتهم القاصرات. فبطلة هذه الحكاية صبية صغيرة في السن اسمها عائشة، عانت الويلات بسبب جهل زوجها وذويه في العذريّة، فحولوا حياتها لجحيم وعاملوها معاملة الجواري.
وحكاية أخرى طرحت هنا قصة صابرين التي كانت ضحية لغبائها وظنها بأن حب ذلك الشاب الغني هو المنقذ لها من أهلها، والتي اعتبرتهم ” متخلفين ومنغلقين” لكنها لم تعلم بأن ذلك الشاب اللعوب أسوأ بكثير مما ظنته، فهو يجعل من النساء لعبة بين يديه بسبب نفوذه وماله الكثير، فبعد زواجها منه اكتشفت الكثير من شذوذه وانحرافاته، وتأكدت من ذلك بأمّ عينيها عندما وجدته يخونها في بيتها، ممّا أدى لاحقا الى طلاقها، لتعيش وحيدة برفقة ابنتها الرضيعة.
ومع زخم الحكايا التي يملؤها الظلم والصرخات والدموع تلك النساء اللواتي يعتبرن الخاصرة الرخوة في مجتمعنا الذكوري، والتي لخصها الكاتب بأسلوب بسيط سلس للقارئ لا ينقصه عنصر التشويق، وما يميز هذه الرواية سلاستها بالعرض ورتابتها في عرض القصص الثلاثة محلاة ومطعمة بالآيات القرأنية والأحاديث النبوية، وأقوال الأئمة والفقهاء، لدعم بعض مقولات الشخصيات، والتي كان يرنو الكاتب من ورائها إيصال رسالة مفادها أن الفهم الخاطئ لهذه الآيات يجلب لنا الكثير من المشاكل، ومنها الاضطهاد الذي تعرضت له جمانة من قبل زوجها أسامة.
يبقى أن نقول أننا أمام رواية واقعية تمثل واقعا أليما، عايشته تلك الفتيات واللواتي يحتجن للكثير من الدعم والمؤازرة كي يستمررن في الحياة.