لم يعد خافيا على أحد بأنّ هناك تواطؤا لأنظمة تحكم بلدانا عربيّة مع صفقة نتنياهو-ترامب، مقابل أن يبقوا على عروش نخرتها خيانات متراكمة. وها هو التّاريخ يعيد لنا ابن العلقمي-1197- 1258م- الذي خان المستعصم وتواطأ مع هولاكو لاحتلال بغداد عاصمة العبّاسيّين. تماما مثلما تواطؤوا من قبل مع جورج بوش الإبن في تدميره للعراق واحتلاله وقتل وتشريد شعبه في العام 2003.
ومعروف أنّ السّكوت على احتلال القدس عاصمة فلسطين لم يترك عصمة لأيّ عاصمة عربيّة، فقد جرى احتلال بيروت عام 1982، وجرى تدمير طرابلس الغرب ولا يزال منذ العام 2010، ودمشق منذ العام 2011، وقبل ذلك بسنوات تدمير الصومال وعاصمته مقديشو، ومنذ العام 2015 يجري تدمير العاصمة اليمنيّة صنعاء، ومسيرة التّدمير لا تزال قائمة دون الإتّعاظ من حكاية” أُكلت يوم أُكل الثّور الأبيض”.
لكنّ صفقة نتنياهو- ترامب أظهرت بوضوح أنّ قرون الخيانة لبعض العربان قد طالت وما عادت خافية على أحد. ونتائجها الكارثيّة لن تقتصر على الشّعب الفلسطيني وقضيّته العادلة، بل تتعدّاها بكثير في استهداف دول وشعوب المنطقة، وستستثمرها أمريكا وإسرائيل جيّدا في تدجين شعوب المنطقة كرقيق يخدمون مصلحة البلدين.
ومن الثمار العلقميّة لهذه الصّفقة، ما مهّدت له اسرائيل منذ سنوات وهو التّقسيم الزّماني للمسجد الأقصى، وتأتي الصّفقة لتعبيد الطريق أمام التّقسيم المكاني للمسجد العظيم قبلة المسلمين الأولى ومعراج خاتم النّبيّين صلى الله عليه وسلم، وأحد المساجد الثلاث التي تشدّ إليها الرّحال. وما يجري في باب الرّحمة ومنع المسلمين من الصّلاة فيه، والإقتحام اليوميّ للمسجد الأقصى وإقامة الصّلوات الكهنوتيّة فيه بشيء عفويّ، وإنّما هو تمهيد لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. ومثلما عمل نصيرالدين الطوسي وزيرا لهولاكو فستشهد المنطقة طوسيين كثيرين ليعملوا بدرجة أقلّ من وزير في خدمة أمريكا وإسرائيل. وسيظهر من يفتون بتقليل أهمّيّة المسجد الأقصى كجزء من العقيدة الإسلاميّة، وسيظهر من العلقميّين والطوسيّين من يجيزون الصّلاة بالعبريّة الفصحى في الأقصى أو في الهيكل المزعوم، فالسّقوط لا نهاية له إلا عندما يصل قعر الوادي. لكنّ التّفريط بالمسجد الأقصى سيقود حتما إلى التّفريط بصنويه الكعبة المشرّفة والمسجد النّبويّ الشّريف، تماما مثلما قاد احتلال بالقدس إلى احتلال وتدمير عواصم عربيّة أخرى.
وبما أنّ فلسطين الشّعب والوطن هي رأس الحربة في التّصدّي لهذه الهجمات، فهل يستعجل رأسا الإنشقاق المدمّر إعادة اللحمة بين أبناء الشّعب الواحد؟
وبما أنّ الإمبرياليّة العالميّة التي وصلت في تغوّلها الفاشيّ إلى أوجها في تجاهل ودوس حقوق الشّعوب، فإنّهم وتابعيهم من علقميي وطوسيّي المرحلة لا يتعلمون من التّاريخ، فإنّهم يجرّون المنطقة والعالم إلى دمار مؤكّد، لكنّ حتميّة التّاريخ تؤكّد أنّه إذا كان للباطل جولة فإنّ للحقّ جولات، ولن يكون مصيرهم أفضل من مصير هولاكو وابن العلقمي والطوسي وهو مزابل التّاريخ.
27-1-2020