رواية الخاصرة الرخوة للاديب الكبير جميل السلحوت الصادرة مؤخرا عن مكتبة كل شيء الحيفاوية رواية معبرة هادفة بأسلوب سردي سهل مشوق، يشدّ القارئ منذ بداية الرواية، فلا يتركها حتى ينهيها لتأثره بأحداثها، فيعيش مع شخوصها لحظة بلحظة.
فهذه الرواية تسلط الضوء على مشاكل المرأة والرجل في مجتمع ذكوري ظالم للمرأة. ويقف بجانب المرأة ويسرد معاناتها وتمردها على القيود والتقاليد، ممّا يدل أنه مطلع على مثل هذه المشاكل، ممكن من دوره العشائري في مشاكل المجتمع. فينقل صورة حقيقية عن معاناة المرأة؛ ليقول أن المرأة هي خاصرة المجتمع الرخوة وذلك في ثلاث قصص مختلفة، ولكن نتائجها الثلاثة هي الطلاق لكل واحدة منهن.، ونتاج كل زواج طفل أو طفلة لا ذنب لهم في هذه الحياة الدنيا، ولكنه مجتمع ظالم لا يرحم.
القصة الأولى قصة جمانة الفتاة الجميلة المتعلمة المثقفة، التي تقرأ لكتاب عالميين وتتأثر بكتاباتهم عدا عن ثقافتها الدينية غير المتزمتة.
والدها دوره إيجابي، فهو لا يريد تزويج بناته إلا بعد إنهاء دراستهن الجامعية،. وأمّها التي حاولت اقناعها بالزواج من أسامة فاستسلمت، وبدأت المشاكل منذ فترة الخطوبة. فأسامة الجامعي المتأثر ببعض رجال الدين المتعصبين دينيا، وبأمّه المتسلطة الظالمة المتفاخرة بنفسها. ووالده الذي لا حول له ولا قوة.
فيفرض شروطه القاسية الظالمة على جمانة، ويمنعها من الاحتفال بالخطبة والزواج، وأمّه بدورها تحاصرها بكل قسوة، حتى أن غرفة نومها أسكنت فيها أختها المريضة، وأخذت منها زجاجة العطر التي أحضرها هدية لها، وطردت أمّها ليلة الدخلة، حتى فشل أسامة ليلة الدخلة عزتها إلى تمنّعها.
وعندما أخذها إلى مكان عمله في السعودية، أسكنها في بيت غير لائق للسكن، بيت موحش في مكان بعيد وسط جيران غرباء، ومنعها من الخروج ومن قراءة أيّ شيء سوى القرآن، ومنعها من الاتصال بأهلها إلا من تلفونه الخاص، ومنعها من ولادة ابنها في المستشفى، أو الاحتفال بمولده، فتعاني من كبت مشاعرها وتبكي وتنتحب وتفكر بالإنتحار.
وتخفي ذلك عن أهلها حين تتصل بهم من تلفون زوجها لئلا تحزن والدها الحنون. ولكن النتيجة كانت الإصرار على الطلاق حين عادت إلى بلدها، وتمّ الطلاق.
والقصة الثانية هي قصة صابرين ابنة عمّ أسامة التي كانت تلبس الحجاب وخلعته وانطلقت وراء شهواتها وأطماعها حين تعرفت على يونس الذهبي الغني،وحملت منه سفاحا، وهو إنسان متهور أفسده المال وعاش وراء نزواته. ودور أمّهاها بحثها على الإسراع في الزواج؛ لتلاشي الفضيحة، ولكن هذا الزوج المتهور لا يحترم الزواج، ويقيم علاقات خارج الزواج، فينتهي هذا الزواج بالطلاق وبطفل أيضا.
والقصة الثالثة قصة عائشة ذات الخمسة عشر ربيعا، وزياد الجاهل الذي لايعرف شيئا عن غشاء البكارة المطاطي، فيتهم هو وأهله هذه الزوجة الصغيرة في عفتها وشرفها لعدم نزول الدم ليلة الدخلة، ويتهمون أمّها بالفشل في تربيتها، ويعاملونها بقسوة ويذلونها،وتطلق بعد ثلاثة أشهر خوفا من الفضيحة، ويرفض أبوها أخذها إلى الطبيب خوفا من الفضيحة، ثم يزوجونها من فارس ابن الحاج مسعود الغريب عن ديارهم، وتكتشف براءتها حين ولادتها لابنتها حين طلبت الممرضة منهم الموافقة على استعمال المشرط، لتسهيل عملية الولادة بسبب الغشاء المطاطي، وتفهمهم ذلك وتزغرد الأمّ فرحا ببراءة ابنتها، وتولد الطفلة.
ضمّن الكاتب روايته أمثالا شعبية فلسطينية على لسان شخوص الرواية، واستشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وأقوال فقهاء وأئمّة.
هذه الرواية وجميع روايات كاتبنا الكبير تدل على مدى مخزونه المعرفي وثقافته العالية، واطلاعه الكبير على المجتمع الفلسطيني والمجتمعات المحيطة، حيث ذكر أماكن تحرك شخوص روايته في داخل الوطن وفي الخارج ، ورسم لوحة فنية رائعة لطبقات المجتمع، فمنهم غني وفقير وجاهل ومتعلم، وعن ثقافة الجهل عند بعض طبقات المجتمع خاصة في اضطهاد المرأة ومعاملتها بقسوة وقمعها وقهرها، وكأنها تابعة للرجل وليس شريكة له، وانعدام المودة والرحمة والسكينة في قلب الرجل الذي كل همه أن يتشبث بآرائه، وأنه دائما على حق، لتبقى المرأة الخاصرة الرخوة للمجتمع.