عندما اعتلى باراك حسين اوباما كرسي البيت الابيض في شهر كانون الثاني2009 بعد ان ادى اليمين الدستورية، علت الفرحة والبهجة وجوه الملايين في دول العالم الثالث، هذه الفرحة التي فاقت فرحتهم بفوزه في انتخابات الرئاسة الامريكية في شهر تشرين الثاني الماضي، وللفرحة اسبابها ومنها: السياسة العمياء للرئيس السابق جورج دبليو بوش التي بدأها بعد عام من استلامه السلطة بتدمير واحتلال افغانستان، واختتمها بالدعم اللامحدود لاسرائيل في حربها التدميرية الاخيرة على قطاع غزة، مرورا بتدمير واحتلال العراق، واثارة الفتن والقلاقل والحروب الاهلية في السودان والصومال والجزائر وغيرها،واعلان حرب مفتوحة على الاسلام والمسلمين، وما نتج عن هذه السياسة العمياء من ازمة العقار الامريكية التي الحقت اضرارا كبيرة بالاقتصاد الامريكي بل بالاقتصاد العالمي، ولا تزال اثار كل ذلك موجودة حتى ايامنا هذه وربما ستستمر لسنوات قادمة .
غير ان فرحة شعوب دولة العالم الثالث بفوز باراك حسين اوباما بالرئاسة الأمريكية تكمن في سبب رئيس لم يتطرق له الباحثون والمراقبون، وهو لون بشرة اوباما السوداء، فهذه الشعوب ذاقت الويلات من سياسة البيض الذين حكموا في امريكا ولا يزالون يحكمون في اوروبا، هذه السياسة التي اخضعت غالبية شعوب اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية لاستعمار مباشر، ولحروب حصدت ارواح مئات الملايين منهم. ولم تستثن الأمريكيين الأصليين -مواطني امريكا شمالها وجنوبها الأصليين- وهم ما يطلق عليهم ” الهنود الحمر ” حيث تعرضوا لحروب ابادة قضت على عشرات الملايين منهم، وبجبروت الرجل الأبيض اصبحوا اقلية في موطنهم الأصلي، واصبحت السيادة للغزاة البيض، فهل كانت فرحة شعوب دول العالم الثالث في مكانها الصحيح؟؟ وهل سيجلب لهم الرئيس الجديد أسود البشرة الخير والنعيم والسلامة والطمأنينة؟؟
وفي الواقع فإنه يجب ان لا يغيب عن البال ولو لحظة واحدة ان باراك حسين اوباما الذي ينحدر من أصول افريقية ومن كينيا تحديدا، هو رئيس الولايات المتحدة الامريكية، وقد وصل الى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع التي أغلب المصوتين فيها هم من البيض .
وقد كان الخوف كبيرا في احتمالية عدم نجاحه من منظار سياسة التمييز العنصري غير ان الناخب الامريكي أسقط كل هذه المخاوف، واختار رجلا أسود البشرة ليكون رئيسه ورئيس دولته التي هي الدولة الأعظم في العالم، وبالتالي فإنه سينفذ السياسة التي تخدم مصالح دولته وشعبه. ومعلوم ان الولايات المتحدة الامريكية دولة قانون تحكمها المؤسسات، وما الرئيس الا بمثابة الواجهة العلنية لهذه المؤسسات، مع الأخذ بعين الاعتبار دور الرئيس كشخص له هامش في حرية الحركة والتحرك والتحريك، ومع التأكيد انه لا يستطيع تنفيذ سياسات ذات شأن دون العودة الى الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ .
ويبدو واضحا ان الرئيس اوباما لديه وعي شخصي كاف بمشاكل دول وشعوب العالم الثالث، خصوصا دول وشعوب الشرق الاوسط، يسانده في ذلك ان المؤسسة الحاكمة في امريكا قد وصلت الى قناعات بضرورة انهاء الصراع العربي الاسرائيلي بعد دراسات معمقة قامت بها لجان امريكية متخصصة، توصلت من خلالها الى ان هذا الصراع يشكل بؤرة توتر وصراع عالمي، وان الخروج من مستنقعي الحروب في العراق وافغانستان، وانهاء الملف النووي الايراني سيكون سهلا في حالة انهاء الصراع العربي الاسرائيلي، غير ان هذا الصراع يصطدم بالمشروع الصهيوني طويل المدى والقائم على التوسع والاحتلال، وغير المستعد لمتطلبات السلام العادل والدائم، من هنا فإن قادة اسرائيل يرفضون اقتراحات الادارة الامريكية الجديدة بالوقف الكامل للبناء الاستيطاني، وهم يجندون اللوبي اليهودي في امريكا من اجل الضغط على اوباما وادارته للتخلي عن هذا الاقتراح، وهم في نفس الوقت يواصلون مصادرة الاراضي الفلسطينية ويواصلون البناء الاستيطاني، بل وزادوا على ذلك اخلاء بيوت عربية بالقدس من مالكيها الفلسطينيين واحلال مستوطنين يهود مكانهم، وبالرغم من ان الرئيس اوباما يعلن في كل مناسبة التزام امريكا بأمن اسرائيل، وتأكيده على الصداقة بل والشراكة الامريكية الاسرائيلية، الا ان ذلك لا يشكل عند قادتها بديلا عن سياسة التوسع الاسرائيلية.
ومن الجانب الآخر فإن الضغط يزداد على الدول العربية من اجل تطبيع العلاقات كبادرة(حسن نوايا) مع اسرائيل لتشجيعها على التفاوض، ويبدو ان بعض الدول العربية استجابت لهذه الضغوط، وهذا هو البند الوحيد من المبادرة العربية المقبول اسرائيليا، فهل ستطبع بقية الدول العربية علاقاتها مع اسرائيل اعتمادا على حسن النوايا الامريكية الداعية الى انهاء الصراع؟
وهل يضغط القادة العرب من اجل اخراج المبادرة العربية الى حيز التنفيذ؟وهل سيضغط الرئيس اوباما على اسرائيل لتنفيذ رؤاه السياسية للحل،أم أنه سيتراجع امام ضغط اللوبي اليهودي؟.
وهذه امور ستؤكدها أو تنفيها الاشهر القادمة، مع الملاحظة بأن بوادر التغيير في السياسة الامريكية لم يصاحبه تغيير في السياسة العربية، تماما مثلما لم يصاحبه أيّ تغيير في السياسة الاسرائيلية، ولتبقى المصالح العربية في مهب الريح، تدعمها سياسة الشجب والاستنكار اعلاميا،وليبقى الاحتلال الاسرائيلي،ولتتواصل السياسة الاستيطانية.
14-8-2009