ما نشر في اليومين الماضيين حول بنود ما يسمّى صفقة القرن التي يحاول الرّئيس الأمريكيّ رونالد ترامب فرضها ببلطجة القوّة، ليس أمرا عفويّا، أو تسريبا من موظّف في الخارجيّة الإسرائيليّة، بمقدار ما هو نشر متعمّد لمعرفة ردود الفعل على بعض بنودها قبل الإعلان عنها رسميّا، لكنّه بالتّأكيد أنّ إعداد الصّفقة يتمّ إسرائيليّا حسب رؤية وأحلام نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، وسيقتصر فيها دور ترامب على إعلانها رسميّا باسمه واسم إدارته الأمريكيّة المتصهينة والمستجيبة لأطماع نتنياهو أكثر من استجابتها لمصالح أمريكا نفسها، لكنّهما “ترامب ونتنياهو” بالتّأكيد سيجلبان الكوارث لشعوب المنطقة ودولها وفي مقدّمتهم اسرائيل وشعبها؛ لأنّ سياسة القوّة التي لا تراعي حقوق الشّعوب لم تجلب السّلام العادل والدّائم يوما عبر التّاريخ.
وما يرشح من أخبار حول ما يسمّى “صفقة القرن” تتجاهل بشكل كبير الشّعب الفلسطينيّ وحقوقه المشروعة والثّابتة في وطنه التّاريخيّ.
لكنّ المريب في كلّ ما يشاع حول هذا الموضوع هو الصّمت العربيّ الرّسميّ المريب، خصوصا موقف غالبيّة دول الخليج العربيّ التي يتكرّر ذكرها كلاعب لقيط في تطبيق هذه الصّفقة من خلال تمويل مستحقّاتها الماليّة، كأمر مفروغ منه تلبية للإملاءات الأمريكيّة غير القابلة للنّقاش. ومن هنا يمكن فهم الضّغوطات الاقتصاديّة المفروضة على السّلطة الفلسطينيّة والأردنّ الشّقيق؛ لإجبارهما على القبول بما يطرح عليهما من شروط لا تلبّي الحدّ الأدنى من حقوق شعبيهما الشّقيقين. وما يجري من استمرار استهداف سوريّا دولة وشعبا ونظاما ليس بعيدا عمّا يجري.
والأكثر خطورة فيما يجري، وما يشاع من أخبار حول المشروع الأمريكيّ، أنّه يبرّئ الامبرياليّة العالميّة والمشروع الصّهيونيّ من الخطايا التي ارتكبت بحقّ الشّعب الفلسطينيّ، ويحمّل مسؤوليّته للعالم العربيّ، وهذا سيترتّب عليه لاحقا دفع تعويضات ماليّة هائلة لإسرائيل عن الخسائر التي لحقت بها في الصّراع الشّرق أوسطيّ. لكن ما يغيب عن ترامب ونتنياهو ومن خلفهم كنوزهم الاستراتيجيّة في المنطقة العربيّة، أو هم بالتّأكيد يعلمونه ويتغاضون عنه، أنّهم سيدخلون المنطقة في جحيم صراع متجدّد لن ينجو من لهيبه أحد من دول وشعوب المنطقة، بل إنّه سيهدّد السّلم العالميّ. ولا يمكن تصوّر دولة “فلسطين الجديدة” متقطّعة الأوصال بالمستوطنات، وتحت مظلّة احتلال مستمرّ بمسمّيات جديدة مشوّهة، وعلى مساحة تقلّ عن 15% من فلسطين التّاريخيّة، فاللقيط يبقى لقيطا، مهما كانت حاضنته.
8-5-2019