خطاب رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو مساء الأحد 14-6- 2009 في جامعة بار ايلان لم يفاجىء أحداً من الذين يتابعون سياسة الرجل، فقد طرح ما جاء في خطابه منذ أوائل تسعينات القرن الماضي في كتابه ( Place Between Nations ) والذي تُرجم الى العربية تحت عنوان (مكان تحت الشمس) فغلاة الفكر الصهيوني ومنهم نتنياهو يعطون أولوية اهتمامهم للتوسع، ويرون أن أي دولة عربية تريد السلام مع اسرائيل، فإن عليها أن تعترف بحق اسرائيل في التوسع، وسيكون الفضل لاسرائيل اذا ما أقامت علاقات معها، وقضية الانسحاب من الأراضي المحتلة ليست واردة عند نتنياهو،ولا عند غيره من حكام اسرائيل، ومن هنا وبعد كل اشتراطاته ولاءاته التي وردت في خطابه، فإنه قال وبكل ثقة بأنه على استعداد للسفر الى أيّ عاصمة عربية للقاء القادة العرب، وإقامة سلام اقتصادي معهم، أو كما جاء في كتابه آنف الذكر، أن سوريا ستستفيد من السلام مع اسرائيل دون انسحاب الأخيرة من الجولان، لأنها ستساعد سوريا في حلّ مشكلة المياه وتطوير الزراعة، وأنه اذا ما اجتمعت الأيدي العاملة العربية الرخيصة مع (الانتلجنسيا ) الاسرائيلية فإن الشرق الأوسط سيصبح جنّة، والفاحص لجنّة نتنياهو التي يعد بها العرب فإنها لن تخرجهم من دائرة ( الحطابين والسقائين ) .
واذا ما حمل خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة يوم الرابع من حزيران الحالي بوادر تغيير في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ، أملتها المصالح الأمريكية، وفتحت بصيصاً من أمل امكانية احلال السلام في هذه المنطقة التي أرهقتها الحروب والنزاعات، فإن خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان يؤكد من جديد أن اسرائيل الرسمية غير مستعدة للسلام.
ونتنياهو الذي اشترط اعتراف الفلسطينيين والعرب بيهودية الدولة العبرية مقابل اعترافه بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولا سلطة لها على حدودها البرية والجوية والمائية، بل لا سلطة لها على أراضيها التي ستبقى نهباً للاستيطان، ولا على مواردها الطبيعية، وهذا يعني أن أقصى ما توافق عليه اسرائيل هو ادارة مدنية فلسطينية على السكان وليس على الأرض . وأن هذه الادارة المدنية لن تشمل القدس العربية المحتلة، وأن حلّ مشكلة اللاجئين هو خارج حدود دولة اسرائيل، مع التذكير بأن لا أحد يعرف حدود دولة اسرائيل ، لأنها الدولة الوحيدة في العالم التي لا ينص دستورها على حدودها، لأن الحدود الحقيقية لاسرائيل هي الحدود التي يستطيع الجيش الاسرائيلي أن يصل اليها محتلاً، وهي قابلة للتغيير من خلال التوسع الأكثر .
واذا كانت المصالح الأمريكية هي التي أملت على الادارة الأمريكية أن تعيد النظر في سياساتها في المنطقة، فإن الضعف العربي الرسمي هو الذي شجع نتنياهو أن يتمسك برؤاه القديمة الجديدة والتي طرحها في خطابه الاخير.غير أن الادارة الامريكية لن تخرج الأفكار التي طرحها أوباما في خطابه في القاهرة الى ارض الواقع ما لم تغير الأنظمة العربية من سياساتها، وما لم تستعمل ضغوطها وأسلحتها الاقتصادية من أجل الوصول الى السلام العادل والدائم في المنطقة، فالادارات الأمريكية السابقة ارتأت مصلحة أمريكا في المنطقة من خلال اسرائيل قوية ، وفي ظل خنوع عربي رسمي يصل الى درجة العبودية .
وهذه المعادلة البائسة ومن خلال الثقة ( بشجاعة الرئيس العربي جورج دبليو بوش وحبّه للسلام ) فإن عداءه لشعوب المنطقة وصل به الى درجة احتلال وتدمير العراق، واحتلال أفغانستان، واشعال اقتتال داخلي في السودان والصومال والجزائر وغيرها، وكل ذلك جاء بعد سيطرته على منابع البترول العربي، وبعد أن أقام قواعد عسكرية في أكثر من بلد عربي، وبعد أن فُتحت غالبية الموانىء العربية والممرات المائية العربية لأساطيله العسكرية والتجارية.
وعندما بدأ الرأي العام في أوروبا وأمريكا يتجه باتجاه انهاء الصراع العربي الاسرائيلي وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره، واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، جاء خطاب أوباما في القاهرة وتأكديه على وقف الاستيطان، وعلى اقامة الدولة الفلسطينية، لكن اسرائيل التي عوملت منذ نشأتها في أيار 1948 ولا تزال كدولة فوق القانون الدولي، ردّت على لسان رئيس وزرائها نتنياهو لتنسف كل ما جاء في خطاب أوباما، ولتؤكد من جديد على سياساتها التوسعية والعدوانية،ولم يتوان البيت الأبيض من الاعلان على لسان الرئيس اوباما بأنه يرى في خطاب نتنياهو خطوة الى الأمام .
واذا كانت أمريكا على عتبات التغيير في سياستها الشرق أوسطية، فإن اسرائيل غير جاهزة وغير مستعدة لتغيير سياساتها القائمة على الاحتلال والتوسع، فهل الأنظمة العربية جاهزة للتغيير في التعامل مع أمريكا وأوروبا لتحقيق السلام، أم أنها ستبقى على نفس السياسة، ونفس الايمان بأن الحلّ السحري سيأتي على أيدي أمريكا ونحن مكتوفي الأيدي والأرجل ومسجوني الارادة ؟ فإذا ما بقينا (قاعدين) كما نحن دون تغيير، فإن قادة اسرائيل لم ولن يغيروا سياساتهم التوسعية، كما أن أمريكا لن تغير هي الأخرى من انحيازها الكامل لاسرائيل، لأن أحداً لا يطلب منها ذلك و”لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” .