تحرير عشرين أسيرة فلسطينية من قيود السجن والسجان أمر مفرح جدا، مع اننا نصلي لله صباح مساء ان يتم تحرير الأسيرات والأسرى جميعهم، واذا كانت الحرية حقا لكل انسان وحتى لكل الكائنات الحية. فإن المرء لا يملك الا ان يُقدر السياسة الاسرائيلية في الاصرار على اطلاق الأسرى اليهود الاسرائيليين، والبحث عن رفات جنودها المفقودين في ساحات الحروب، وما يثيرونه من ضجة اعلامية ونشاط سياسي في هذا الشأن، حتى ان العالم اجمع سمع بقضية الأسير الاسرائيلي جلعاد شاليط، وحتى ان المرء يحسب انه لا أسرى ولا سجون في الشرق الاوسط الا جلعاد شاليط .
وفي نفس الوقت من حق المواطن الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام أن يتساءل عن مدى اهتمام القيادات العربية بالأسرى العرب في السجون الاسرائيلية، وكم قائدا عربيا تحدث مع اقرانه من قادة الدول الاخرى بضرورة اطلاق الأسرى في السجون الاسرائيلية، ومن ضمنهم رعايا دول عربية تربطها اتفاقات سلام مع اسرائيل؟ وكم قائدا عربيا طالب باسترجاع جثامين الشهداء العرب المحجوزين في مقابر الأرقام والثلاجات الاسرائيلية؟
وبما ان اسرائيل تصر على استعادتها للجندي الأسير جلعاد شاليط ، وهذا من حقها وحقه، الا ان الانسان لا يستطيع فهم معارضة اسرائيل لاطلاق سراح أسرى فلسطينيين من القدس الشرقية المحتلة، ومن داخل الاراضي التي تقوم عليها دولة اسرائيل، فالقدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الاراضي العربية المحتلة في حرب حزيران 1967، ولا توجد دولة في العالم تعترف بضم اسرائيل لها، وهذا ما تؤكده قرارات مجلس الامن الدولي والجمعية العامة للاممم المتحدة، والمقدسيون الفلسطينيون جزء من رعايا الدولة الفلسطينية العتيدة بعاصمتها القدس الشريف . وهذا ما اقرت به اسرائيل في اتفاقات أوسلو عندما اتفقت على اشراك المقدسييين الفلسطينيين في الانتخاب والترشيح لرئاسة السلطة الفلسطينية، وللمجلس التشريعي الفلسطيني، والفلسطينيون المقيمون على تراب وطنهم داخل اسرائيل، هم عرب فلسطينيو الانتماء، بعضهم انتمى لفصائل فلسطينية وقاتل اسرائيل واستشهد، وبعضهم وقع في الأسر، ومن حق هؤلاء الأسرى ان تشملهم عمليات التبادل .
لكن المثير للضحك بمرارة هو التعنت الاسرائيلي في اطلاق سراح الأسرى التي تطلق عليهم اسرائيل(الملطخة ايديهم بدماء يهودية)، فهل الدم اليهودي أغلى وأكثر قداسة من دماء غير اليهود؟؟ هذه المقولة تفوح منها رائحة العنصرية الكريهة، واذا لم يكن الأمر كذلك، فإن اليهود والاسرائيليين وفي مختلف المناصب وفي غالبيتهم يسبحون في بحر من الدماء العربية.
وبما ان قضية اطلاق سراح الأسرى قضية انسانية أخلاقية فإنه يجب عدم التمييز بين أسير وأسير بناء على الجنس أو اللون أو الدين، واذا كان من حق الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط ان ينعم بالحرية، وان يعود الى احضان أسرته مع انه لم يمض على أسره سوى ما يقارب السنوات الثلاث، فإن من حق الأسيرات والأسرى العرب بدون استثناء ان ينعموا هم ايضا بالحرية، وان يعودوا الى احضان عائلاتهم ، خصوصا وان الآلاف منهم قضوا في الأسر اضعاف ما قضاه جلعاد شاليط .
فمثلما تفتقد أسرة الجندي الاسرائيلي ابنها الأسير ، فإن الأُسَر العربية ايضا تحب بناتها وأبناءها بنفس المقدار، وتعاني نفس المعاناة ان لم تكن اكثر، وما الاحتفاظ بالأسرى ، والتنكيل بهم الا بمثابة زيادة لنار العداء والكراهية والأحقاد في المنطقة،
وبما ان طبيعة الحروب فيها منتصر ومهزوم، بناء على القوة والضعف، فإن الحروب في مختلف دول العالم شهدت تبادلا للأسرى بغض النظر عن عدد الأسرى من كلا الطرفين المتحاربين، فقد تبادلت دول عشرات آلاف الأسرى بعشرات أو مئات الجنود من الطرف الاخر، وهذه قوانين الحروب وأخلاقياتها منذ بدء التاريخ وحتى ايامنا هذه، لكن اسرائيل التي تتجاوز القانون والاعراف الدولية في كافة المجلالات، تتجاوز ايضا قوانين وقواعد التعامل مع الأسرى ايضا، معتمدة بذلك على قوتها العسكرية التي يقابلها الضعف العربي، فإذا كانت اسرائيل تحارب العرب كي تستمر في احتلالها لاراضيهم، فإن من يقاتلونها منهم يحاربونها لتحرير ارضهم، وبالتالي فإن قوانين أسرى الحرب تنطبق عليهم، ولا فرق بين أسير وأسير ، فالانسان هو الانسان،بغض النظر عن جنسع أو لونه أو دينه.
2-10-2009