رواية نسيم الشوق في اليوم السابع
القدس: 19-4-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية نسيم الشوق للأديب المقدسي جميل السلحوت، صدرت الرواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنان التشكيلي محمد نصرالله عام 2018 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، وتقع في 272 صفحة من الحجم المتوسط، وقام بمنتجتها واخراجها شربل الياس.
افتتحت اللقاء مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:
“نسيم الشوق” يهب رقيقا.. يبشّر بغيثٍ آت
لم تأت فكرة رواية “نسيم الشوق” للأديب جميل السّلحوت من فراغ، فكما عودنا دوما، يغوص في أعماق مجتمعه الفلسطيني ليلتقط قضاياه، يعيد إنتاجها من جديد بأسلوبه.. متجنبا التنظير والشعارات، يبثها عبر أعماله الأدبية في قالب مشوق جميل، يلقي ضوءا ساطعا عليها؛ ليراها القارىء بعيون الكاتب.
ظاهرة الزواج المختلط، الزواج من شريك يعتنق ديانة مختلفة، هي ظاهرة موجودة في مجتمعنا الفلسطيني العربي، على الرغم من أنها لا زالت غير مقبولة على المستوى الاجتماعي قبل المستوى الديني، إذ يبدو أنّ مفهوم ” العيب” يغلب مفهوم ” الحرام” في بعض الأحيان، فلماذا يتقبل المجتمع زوجة الابن الأجنبية التي عاد ابنهم معها من بلاد الغربة إلى الوطن، وقد تكون مسيحية أو حتى بوذية؟ ولا اعتراض على ذلك بعكس ابنة البلد التي تجد اللاءات أمامها تشكل عائقا يقف في طريق سعادتها وسعادة شريكها؟
لم تحرّم الديانات الارتباط بشريك يعتنق ديانة أخرى، ولكنها وضعت شروطا لتنظيم العلاقة، لا أكثر ولا أقل، إلا أن المجتمع وضع هذه الظاهرة في مربع “العيب”، وفق عاداته وتقاليده، مما جعلها غير مقبولة، وتم استغلالها أداة لزرع الفتن وإراقة الدّماء، ونسوا أن الفتنة أشدّ من القتل.
وكما عوّدنا السلحوت أيضا، فلا بد من اصطحاب القارىء في جولات ورحلات في ربوع بلادنا الجميلة المغتصبة، للتعريف بجمالية فلسطين الخلابة، فكان يستغل كل فرصة ممكنة للحديث عن تاريخ وجغرافية وأصالة وجماليّة المكان.
لم يفوّت الكاتب فرصة إبراز قضية أسرى الحرّية، المعتقلين في سجون الإحتلال الاسرائيلي، بل اتخذها قاعدة انطلقت منها روايته بقوة، مرّر من خلالها رسائل عديدة هامة لها علاقة بظروف الأسرى ونفسياتهم، وضرورة إعادة تأهيلهم بعد تحريرهم من المعتقلات. ابتدأت روايته بمشهد خروج البطل من المعتقل، إذ أن ” سهيل المحمود” أمضى عامين كاملين في سجن شطّة غربي مدينة بيسان، وسهيل ذاته الذي قرر العودة إلى مقاعد الدراسة، التقى زميلة له في الدراسة في معهد بيرزيت اسمها “ناريمان جريس” تعتنق الديانة المسيحية، فأحبها.. بعد أن وجد فيها الصفات التي يحلم بها، فهي الأصيلة الوطنية القائدة والجميلة أيضا، لم يجد في اعتناقها الديانة المسيحية أيّ مشكلة في الإرتباط بها.
كان ربطا موفّقا من الكاتب، قائدان وطنيان، هو يعتنق الدّيانة الإسلاميّة ، وهي تعتنق الدّيانة المسيحيّة، يقفان معا ضد الاحتلال وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، يصرّان على أن يجمعهما رباط الزوجية المقدس؛ ليكملا مشوارهما في ظل عش الزّوجيّة، يكونان أسرة جميلة مبنية على المحبة وتقبل الآخر دون عقد خلّفتها العادات والتقاليد الاجتماعية، التي تسيطر على حياة ومفاهيم المجتمع، هما على قناعة تامة بأنهما قادران على التصدي لهذه التقاليد والعادات البالية.
لاحظت مدى تعمق الكاتب في بناء الشخوص، كان موفقا جدا في وصف تناقضات مشاعر مديحة، التي دفعتها كرامتها للإعلان أمام الملأ بأن سهيل لا يعني لها سوى أخ، ولن تقبل الارتباط به أبدا، وعندما اختلت بنفسها، لم تدري أتلوم نفسها على هذا الموقف؟ فقد تكون تسرعت.. هل كان موقفا سليما؟ كان مونولوجا موفق جدا. لم تنم تلك الليلة وهي تتقلب في فراشها، كذلك عندما ذهبت إلى المدرسة، كان مزاجها مشوشا، لم تستطع إعطاء الحصة الدراسية للطالبات، شعرت بوعكة صحية.. فالحالة السيكولوجية تنعكس بشكل مباشر على الحالة الفسيولوجية، بعدها وجدت ضالتها بالأستاذ سامي متري الذي أنقذها من الغرق. وهو مسيحي أيضا، ولكن الفراغ العاطفي جعلها تفكر به، خاصة وأنها وجدت أرضا خصبة لذلك، أما ما لم أقتنع به هو سرعة اعتناق سامي للديانة الاسلامية، حتى قبل أن يأخذ الموافقة الصريحة من مديحة بأنها ترضى به عريسا بعد إسلامه! فلم يكن بينهما قصّة حب وعشق كبيرة تدفعه للتّخلي عن ديانته للزّواج منها بهذه السّهولة.
أمّا موقف أسرته الرّافضة فكان موفقا جدا.
وكذلك تحطيم زجاج سيارات والد ناريمان، وإشارة صليب مرسومة على مقدمتها، بعد موافقته على زواج ابنته من سهيل (المسلم). وقد مرّر الكاتب رسالة بأن هناك أيادي تلعب في الخفاء لإشعال الفتنة، كان ربط هذه الظاهرة بزرع وإثارة الفتن لفتة ذكيّة من الكاتب.
في الختام، رواية “نسيم الشّوق” حقّا بمثابة النّسيم العليل الرّقيق الذي يبشّر القارىء بغيثٍ آت، فالأمل يبقى دوما الشعلة التي تبقي على حياتنا، والتفاؤل يبقى البوصلة الذي يدلنا على الطريق الصحيح لمسيرة أفضل، فلنختر طريقنا وفق قناعاتنا، فالسعادة قرار، والإصرار قرار، والمبادرة قرار . فإن لم يتخذ المرء قرارا.. يكون قد اتخذ قرارا بعدم اتخاذه القرار.
وقال سامي قرّة:
لا تقل الحرية من المعتقدات والتقاليد الاجتماعية أهمية عن الحرية من الظلم والاحتلال. هذه هي في نظري الرسالة التي ينقلها لنا الأديب المقدسي جميل السلحوت في روايته الجديدة نسيم الشوق الصادرة عن مكتبة كل شيء الحيفاوية عام 2018، ويحمل غلافها الأول لوحة للفنان التشكيلي محمد نصرالله. فإطلاق سراح سهيل الشخصية الرئيسية في الرواية من سجن شطّة هو إشارة رمزية للحرية الاجتماعية والفردية التي يسعى سهيل إلى تحقيقها في حياته. وكما أن “السجن قتلٌ لإنسانية الإنسان” (ص 38)، في كثير من الأحيان وخاصة في مجتمعنا العربي تكون الموروثات الثقافية والاجتماعية والدينية قتلا للحرية الفردية ولحرية المعتقد ولحرية اتخاذ القرار.
تتطرق رواية نسيم الشوق إلى مواضيع عدة هامة، لكنني في هذه المقالة سأتحدث عن ثلاثة مواضيع رئيسية هي الهوية الدينية، والزواج المختلط أو الزواج بين أتباع الديانات المختلفة، وانعدام المساواة بين الجنسين.
الهوية الدينية
لا أحد يختار دينه، فالدين الذي نؤمن به هو أحد الموروثات الثقافية التي تلد معنا لحظة ولادتنا. فعندما نعرّف أنفسنا كوننا مسلمين أو مسيحيين فنحن نجاهر بمعتقد فُرض علينا، ولم نختره بحرية الإرادة. غير أنه من وجهة نظري الإيمان بدين معيّن أو أي معتقد آخر ينبغي أن يكون نتيجة تجارب حياتية يخوضها الإنسان في محاولة منه إعطاء معنى لحياته، واكتشاف حقيقة وجوده. وهذا ما تدعو إليه شخصية سامي متري الذي اتخذ خطوة جريئة وقرّر أن يعتنق الإسلام على الرغم من أنه وُلد مسيحيا وورث المسيحية عن أبيه وأمه. ولم يُعلن سامي إسلامه شكليا أو لتحقيق مصلحة شخصية بل أعلنه “مقتنعا بذلك، وبعد تفكير طويل” (214). إضافة إلى ذلك، يعتبر سامي أن إيمانه بالإسلام قضية شخصية، ولا يحق لأحد التدخل فيها. عندما يسأله القاضي الشرعي ما إذا كان والداه يعلمان بقراره ووافقا عليه، يجيب سامي بكل ثقة: “هذه قضية إيمانية تخصني وحدي، وكلّ شاة بعرقوبها معلقة” (214). وبالطبع سامي شاب مسؤول وهو على استعداد تام لتحمل نتائج فعلته. يسأله القاضي: “هل تعرف ما يترتب عليك إذا أعلنت إسلامك؟” يجيب سامي:
“نعم، فقد اطلعت على مبادئ الإسلام، قرأت القرآن الكريم، درست التاريخ الإسلامي، السيرة النبوية، تأثرت بمسلكيات وأخلاقيات بعض زملائي وأصدقائي المسلمين” ص 215.
إذن هوية الفرد الدينية قد تتغير، هي هوية ديناميكية وينبغي أن تكون كذلك لأن الإنسان يولد حرّا وله حرية الاختيار. وحرية الاختيار هذه هي المضاد الحيوي للقضاء على فيروس التعصب والصراع الديني. ما علينا إلا أن نقرأ كتاب أمين معلوف حول الهوية كي ندرك مدى حدّة الصراع الذي يمكن أن يؤججه التمسك الأعمى بالهوية الدينية. أليس جميلا أن نرى في نهاية الرواية قلبين متحابين يرتبطان معا وإلى الأبد في قصة حب جميلة بدل فراقهما بسبب الاختلاف الديني لكل منهما؟ أليس جميلا أيضا أن نرى عائلة سامي وعائلة مديحة يتقبلان بكل سعادة سامي زوجا لمديحة على الرغم من تغييره لهويته الدينية؟
خطر على بالي وأنا أقرأ نسيم الشوق شخصية ندى في رواية الدكتورة خولة حمدي في قلبي أنثى عبرية. نرى في الرواية أن ندى تذهب في نفس الاتجاه الذي يذهب إليه سامي حيث تقرر بملء إرادتها التحوّل من اليهودية إلى الإسلام والارتباط بأحمد. سامي وندى خير برهان على أننا لسنا مسيّرين في هويتنا الدينية، وهذا جليّ فيما تقوله شيماء لصديقتها مديحة عندما تفقد الأخيرة الأمل في الزواج من سامي لأنهما “من أتباع ديانة اخرى” (195): “من يعتقد أننا مسيّرون، يلغي العقل الذي هو جوهرة الإنسان … وتصرفاتنا بفعل إرادتنا وليست قضاء وقدرا” ص 196.
الزواج بين أتباع الديانات المختلفة
من المواضيع التي تعالجها الرواية معضلة الزواج المختلط أو الزواج بين أتباع الديانات المختلفة. وتبرز في الرواية حبكتان رئيسيتان هما:أولا: العلاقة بين سامي ومديحة من جهة والعلاقة بين سهيل وناريمان من جهة أخرى. سامي شاب مسيحي يقع في غرام مديحة وهي شابة مسلمة ويريد أن يرتبط بها، وسهيل شاب مسلم يقع في حب ناريمان وهي شابة مسيحية ويريد أن يتزوجها. لكن الأمور تتعقد لأن الزواج بين أتباع الديانات المختلفة غير مقبول في مجتمعنا. يقول الراوي: “لكن الزواج المختلط بين المسلمين والمسيحيين العرب في بلادنا، يواجه مشاكل كثيرة، قد تصل إلى القتل أحيانا، وأنا أقصد هنا زواج المسلم بمسيحية، أمّا زواج المسيحي من مسلمة فهذا حرام” (172). وبعد أن تقع مديحة في غرام سامي تدرك أن علاقتهما غير مجدية، وقد تسبب لهما مشاكل كثيرة لأن: “الإسلام يحرّم زواج المسلمة من غير مسلم” (174). وتلعن مديحة الساعة التي تعرّفت فيها على سامي وتشكو إلى صديقتها شيماء حائرة: “تبا لذلك اليوم الذي شارفت فيه على الغرق … وقادنا إلى الحديث عن وهم لا نعرف أين سيصل” (174). وتقرر أن تقطع علاقتها بسامي نهائيا.
لكن ما الذي يمنع الزواج بين أتباع الديانات المختلفة؟ هو الدين نفسه والتعاليم الدينية التي ورثناها عن أجدادنا، إضافة إلى التقاليد التي تحكم علاقات الأفراد والجماعات بعضهم ببعض. في حين أن من واجب الأديان أن تقرّب الناس من بعضهم، لكننا نراها تبعّد الناس وتقف عائقا أمام علاقات الحب الإنسانية، وقد تؤدي بهم إلى القتل. بالفعل كما تقول أمّ حاتم “إحنا الله ساخطنا” (ص 186). نسمع ناريمان تحكي لمديحة: “الزواج المختلط له أبعاده الخطيرة في بلداننا العربية، فالمسيحي إذا تزوج مسلمة قد يتعرضان للقتل، إذا لم يعتنق المسيحي الإسلام قبل الزواج، والمسيحية إذا تزوجت مسلما، ربما تتعرض للقتل هي الأخرى” (ص 183)، وتضيف لاحقا: “المشكلة في مجتمعنا هي الأديان” ص 202.
تتحدث الرواية عن أربعة عائلات، عائلتان مسيحيتان وهما عائلة سامي وعائلة ناريمان، وعائلتان مسلمتان هما عائلة مديحة وعائلة سهيل. والأربع عائلات هذه تمثل جيلين مختلفين، الجيل الأول جيل الآباء والأمهات والجيل الثاني جيل الأبناء والبنات. وهنالك نوع من الصراع بين الجيلين، إذ نرى أن الجيل الأول وهو جيل الكبار خاصة النساء منهم يتمسك بشدة بالقيم الدينية، في حين أن الجيل الثاني وهو جيل الأبناء والبنات يُبدي انفتاحا أكبر فيما يتعلق بالتنوع الديني، وما يمكن أن نسميه بالتلاقح الديني. ويتناقض موقف كل من الجيلين تجاه موضوع الزواج بين أتباع الديانات المختلفة، مما يخلق صراعا فكريا بينهما. توصي أمّ سامي ابنها بعدم التفكير بالزواج من مسلمة وأن يبعد عن الشر ويغني له، لكنه يردّ عليها: “كل عقدة ولها حلال، وإذا أعلنت إسلامي لن تكون هناك مشاكل” (ص 206).وبعد سماع ذلك تنتفض الأمّ كمن لدغتها عقرب وتقول منزعجة موبّخة ابنها: “ماذا قلت يا ولد؟ لا أريد سماع هذه الكلمة منك مرّة ثانية، هل تريد أن تغير ديانتك من أجل امرأة؟ … أحذرك من مغبة هكذا تفكير، وإن فعلتها سنتبرأ منك” (ص 206). وعندما يصبح سامي مسلما ترفض أمّه حضور فرحه وتقول له غاضبة: “من يترك دينه من أجل امرأة ليس ابني ولا أعرفه” (ص 267). وكذلك الأمر بالنسبة لوالدة ناريمان، فعندما تكتشف أن ابنتها تريد الزواج من مسلم “استشاطت غضبا وكادت أن تضربني، أمسكت بشعري بيدها اليمنى وهزتني بقوة” (ص 224). أمّا أمّ حنا التي كان يسكن عندها سهيل فقد طلبت منه مغادرة المنزل؛ لأنها لا تريد سهيل المسلم أن يتزوج بنت أختها المسيحية. حادثت أمّ حنا سهيل وكأنها تعظه: “الزواج ليس حراما ولا عيبا يا ولدي، لكن الزواج بين الديانات إن لم يكن حراما فهو غير مقبول، وبإمكانك الزواج من بنات دينك، لذا أرجوك أن ترحل من بيتي بهدوء”ص 226.
على عكس النساء من الجيل الأول في الرواية، نجد أن الرجال يُظهرون تفهمًا أكبر للعلاقة التي تجمع أبناءهم وبناتهم، بل يساعدونهم على التغلب على المعضلات التي يواجهونها. كان سهيل على يقين بأنه إذا استمر في سعيه للزواج من ناريمان فإنه سيحصل على مراده، ولذلك يلجأ إلى حمدان اليافاوي المسلم زوج عمة ناريمان المسيحية لمساعدته. ويرحب حمدان بطلب سهيل، وبالفعل يذهب حمدان ذات مساء لزيارة خالد جريس والد ناريمان الذي يتفاجأ ويمتعض من طلب حمدان يد ناريمان لسهيل. فخالد يؤمن بأن الزواج المختلط يخلق مشاكل كثيرة خاصة أن عائلته ما تزال تعاني من زواج حمدان لابتسام عمة ناريمان. يطلب من حمدان منحه بعض الوقت للتفكير، لكنه في النهاية يرضى أن يكسر العادات والتقاليد ويسمح لابنته الزواج من سهيل رغم أنف والدتها. ومن ناحيته لا يضع أبو حاتم والد سهيل العراقيل أمام ابنه سهيل كي يتزوج ناريمان ويقول بكل بساطة: “إذا البنت وأهلها موافقين، هذا ما أتمناه، وربنا يجيب اللي فيه الخير” ص 242.
يمثل الجيل الجديد فكرا جديدا يجسّد المعنى الحقيقي للتعايش والتسامح وقبول الآخر، ويتخذ من الدين وسيلة للعيش المشترك والتلاحم الاجتماعي. فالزواج بين أتباع الديانات المختلفة في رواية نسيم الشوق هو إعلان طلاق بين حرية المعتقد والتعصب الأعمى. ففي نهاية الأمر أعتقد أنه في المجتمع الواحد المتكامل ينبغي أن يكون الزواج المختلط زواجا قانونيا معترفا به. وهذا ليس مشكلة لأن الأفراد يتزوجون وليس الأديان.
انعدام المساواة بين الجنسين:
تتكرّر في الرواية مسألة أعتقد أنها هامة لأنها تمس بشدّة حرية المرأة في اختيار شريك حياتها وتقرير مصيرها، وهي أن “الدين الإسلامي يحرّم زواج المسلمة من غير المسلم” (ص 164). ونقرأ أيضا أن “زواج المسلم من مسيحية لا تعترضه عراقيل كبيرة مثل زواج المسلمة من مسيحي” (181). وقد أدرك سامي هذه الحقيقة وقرّر أن يصبح مسلما؛ كي يستطيع أن يتزوج المرأة المسلمة التي يحبها. لكن من واجبنا أن نسأل أيضا: إذا الإسلام يسمح للرجل المسلم أن يتزوج من مسيحية، فلماذا لا يعطي نفس الحق للمرأة المسلمة ويمكّنها من الزواج من رجل مسيحي؟ لا أريد الخوض في تفاصيل هذه المسألة، لكن ما أرغب في قوله هنا أنه مهما تكون التفاسير الفقهية وغير الفقهية التي تعطي حقا للرجل وتسلبه من المرأة، فممّا لا شك فيه أن في ذلك إجحافا لحقوق المرأة الأساسية.
خلاصة: نسيم الشوق رواية جميلة تتميز ببساطة اللغة والأسلوب، وهي تعالج قضية جدلية تمس صميم مجتمعنا العربي، وتحثنا على التفكير والنقد. هي رواية جريئة تستفز القارئ، وتُحدث في داخله زلزالا عقائديا يزعزع استقراره الفكري. نسيم الشوق مثل النسيم العليل الذي يهب وينشر بذور المحبة والأخوة والتعايش والتسامح والتصالح مع الذات ومع الآخرين.
وقال عبدالله دعيس:
تهبّ نسائم الشّوق في لحظات الغيّاب، فتشرئبّ الأنفس لتتنفّسها من بين أدخنة الفراق. فما النّسائم التي يطلقها الكاتب في روايته؟ وأيّ شوق يتحدّث عنه؟
تهبّ نسائم الشّوق للحريّة، على الأسرى الذين يقبعون في سجون العسف، فيتنفسها بطل الرواية سهيل، ويخرج من السجن الصّغير إلى السّجن الكبير، كما عبّر عن ذلك الكاتب. تهبّ نسائم الشّوق للذين ارتحلوا إلى بلاد الغربة وهجروا الوطن، تهزّ هذه النسّائم قلوب أحبّتهم في وطنهم، لكنها لا تجد إليهم سبيلا في منافيهم، وتهبّ نسائم الحبّ والعشق، فتكسر الحواجز الاجتماعيّة، ويتنفّسها العشّاق بعد أن يتخطّوا جميع الصّعاب. وتهبّ نسائم العلم وتتسلّل من بين خيوط الجهل، وتنير الدّرب لسالكيه، وتهبّ نسائم روح التحرّر من القيود الوهميّة التي تفرضها بعض العادات الاجتماعيّة، فتنحلّ العقد بسهولة وسلاسة، ويهب نسيم حبّ الوطن، فترتحل الشخصيّات فيه، وترسم صورة حيّة لمدنه وريفه.
رواية نسيم الشوق تتحدّث عن الحياة في فلسطين في الفترة اللاحقة لحرب عام 1967 واحتلال باقي فلسطين، وقد استقرّت الأمور لصالح الاحتلال، وبدأت الحياة تتخذ منحى طبيعيّا في ظلّه في بداية السبعينيّات من القرن العشرين، وبدأت الكثير من التّغيرات الاجتماعيّة تسري في أوصال المجتمع الفلسطيني، الذي انفتح على المناطق المحتلة عام 1948 وانفصل عن محيطه العربيّ. وبينما كانت المقاومة الفلسطينيّة متواصلة، إلا أنها ضعفت بسبب الخلافات مع الأردن واخراج الفدائيّين منها. يلفت الكاتب النظر إلى الأسرى الذين كانوا يقبعون في السّجون في تلك الفترة، دلالة على استمرار المقاومة، لكنّه يركّز على الحياة الاجتماعية في القرى والمدن الفلسطينيّة تحت تأثير الواقع الجديد، يركّز على التنوّع الديني في المجتمع الفلسطينيّ، والعلاقات الوديّة بين المسلمين والمسيحيّين، والعادات والتقاليد التي تحكم كليهما، ويتطرق لموضوع مهم وحساس، وهو الزواج المختلط بين المسلمين والمسيحيّين وما يواجه ذلك من مشكلات.
الزواج المختلط، الذي أشار إليه الكاتب في هذه الرواية، موضوع في غاية الأهميّة. فهذا الزواج لا يتعلق فقط باختلاف الدّين كما في الرواية، ففي مجتمعنا، ما يزال زواج ابن القرية ببنت المدينة أو البادية، من المحظورات التي تشكّل معضلة اجتماعيّة رغم التآلف الاجتماعي والتسامح الديني في مجتمعنا الفلسطيني؛ لذلك فإن تناول هذا الموضوع حيويّ ومهمّ.
يختار الكاتب المكان والزمان في روايته بعناية، فالزمان هو بداية السّبعينات حيث التّغير المتسارع في الحياة الاجتماعيّة في المجتمع الفلسطيني بفعل الاحتلال، وكذلك بسبب الانتشار السّريع للثقافة الغربية في تلك الفترة مع تقدّم وسائل الاتصال ودخول جهاز التلفاز إلى البيوت. تقع معظم أحداث الرواية في بيت حنينا إحدى قرى القدس، وفي بير زيت- وهو اختيار موفّق- حيث كانت بيت حنينا الجديدة تتحوّل بسرعة إلى حياة المدينة، وينشأ فيها مجتمع مختلط من القرويين والمدنيين والمسلمين والمسيحيّين بخصائصه المستجدّة تحت ظل الاحتلال، وكذلك بفعل الهجرة المتسارعة إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. وكذلك بير زيت التي يقطنها المسلمون والمسيحيون، وكانت جامعتها النّاشئة تستقطب الطلبة من مختلف المناطق والمشارب.
ومما يميّز هذه الرواية رسمها لصور حيّة متحرّكة من المجتمع مع أدقّ التفاصيل. فنرى فيها مشهدا حيّا لخروج الأسير من السجن، وما يرافق ذلك من احتفال، ونرى فيها تعامل المجتمع مع حالات الوفاة، وفترة العزاء وما يدور أثناء ذلك من أحاديث، وكذلك عادات الخطبة والزّواج والولائم، والعلاقات الاجتماعيّة داخل البيوت في المدينة والقريّة والعلاقات المشتركة بينهما. ويطعّم الكاتب روايته بعدد كبير جدّا من الأمثال الشعبيّة والتي جاءت في سياقها دون إقحام، وكذلك الأغاني والأهازيج الشعبيّة.
وفي خضمّ الحديث عن العشق والزواج المختلط وما يرافق ذلك من محاذير، لم ينس الكاتب أن يتطرّق لموضوع الهجرة وأثرها على الحياة الاجتماعيّة، فمديحة تعيش وحيدة مع أمّها بعد أن هجرهما والدها ثمّ حرمهما من إخوتها حين استدرجهما إلى الغربة. تعاني مديحة من آثار هذا الغياب وكذلك أمّها، لكنّها تحيا حياة منفتحة وقد نالت حظّا من التعليم، وتعمل مدرّسة وتقود سيّارة، ثمّ تتزوّج ممّن تريد، وترفض الزّواج بابن خالتها التي سمّيت له منذ طفولتها، لأنّها تراه كأخ لا كزوج، مزايا لم تتوفّر لقريناتها في تلك الفترة، وربّما لم تكن لتحدث لو عاشت في كنف والدها. وكذلك يتطرّق الكاتب لموضوع بيع الأراضي الزراعيّة من أجل توفير المال الكافي للهجرة! ومصادرة الاحتلال للأراضي، وكيف انعكس هذا جنبا إلى جنب مع الغربة إلى إهمال الأرض وتدهور الزراعة.
يستخدم الكاتب لغة سهلة غير متكلّفة، ويعتمد كثيرا على الحوار الذي يدور باللغة المحكيّة، والذي يعطي لمسة اجتماعيّة صادقة، ويمكّن الكاتب من نقل القارئ للعيش بين أفراد المجتمع في تلك الفترة، يحسّ بكل مشاعره أنّه هناك، في ذاك المكان وذاك الزمان. يُغرق الكاتب في ذكر التفاصيل، فيُظهر كلّ حركة وكلّ سكنة لشخصيّاته، هذه التفصايل التي قد تبدو زائدة ولا داعي لها إلا أنها هي التي تعطي القارئ هذا الشعور، وتنتقله إلى الحياة الاجتماعية بأدقّ تفاصيلها.
يقود الكاتب القارئ إلى رحلات في أنحاء فلسطين، يصف أرجاءها بدقّة بالغة، يتنقّل النّاس بحريّة مع بعض التنغيص من حواجز الاحتلال، بخلاف الفترة الحالية حيث لا يستطيع الفلسطيني الانتقال من بلدة إلى أخرى إلا عبر طرق ملتفّة ومعاناة كبيرة، وتصاريح خاصّة من الاحتلال. وما أحوجنا إلى هذه الذكريات، وقد تقطّعت أوصالنا، وانطلت حيل الاحتلال علينا، وبدأنا نقسّم بلادنا حسب مفهومه ومخطّطاتهم
القارئ لهذه الرّواية يلحظ البصمة الواضحة لأسلوب الشيخ جميل السّلحوت المحبّب والممتع، وهي إضافة مهمّة لسلسلة رواياته السابقة، تسير على نسقها، وتضع حلقة أخرى في سلسلة متشعّبة زمانيا ومكانيا، إلا أنها مترابطة، ترسم لوحة جميلة لفسيفساء الحياة في فلسطين.
وكتبت رائدة أبو الصوي
الكاتب جميل السلحوت يحطم حواجز الصمت في قضية حساسة ، قضية لم تطرح من قبل بهذه الصورة الدقيقة ، الرواية فيها عرض لقضيتين ، قضية الأسر وقضية الزواج المختلط. نسيم الشوق للأهل ولتراب الوطن وللحرية وللحبيبة.
أبطال الرواية الرئيسيون أربعة سهيل وناريمان ومديحة وسامي،وهؤلاء هم خميرة الرواية، سهيل الأسير الذي تعلق بحب ناريمان التي تختلف عنه بالديانة ، ومديحة ابنة خالة سهيل التي انقذها سامي من الغرق وتعلق قلبها به .
اختيار موفق للكاتب بحيث عرض القضية من الطرفين ، عندما تكون الفتاة مسلمة والشاب مسيحي وعندما تكون الفتاة مسيحية والشاب مسلم ، في بداية الرواية صور لنا الكاتب الأسير عند خروجه من الأسر واستقبال الأهل والأصدقاء له .وحرارة اللقاء ، مسار الرحلة من السجن، سجن شطة غربي مدينة بيسان الى قرية حزما .
وصف دقيق جدا وممتع جدا .
أسلوب الكاتب المتميز بالاسترسال في الوصف والمصداقية ونقل تحركات شخصيات الرواية بخفة دليل على تمكن الكاتب من اللغة ، نحن في حاجة الى هذه النوعية من الروايات في مكتباتنا .
الروايات التي تحكي قصص من الواقع ، فيها خيال واقعي.
تصوير جميل جدا للمناطق التي كانت في طريق عودة سهيل من الأسر .الجبال التي تحيط بالأغوار من الجهة الغربية ،والجبال الشرقية مرتفعات السلط الأردنية، نهر الأردن الذي ينساب بانحناءة مدهشة .
قضايا اجتماعية طرحها الكاتب قضايا متنوعة، منها قضية سكن الطلبة باسكان طلبة الجامعات، موضوع ضرورة تعليم السباحة وعدم المخاطرة بالسباحة دون أن يكون الانسان لديه معرفة عملية بالسباحة ، تحدث الكاتب عن جمعية الشبان المسيحية ال Y.M.C.A التي تعلم السباحة بالقدس ، وتخصص ساعات يومية للنساء للسباحة .
ص ١٤٧ من الرواية اصطحبنا الكاتب في رحلة ممتعة جدا في أحضان الوطن .
تصوير حي للمشهد ،ومن منطقة طبريا عندما أنقذ الأستاذ المسيحي سامي متري المعلمة المسلمة مديحة من الغرق ابتدأت الحكاية .
قضية الزواج المختلط ، طرح الكاتب القضية بشكل عقلاني ، ربما لا يتوافق البعض معه نظرا لعوائق كثيرة منها رفض الأهل والمجتمع والدين .
طرح القضية من مختلف الزوايا ،اختلاف نظرة المسلمين عندما يتزوج شاب مسلم فتاة مسيحية عن نظرتهم من زواج مسلمة من مسيحي ،اختلاف شاسع لأن الدين يحرّم أن تتزوج المسلمة من غير المسلمين، بينما الرجل المسلم يستطيع الزواج من امرأة من غير دينه .
تعمق الكاتب كثيرا في توضيح التفاصيل ،ورغم المصاعب التي واجهت أبطال الرواية إلا أن الكاتب كتب للرواية نهاية سعيدة .
الرواية فيها رسائل هادفه، فيها وضع للنقاط على الحروف للأشخاص الذين يمرون بنفس التجربة والمعاناة التي عاشها أبطال الرواية بسبب اختيارهم أزواجا من ديانة مختلفة، من يمر بتلك التجارب يستطيع من خلال قراءة هذه الرواية أن يجد الحل لمشكلته.
وكتبت ملك المصري:
تنقلنا رواية “نسيم الشوق” بتسلسل وصفي رائع ومشوق الى بداية السبعينات، حيث ينقلنا الكاتب من الاطار العام الى الشأن الخاص بطريقة جميلة ومشوقة. وقد توفق الكاتب في عنوان الرواية حيث عكس جمالية الشوق ونسماته الجميلة، وتحديدا الى الحب بكافة انواعه-حب الوطن والأرض والعشب والسماء والمطر –ومن ثم حب المناضلين-الفدائيين في ذلك الوقت- والتأثير والتأثر بهم، حب الأمّ والمرأة والعلم والمواظبه عليه، وأخيرا الى الحب العاطفي الانساني الذي لا تحده حدود الدين والطائفية.
حيث كانت البداية في وصف معاناة وطموح احد الأسرى الفلسطينين “سهيل” وعائلته من الأسر ومن ممارسات الاحتلال الى الاسهاب في وصف حياة الجامعة والطلاب في السبعينات، بل وتشكيل الوعي الطلابي للعلاقات الانسانية والوطنية والنقابية. تأتي قضية الزواج المختلط كإحدى الظواهر الأساسية التي يعالجها الكاتب بحضارية وأريحية مطلقة. يفاجئنا أسلوبه الشيق لرؤية مدى تقبل هذه الظاهرة لدى بعض الفلسطينين من وجهات نظر مختلفة دون الانحياز الى الجنس أو اللون أو الدين. أعطى كعادته الجانب القوي لدور المرأة الفلسطينية وبين قدرتها على اتخاذ القرار، بل وأحيانا الريادية في التصميم على شيء معين “أحيانا كان لها دور المبادر في انشاء العلاقات العاطفية عكس الرجل.”
ويعكس الكاتب في هذا الوصف جمالية فلسطين بقراها وسهولها وآثارها، بل وبناسها الطيبين، وتعاضد أهلها في السراء والضراء. يتخذ الكاتب أسلوب السرد الوصفي التفصيلي للمكان والزمان والأشخاص والطبيعة الجميلة، وأشد ما يلفت الانتباه هو طريقة طرحه للمشاعر الانسانية، خصوصا عندما كتب عن مشاعر والدي الأسير والأهل في القرية، وعن وصف مشاعر الغربة عن الوطن والشوق للحبيب وعشق الأرض بكل تفاصيلها. اعطاء معلومات دقيقة عن بعض المناطق(مثل جبل قرنطل) والآثار الفلسطينية كان مؤشر لحب الحيز المكاني، فمن وجهة نظري لم يكن سرد روائيي وحسب، بل تعدت لاعطاء معلومات محددة وتحفيز للتعمق في جمالية بلادنا “عندما تمنى سهيل أن يكون قد استمع جيدا لأستاذ الجغرافيا حين درسهم عن جبل قرنطل.”
وأخيرا تسلسل الأحداث كان أيضا منظما ومشوقا للقارىء، فمن البدايات وحتى النهائيات كان لوصف التفاصيل في كل منها أهمية لاغناء المحتوى والمضمون.
أبرز الكاتب بعض سمات الشعب الفلسطيني مثل كرم الضيافة واحترام الميت وبعض العادات والتقاليد الايجابية، وبنفس المستوى الرغبة في التعليم والتعايش الحقيقي بين الديانات.
على المستوى الشخصي استمتعت في قراءة الرواية وقد أضافت لي الكثير، هناك فجوتان تافهتان في الرواية:
1. ذكر ان مديحة ذهبت لأول مرة على فندق الامريكان كولوني مع خطيبها،مع أنه ذكر في صفحة ص88 انها عزمت سهيل عليه.
2. ذكر انه كان هناك انقطاع في التواصل بين سهيل وناريمان في الاجازة الصيفية، وقبلها بأحداث قصيرة تبين أن هناك اتصالا هاتفيا لساعات بينهما. المبرر بعدم التواصل لم يكن مقنع بالنسبة لي .
وقالت ديانا أبو عياش:
الزمان: تدور أحداث الرواية بعد معركة الكرامة بسنتين، أي في بداية السبعينات والتي جبل فيها الدم الفلسطيني بالأردني دفاعا عن الوطن.
المكان: ما بين القدس، يافا، رام الله، بير زيت، طبريا، أريحا، والجولان، وبعض القرى الفلسطينية مثل أبو قش، جفنا، عين سينيا، دورا القرع، والمخيمات، كمخيم الجلزون، يأخذنا الأديب جميل السلحوت في رحلة حياتية لبطلنا الأسير المحرر سهيل ابن حي بيت حنينا المقدسي، الذي خسر من حياته سنتين في سبيل قضيته.
الحدث الرئيسي:
بعد خروجه من المعتقل يرفض سهيل رغبة والدته بالزواج من ابنة خالته مديحة التي تعيش مع والدتها بعد أن تركهما والدها مصطحبا معه أشقاءها قبل ولادتها، كمغتربين في أمريكا، حيث يصر سهيل على ضرورة إكمال تعليمه العالي في الجامعة – معهد بير زيت آنذاك – قبل الزواج، فيتعرف أثناء دراسته على زميلته النصرانية (ناريمان) ومن ثم بأهلها، وبعض أقربائها، خصوصا خالتها “أمّ حنا” وابنتها الدكتورة (جورجيت) التي تعمل في مستشفى المطلع، وخطيبها الدكتور (الياس) الذي يعمل في مستشفى الهوسبيس، أمّا مديحة وهي الطرف الثاني في الرواية فتتعرف بالأستاذ سامي النصراني الذي انقذها من الغرق، وتتوطد علاقات الودّ بين الأسرتين ( مسيحيين ومسلمين) لدرجة التزاور وتناول الطعام سوية، ومن ثم دخول الأستاذ سامي في الاسلام؛ ليتسنى له الزواج من مديحة، ثم طلبها رسميا من أهلها، وتقدم سهيل للزواج من ناريمان بشكل رسمي أيضا، لكن بعد حدوث مشاكل بينها وبين شقيقها الذي رفض الموضوع من أساسه، وهددها بالقتل واعتدى عليها بالضرب، في الوقت الذي وافق والدها خوفا من أن تقوم بالزواج منه من خلف ظهورهم، كما فعلت عمّتها من قبل.
هنا طرح علينا الكاتب قضايا مهمة أبرزها قضية الأسرى في سجون الاحتلال، ومن جهة أخرى مشكلات الزواج المختلط بين أتباع الديانات السماوية، ووجهة نظر الاسلام منها، مستشهدا بذلك بآيات من القرآن الكريم، وكذلك وجهة نظر كل من الديانتين ( المسيحية واليهودية) ص 183
الأسلوب: كعادته في رواياته يخلط بين الفصحى واللهجة المحكية، يدخل الأمثال الشعبية، والحكم، والشعر الشعبي، والعادات والتقاليد، و”المهاهاة” كقوله ص23:
هاي يا سهيل يا اسمراني عيروني فيك
هاي ويا كل ما عيروني زاد حبي فيك
هاي ولا ركب جواد الخيل واسرى فيك
هاي ويا ع ضو قمره وما خلي الجار يدري فيك
ومما لفت انتباهي هنا الوصف الدقيق للكثير من الأماكن التي ذكرها على سبيل المثال:
وصفه لحي بيت حنينا ص 136
وصفه لجبل قرنطل ص 19
بحيرة طبريا وما حولها من تضاريس ص 147 وغيرها.
العنوان: يتناسب العنوان مع موضوع الرواية من حيث شوق الأسرى والأهل لبعضهم البعض، وشوقهم للحرية والعيش باستقرار وأمان، وشوق اللاجئين للعودة إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها، وشوقهم للتخلص من الاحتلال، والشوق الآخر هو شوق المحب لمحبوبته.
الغلاف: بالنسبة للغلاف يغلب عليه اللون الزهري الذي تتوسطه اللوحة الفنية التي تبرز فيها زهور شقائق النعمان ( الحنون) النابتة على قمة بيت قديم، وفي احد طرفيها نساء بالثوب الفلاحي المطرز بالحرير، ويرمز لنساء المسلمين، بينما في الطرف الآخر فتاة ترتدي لباسا حديثا ( تنورة مع قميص) ويرمز للباس المسيحيين، وممكن القول أنه يرمز إلى الفرق بين الجيل القديم والجيل الجديد.
مآخذ : وضع مثل في غير موضعه وهو” بعد ما شاب ودوه ع الكتّاب” ص 114
صحيح أنّ الرواية اجتماعية وتاريخية ووطنية بامتياز، إلا أنه أسهب كثيرا في السرد والحوار، وكان بامكانه اختصارها.
والزواج المختلط ظاهرة منتشرة في مجتمعنا الفلسطيني، وعانى من تداعياتها الكثيرون، وجيّد أنه تناولها، لكنه بسّطها ( من حيث موافقة الأهل على الزواج) ربما على أمل أن يساهم في إحداث التغيير في العادات والتقاليد التي تحكم هذا الأمر أكثر من الدين.
وكتبت هدى عثمان أبو غوش:
العنوان ملائم لنّص الرّوايّة ، حيث تهبّ نسائم الشّوق أولا عند بطل الرّوايّة سهيل المحرّر من المعتقل الذّي دام سنتيّن، ولقاؤه مع ذويه المفعم بالحنين والأشواق.
كما وتهبّ النّسائم بين الأحبّة من أبطال الرّوايّة “سهيل وناريمان ، وبين سامي ومديحة.”
يجري عنصر الزّمان في أواخر السّتينات بعد إحتلال القدس1967وفي عهد جمال عبدالنّاصر ، أمّا المكان فتدور أحداث الرّوايّة عامّة في القدس وبيرزيت ورام الله.
تتطرق الرّوايّة إلى قضيّتيّن، الأولى الأسر والمتمثلّة بسهيل الذّي تحرّر من سجن شطّة، أمّا القضيّة الثانيّة التّي تستحوذ على الأحداث فهي قضيّة الزّواج المختلط.
تطرح الرّوايّة قضيّة الزّواج المختلط بين الدّيّانات، ونظرة الأهل والمجتمع لهم . نجد الصراع وعدم تقبّل الزّواج عند أهل ناريمان من الدّيانّة المسيحيّة التّي تقع في حبّ سهيل المسلم لعدم موافقتهم ببدايّة الأمر وتخوفهم من عدم استقراره ، وكذلك خوفهم من الكنسية ونبذ المجتمع لهم، إلاّ أن ّ الحلّ السّحري يأتي في تجاهل رأي المجتمع والكنيسة، وبأنّ الله وحده من يحاسبهم ، ذلك أفضل من الوقوع في الفضيحة لو فكرّ الحبيبان بالهروب معا.
وهنا نرى أنّ الكاتب من خلال الرّوايّة قد أعطى الحلّ لكلّ من يصادفه مثل تلك المشكلة، مع العلم بأنّنا سمعنا في السّنوات السّابقة مقتل فتاة مسيحيّة من قبل أبيها؛ لأنّها أحبّت مسلما وأرادت الزّواج منه، فتلك القضيّة ليست سهلة وتقبلّها ليس بلأمر الهيّن .
اختار الكاتب شخصيتيّن متشابهتيّن في صفاتهما، فناريمان طالبة في معهد بيرزيت لأُسرة مسيحيّة، جميلة، جريئة تقع في حبّ سهيل المسلم طالب في نفس المعهد، وبالمقابل مديحة معلّمة مسلمة جميلة جريئة تتحدى وترفض العادات والتّقاليد، التّي تفرض عليّها الزواج من قريبها فتصارح سهيل بمشاعرها الأخوية نحوه، بينما تقع في حبّ سامي المسيحي الّذي أنقذها من الغرق، ولو كانت الشخصيتان مختلفتين لكان أفضل برأيي.
أثار الكاتب من خلال الرّوايّة قضيةّ التحايل على الدّين من أجل تحقيق رغبة ذاتيّة مثل سامي الذّي اعتنق الإسلام نفاقا. طرح حسن التّقارب بين المسيحي والمسلم من خلال علاقة أُمّ حنّا بسهيل واعتنائها به .
وأظهر روح التّعاون في المجتمع الفلسطينيّ في الأفراح والأتراح بيّن العادات والأصول في المناسبات.
احتوت الرّوايّة على الكثير من الأمثال الشّعبيّة التّي جذبتنا وجعلتنا نتفاعل معها كما وانّها أضافت حيّوية للرّوايّة، كما واحتوت على آيات من القرآن الكريم،وجاء الحوار شيّقا سلسا، وكانت الأغاني والزغاريد المرافقة بالهاهات حاضرة في الرّوايّة تعبيرا عن فرحة الأهل لتحرير سهيل من السّجن، إلاّ أنّ الكاتب أطال في إحدى الأُغنيّات(صفحة29) ولو اختصر برأيي لكان أفضل.
وقالت رفيقة عثمان:
تتلخص الرواية حول علاقة حب نشأت بين شاب مسلم، مع فتاة مسيحيَة، وشاب مسيحي مع فتاة مسلمة. أراد الكاتب أن يوضح العقبات المترتبة على الزواج المختلط من وجهة نظر كلا الطرفين ؛ وكيفّيَة ردود الفعل من قبل الآباء، والفرق بين الجيلين القديم والحديث؛ وضرورة كسر العادات والتقاليد نحو تأييد الزواج المختلط. ” المسلمون اخاننا وابناء شعبنا ووطننا، لكننا تحكمها العادات التي تحكم تصرفاتنا” كما ورد صفحة 230، صفحة 241-242
ربَّما أراد الكاتب ان يوضح ماهيَّة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين بشكل خاص، وتمجيد هذه العلاقة السامية، وكيفيَّة تعامل كلا الطرفين معا، بغض النظر عن اختلاف الديانات، وأنهم شعب واحد وأمَّة واحدة، والتعايش بين أتباع الديانتين أمر مطلوب، والعرب تحكمهم العادات أكثر مما يحكمهم الدين؛ كما تكرَّر هذا الطرح في معظم صفحات الرواية؛ “الدين لله والوطن للجميع” صفحة 186. “لا فرق بين مسلم ومسيحي، والكل على دينه الله يعينه.” ” نحن العرب تحكمنا العادات أكثر مما يحكمنا الدين” كما ورد صفحة 186. “يحملون فكرا قوميّا، يؤمنون بأن “الدين لله والوطن للجميع” صفحة 202. كما دعم الكاتب فكره نحو الزواج المختلط بحديث للرسول محمد “صلعم” “‘ذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، الا تفعلوه تكن فئة في الأرض وفساد كبير”. صفحة 268.
اجد بأنّ الكاتب يقدم طرحا جديدا من نوعه، في سياق التآخي بين الديانتين المختلفتين، كما أوردت سالفا، لكنني لا أجد مبرِّرا لاختلاق فكرة الزواج المختلط؛ والمصاهرة بين الشبّان والشابات من كلا الديانتين، ونبذ العادات والتقاليد المانعة لهذا النوع من الزواج؛ لتقوية العلاقات بين الفئتين من نفس أبناء الوطن.
هنالك طرق عديدة بالإمكان طرحها لهذا الغرض، عدا عن الزواج المختلط، كما يظهر بالرواية، بطريقة غير مقنعة للقارئ، والتي بدت وكأنَّ الأحداث مختلقة، وبمحض الصدفة أن يتعارف شاب مسيحي (سامي) مع فتاة مسلمة (مديحة)، وأسلم؛ كي يتزوّج منها، بالمقابل أحب شاب مسلم ( سهيل) فتاة مسيحيَّة (ناريمان) وتزوّجها، كما ورد بالرواية.
بداية الرواية تحدَثت عن أسير محرّر اسمه سهيل، يظن القارئ بأن الرواية ستنحى نحو تكيُّفه بعد التحرّر من السجن، إلا أن الكاتب توجَّه اتجاها مغايرًا
اسلوب الرواية: السرد في الرواية سلس وواضح، يكاد يخلو من التقنيّة الفنيّة لقالب الرواية الناجحة؛ بل كان السرد سرد أحداث متلاحقة، كتقارير إعلاميّة، كما تفتقر الرواية لعنصر التشويق، والخيال، والحبكة.
لغة الكاتب سهلة جدّا، إلا انه غلبت عليها اللهجة العاميّة، تكاد تخلو من المحسنات البديعيّة، استخدم الكاتب التكرار لفكرة واحدة مرارا وتكرارا لعدّة احداث، ممَّا أضعف من قوّة النص.
تخلَّلت الرواية تناصّا لبعض أغنية موعود بعيونك انا موعود… يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين” صفحة222.
احتوت الرواية على العديد من الامثال والأغاني الشعبيَة الفلسطينيّة، التي هي من تراث وحضارة البلاد، فهي تُحسب لصالح الكاتب؛ كما ذكر صفحة 29. كذلك ذكر الكاتب أماكن كثيرة، مع الوصف الدقيق والمعلومات المفصَّلة عنها، في نظري يعتبر هذا الاستطراد في وصف الأماكن اقحاما مبالغا به، وليس في صالح الرواية.
الزمنكيّة: مكان حدوث الرواية، ما بين القدس ورام الله، والزمن سنة 1967 – 1969 تقريبًا. “سهيل انهى الثانويّة العامَة عام: 1967، والحرب حالت دون مواصلته لتعليمه الجامعي، وفي ذكراها الأولى اعتقل وحكم عليه بالسجن لمدة عامين”.
وكتبت هدى خوجا:
لوحة الغلاف مرتبّة ومتناسقة مع محتوى الرّواية. أمّا اسم الرّواية فقد خطّ بلون أحمر يتناسب مع العنوان، اسم الكاتب وكلمة رواية بلون أسود واضح، الصّورة مستطيلة الشّكل بألوان متناغمة مع الفحوى العام.
الصّورة تشمل اللون الأزرق، البحيرة والأبيض وشقائق النّعمان، وبجانبها رمز الصّليب على الماء الصّافي، وفتاة تمشي بجانب السّور، وسيدتان تجلسان بجانب البيت مع التّركيز على اللونين الأزرق والأبيض.
رواية بسيطة الكلمات سهلة القراءة .تنساب الرّواية بسلاسة التّعبير والكلمات.
تطرّقت الرّواية للحديث عن عدّة قرى ومدن فلسطينية من عدّة نواحي منها: القدس، طبريّا، بيت حنينا، أريحا دير قرنطل، حزما، يافا، بيرزيت، قرية جفنا، عين سينيا، قرية أبو قش؛ مخيم الجلزون.
احتوت الرّواية على بعض الآ يات القرآنيّة و عدّة أمثلة شعبيّة منها: الأغاني والأهازيج الشّعبيّة والزّغاريد مثل:” اللي عند أهله ع مهله”ص64
بيّن أهمية الأرض وموضوع الهجرة والسّفر لأمريكا.
“يا حجاج ، الأرض كنز متجدد، من باع أرضه سيأتي يوم يندم فيه على ذلك،
والسّفر إلى أمريكا أو غيرها خطيئة ، لأن البلاد بحاجة إلى أبنائها.” ص43
العادات والتّقاليد بالخطوبة والزّواج، مع التّركيز على الزّواج المختلط.
من الشّخصيات الرّئيسيّة شخصيّة سهيل، حلّل شخصيّات أصحاب البيت الجديد
الّذي استأجره في بيرزيت مع ربط التّشابه بينه وبين أفراد عائلته وأهله؛ أمّ حنا
الذي يذكره حنانها بأمّه وخالته زعرورة، ناريمان التي تتشابه مع ابنة خالته مديحة في جرأتها، والحكمة والرّزانة في الدّكتورة جورجيت.
جاءت النّهاية سريعة وتمت بشكل سلمي دون مواجهة صعوبات جمّة، وبعيدة بشكل ملحوظ عن الواقع العام .