ميلاء سعاد المحتسب في اليوم السابع
القدس:13-9-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني كتاب “ميلاء” للكاتبة المقدسية سعاد المحتسب، والكتاب الصّادر عام 2018 عن دار فضاءات للنّشر والتّوزيع في الأردن، عبارة عن مجموعة نصوص تقع في 130 صفحة من الحجم المتوسّط.
افتتح النقاش مديرة الندوة ديمة جمعة السمان، وأشادت بالكاتبة والكتاب.
وكتبت نزهة أبو غوش:
ميلاء هي المرأة في مجتمع تجاهلها. ميلاء هي الأمّ هي الوطن.
ميلاء هي الفتاة الجميلة الرّاقية الفاتنة، هي البريئة الصّادقة العاشقة، هي الخائفة، هي المقهورة، هي الحبّ، هي الأمل هي مالكة الحرف والكلمة…هي الصّمت.
” هي كامرأة زرقاء يشرب البحر من قاعها وتتساقط النّجوم في فستانها ويلعن الذكور جموحها، ويحلم السّفلة بسقوطها” ص14.
من خلال قراءتنا للنّصوص نجد بصمة سعاد المحتسب واضحة وصريحة، فهي الكاتبة المرأة المتحيّزة لجنسها. المدافعة عنها من ظلم الرّجل وتنكّره لها، وفرض سلطته الذّكوريّة عليها؛ يمكننا القول بأنّها المرأة المنتقمة المتمرّدة على مجتمع يدير ظهره للمرأة لا يحترم أفكارها، ولا مشاعرها، ولا جهدها وأهميّتها كامرأة تبذل كلّ ما لديها من عطاء؛ من أجل الحياة لأطفالها وزوجها وأبنائها؛ ومجتمعها بشكل عام.
حملت سعاد المحتسب راية التّحدّي عالية أمام مجتمعها، وقالت: ها أنا ذا، أستنكر كلّ أساليبكم المشحونة بالسّلبيّة نحو المرأة. هذه مشاعري هذه أفكاري، وهذه عواطفي؛ أنا أكره وأُحبّ، وأحزن، وأتألّم، وأسخط، وأنبذ، ووووووو عليكم أن تتقبّلوني كما أنا؛ لأنّني انسان”
لكنّا في الوقت ذاته نلحظ نفسيّة متعبة مرهقة مستسلمة تريد الوصول إِلى برّ الأمان.
العاطفة في نصوص الكاتبة حملت الكثير من الألم، والحزن والقهر، والحقد، والشّوق والحنين، والمحبّة، والتّذمّر.
نستدلّ من نصّها ص105 أنّ الحروب المتتالية في هذا العالم قد أرهقتها، فلم يعد يهمّها من يُهزم، أو من ينتصر، فهي فقط تبحث عن السّلام النّفسي والأمان؛ هنا تظهر عمق الفكرة لدى الكاتبة وبعد النّظر ” فكلّنا في المعركة خاسرون/ لا أريد أن يذبل طفل على السّلالم/ ولا أن تصير الشجرة حطبا/ ولا القمح دما والاسفلت دموعا”
الحزن في نصوص الكاتبة حمل بين طيّاته الأنين، وكتمان الصّرخة؛ كما حمل جرحا عميقا في قلب أُنثى وصمت بوصمة ليس بها أيّ ذنب؛
لكنها الأُنثى المتحديّة في نصوص الكاتبة المحتسب تصدّت لهم بكلّ قوّة” غضبت ميلاء، وكمحارب من فولاذ تصدّت لضرباتهم وحطّمت آلهتهم” ص18.
الشّعور باليأس واللا مبالاة لازم نصوص الكتاب” ميلاء”
” الموسيقى بلا ايقاع والمعادن باهتة والمواقف مكرّرة والخطوات ثقيلة، لا شيء حيّ إلا الموت” ص39.
اللوعة والفقدان شعور لازم النّصوص وعكس شعور الكاتبة ولوعتها على فراق من فقدت. لشّعور بالحسرة والمرارة بدا جليّا أثر في نفسيّة القارئ للنّصوص.
الشّعور بخيبة الأمل ظهر أيضا في نصوص سعاد المحتسب
” ستة وعشرون عاما ونحن نستظلّ بأخيلة ونبني وطنا من طباشير… أوسلو يا جميلتي كيف استطعت أن تكوني بكلّ هذا القبح..”ص120
أعربت الكاتبة عن ضيقها وغضبها على المحتل الّذي يقف خلف الحواجز العسكريّة، وذكرت حاجز قلنديا ومعاناة المواطن عند مروره من هذا الحاجز. كما أنّها عبّرت عن سخطها عن الحياة الصّعبة في ظلّ احتلال في مدينة القدس، وخاصّة وهي أُنثى.” أن تكوني مقدسيّة يعني أن تعملي مع راحيل وديفيد وشلومو وتأكلي العسل المسموم والخبز المعجون بالدّم. ص66.
الحبّ في نصوص سعاد خافت مكبوت سرّي تخافه وتتحاشاه؛ لأنّها ترى بأنّ الرّجال دائما كاذبون” فقد علّمتني جدّتي أنّ الرّجال كاذبون وأنّ الحبّ في أعينهم رجس عظيم”.
كتبت سعاد المحتسب نصوصها بكلمات ذات لغة شعريّة خرجت من قلبها ومشاعرها بتلقائيّة وعفويّة دون تكلّف، فنجدها لغة سلسة تصل القارئ بسهولة، تحمل ما بين سطورها الرّمزيّة والفكرة الواضحة. هناك تكرار في التّعبير عن الفكرة بأشكال مختلفة، وتحت عناوين مختلفة.
لم تأبه الكاتبة بعلامات التّرقيم داخل النّصوص.
وقالت رفيقة عثمان:
صنّفت الكاتبة الجنس الأدبي في كتابها الجديد (بالنصوص)، كما كُتب على الغلاف؛ تجنُّبا من التصنيف الأدبي غير الصحيح، نظرا للنصوص المكتوبة فهي تعتبر نصوصا نثريّة، وليست شعريّة؛ حيث لا تنطبق عليها مواصفات الشعر، ولا القصّة أو الرواية، ولا حتّى الأقصوصة.
كافّة النصوص المكتوبة للكاتبة المقدسيّة سعاد المحتسب، كما أعتقد ظهرت كخواطر، أو مذكَّرات، أو عبارة عن تعبيرات ذاتيَة، دوّنتها الكاتبة، كرد فعل للمعاناة التي واجهتها في حياتها؛ تبدو غالبيَّة النصوص انعكاسًا لمعاناة الكاتبة، وما مرَت به، من آلام وإيذاء اللذين حولها، وما واجهته من صدمات وخيبات أمل، وانتكاسات، وفقدان طفلٍ لها؛ وجدت الكاتبة القلم والأوراق مُنفذها الوحيد للتنفيس عن ذاتها، وقوَّة لإرادتها وتحدّيها؛ لمواجهة الصّعاب بطريقة جريئة وصريحة.
اختارت الكاتبة عنوانا للكتاب باسم “ميلاء”، معنى كلمة ميلاء في قاموس لسان العرب:
“هو اسم معناه الشجرة الكبيرة ذات الفروع المائلة، وتعني أيضا (القريب)، أو تعني جميلة الجميلات، وهذا المعنى في الأصل العربي، وهناك تحليل آخر لاسم ميلاء، وهو اختصار لكلمة مأخوذة من الاسبانيّة، من كلمة – Milagrous – ومعناها (المعجزة)”.
انّ اختيار الكاتبة للعنوان لم يكن عبثا، أو بالصدفة؛ يبدو أنّ الكاتبة أرادت إسقاط المعنى الحقيقي لشخصيّتها، لتي وصفتها بجميلة الجميلات، كما ورد في قصيدة (يحدث)، “وتنظري مرة أخرى للمرآة وتخاطبيها، مساء الخير يا جميلة، كم أنت جميلة، جميلة رغم بشاعة الحياة” صفحة 39. وصفت الكاتبة ميلاء بالعطاء غير المحدود؛ كالشجرة المعطاءة مثل اسمها، وفروعها متدليَّة من ثِقل الثمار عليها؛ وتزداد عطاءً وقوّة مهما عاندتها الرياح العاتية، هكذا هي ميلاء. “ميلاء قلبها مجرّة من حب”، ” ميلاء يخزها الشوك، وتزرع وردًا، وترسم على وجوه الأطفال ميناء وتموت غرقا”. صفحة 24.
تحت عنوان ميلاء، تناولت الكاتبة أربع عشرة فقرة، وأسقطت عليها مشاعرها، مخاطبة إياها، في مضامين مختلفة، تبثّ فيها الكاتبة أوجاعها، ومعاناتها، وعن صلابتها، وجمحها، وتصدّيها للمعادين وانتصارها، كما ورد صفحة 18؛ ” كلّما كان الليل يفرش حلكته كانت ترسم نجمة”. لم تأبه لوصم الآخرين بنعتهم لها بمطلّقة صفحة 18. تبدو النقمة ظاهرة على الحياة، والمجتمع، وظلم النساء؛ غالبة على نصوص الكاتبة ” إنّنا في زمن العهر”. صفحة 98. “ميلاء شرقيَّة مدجّجة بالغضب” صفحة 34. ” العقائد التي تحلّل أربعا وتحرّم الحب، والشرف الذي باسمه تُذبح النساء، والنساء اللواتي يبعن الحب باسم الزواج، والزواج الذي يخلق أجيالا من البؤساء.”. صفحة 38.
وصفت الكاتبة “ميلاء”، بأنّها معطاءة دون أن تُجازى بمقابل، وتعتبر هذا السلوك خيبة، لكنّها في نهاية كل فقرة، تنتصر لنفسها، وتلقي الخيبة على الذكر المُخاطَب ” أنت انحنيت، أنت الخيبة، يا عزيزي”. صفحة 22. الأطفال ميناء وتموت غرقًا”. صفحة 24. أنهت الكاتبة فقرات “ميلاء”، بأنها نجت من المحنة كما ورد صفحة 31: ” وحدها عرفت الحقيقة ولوحدها آثرت الخلاص، ونجت من هذه الاكذوبة اللعينة”. كذلك صفحة 90: ” لكنّني عرفت كيف أنحت بأظافري الأبواب، وكيف أكون أوّل من يقصُّ شريط الوصول”. لا شكّ أن نظرة الكاتبة تسودها التشاؤميَّة، والسوداويَّة بالحياة، فهي ناقمة على الجنس الذكوري بشكل واضح. يبدو هذا واضحا في معظم النصوص النثريّة، كما ورد صفحة 93؛ ” وأكّدت لي أنّ وراء كلّ امرأة مقهورة رجل نذل”.
استخدمت الكاتبة لغةً فصحى بليغة منمّقة وجميلة؛ للتعبير عن الذَات؛ إلّا أنّها لم تستخدم علامات الترقيم بالنصوص بتاتا، كما ورد بعض “التناص” في كتاباتها، وخاصّة من القرآن الكريم، مع التحريف للغتها الخاصّة كما ورد صفحة 16؛ ” ان الرجال كاذبون وأنّ الحبّ في أعينهم رجس عظيم”. كذلك صفحة 28: ” ونادى فوق سور عكّا حي على الحياة”. صفحة 55؛ ” حيّ على الحياة”. صفحة 94؛ “وأشهد أنّ لا شريك في قلبي غيرك”. وما إلى ذلك.
أنهت الكاتبة فقرات “ميلاء”، بأنها نجت من المحنة كما ورد صفحة 31: ” وحدها عرفت الحقيقة ولوحدها آثرت الخلاص، ونجت من هذه الاكذوبة اللعينة”. كذلك صفحة 90: ” لكنّني عرفت كيف أنحت بأظافري الأبواب، وكيف أكون أوّل من يقصُّ شريط الوصول”.
لفت انتباهي نص (هلا بالخميس)، صفحة 117؛ كتبت الكاتبة ” لن أغرّد هلا بالخميس، فكل ايامكم خميس، وانا أحب السبت المقدّس”، كما يبدو بأنّ الكاتبة سعاد؛ قصدت بأن تغرّد خارج السّرب، فاختارت هلا بالسّبت؛ والمعروف بأنّ يوم السّبت هو يوم مقدّس عند الشعب اليهودي؛ والتفسير حول هذا القول؛ ربّما أرادت الكاتبة أن تستثني نفسها من شعبها؛ وذلك من شدّة الظلم، وعدم إنصافها، ومن شدّة القهر، عبّرت بهذا المفهوم.
ما يثير الاهتمام بنصوص الكاتبة، هو تكرار رثاء فقيدها الطفل، والتعبير عن حزنها الشّديد، وتأثّرها طوال الوقت؛ هذه النصوص كانت لها تأثيرات قويَّة على الأحاسيس، والتعاطف مع الأمّ الكاتبة. (ريشة) صفحة 83، “أن أعيش فضيلة الوفاء فأتمزّق وأن أحيا بدونك فيسحقني الذنب وتعوي الذكريات عاليا في فناء روحي”.
الصبغة المقدسيّة ظهرت في النصوص، عبّرت الكاتبة عن كونها مقدسيَة، ومدى المعاناة التي تواجهها كمواطنة مقدسيَّة، في حياتها اليوميَّة؛ وخاصَّةً في ظل احتلال، كما ورد 69، في القدس.
تبدو العاطفة في النصوص جيّاشة، مختلطة المشاعر، ويسودها الحزن، والغضب، والنقمة، مشاعر ثائرة؛ كما تظهر مشاعر الأمومة، والانتماء للوطن، لم التقط مشاعر الفرح في هذه النصوص؛ إلّا أنَّني استشفّ ما وراء هذه النصوص، بوجود عاطفة قويَّة نحو التّحدّي والصمود أمام الصعاب.
خلاصة القول: أبدعت الكاتبة في التعبير عن نفسها، وعن المعاناة النسائيّة الاجتماعيّة، والسياسيّة، ِوالنحويّ، بحاجة إلى مراجعة. وُفّقت الكاتبة في اختيار العنوان؛ للتعبير المجازي، وتشبيه المعنى بصاحبة القلم، أو الشخصيَّة البطلة في النصوص.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
ميلاء حروفها كصوت موج البحر تبحث عن الحب والأمان، توقظ أسرار الإناث ، فيها عاطفة تستغيث.
جاء سرد النّصوص بإستخدام الكاتبة للغة شعريّة سهلة، سلسة ومترابطة تشد القارئ فتجعلنا نتخيّل المشهد، وقد استخدمت ضمير المخاطبة وضمير المتكلم من أجل إيصال أفكارها .
وجعلت من ميلاء، الإسم المؤنث لإسم أميل والتي تعني الشجرة بفروعها الكثيرة، وجميلة الجميلات عنوانا للكتاب، والذي خصصت له عدة صفحات رمزا للانثى المقهورة، الضعيفة ضحية الفيس بوك، المقتولة، الشجاعة، الصامدة، المطلقة القوية المتمردة، العطشى للحب الخائفة، والتي تبحث عن الخلاص.
ومن خلال النصوص قامت الكاتبة بتمرير رسائل موجعة تتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة ونظرة المجتمع السلبية تجاه الأنثى، وعبرت عن خيبتها من التمزق السياسي ووصفت حالة المقدسي ومشهد الانتظار المؤلم على حاجز قلنديا، والتصرفات السلبية من قبل السائقين حين ينفذ صبرهم ووصفت حالة المشاعر الفياضة اليقظة في معنى أن تكون كاتبا.
في هذه النصوص نجد الكاتبة أنها تحث المرأة على التحرر من عبودية أفكار المجتمع وذكوريّة الرجل، وتطلب منه أن يشاركها مشاعرها. كما وجاءت أغلب النصوص تنتقد الرجل بشكل سلبيّ في تعامله مع المرأة ، أمّا الوجه المشرق للرجل فكان ضعيفا، حين تولى الحبر منصب الحب في قلب المرأة.
تقول الكاتبة في إحدى نصوصها”أحببت رجلا من حبر” وفي نص آخر”وراء كل امرأة مقهورة رجل نذل” .
برزت الحالة النفسية المتعبة للأنثى وتجاه المجتمع الذي تراه معجونا بالأكاذيب؛ فتدفقت حالة الغضب وعدم الرّضا، واستخدمت لا الناهية في مخاطبة الأنثى وأكثرت من التساؤلات.
وعبّرت عن حالة القلق في نص “أرق” نحن لا ننام، نحن نغيب عن الوعي
نأخذ هدنة من ساحة المعركة.
ورغم أن النصوص تحمل الهموم الخاصة والعامة وغياب الفرح إلا أن الكاتبة تضيء شمعة الأمل وتبتعد عن اليأس.
وكتب الدكتور عزالدين أبو ميزر:
قراءة في نصوص الكاتبة سعاد المحتسب” ميلاء” والتي تقع في: 130 صفحة من القطع المتوسط والصادرة عن دار النشر فضاءات في العاصمة الأردنية عمان.
وهذا هو ثاني إصدار للكاتبة الجميلة سعاد والذي كان بعنوان” زهرة في حوض الرّبّ.
من يقرأ مقدمة النصوص والنصوص نفسها يمكنه الوقوف واستشفاف ما عليه الكاتبة من تمكّن لا يخفى على كل ذي نظر من ناصية الكلمة وتوظيفها في ما تريده من معنى، يصل العين وقلب وعقل القاريء بشكل أو بآخر. ولا يخفى عليه جمال العبارة، وإن يكن ذلك ليس في كل النصوص والأحيان.
ومن يقرأ النصوص لا يخفى عليه أيضا ما تنثره الكاتبة على نصوصها الثانية من عطر الألم الذي كان سببا في إصدار كتابها الأوّل ( زهرة في حوض الرّبّ) وكأن الكاتبة حتى اليوم لم تخرج من مأساتها ولا تزال تؤثر في كتاباتها رغم تنوع موضوعاتها.
وفي دعوة الأخت العزيزة والحبيبة الى قلوبنا جميعا السيدة الكاتبة ديمة السمان لمناقشة هذه النصوص دعت الكاتبة باسم الشاعرة والنصوص بالديوان كما دعت الكتاب الأول بالديوان، ولها الحق أن تقول ما تشاء كما أن لنا حق الرد ّعلى ما تقول.
إن رأيي في هذه التسمية معروف وقد بينته في أكثر من مناسبة في هذه الندوة الكريمة.
الشعر له قواعد وأركان أهمها الوزن الشعري والتفعيلة، التي تعطيه الموسيقى الخاصة به، وتجعله قابلا للحفظ والاستظهار عن ظهر قلب، ويجعل من بيت الشعر منه زينة نزين به نصوصنا ونستشهد به أحيانا على ما نقول.
عدا عما يتصف به الشعر من بلاغة واستعارة وخيال وإحساس ورقة في الشعور تشترك بها معه كثير من النصوص التي من الظلم لها ولمن يكتبها أن نسميها شعرا ونسمي صاحبها شاعرا وما هي بشعر وما هو بشاعر.
فالكاتب قد لا يُشق له غبار في روعة ما يكتب وجمال ما يدوّن من نصوص ولكن هذه الروعة وهذا الجمال لا يعطي من يقرّظه ان يسمّي الأشياء بغير أسمائها. فهي نصوص رائعة وجميلة تسلب اللب والقلب بجمالها ودقة توصيفها وحتّى أن كاتبها سمّاها نصوصا وليس شعرا ولا قصائد. فالكلمات وعاء للمعاني وهذا الوعاء ليس لهذا المعنى.
وفي الختام فإنني أهنّيء الكاتبة على بديع نصوصها وجمال عباراتها رغم تأثّرها حتى هذه اللحظة عاطفيّا في كتابتها بما أصابها ولا يعيب ذلك الكاتبة ولا النّص في شيء؛ فلا يمكن للإنسان السويّ ان ينسلخ من انسانيّته وما تحمله من مشاعر وأحاسيس والتي هي جزء لا يتجزّأ عنه ومكوّن أساس فيه.
والنصوص رغم مرارة معانيها وندرة الفرح فيها مع تنوع موضوعاتها فهي جميلة ورائعة وأهنّيء الكاتبة عليها وأبارك لها هذا الاصدار والى جديد اجمل واروع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتب ابراهيم جوهر:
نصوص أدبية ترسم الحياة بألوانها الواقعية
لا تزييف ولا تجميل للحياة التي تنقلها الكاتبة في نصوص “ميلاء”. بل سعي وراء الأجمل بتفاصيله الخاصة والعامة في الحياة.
نزفت الكاتبة ألمها الخاص وألم بنات جنسها على شكل نصوص متفرقة يربطها خيط واحد يشبه القاسم المشترك، هو خيط الظلم الاجتماعي وعداوة الأقارب وغدر الأصدقاء.
وقد حملت الكاتبة مضامينها ورسائلها بلغة جميلة ذات إيقاع مستعينة بلغة الشّعر والاستعارة والإيجاز الذي يلمّح أكثر مما يصرّح.
والكاتبة التي تحنّ إلى ماض وهبها بذرة حياة ومستقبل ثم اغتالها، لم تضع في الأسى والدموع، بل بادرت لتبني حياتها الخاصة وفق رؤيتها العالية لمستقبل يجب أن يبزغ من عزم الإرادة.
بحثت في النصوص التي ضمّتها دفّتا الكتاب عن الانكسار والإحباط والنّدم فلم أجد تعبيرا لهذا بل على العكس تماما فكان هناك: التّحدي والتّفاؤل ولوم جهل الآخر قريبا كان أم بعيدا لكيفية فهمه للحياة والناس.
كتبت الكاتبة أربعة عشر نصّا يشكّل كلّ نصّ منها لوحة أو فصلا من رواية سيرة بنسبة ما غير محدّدة، وحمل كلّ فصل منها عنوان “ميلاء” متبوعا برقم من 1 – 14. وفي الصفحة الأخيرة تتحرّر “ميلاء” من الوهم الكبير؛ لتنطلق في براري الحياة تصارع وتواجه؛ لتثبت ذاتها فيكون أن تصيب تارة وتخيب أخرى، لكنها تواصل نبضها على شكل نصوص متفرقة تؤكّد أنّ العقبات التي تعترض حياتنا قد تفجّر طاقاتنا ومواهبنا؛ فنصير عكس ما أريد لنا، فلم نتحطم لكننا نهضنا.
بهذه الرّوح تواجه الكاتبة واقعها ككاتبة تعبّر عن ذاتها وذوات بنات جنسها فتدعوهن للنهوض.
وقال عبدالله دعيس:
شعرت نفسي متطفّلا على عالم المرأة منذ أن شرعت بقراءة إهداء كتاب (ميلاء) للكاتبة سعاد المحتسب؛ حيث علمت أن الكاتبة ترفع سيفا في وجه عالم ذكوري أحاط المرأة بأذرعه القاسية، وسلبها حقّها في حياة تتوق إليها، وأضفى على حياتها ألما ما زالت تتململ تحت ردائه الثقيل. وبعد أن قرأت النصوص، عدت للإهداء؛ لأجده يلخّص كلّ ما أرادت الكاتبة أن تبثّه من خلال نصوصها.
تختار الكاتبة عنوانا مثيرا لكتابها: (ميلاء) وهو اسم غير مألوف لأنثى. عند مطالعة العنوان، يتبادر إلى ذهن القارئ معنى الميل عن شيء إلى شيء آخر. فهل هو الميل بالمعنى الإيجابي؟ وهل يتماهى هذا الاسم مع وصف الله سبحانه وتعالى لإبراهيم الخليل أنّه كان حنيفا، أي مائلا عن الباطل إلى الحقّ؟ ومن خلال النصوص نجد أن الكاتبة تريد للمرأة أن تميل عن كلّ ما ينغّص حياتها إلى حياة أخرى عنوانها الحريّة والانطلاق، ولو كان هذا الميل يعني التّمرّد على الموروث من عادات وتقاليد وقيم. وعند الرجوع إلى المعجم نجد أن (ميلاء) تعني الشجرة كثيرة الفروع، والمرأة، في نصوص سعاد المحتسب، هي تلك الشجرة التي تكاثفت فروعها ومدّت ظلها لتعمّ مستظلّيها بالخير والرّاحة، وتشابك أغصانها يشي بتشابك مشاعر المرأة، وغزارة أوراقها وخضرتها بعطائها اللامنتهي.
نعيش مع ميلاء في نصوص متتابعة، ثمّ تتابع الكاتبة النّصوص اللاحقة على نفس النسق والسمت، وترسم في كلّ منها صورا للمرأة، فنجد فيها:
المرأة في ضعفها وقوّتها، المرأة ظالمة ومظلومة، المرأة المتمرّدة على الأعراف إلى درجة التجنّي، المرأة الحانقة على العائلة والمجتمع المحرّضة عليهما، المرأة التي تتمسك بالوطن رغم نقمتها على أهله وثقافتهم وقيمهم، المرأة الحزينة المكلومة، والأمّ الحريصة الخائفة على اطفالها بشكل مبالغ فيه. وهذه الأمّ الحانية على أطفالها، الصابرة على ما يقع عليها من ظلم، جبانة ضعيفة، لأنها لا تتمرّد وترضى بشظف العيش. لكنّ المرأة تبدو في بعض النّصوص ضعيفة مكسورة.
والكاتبة لا تريد للمرأة دورا سلبيا، فهي تنتقد تلك الفتاة التي تنتظر الزوج والخاطب، دون أن تبادر هي لصناعة الحبّ، الذي لا تتنكّر له الكاتبة رغم الحَنَق الذي تبديه على الرجال، خاصة أولئك الذين يغدرون بالمرأة ولا يقدّرون مشاعرها وإنسانيّتها.
تريد الكاتبة للمرأة أن تتخلّى عن سذاجتها وطيبتها، وتجنح نحو التّمرّد على واقع لا ترضى به، لكنّها لا تصوّر المرأة كمنتقمة، وإنما تتفنّن في تصويرها كضحيّة، إذ لا تميل المرأة للانتقام وإنما تتحوّل إلى تعذيب الذات. وتبرّر الكاتبة للمرأة أي عمل قد تقوم به، حتّى لو كان مخالفا لثقافة المجتمع وأعرافه، لأنه ثورة على ظلم وقع عليها. وتطغى عاطفة الشعور بالأحباط على بعض النصوص، ربما لما يعمّ المجتمع من التخلف الذي يحيط بنا، ونعلّق خيباتنا عليه وعلى شمّاعة القيم التي ترفع الكاتبة عصا العصيان في وجهها، وتتوق لحريّة موهومة، خارج إطارها، قد يكون فيها أضعاف ما نعانيه في كنفها. لذلك أراني أخالف الكاتبة فيما ذهبت إليه عندما أوصلت المرأة إلى درجة الاكتئاب، ولم تفتح لها إلا كوّة صغيرة، وبصيص ضيّق لحياة كريمة.
ماذا تريد الكاتبة؟ ماذا تريد للأسرة؟ وماذا تريد للمرأة؟ وما البديل؟
هل هذه دعوة للحرية؟ أم للتمرّد على القيم؟ أمّا الحرية فنعم، وأمّا القيم فما زال فيها خيطا شفيفا يمنع عقدنا أن ينفرط.
والكاتبة مشاعرها واضحة لا تخفيها خلف غموض االكلمات وإنما تبثّها بصراحة مدوّية. وتريد أن تنفصل عن المجتمع وتزدري كل ما يقوم به حتّى في المناسبات الاجتماعيّة، لكنّها لا تفصل نفسها عن وطنها، حيث تخاطب القدس والوطن وتنقل صمود الأسرى في زنازين الاحتلال، ونلاحظ وجود انفصام بين نظرتها للإنسان وللأرض. وتنهي كتابها بوصف بديع لحاجز قلنديا وكل ما يدور فيه من فوضى واعتداء، وهو يعكس ما يدور من فوضى ومعاناة في داخل نفس المرأة المضطرمة، والحواجز التي يضعها المجتمع أمامها.
وقد شارك في النقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، نمر القدومي، ماجد الماني، سهير زلوم وجميل السلحوت.