بدون مؤاخذة-هذا الانفلات المجتمعي
تطالعنا نشرات الأخبار في وسائل الاعلام الفلسطينية المختلفة بشكل شبه يوميّ عن جرائم مختلفة، تتفاوت ما بين مشاجرات وبين عمليّات قتل تزهق فيه أرواح بشريّة، وهناك جرائم أخرى خطيرة مثل زراعة “الماروانا” المخدّرة، ومخالفات القانون مثل مخالفات قواعد السّير والمواصلات وغيرها ممّا يتسبّب بإزهاق أرواح بريئة، ورغم بعض الأصوات التي تنطلق من هذا وذاك محذّرة من خطورة هكذا جرائم، إلا أنّ الجرائم في ازدياد ملحوظ! وهذا يدعو إلى التّوقّف والمحاسبة، والتّساؤل عن مدى وجود قوانين رادعة مع التّشهير بمرتكبي الجرائم، فمثلا زراعة “الماروانا أصبحت ظاهرة امتدت من الخليل جنوبا إلى جنين شمالا كما كشفت عن ذلك الأجهزة الأمنية الفلسطينيّة، لكن السّؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا التّستّر على أسماء مزارعي المخدّرات وتجّارها؟ ولماذا لا يشهّر بهم في وسائل الاعلام، ولماذا لا تصدر بحقّهم أحكام رادعة؟ وهل ندرك دور متعاطي المخدّرات في تهديد السّلم المجتمعي؟
وعمليّات القتل الشّنيعة والتي لن يكون أخرها عمليّة قتل زوجين في يعبد شمال الضّفة الغربيّة أمام طفليهما صباح ٢٧ ٨٢٠١٨، تماما مثلما هي ليست الأولى.
ومع عدم تبرئة الاحتلال من حالة التّيئيس التي وصل إليها البعض منّا، إلا أنّه تبدو لنا صحّة مقولة “الضّحيّة تحبّ جلد ذاتها”، ونحن هنا أمام مقولة أكثر بشاعة وهي ” أنّ الضّحيّة تحب قتل ذاتها”، فالقاتل والقتيل عندنا ضحايا للاحتلال، مع أنّ القاتل مجرم لا يمكن تبرير جريمته، وحتما فإنّ ثقافتنا الشّعبيّة، خصوصا ما يتعلّق منها “بالثّأر” تلعب دورا في استمرار وتغذية الجريمة، وهذه الثّقافة المجتمعيّة هي التي تتنازل عن حق الرّدع للمجرم من خلال التّنازل عن حقوق ضحاياه، من خلال أعراف لا علاقة لها بالكرم والعفو والتّسامح، بل هي استمرار في التّوغل في عالم الهزائم التي نحياها، وثقافتنا الاجتماعيّة الجاهلة والمتخلّفة التي تقول” أنا وأخوي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريب”، لا يمكن تبرئتها والقفز عن دورها في نشر الجريمة! فبأيّ حق يجري تعبئة الشّباب للحشد عونا لقريب منحرف يعـتدي على الآخرين وأملاكهم؟ وبأيّ حق تجري مساعدته من قبل العائلة والحامولة في أيّ خسائر تلحق به، بحيث يخرج مفاخرا ويقول لضحاياه “سأقتلكم ولن أخسر في ديّتكم سوى بضعة قروش”؟
ومع هذا فإنّ غياب حقّ شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، ودور الفتن والقلاقل التي يشعلها المحتل، هي الأخرى لها دور كبير في نشر الفساد المجتمعي، وبالتّأكيد فإن هذا لا يعفي سلطتنا الفلسطينيّة من دورها في الحفاظ على الأمن المجتمعيّ، وضرورة ردع الجناة من خلال أحكام قضائيّة تليق بحجم الجريمة ويتساوى فيها المواطنون جميعهم، مع التّشهير اعلاميّا بالجناة المجرمين ليكونوا عبرة لغيرهم. ولا يمكن تغييب دور أولي الأمر، والمؤسسات التعليميّة والثّقافيّة والدينيّة والاعلاميّة في توجيه الشّعب إلى ما يخدم مصالحه، والأولى بأولياء الأمور أن يربّوا أبناءهم على الخلق الحسن، وأن يردعوا المنحرفين منهم قبل أن يورّطوهم بجرائم لن ينجُ أحد منهم من لهيب نارها.