لو أطال الله عمر الشّهيد صلاح خلف حتّى هذه الأيّام، فماذا كان سيقول، فقد أبدى مخاوفه قبل أكثر من أربعين عاما من “أن تصبح الخيانة وجهة نظر”، لكن الخيانة في هذه المرحلة قد تصبح نصرا مبينا نتغنى به، ويذكرنا بهذا ما قاله بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية:
“بأن إسرائيل قالت دائما إن السّلام مع الفلسطينيين يمكن أن يدفع باتجاه تطبيع العلاقات مع العرب، لكنه الآن يعتقد بأن الأمر يمكن أن يسير بالعكس” وما دفع نتنياهو لهذه التّصريحات هو التبادل التجاري والتنسيق الأمني والعسكري بين بعض الدّول العربية صاحبة النّفوذ على شعوبها وأمّتها، وبين اسرائيل، لمحاربة ايران وما يسمّى بالخطر الشّيعي على أهل السّنّة، وكأنّ اسرائيل دولة مسالمة تدافع عن حمى الاسلام السّنّي، وأنّ احتلالها المتواصل للأراضي العربيّة، ومواصلتها الاستيطان فيها، وعملها على تقسيم المسجد الأقصى يصبّ في خانة الدّفاع عن الاسلام السّني، وعروبة القرن الحادي والعشرين.
ولتذكير الشّعوب العربيّة النّائمة فإنّ نتنياهو قبل بندا واحدا ممّا يسمّى “مبادرة السّلام العربيّة” التي انطلقت عام 2002 وهو”اقامة علاقات طبيعيّة مع الدّول العربيّة والاسلاميّة” وغضّت النّظر عن الانسحاب من الأراضي العربيّة المحتلة عام 1967، بل أمعن فيها استيطانا لمنع اقامة دولة فلسطينيّة، ونتنياهو وأحزاب اليمين الاسرائيلي يؤمنون أنّ “أرض اسرائيل” تتعدّى حدود فلسطين التّاريخيّة لتطل على “الصّحراء العربيّة” والمقصود الجزيرة العربية.
وتثبت الأيّام أنّ نتنياهو وحكومته رغم تطرّفهم يعملون بطريقة مدروسة وصحيحة لتنفيذ المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، وأنّ النّظام العربيّ الرّسميّ يستجيب لذلك طائعا بناء على نصائح “الصّديقة” أمريكا، وتحت شعار “نصرة الاسلام السّنّي” ومحاربة “الخطر الفارسيّ والمدّ الشّيعيّ”. ويبدو أنّ نتنياهو يملك نبوءة صادقة في معرفته للنظام العربيّ الرّسميّ، فقد ذكر في كتابة “Plase between nathions” الصّادر في بدايات تسعينات القرن العشرين، والذي ترجم إلى العربيّة تحت عنوان” مكان تحت الشّمس” والذي يقول فيه بأنّ العرب يرفضون كلّ شيء يعرض عليهم، ثمّ لا يلبثون أن يتكيّفوا معه ويقبلونه، فقبل حرب حزيران 1967 كانوا يطالبون بتدمير اسرائيل، وبعد حرب حزيران، صاروا يطالبون بالانسحاب من الأراضي المحتلة في تلك الحرب، وإذا ما احتلّينا مرتفعات السلط في الأردن مثلا، فسينسون ما احتليناه في حرب حزيران وسيطالبون من الانسحاب من مرتفعات السّلط.
وفي هذه الأيّام يبدو أن النظام العربيّ الرسميّ قد تكيّف مع الاحتلال الاسرائيلي، ومن شدّة “الكيف” وجدوا في اسرائيل حليفا أمنيّا وعسكريّا، لمحاربة خطر مزعوم اسمه “المدّ الشّيعيّ” والخطر”المجوسيّ الفارسيّ”، وهذا التّحالف الجديد مع “الصّديقة والشّقيقة القويّة اسرائيل!” يستثمره نتنياهو وحكومته جيّدا في تكثيف الاستيطان في الأراضي العربيّة المحتلّة، والتي من المفترض أن تقوم عليها الدّولة الفلسطينيّة العتيدة” وبعد ترسيخ هذه الصداقة والتّحالف الجديد، ستتحقّق خطط نتنياهو بتصفية القضيّة الفلسطينيّة من خلال ادارة مدنيّة فلسطينيّة على السّكان وليس على الأرض، وستتحقق نبوءته بالسّلام الذي ينشده كما جاء في كتابه” فإذا ما التقت الانتلجنسيا الاسرائيليّة مع الأيدي العاملة العربيّة الرّخيصة فإنّ الشّرق الأوسط سيزدهر” وهذا يعني تحويل العرب إلى “حطابين وسقّائين” حسب التّعبير التّوراتيّ.
ولا بدّ من التنويه هنا أنّه يجري تنفيذ المشروع الأمريكي”الشّرق الأوسط الجديد” لاعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية، من خلال اعلان”الجهاد” في سوريا، العراق، ليبيا، اليمن، لبنان، الصومال، صحراء سيناء وغيرها، وتدمير هذه الدّول وقتل وتشريد شعوبها، يجري كلّ ذلك بالدّماء والمال العربيّ، وتحت راية “الجهاد” الذي ضلّ طريقه.
فناموا ولا تستيقظوا أيّها العرب فما فاز إلا النُّوَمُ.