عمليات القتل في الأراضي الفلسطينية أمر مفزع، ونأمل أن لا تتحوّل إلى ظاهرة، أو إلى مجرد خبر تتناقله وسائل الإعلام، أو إحصاء لعدد القتلى يضاف الى قوائم عدد الضحايا التي تنشرها دائرة الاحصاء، وبعض المنظمات الحقوقية، خصوصا وأن الأيام القليلة الماضية شهدت عمليّات قتل شبه يوميّة، وبغض النظر عن أسباب هذا القتل، إلا أننا نقف أمام جرائم بشعة ما كان يجب أن تقع، وهذا يستدعي وضع الحلول المناسبة والسريعة لها، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال قوانين رادعة، تحميها السلطة التنفيذية، ويطبقها القضاء العادل.
ونظرة سريعة لعمليات القتل التي تستدعي عمل دراسات اجتماعية وعلمية للوقوف على أسبابها، من أجل معالجتها واقتلاعها بشكل جذريّ، سنجد أن التربية العشائرية والقبلية التي هي افراز “لوحشيّة ثقافة الصّحراء” التي تقدّس عمليات الثأر، وما يترتب عليها من تصعيد للخلافات التي تنشب في غالبيتها بناء على أسباب تافهة، لتتطوّر إلى عمليات قتل بشعة، قد يذهب ضحايا لها أشخاص لا علاقة شخصية لهم بالخلاف. ولتنتهي مؤقتا بـ “صلحات عشائرية” ليعود التصعيد طلبا للثأر بعد أشهر قليلة، ولتكون الخسائر أكبر مما كانت سابقا، وقد تصل إلى جريمة القتل، وما يترتب عليها من قتل جديد، وما يتبعه من حرق للمتلكات والبيوت، وما يصاحب ذلك من إجلاء لعائلة القاتل بمن فيهم أُسَر لا علاقة لها بالجريمة، وما يصاحب ذلك أيضا من ترويع للبشر ومن ضمنهم النساء والأطفال والشيوخ.
ولا يحتاج المرء إلى كثير من الذكاء ليعلم بأن القتل جريمة بشعة لا يقرها العقل البشريّ السّويّ، كما أنّها محرّمة دينيا، فجميع الديانات السماوية تحرّم القتل، وتحترم حياة الانسان.
قال تعالى في القرآن الكريم:” وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” وقال “وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ” “وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اجتنبوا السبع الموبقات…- وعدَّ منها-… قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق”.
وحتى القتل الخطأ لم يتهاون به الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قٌتِل خطأ فديته مائة من الإبل، ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة وعشرة بني لبون ذكور.” وإذا عفا ذوو القتيل عن القاتل ورضوا بالدِيّة فإنه تلزمه كفارة تزكية لنفسه وهي بالترتيب عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.”
وإذا كان القتل هو عقوبة القاتل عمدا حسب الدّين، فإن المخول بتنفيذ العقوبة هو الحاكم وليس ذوي القتيل، وإذا ما أقدم أحد من ذوي القتيل على قتل القاتل، فإنه يُقتل به، وفي هذا دعوة لحماية القانون، لأن القانون يحمي الجميع. فما بالكم إذا استهدف الثأر شخصا آخر من ذوي القاتل؟
فهل يعلم القتلة ومن يقف وراءهم، أو يحرّضهم أمور دينهم ودنياهم؟ وإن علموا أو لم يعلموا فلماذا لا يوجد قوانين رادعة تجعل من القاتل عبرة لغيره؟
ولا بدّ من التّأكيد أنّه لا يوجد مبرّر للقتل مهما كانت الأسباب، ولا يمكن تبرئة الاحتلال من عمليّات القتل، فاستمرار هذا الاحتلال وما يصاحبة من جرائم بحق الانسانيّة، وعدم رضوخه للقانون الدّولي، ولمتطلّبات السّلام العادل، تغلق أبواب الأمل أمام الشّباب الفلسطينيّ.
9-7-2016