منذ وصول الرئيس الايراني أحمدي نجاد الى سدة الحكم صدرت عنه عدة تصريحات صحفية ، وأقوال في خطابات مختلفة المناسبات ، تتركز حول عداء سافر لاسرائيل ، وصلت في بعضها الى درجة التهديد بإزالة اسرائيل عن الوجود ، كما صدرت تصريحات مماثلة عن مسؤولين ايرانيين سياسيين وعسكريين ، وكانت قبل ذلك صدرت تصريحات عدائية أخرى لاسرائيل من قادة ايرانيين سابقين منذ انتصار ثورة الامام الخميني على نظام الشاه السابق محمد رضا بهلوي عام 1979 .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ما هي طبيعة الخلافات الايرانية الاسرائيلية ؟؟ وهل ينطلق هذا العداء من باب مناصرة ايران للعرب في صراعهم مع اسرائيل ؟؟ أو هل تقف دوافع ” الأخوة الاسلامية ” بين الدول العربية وايران خلف الموقف الايراني من اسرائيل ؟؟ وهناك عشرات الاسئلة التي تثير فضول المواطن العربي أو حتى بعض القوى السياسية ،وبعض الأشخاص المهتمين سياسياً على الأقل بقضايا الشرق الأوسط ، كونهم جميعهم أو بعضهم ضحايا لهذا الصراع .
ومن هذه الأسئلة طبيعة العلاقة بين ايران وبين بعض الأنظمة العربية مثل النظام السوري ، وطبيعة العلاقة بين ايران وبعض التنظيمات الاسلامية العربية مثل حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين .
وفي محاولة لمعرفة الاجابة على هذه الأسئلة وغيرها ، لا بُدّ من التساؤل حول طبيعة النظام الايراني ، هل هو نظام ديني اسلامي أم نظام قومي فارسي ؟؟
واذا ما عدنا الى الدستور الايراني ، والى النظام الاسلامي في ايران منذ عهد الامام الخميني المرشد الأعلى الأول للثورة الايرانية ، سنجد أن النظام نظام قومي، بدلالة تناقض أحد بنود الدستور الايراني مع “الدستور الاسلامي” ان جازت التسمية ، وهو بند اللغة حيث أن لغة جمهورية ايران الاسلامية هي الفارسية، وليست العربية كونها لغة القرآن الكريم ، كما أن الامام الخميني نفسه رفض أن يعلن نفسه خليفة للمسلمين كي تتم مبايعته من قبل المسلمين، وبعض الأحزاب الدينية التي تدعو للخلافة مثل حزب التحرير الاسلامي.
واذا ما عدنا الى ما قبل الثورة الايرانية فإن نظام الشاه كان يُعتبر- وبدعم العالم الغربي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية – من أقوى الأنظمة في المنطقة إن لم يكن أقواها، وكانت تربطه علاقة ممتازة مع اسرائيل، ومع القوى الامبريالية العالمية.
وبما أن أوروبا وأمريكا حاولتا التكفير عن جرائم النازية والفاشية ضد الانسانية بشكل عام، وضد اليهود بشكل خاص، فقد عملتا على اقامة دولة يهودية في فلسطين وعلى حساب شعبها، وإن كان هذا التوجه قد ظهر قبل ذلك بعقدين من خلال وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني عام 1917.
وما صاحبها في اتفاقات سايكس بيكو من الاتفاق على تقسيم العالم العربي الى دويلات، فإن أمريكا التي خرجت من الحرب الكونية الثانية كالقوة الأعظم عسكرياً واقتصادياً، أرادت هي وحلفاؤها في أوربا أن تكون اسرائيل قاعدة متقدمة لهم في الوقوف أمام ما كان يسمى الخطر الشيوعي القادم من الاتحاد السوفييتي والصين، ومجموعة الدول الاشتراكية الشيوعية، هذه القاعدة يتم فيها تخزين الأسلحة واستعمال مستشفياتها كمراكز متقدمة علمياً وجغرافياً للجيوش الغربية في حالات الحروب، الا أن مبررات وجودها لم تستنفذ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والدول الشيوعية في بداية تسعينات القرن الماضي، ومن هذه المهمات الحفاظ على الأنظمة العربية الموالية لأمريكا وللغرب، ومنع قيام أي حركات ثورية في العالم العربي تهدد المصالح الغربية الحيوية وفي مقدمتها امدادت النفط .
وواضح أن ” النظام الايراني الاسلامي ” يسعى الى اعادة بناء امبراطورية فارس والى ان يكون القوة الاقليمية الأولى في المنطقة، وهذا حقه، وقد بدا واضحاً هذا التوجه الايراني من خلال التطوير الصناعي الهائل في ايران، وفي مقدمته التصنيع العسكري، وبناء القوة العسكرية الهائلة في ايران خصوصاً بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية، ومواصلة ايران لتطوير برنامجها النووي للأغراض السلمية كما تعلن، وقد يصل الى انتاج الأسلحة النووية تماماً مثله مثل اسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا سكتت أمريكا وأوروبا على ايران بهذا الخصوص،في حين قامت بتدمير العراق واحتلاله واسقاط نظام البعث فيه لمحاولته بناء قوة عسكرية اقليمية، ولم تفعل الشيء نفسه مع ايران؟ ومع أن هناك اسباباً كثيرة تقف وراء ذلك الا أن ما يهمنا هو أن ايران تعمل على أن يتقبلها العالم الغربي، وفي مقدمته أمريكا كحليف له في خاصرة العالم العربي الشرقية، بديلاً لاسرائيل في خاصرته الغربية، وهي تراهن على ذلك، وأمريكا وأوروبا يعلمان ذلك جيداً، خصوصاً وأن ايران ستكون مقبولة عربياً أكثر من اسرائيل، وهي قادرة على استغلال “الأخوة الدينية” في هذا المجال، ويبدو أن المحافظين الجدد والحاكمين في أمريكا يراقبون ذلك، وان كانت ميولهم ومن منطلقات دينية الى اسرائيل أكثر منها الى ايران، وواضح أن بعض الأنظمة العربية الموالية لأمريكا متخوفه من ايران أكثر من تخوفها من اسرائيل، مع ان اسرائيل عدو قائم وتحتل أراض عربية، في حين أن ايران عدو محتمل، وهذا تفسير للعلاقات السورية والايرانية ،حيث يبدو ان سوريا ترى أن عدو عدوي صديقي، مع أن عداء ايران للمصالح العربية وللأمن القومي العربي واضح للعيان، والا كيف يمكن تفسير مواصلة احتلال ايران للجزر العربية الثلاث؟ وتصريحات الرئيس الايراني ضد البحرين التي يحاول احتلالها هي الأخرى، وقبل هذا أو ذاك هو التعاون الايراني مع الولايات المتحدة وحلفائها لاحتلال أفغانستان والعراق، كما صرح بذلك أكثر من مسؤول ايراني؟ وكيف يمكن تفسير ما تقوم به ايران في العراق، وعمل رجال مخابراتها فيه، وقيامها باغتيالات علماء وطياري وجنرالات الجيش العراقي السابق،وشيوخ العشائر الذين يناهضون الاحتلال الأمريكي والوجود الايراني في العراق، ودعمها لطوائف ضد أخرى من أجل تقسيم العراق، وكل ذلك أمام عيون المحتلين الأمركيين الذين لا يمنعون ذلك،بل ويتغاضون عنه؟ فهل من يقوم بتدمير العراق مع الأمركيين، ويحتل أراض عربية في الخليج معني بتحرير فلسطين؟
يبقى أن نقول أن ايران لا تقل خطورة على العرب من اسرائيل، وما عداؤها لاسرائيل الا كونها تطرح نفسها حليفاً بديلاً لأمريكا وللغرب، واذا ما قامت أمريكا بشن حرب على ايران فهو لكونها ترفض أي بديل لحليفتها اسرائيل، وما عدم شنها لهذه الحرب الا محاولة منها للتوفيق بين الحليفين تماماً مثلما كان الوضع زمن الشاه،وليبقى العرب بين فكي التمساح الامريكي، ويبقى الخاسر الوحيد هو العالم العربي الذي يرى غالبية قادته مصلحتهم في التبعية أكثر من بناء قطب عربي قوي ومستقل، ويقيم علاقات وتحالفات دولية على أساس المصالح المشتركة.