الصّراع بين العلم والجهل في رواية “زمن وضحة” بقلم: سوسن نجيب عبد الحليم
صدرت رواية زمن وضحة للأديب المقدسيّ جميل السلحوت عن مكتبة كلّ شيء في حيفا قبل أيّام قليلة، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها شربل الياس في 224 صفحة من الحجم المتوسّط.
عندما قرأت العنوان”زمن وضحة” شدّني الإسم البدوي ” وضحة ” الذي هو احدى صفات الخيول العربية الأصيلة، و هي ناصعة البياض، فكانت اسما على مسمّى، وضحة طيّبة القلب ورقيقة الأحاسيس، وبنفس الوقت تمتلك من الصّلابة وّالقوة ما يمكّنها من فرض شخصيّتها على كلّ من عرفها، وخاصّة أن صورة الغلاف أنيقة، لتمثّل وضحة فائقة الجمال وتدلّ على حياء المرأة العربية والتزامها بتمرد.
كان الكاتب موفقا ورائعا بالإهداء الى الحفيدة لينا ” معنى اسمها قريب من صفات وضحة” وتعني باللاتينية الفاتنة والنّور، وبالعربيّة صفة من صفات الخيول الأصيلة البياضاء. والتي توجها جدّها بعقد من الزّنبق النّاصع.. ولعلّ الكاتب جميل السلحوت أراد أن يلفت نظر حفيدته عندما تكبر لشخصيّة وضحة التي استطاعت تحنيط الأعراف والتّقاليد، وتغيّر شخصيّتها وتثور علي ما كان يعشّعش في أمخاخ مجتمعها؛ لتصبح أكثر وعيا وإدراكا ومقاومة للإيحاءات والتأثيرات السلبيّة .
الرواية عبارة عن معالجة لظواهر اجتماعيّة منتشرة في بعض المناطق القرويّة والبدويّة في مجتمعاتنا العربية، وقد أيقظت الإحساس في نبذ بعض العادات والمفاهيم لدى المجتمع، ووضع حد للتسلّط الذكوريّ وتصرفاته بما يروق لهم، متجاهلا أحاسيس الأنثى بالمجتمع، والحطّ من مكانتها الانسانيّة، غلفها الكاتب بغلاف ساخر أحيانا وتراجيديّ أحيانا أخرى.
منذ العصور القديمة والمرأة مهضوم حقها كإنسانة شريكة للرّجل، فكلّ المجتمعات قاطبة مجتمعات ذكوريّة تسخّرها في أعمال البيت، وعليها السّمع والطاعة ولا يحق لها أن تشارك الرّجل بالرّأي.
ظهور الدّكتور ممدوح وريتا كان بوقا ينبذ الحيف والاستبداد الجاثم على حياة التّخلف والإعتقادات الخاطئة المتوارثة التي راح ضحيتها الكثير. وأخذا دورهما في تنمية المجتمع صحيّا، تعليميّا، ثقافيّا، اجتماعيّا واقتصاديّا، من أجل حياة حرّة كريمة تخلق توازنا نفسيّا، يفتح فضاء الابداع للإنسان؛ ليحقّق ذاته التوّاقة للأفضل دائما في رحاب العلم. وهذا ما عشناه فصول الحياة مع التّغيّرات التي حدثت لوضحة وزعرورة وبهيّة، فلم يكن التّغيير عصيّا، بل كانوا يتمنون أن يصبحوا مثل ريتا ونسرين، وتعلّموا بسرعة وسهولة، وكان التّغيير بالقرية سواء من ناحية المرأة أو الرّجل على حدّ سواء، كما رأينا في حالة عارف الذي تحول من مجنون وأميّ إلى موظّف ومتعلّم. ووضحة من خريجة صف سادس الى دراسات عليا وتقود سيّارة .
الأنثى في زمن وضحة كانت طموحة وكنزا دفين للثّقافة ، فقد ثارت على الجهل والعادات والتّقاليد والنّفاق الإجتماعيّ والرّياء . وبنفس الوقت تمتلك كنزا ثمينا من الأمثال والأغاني الشعبيّة التي هي نبض تراثنا وملح الأرض وبقائها . عشنا بمقت وغضب ورائحة الشّواء زكمت أنوفنا مع “أبو بسطار” المتخلّف والمتعصّب، وبألم مع رمّانة المسكينة التي راحت ضحيّة الجهل، وجبروت المرأة المتسلطة مع أمّ حمدان، والضعف والإنكسار مع بهية، قوّة الإرادة والجرأة مع وضحة، وقوّة الشخصيّة والعلم مع الدّكتور ممدوح و وزوجته الصّيدلانيّة ريتا، والحكمة مع المختار أبي سعيد .
أسلوب الكاتب والرّوائي الكبير جميل السلحوت عبّر بذكاء وجرأة بالطّرح عمّا يجول في نفوسنا من أفكار وعواطف، وأوجد لنا الحلّ للمشاكل التي يعاني منها المجتمعات الصّغيرة والمهمّشة، وترك أثرا كبيرا بتحقيق الإفادة والإمتاع في آن معا. أمّا اللغة فكانت رائعة بين المقطوعات الأدبية والصّور الإبداعيّة، واللغة العاميّة التي تتناسب مع الحدث وحسب الثّقافة السّائدة في ذلك المجتمع .
الرّواية ترصد مرحلة عاشها شعبنا في الرّيف والبادية في النّصف الأوّل من القرن العشرين، ومن هنا تنبع أهمّيتها.
1-11-2015