ممّا لا شكّ فيه أنّ حكومة بنيامين نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة قد استغلّت حالة الضّياع والتّفكّك والاحتراب الدّاخلي التي يعيشها العالم العربيّ، مصحوبة بحالة الانقسام على السّاحة الفلسطينيّة، من أجل خلق واقع جديد في المسجد الأقصى، والتّسريع بتهويد القدس العربيّة المحتلة، ومشاريع الاستيطان لخلق وقائع جديدة على الأرض تجعل قيام دولة فلسطينيّة أمرا خياليّا، ورغم معرفة حكّام اسرائيل بمكانة المسجد الأقصى كجزء من عقيدة المسلمين، إلا أنّ ذلك لم يردعهم عن المساس بحرمة هذا المسجد، وهم لم يتعلّموا من تجربتهم عندما اقتحم أريئيل شارون المسجد في أيلول عام 2000، وأشعل نيران عنف حصدت أرواح الآلاف، تماما مثلما لم يتعلّموا من تجارب غيرهم من القوى الامبرياليّة التي تشبثّت بمستعمراتها وكانت النتائج أن دخلت هذه القوى مزابل التاريخ، وتحرّرت الشّعوب المستعمرَة، لكن بعد خسائر فادحة. فالاحتلال نهايته إلى زوال، ولا بدّ أن يتمكنّ الشّعب الفلسطينيّ من حقه في تقرير مصيره على أرضه واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشّريف على الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967، حسب قرارات الشّرعية الدّوليّة.
وإذا كان الاسرائيليّون لم يتعلّموا من تجاربهم ومن أخطائهم ومن التّاريخ، فهل نتعلّم نحن الفلسطينيّين من تجاربنا وتجارب غيرنا؟ فهناك من يرفع شعار”أنّ من حقّ الشعوب المقهورة والواقعة تحت الاحتلال أن تقاوم قاهرها ومحتلها بكلّ الطّرق التي ترتئيها وتستطيعها” لكن هذا شعار فضفاض لا يؤخذ على علّاته! فليست ظروف كلّ الشّعوب والدّول متشابهة. وعلينا الانتباه إلى الظّروف المحليّة والاقليميّة والدّوليّة، وأن نستفيد من تجاربنا وتجارب غيرنا، فعسكرة الصّراع لن تعود علينا إلا بالويلات والخسائر، وهذا ما حصل في الانتفاضة الثّانية. بينما الانتفاضة الشّعبيّة الأولى حقّقت مكاسب كثيرة، وعرّت اسرائيل أمام الرّأي العامّ العالميّ، ولو أحسنت الدّبلوماسيّة الفلسطينيّة والعربيّة استغلالها لأنهت الاحتلال، ولتمكنّ الشعب الفلسطينيّ من تحقيق حلمه بالتّحرّر والاستقلال. لكنّها كانت فرصة ضائعة لم تستغلّ سياسيّا كما يجب.
وفي الوقت الذي باتت فيه القيادة الفلسطينيّة على قناعة تامّة، بأنّ التفاوض مع نتنياهو وحكومته لن يتمخّض عن شيء سوى زيادة الاستيطان، فإنّها استطاعت بدملوماسيّتها تعرية اسرائيل أمام الرّأي العامّ العالميّ، وبتنا نشهد حملات المقاطعة لاسرائيل في أوروبا وأمريكا حليفة اسرائيل الاستراتيجيّة. وهذا ما يقلق الحكومة الاسرائيليّة.
وفي الطّرف الآخر فإنّ حكومة نتنياهو ذات الأيدولوجيّة الصّهيونيّة القائمة على الاستيطان والتّوسع، تؤمن بسياسة القهر العسكريّ وتحقيق سياساتها من خلال القوّة، وهي لا تؤمن بأيّ حقوق للشّعب الفلسطينيّ، وأقصى ما يمكن أن تتنازل عنه هو اعطاء الفلسطينيّين ادارة مدنيّة على السّكان وليس على الأرض. وهي تشرّع قوانين أقلّ ما يمكن وصفها به أنّها قوانين عنصريّة. وبسياستها هذه فإنّها أطلقت يد الجيش والمستوطنين في الأراضي المحتلّة لتقتل وتدمّر كيفما تشاء. وسياستها هذه لن يسكت عنها الرّأي العامّ العالميّ رغم الدّعم الأمريكيّ اللامحدود لها، والذي يجعل من اسرائيل دولة فوق القانون الدّولي وفوق قرارات الشّرعيّة الدّوليّة. والرّأي العامّ العالميّ بات يدرك جيّدا ألاعيب نتنياهو ومحاولاته كسب الوقت لتحقيق أهدافه التّوسّعيّة، ويدرك أنّ استمرار الصّراع يهدّد دول وشعوب المنطقة، كما يهدّد السّلم العالميّ، وبذا فإنّه لن يسمح باستمرار الأوضاع على ما هي عليه إلى ما لا نهاية. فهل نتعلّم من أخطائنا ومن أخطاء غيرنا؟
10-10-2015