هل الحروب الدّائرة في العالم حروب اقتصاديّة أم دينيّة؟ فلنقرأ أسباب هذه الحروب والأهداف التي ترمي إليها كي نستطيع الاجابة على سؤالنا، خصوصا وأنّ كثيرين منّا نحن العرب والمسلمين من يعتقد أنّ هناك “حروبا صليبيّة” تشنّ علينا للقضاء على الاسلام والمسلمين، وكأنّ الدّين الاسلاميّ مجرّد فكرة عابرة يسهل القضاء عليها، واذا كان الصّراع دينيّا حقا فلماذا تسمح “دول الكفر” غير المسلمة للمسلمين بدخولها والعيش فيها؟ وغالبيّة الدّول الغربيّة أعطت حق اللجوء السّياسي للهاربين من بلدانهم طلبا للنجّاة بأرواحهم، كالسّوريّين والعراقيّين، والأفغان وغيرهم. وتسمح لهم باقامة المساجد واقامة شعائرهم الدّينيّة بحرّيّة تامّة، ومنهم من يعتلون منابر المساجد في تلك البلدان داعين الى الانتقام من غير المسلمين، في حين لا يجرؤون على فعل ذلك في بلدانهم.
وهل كانت بريطانيا وفرنسا على سبيل المثال معنيّتان بالحفاظ على الدّيانة اليهوديّة عندما أصدرتا وعد بلفور في العام 1917 الدّاعي لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، أم للحفاظ على مصالحهما الاقتصادية والاستراتيجيّة في المنطقة؟ وهل كان قادة الفكر الصهيوني حاخامات يهود عندما رفعوا شعار” العودة إلى أرض الميعاد”؟
وبالمقابل فهل أمريكا ودول النّاتو حريصون على نصرة الاسلام السّنّي بتغذية الحرب التدميريّة القاتلة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، فهم يدرّبون ويسلحون ويموّلون من يخوضون تلك الحروب القذرة؟ وإلى ماذا تهدف هذه الحروب؟ وإلى أين ستصل بالعالم العربيّ؟ وهل قتل المسيحيّين والازيديّين والكلدانيّين والأشوريّين والصابئة فريضة اسلاميّة؟ ومن الذي يقف وراء اشعال نار الفتنة الطّائفيّة؟ وهل مال البترول العربيّ الذي يموّل حروب الاقتتال في الدّول العربيّة لنصرة الاسلام والمسلمين؟ ومن يأمر ذوي الأمر في تلك الدّول لتمويل هذه الحروب؟ وهل اسرائيل تناصر ثورة اسلامية عندما تعالج جرحى جبهة النّصرة في مستشفياتها؟ وكيف تنسّق معهم؟ وهل أمريكا وحلفاؤها عاجزون عن انهاء داعش؟ ومن يموّل الدّواعش؟ ومن يشتري منهم البترول؟ وكيف؟
وهل حماية الدّول الغربيّة لاسرائيل ودعمهم اللامحدود لها من باب بناء امبراطوريّة لليهود، أم لتكون اسرائيل رأس حربة للسيطرة على المنطقة العربيّة؟
معروف أنّ العلاقات بين الدّول تقوم على المصالح، وليس لنصرة دين معيّن على دين آخر، لكن يجري استغلال الدّين لتجييش الجيوش من عامّة النّاس ليكونوا وقودا للحروب، فالرّئيس الامريكي السّابق جورج دبليو بوش زعم بأنّه يتلقى الأوامر من الرّب يوميّا، وعبّأ بسطاء الأمريكيين لغزو أفغانستان والعراق، فدمّر البلدين واحتلهما وقتل الملايين من شعبيهما، والحركة الصهيونيّة ناقشت اقامة وطن قوميّ لليهود في أوغندة أو في الأرجنتين، وحسم هيرتسل النّقاش برفع شعار دينيّ توراتيّ هو “العودة إلى أرض الميعاد” لاستغلال العواطف الدّينيّة لليهود من أجل استقطابهم للهجرة إلى فلسطين.
وحتى الغزو الأوروبي للمشرق العربيّ والذي أسماه الأوروبيّون أنفسهم “الحروب الصّليبيّة” في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، كان تحالفا بين رجال الاقطاع والكنيسة، لتجييش رعاع الأوروبّيّين لهذه الحروب، وقد انتبه العرب في حينه لذلك فأسموها “حروب الفرنجة” وقد شارك المسيحيّون العرب في التّصدّي للغزاة الأوروبّيّين.
وأمريكا لم تخف دوافعها في المنطقة، فأثناء الحرب الاسرائيليّة على لبنان في صيف العام 2006 أعلنت كونداليزا رايس وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة من بيروت ” أنّ تطبيق مشروع الشّرق الأوسط الجديد قد بدأ” وكانت تعتقد أن اسرائيل ستنتصر في تلك الحرب. لكن العربان والاسلام السّياسيّ لم يقرأوا المرحلة جيّدا، فقامت أمريكا بتجنيد المتأسلمين الجدد لتحقيق المهمّة باتدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا وحتى مصر، وستتبعها دول عربية اخرى لتقسيمها إلى دول طائفيّة متناحرة، وهذا سيحمي المصالح الامبرياليّة في المنطقة لمئة سنة قادمة، وسيطلق يد اسرائيل لتسيطر على المنطقة.
أمّا نحن العربان فانّنا نحمل مفاتيح الجّنّة لنعيش حياتنا الأخرى!
27 تموز 2015