لا يخفى على أحد بأن ايران تسعى لتكون الدّولة الاقليميّة الأولى منافسة بذلك تركيّا واسرائيل، خصوصا بعد تدمير العراق واحتلاله، وبعد اخراج مصر من دائرة الصّراع الشّرق أوسطي في عهد السّادات، وتدمير وتخريب اقتصادها في عهد مبارك، ومن حقّ ايران أن تبني امبراطوريّتها كيفما تشاء، تماما مثلما شاء القادة العرب أن يخرجوا أمّتهم من التاريخ، وارتضت شعوبهم ذلك. وبالتّأكيد فان لايران أطماعها في دول الجوار العربيّ، وهي أطماع مذهبيّة أكثر منها أطماع توسّعيّة، وعندما صرّح مسؤول ايرانيّ كبير بأنّ ايران تسيطر على أربع دول عربيّة، وأن بغداد ستكون العاصمة فهو يعني عاصمة الامبراطورية الشّيعيّة وليست الفارسيّة. وهنا يجب التأكيد على أنّ الشّيعة طائفة اسلامية لها اجتهاداتها، وأقرّتها دولة الخلافة الاسلامية في تاريخها الطويل، ولا يجوز تكفيرهم.
ونحن نسوق هذا في أعقاب الاتفاق “الدّولي” مع ايران حول مشروع الأخيرة النّوويّ. واللافت فيه هو مخاوف الدّول العربيّة من المشروع النّووي الايرانيّ قبل الاتفاق المذكور وبعده، بل هناك خوف دائم من ايران وقوّتها المتصاعدة.
لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا كلّ هذه المخاوف من ايران غير النّووية، والغزل العربيّ مع اسرائيل النّوويّة والمحتلة لفلسطين والجولان السوريّة ومزارع شبعا اللبنانيّة؟ صحيح أنّ ايران ساعدت وتساعد حزب الله في لبنان، والنّظام السّوريّ والحوثيّين في اليمن، والمتمرّدين الشّيعة في البحرين وشرق السّعوديّة، لكنّها لم تحتل أرض هذه الدّول، ولم تشرّد شعوبها، بل إن العربان هم من يموّلون الارهابييّين في سوريّا لتدميرها وقتل وتشريد شعبها، ولا أطماع توسّعيّة لايران في العالم العربيّ، لكن لها أطماعها في التّوسّع المذهبيّ. والأمر مختلف مع اسرائيل فقد ابتلعت فلسطين كاملة، وتمنع قيام دولة فلسطينية على 22% من فلسطين، وشرّدت ثلثي الشعب الفلسطيني، وقتلت ودمّرت في فلسطين وغيرها من الدّول العربيّة. ولها أطماعها التّوسّعيّة التي تتعدّى حدود فلسطين التّاريخيّة، وتملك أكبر ترسانة عسكريّة في المنطقة، بما فيها السّلاح النّوويّ. فلماذا هذا الغزل معها؟ ولماذا هذه المخاوف من ايران؟ ولماذا ارتضى العربان أن يكونوا على هامش دول المنطقة؟ بل إنهم ارتضوا أن يكونوا مطيّة لغيرهم، يقتلون بعضهم بعضا ويدّمرون أوطانهم بأيديهم.
وواضح أنّ الصّراع مع ايران صراع مذهبيّ طائفيّ، وليس صراعا حدوديّا أو على الأراضي، واسرائيل هي الأخرى تقيم سياستها على الأسطورة الدّينيّة، وكل مستوطاناتها تحمل أسماء توراتيّة، وتسمّي حروبها وحملاتها العسكريّة بأسماء توراتيّة أيضا. فلماذا يرى القادة ومشايخ السّنة خطرا في التمدّد الشّيعيّ ولا يرون خطرا في التمدّد اليهوديّ؟ والجواب بسيط وهي أن اليهوديّة لا تدعو إلى التبشير الدّينيّ، على عكس الاسلام الذي يدعو البشرية جمعاء لدخوله، لكنّ أهل السّنّة يكفّرون الشّيعة مع أنّهم مسلمون. فهل يرى الحكام العرب أن استمراريّتهم في الحكم مرهون بقوّة أهل السّنّة واضعاف الشّيعة، أم أنّهم يوافقون على الاحتلال الاسرائيليّ بناء على طلب “الصّديقة” أمريكا؟ أم أنّهم يقودون الأمّة من خراب إلى خراب لتضيع بين السّنّة والشّيعة؟ وإذا لم يكونوا كذلك فلماذا تحالفوا ضدّ نظام الرئيس العراقيّ صدّام حسين مع أنّه سنّيّ؟ وما المانع من أن يتحالفوا ويتّحدوا لبناء امبراطوريّة عربيّة تنافس ايران واسرائيل ومن بعدهم تركيا؟ إن أكبر الفتن هي من تتمترس خلف الغيبيّات الدّينيّة، ويؤمن أتباعها بأنهّم يملكون مفاتيح الجنّة، وبالتّالي فقد تمّ استغلال الاسلام السّياسيّ جيّدا لذبح المسلمين وغير المسلمين في العالم العربي، ولتدمير الأرض العربيّة.
25 تمّوز 2015