هذه هي المرّة الثّالثة والعشرون التي أزور فيها أمريكا، وفي كلّ مرّة أكتشف أشياء جديدة، أو تتاح لي الفرصة لمشاهدة أشياء جديدة، ولا عجب في ذلك، فأمريكا امبراطوريّة خرافيّة، متقدّمة علميا، صناعيّا، زراعيّا عمرانيّا حضاريّا وعسكريّا…الخ. وهي تسيطر على اقتصاديّات العالم بقوّتها العلميّة والعسكرية، لكنّ هذه الامبراطوريّة سبب تعاستنا وشقائنا كفلسطسينيّين وعرب، فهي تدعم اسرائيل لترسيخ احتلالها لأرضنا، ومنع شعبنا من حقّه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشّريف. وهي من تسيطر على منابع البترول العربي، ومن دمّرت العراق العظيم واحتلته في العام 2003 وقتلت أكثر من مليون مدني عراقي، وهي من تموّل وتسلّح وتدرّب جماعات القتل والارهاب والتدمير من المتأسلمين الجدد في سوريا والعراق وليبيا وغيرها عن طريق وكلائها في المنطقة؛ لتطبيق مشروعها “الشّرق الأوسط الجديد” لاعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة.
ما علينا فنحن لسنا في مجال الحديث عن السّياسة.
ويلاحظ أنّ أمريكا التي تحرث الكرة الأرضية بقرنها العسكريّ، وقرنها الاقتصاديّ الهائل، فانها أيضا تعمل على بناء امبراطوريّتها الدّاخليّة أيضا…فالمدن والقرى الأمريكية منظّمة بشكل لافت، فهناك شوارع طولها مئات الكيلو مترات في المدن الكبرى تسير بخط مستقيم، لا ينزاح سنتيمتر واحد، وهناك الجسور التي يصل طولها إلى مئات الكيلومترات أيضا، وبعضها من طبقات، جسور فوق جسور أخرى، الشّوارع الواسعة التي يفصل بين اتّجاهيها جزر مزروعة بالورود وأشجار الزّينة…الحدائق العامّة التي تتوسّط المدن وهي مئات الدّونمات…الأشجار المعمّرة من بقايا الغابات….الغابات الصّغيرة حيث تعيش أعداد من الظّباء والأرانب دون أن يمسّهاا أو يعكّر صفوها أحد. والملاعب الرّياضية للغولف وغيره.
ويلاحظ أنّ حارات ضواحي المدن فيها بحيرات صغيرة تتوسّطها نوافير المياه، وبرك للسّباحة…وحدائق أشجار وورود تحيط بالشّوارع والبيوت.
طيور شاهدتها:
والحفاظ على البيئة وحماية الطّبيعة ثقافة سائدة، لها قوانينها التي تحميها، فالبيت الذي لا يعنى صاحبه بحديقته، ويراعي قصّ أعشاب الزّينة فيها، فإن البلديّة تخالفه بما لا يقلّ عن خمسمائة دولار، وتلزمه بقصّها باستمرار حفاظا على جمال الطّبيعة، وهناك حيوانات وطيور تتواجد في الأماكن المأهولة كالأرانب والإوزّ والبطّ والسّناجيب، وغيرها.
في شيكاغو رأيت أرانب تدخل حدائق البيوت وتلد فيها، ولا يجرؤ أحد على أيذائها، ورأيت أسرابا من البطّ بالآلاف تعتاد النّوم في ملاعب المدارس أو الحدائق الواسعة بأمان واطمئنان، وهناك غزلان في الغابات الصّغيرة التي تخترقها الشّوارع المعبّدة لسيّارات الزائرين، تمشي كما تريد، ويمنع استعمال زوامير السّيّارات لعدم ازعاجها.
مشاهدات:
شاهدت في حيّ Bridge View في شيكاغو حيث بيت شقيقي داود، وهو حيّ غالبيّة سكّانه من العرب والمسلمين، وفيه مسجد ومدرسة اسلاميّة مجموعة من طيور الإوزّ تتمشّى على الرّصيف بحرّية تامة، وبحانبها أرانب تقفز من مكان إلى آخر، لا تخاف من يقترب منها.
وفي حيّ Schawmburg حيث يسكن ويعمل ابني قيس، أشاهد من يرندة البيت وأنا أحتسي قهوة الصّباح أو المساء ـ إن لم يكن الجوّ ماطراـ شاهدت أرانب تصل عتبات البيوت، وسناجيب تتقافز على الأشجار والأرض…لفت انتباهي طائر أكبر حجما من العصافير العاديّة اسمه Red Winged Blackbird ولا يعيش إلا في أمريكا الشّمالية….ريشه ملوّن غالبيّته سوداء…منقاره رفيع بطول حوالي 2 سنتيمتر، يصفر صفرة واحدة عذبة ممجوجة مرّتين، تأتيه أنثاه…ترقص أمامه وهو يعزف لها، وبعد الوصال ينامان متّكئين على بعضهما البعض.
حمام هيوستن:
وفي زيارتنا أنا وزوجتي لهيوستن في ولاية تكساس، حيث ابن العمّ محمّد موسى السّلحوت،
وبينما كنّا نتناول طعام عشائنا ابن العمّ وزوجته جويس، وأنا وزوجتي، في مطعم شواء شهير يحافظ على طابعه الشّعبيّ لرعاة البقر، اقتربت منّا حمامة…حاولت أن تنقر الطّعام من صحوننا…دفعناها بلطف…وضعت لها نوعا من الحلوى فيه ما يشبه السّميد…أكلت وجاء عدد آخر من الحمام…انتعف الطّعام على الطّاولة…جاء النّادل يمسح الطّاولة…لم يحتجّ عل ما فعلته، فقط رفع يده ليبعد الحمام عن الطّاولة…وضعت للحمام قطع خبز على الأرض تناولها وهو يمرّ من بين أرجل الزّبائن بأريحيّة تامّة.
قلت لابن عمّي: لو أنّ هذا الحمام في بلادنا، لما تجرّأ على الاقتراب من أيّ منطقة مأهولة، لأنّه يدرك تماما بأنّه سيكون وجبة طعام شهيّة إضافيّة.
21 حزيران 2015