يعرف العالم جميعه أن الجيش الاسرائيلي من أقوى الجيوش في العالم، وهو الأقوى في منطقة الشرق الأوسط بدون منازع، وهو الأكثر استعمالا لتكنولوجيا الحرب والقتل والتدمير. وقد أثبت ذلك على أرض الواقع من خلال الحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني منذ 13 حزيران الماضي، وتطورها إلى حرب تدميرية كاسحة على قطاع غزة منذ 7 تموز الماضي.
ومما لا شك فيه أن هذا الجيش وبتوجيه من قيادتيه السياسية والعسكرية قد أجاد فنّ حرب الأرض المحروقة التي تعتمد على كثافة النيران جوّا وبرّا وبحرا، واستباحة دماء من يتواجدون في المناطق المستهدفة.
ويحق لهذا الجيش ولقياداته أن يفتخروا بأنهم قد فاقوا الآخرين بعدم التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، وأنّه اتخذ سياسة استهداف منازل المدنيين لإبادة عائلات بكاملها من الطفل الرضيع حتى العجوز الذي لا يقوى على قضاء حاجته. وكذلك استهدافه لمدارس وكالة الغوث التي استعملت لإيواء مشردي الحرب. وكان له السبق في قتل مئات الأطفال بمن فيهم الرّضع، ومئات النساء والشيوخ، وكذلك استهدافه للمستشفيات وللمدارس وللمساجد ولمولدات الكهرباء ولكل البنى التحتية، لتبقى شاهدا على الجريمة. وكل هذه جرائم حرب بحق الانسانية.
وهذا الجيش الذي اجتاح قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 370 كلم مربع، ويسكنه أكثر من مليون ونصف المليون انسان غالبيتهم من اللاجئين الذين شردتهم اسرائيل من ديارهم وأراضيهم في حرب العام 1948، وظلت تطارهدم وتبطش بهم حتى الآن. لم يرحم البشر والشجر والحجر، فقتل ودمر كل شيء.
واذا كانت اسرائيل قد شنت حربها هذه بعد تفجيرها للمفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية، واختارت الاستيطان والتوسع على السلام، للخروج من عزلتها الدولية.
لكن اللافت في هذه الحرب هو موقف الادارة الأمريكية برئيسها باراك أوباما، وموقف الأمين العام للأمم المتحدة الذين اعتبروا حرب اسرائيل دفاعية، وبالتالي فانهم يشاركون في سفك دماء الأطفال والنساء الفلسطينيين.
واسرائيل التي اعتادت على شنّ الحروب الاستباقية على الفلسطينيين والدول المجاورة لم تتعلم من أخطائها السابقة تماما مثلما نحن الفلسطينيين وكذلك النظام العربي الرسمي. فالعنف لا يلد إلا عنفا ولا يترك إلا أحقادا.
واسرائيل التي تعمل على تكريس احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية تتهرب من أسباب استمرار هذا الصراع الدامي، وهو احتلالها المستمر للأراضي العربية ومنعها الشعب الفلسطيني بقوة السلاح من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، بل سبق وأن شنّوا حملة اعلامية ودبلوماسية واسعة ضد سياسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس السلمية، بل هددوا بتصفيته.
وبدلا من أن تكون هذه الحرب الكارثية درسا قاسيا يدفع الى خيار السلام، فان اسرائيل اختارت قبل أن تسكت القذائف مواصلة سياسة الحرب، لذا فهي تسعى لانهاء الحرب من جانب واحد كي لا تلتزم بشيء، بل ليبقى أصابع جنودها على الزناد، ولتبقى المشكلة قائمة وكأن الحرب لم تكن. خصوصا بعد فشل حربهم في تحقيق أهدافها.
وما كانت اسرائيل لتستمر في هذه السياسة لولا الدعم الأمريكي اللامحدود لها على كافة الأصعدة، وهذا الصمت العربي الرسمي المريب.
والمراهنة على السلام ستبقى على الرأي العام الاسرائيلي الذي قد يسقط حكومة التطرف اليميني برئاسة نتنياهو. واذا فعلها فهل سيأتي بحكومة سلام؟
3-8-2014