نقاش “همس في أذنها” في اليوم السابع

ن

القدس:19-12-2013 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب “همس في أذنها” بحضور مؤلفه الكاتب المقدسي جمعة السمان، ويقع الكتاب الذي صدر مؤخرا عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، في 304 صفحات من الحجم المتوسط، وصمّمت الفنانة التشكيلية رشا السرميطي غلافه.

مما يذكر أنّ هذا الكتاب هو الاصدار الثاني للكاتب السمان، فقد سبق وأن صدر له قبل حوالي عام كتاب آخر يحمل عنوان”تصبحون على حبّ”.

بدأ النقاش ابراهيم جوهر فقال:

في كتابه الثاني الصادر مؤخرا بعنوان (همس في أذنها) يواصل الزميل (جمعة السمان) حكاية العمر بأسلوب أدبي خاص يعيد الذاكرة إلى أسلوب الكتب غير المصنفة في العصر العباسي حين كانت المؤلفات تجمع بين دفتيها الحكاية والموعظة والرسالة…بعيدا عن الاهتمام بالتصنيف، بل المهم هو تقديم وجبة شاملة متعددة الأجناس والأساليب.

زميلنا (جمعة السمان) في كتابه (همس في أذنها) يعرّج على مسائل الحياة الاجتماعية والتربوية والاقتصادية؛ يحكي حكايات مسلّية ويشير بطرف خفيّ إلى الرسالة التربوية الكامنة في الحكاية، وأحيانا كان ينهي حكايته معتمدا على المفارقة غير المتوقعة مما حقق متعة ومفاجأة تنقل القارئ إلى غاية الكاتب.

جاء أسلوبه بسيطا قريبا من النفس لا تعقيد فيه ولا مبالغة. اعتمد السرد الحكائي وأكثر من الترادف مكرّرا صفة الشخص أو المكان والطبيعة بأكثر من صيغة. لم يختصر في اللغة لصالح الإيجاز والإيحاء بل أصرّ على الإيصال بأسلوب الحكواتي القديم وهو يسرد حكاياته أمام جمهور من المستمعين الشغوفين المنتظرين.

وجدت في (همس في أذنها) تجارب وقصصا وخواطر ومواقف مصاغة بلغة أليفة بسيطة يهمها المعنى والموقف بعيدا عن إشكاليات الصياغة الفنية ؛ إنها لغة التسلية والمتعة المتحصّلة في النهاية.

توزّعت كتابات الزميل (جمعة السمان) على خريطة الأدب المعروفة فتراوحت بين القصة والحكاية واللقطة السريعة والخاطرة والموعظة. وكان للبحر حضوره اللافت ، ولمغامرات البحارة والصيادين وجود يعيدنا إلى أجواء ألف ليلة وليلة، وعالم الخيال الساحر المحلّق.

لقد سخّر الكاتب مخزونه المعرفي وحصيلته الثقافية المستمدة من مطالعاته وخياله وعشقه للتعبير ليكون هذا الكتاب الشامل وهو يحكي تجارب عمر زمني بين الناس والكتب والزملاء من عشاق اللغة والثقافة والتعبير. وهو يحقق في هذا الإصدار تقدّما ملحوظا عما كان عليه أسلوبه وموضوعاته في كتابه الأول.

وقال محمود شقير:

يطيب للأديب جمعة سعيد السمّان أن يكتب نصوصه الأدبية على النحو الذي يلبي رغبته في أن يوصل لقرائه فكرة نيرة، أو موعظة حسنة أو درسًا في الأخلاق، أو حكمة ناجزة مشتقة من تجربة حياتية، محققًا بذلك انحيازًا واضحًا إلى واحدة من أبرز وظائف الأدب، هي التي تضعه في خدمة الحياة والمجتمع بشكل عام، وفي خدمة الإنسان على وجه الخصوص.

في كتابه هذا الذي اختار له عنوانًا قابلا للتأويل، لجهة المناجاة الحميمة أو لجهة التقريع والتحذير، يجرّب الكاتب أجناسًا أدبية شتى وينشرها متجاورة في كتاب واحد رغم تباين أشكالها الفنية، ما جعله يختار للكتاب تصنيفًا يتلاءم مع كل ما ورد فيه، وهو كلمة: نصوص، التي تستوعب هذا التنوّع الوارد في الكتاب. فقد اقترب بعض هذه النصوص  من تخوم القصة القصيرة جدًّا (مثال ذلك: وتاه موج البحر، وكذلك: طبيب دون قلب)، واقترب بعضها الأخر  من آفاق قصيدة النثر (ومثال ذلك: هذيان عاشق). في حين أن نصوصًا أخرى اتخذت شكل المقالة (مثال ذلك: مراهقة، التي يتحدث فيها الكاتب عن تمرد الشباب) أو شكل الخاطرة (مثال ذلك: كلمة بحجم البحر)، أو شكل مقطع من سيرة ذاتية حميمة “مثال ذلك نص: الغولة.”

غير أن شكل الحكاية هو الذي استأثر بالنصيب الأكبر من نصوص الكتاب. ولعلّ أبرز سمات الحكاية تتجسد في هذه الحكايات التي نحن بصددها: فالحدث لا ينمو من خلال رصد العلاقة الدرامية بين الشخوص وإنما من خلال سرد الراوي العليم ومتابعته لتطور الحدث أو الأحداث حتى وصوله أو وصولها إلى النهاية المتوخاة. ولا يكتفي الراوي بذلك، بل يضطلع بمهمة وصف شخوص الحكاية من الخارج، ولا يتم سبر أغوار الشخصيات إلا في القليل النادر. والفترة الزمنية في الحكاية تمتد إلى أمد طويل على عكس الزمن الذي تتقيد به القصة القصيرة مثلاً، علاوة على ظهور المصادفات في الحكاية، وقد تكون سعيدة أو مؤلمة.

ولكي يكسر الكاتب رتابة الحكاية فقد استعان بلغته الرشيقة لكي يجعل لحكاياته رونقًا، ومال في الوقت نفسه إلى استخدام السجع من دون مبالغة أو تكلّف، وأكثرَ من المترادفات والصياغات اللغوية ذات المنحى الشاعري، واعتمد الطبيعة بما تحفل به من بحار وغيوم وأمطار، وغابات وأشجار وأزهار عنصرًا حيًّا يتكرّر بين الحين والآخر في الحكايات، وذلك ملمح من ملامح الأدب الرومانسي الذي يحتفي بالطبيعة وينشئ علاقة وثيقة بينها وبين الإنسان، فيغدو هائمًا بها محتفيًا بجمالها حينًا، واقعًا تحت تأثير تجلياتها الغاضبة حينًا آخر، وهي، أي الطبيعة، تعكس في حالات كثيرة بشكل أو بآخر مشاعره وانفعالاته وهمومه.

وحين يمعن النص في رصد النزعات البشرية التي لا يحدّها زمان أو مكان، مثل الوفاء والغدر والحب والخيانة وما شابه ذلك، فإن أسلوب الكاتب ينحاز إلى استخدام اللغة المجنحة وإلى الاسترسال.  أما حين يذهب النص إلى معالجة قضية واقعية مرتبطة بمكان وزمان محدّدين، فإن أسلوب الكاتب يتخفّف من نزعة الاسترسال وتميل لغته إلى ملامسة أرض الواقع وإلى التعبير المنضبط عن القضية المقصودة “الغولة وحامل حجر مثلا.”

كنت أحبّذ لو نشرت هذه النصوص في كتابين، لأن  جمع سبعة وتسعين نصًا في كتاب واحد على امتداد ثلاثمائة صفحة ونيّف، جاء على حساب الكتاب نفسه. فقد لاحظت أن الكتاب لم يخضع لعملية تحرير كافية، بحيث يجري ضبط الفهرس وترقيمه على نحو دقيق، وبحيث لا يتم نشر نص: عاشقة القبطان مرتين: مرة على صفحة 122 وأخرى على صفحة 283 . وبحيث لا يسقط من الفهرس نص: ارحموها المنشور على صفحة 288 . كذلك كان من الضروري الانتباه إلى أن الجملة التي وردت في نهاية نص “خاصمني قلمي” ص221 ، لن يفهمها إلا من يتعاطون مع الفيسبوك، حيث ورد ما يلي: أريد ثورة، أريد ربيعاً أخضر يزحف على كلمة “لايك”. مللت الكذب والنفاق”.

أخيرًا، فإن الأديب جمعة السمان يمتلك دون شك لغة جميلة تؤهله لتقديم إنجازات أدبية جديدة، وانطلاقاً من قراءتي لمقطع من سيرته ورد في هذا الكتاب تحت عنوان “الغولة”، فإنني أحرّضه على كتابة سيرته الذاتية، لعلنا نظفر بكتاب ممتع عن القدس وعن الكاتب في آنٍ واحد.

وقال جميل السلحوت:

جمعة السّمّان مقدسي من مواليد العام 1935، ونتمنى له الصحة الجيدة والعمر المديد، صدر له قبل حوالي عام كتاب آخر تحت عنوان”تصبحون على حبّ”، وها هو يصدر كتابه الثاني”همس في أذنها” وهو مجموعة نصوص صدرت قبل أيام عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، ومن يعرف كاتبنا عن قرب، سيجد فيه الانسان الهادئ الرائع، فهو حريص على تثقيف نفسه منذ بدايات حياته، وسبق له أن نشر كتابات في صحف ومجلات مصرية مثل “المصوّر” أثناء دراسته الجامعية في مصر، لكن يبدو أن انشغاله في التجارة قد أبعده عن النشر، لكنّه لم يبعده عن المطالعة ومتابعة الشأن الثقافي، ولا عن الكتابة أيضا، فكان يكتب ويلقي ما يكتبه في جوارير ورفوف مكتبته، واهتماماته الثقافية هي التي رعت ووجّهت ابنته الروائية  المعروفة ديمة جمعة السمان منذ نعومة أظفارها، وهو قارؤها ومعلّمها وموجهها وقدوتها الأوّل ولا يزال.

واهتمامات الكاتب السّمّان الثقافية هي التي دفعته الى المشاركة الفاعلة في ندوة اليوم السّابع الثقافية الأسبوعيّة الدّورية في المسرح الوطني الفلسطيني، منذ انطلاقتها في مركز القدس للموسيقى في آذار 1993 ولا يزال. وبما أنّه قارئ جيّد، فإنه مستمع جيّد أيضا، يصغي بانتباه لما يدور في الندوة، وعندما يحين دوره يبدي رأيه بحصافة واتزان وأدب، وهذا من صفاته التي طُبع عليها.

والكاتب السّمّان يبدو لمن يتابع كتاباته، أنّه مؤمن بدور القلم في التثقيف والتعليم، وهو لا يلزم نفسه بصنف أدبيّ معيّن، فهو يحمل قلمه ويخطّ فكرته التي تُلّح عليه، ويصوغها كيفما تيسّر له، بدون تصنّع أو تكلّف، وهو يلتقط أفكاره من الواقع المعاش، ومن تجاربه الشّخصية، فيكتب في قضايا اجتماعيّة، ودينيّة وسياسيّة وتربويّة وأخلاقيّة وتعليميّة، يعزّز الايجابيّات، ويحارب السلبيّات دون تنطع أو تشنّج.

ولو تعمّد كاتبنا أن يكتب القصّة القصيرة والأقصوصة لاستطاع ذلك، لكنّه غير معنيّ بالتصنيف الأدبيّ، وهو بهذا يسبق أبناء جيله، ليصطفّ مع الكتّاب الشباب، محطّما التصنيفات الأدبية المتعارف عليها كلّها…لكنّ حكمته وتجاربه الحياتيّة تبرز في كتاباته، وهذه من مميزاتها وميّزاته.

أمّا نسب أديب حسين فقد قالت:

“همس في  أذنها..” مجموعة من النصوص يهمسها الكاتب جمعة السمان في أذن قارئه يخبره عن حكمته ونصحه في الحياة، إذ تطل علينا شخصية الراوي الجد.

من الحكايات التي رأيتها الأكثر ملائمة كحكايات للأطفال: “أسطورة الفراشة والضوء”، “وصية الجد”، “غيمة وحبة مطر”، “العش القديم”.. فهذه الحكايات لا تخلو من عوامل الخيال، مثل تحول الفتاة الى فراشة في أسطورة الفراشة والضوء، وكلام الشجرة في وصية الجد، وأنسنة الطيور وحديث ومشاعر عصفورة الكنار في “العش القديم”، والعبرة الجميلة التي حملتها قصة “غيمة وحبة مطر”. فهي في رأيي ستنجح في استقطاب الصغار.

من الحِكم الكثيرة التي قدمها الكاتب لقارئه هي (القناعة كنز لا يفنى)، والتي ظهرت بقوة في النصين القصصين  “تسلق الامل على خيوط القمر”، “بلاش طمع”. إذ اعتمد في كلا القصتين على الفارق الطبقي، ففي الأولى يبين قناعة الفقير بحاله وسعادته رغم فقره المدقع، وفي الثانية يبين طمع الخادم والطريق التي تودي به الى التهلكة بسبب عدم قناعته.

“الخادمة” هي قصة خادمة أمينة تحضر ابنتها معها الى بيت سيدتها، لتلعب ابنتها وابنة السيدة، وتعجب طفلتها بإحدى دمى ابنة السيدة فتخفيها في الحقيبة لتُتهم بالسرقة، وتترك أمها العمل. الطفلة تكبر وتصبح طبيبة وتأتي ابنة السيدة لتطلب العلاج عندها، وهنا تحاول الفتاة الانتقام بإدخال محفظتها في حقيبة ابنة السيدة، وعندما يكتشف رجال الأمن أن بصمات ابنة السيدة ليست على المحفظة توضع هي موضع الاتهام الى أن تسامحها ابنة السيدة.. لقد بدأت أحداث القصة بداية جيدة، كنتُ أفضل لو تعامل الكاتب بتسامح أكبر مع شخصية ابنة الخادمة، فهي الطبيبة التي من المفروض أن تقدم علمها بإخلاص وتترفع عن كل الاحقاد السابقة. في القصة بقيت شخصية ابنة الخادمة ذات الموقف الضعيف وعادت لتطلب العفو والرحمة.

أعجبتني قصة “أسطورة الفراشة والضوء” التي من خلالها يحاول الكاتب تفسير ظاهرة اقتراب الفراش من الضوء. فيذكر قصة حب بريئة بين طفلين، ابنة السيد وابن البستاني، وحين تتكبر الفتاة على الفتى، يرحل الفتى، وكانت الفتاة لشدة تعلقها به ترى الشروق مع اطلالته.. لتتحول الفتاة الى فراشة، تبحث عن الضوء هي وصديقاتها الفراشات  لعلّها تعثر عليه، لكنهن يحترقن في المواقد.

تقريبًا في جميع النصوص المكان ليس واقعيًا، بل هو موقع خيالي.

عنوان الكتاب يشير الى الحب والمودة.. ومعظم النصوص والقصص هي قصص حب، التي تبارك أحيانًا هذه المشاعر الرقيقة، وتعظ أحيانًا، وتنهي عن الرذيلة، أو الخيانة، وتبارك الاخلاص والوفاء.. وتحاول التعبير عن الخصام الجميل بين الأحبة.

يظهر في الكتاب تكرار صورة السفينة والغرق، الفروق الطبقية (صورة السيد أو الخادم، الغني والفقير). ويوجد تكرار كذلك في بعض التعابير والصور الأدبية.

الكاتب جمعة السمان البالغ من العمر 79 عامًا، صاحب البسمة السموحة، عضو في ندوة اليوم السابع منذ سنوات طويلة، مثقف وصاحب خبرة كبيرة في الحياة، قدم لنا ملخصًا من حكمته ورؤياه عبر نصوصه وهمساته المجموعة هنا، آمل له العمر المديد ودوام الصحة والرؤيا المشرقة.

وكتبت صابرين فرعون:

جمعة السمّان انسان مثقف يعنى بمعالجة قضايا اجتماعية وإنسانية يفيد فيها من خلال تجاربه وتجارب من حوله..يقوم ببلورة الفكرة في نهج موسيقي للغة بحيث يكون لها ايقاع وقافية أحياناً كما الشعر وتارة أخرى يزنها بمكيال النصح والحزم والمعالجة..وتارة أخرى يحكى لنا قصص منها عبرة أو تأتي على شكل خاطرة بمنولوج داخلي عالي الصوت لذا هو لا يكتب في لون أو جنس أدبي محدد وإنما يترك للقارئ تصنيفه من خلال النص…

ريشة القاص تحمل فكرة وضرب من الخيال أحياناً لتمنحنا الأمل بأن القادم أجمل فتراه يرسم نهايات سعيدة لا تخلو من عنصر المفاجأة..تكمن جمالية نصوصه بأنها تصويرية ,تعبيرية,تمثيلية..مما تركني أسميه “الحكواتي” فلو أتيحت لهذه النصوص أن تمثل في المسرح العرائسي مثلاً فإنه سيوصل فكرة ليس لجيل مثقف فقط وإنما لأجيال يفيدهم بخبرته ومعاركته للحياة…

أسلوبه يعتمد المفردات البسيطة السلسة الخالية من التعقيد كما أنه يعتمد الأسلوب المحكي لمحاكاة الواقع.. بسرديته للحياة الزوجية والحب والفقروالقناعة والضمير والتوبة والعودة إلى الله تعالى والتسامح والاحترام والطرق التأديبية والتربية القويمة لأولادنا فإنه يحمل القارئ المسؤولية الكاملة لاختيار طريقه في واقع الأمر..من الواضح أنه تأثر بالأساليب القديمة التي تعتبر مدارس ينهل منها الأدباء الجماليات اللغوية كما أسلوب ابن المقفع في السرد على لسان الحيوانات والاستطراد كما الجاحظ …

ومن ندوة الخليل كتب رشاد العرب:

…..عندما ألقيت النظرة الأولى على غلافه الرائع ظننتها الموناليزا، وظننت الكاتب عاد ليعشقَ بعد ثمانين عاماَ، وظننتُ الهمسَ إلهاما وعشقا، ولكن ما أن بدأت ألتهم النصوص حتى باغتتني الحكمة تطرقُ أبواب العقل، وداهمني واقعٌ يُعاش ويدون ويُرصدُ في صفحات مقدسية، وفاجأتني الأشياء التي نعيشها ونسمعها وأراها تُكتبُ في سُطور.

لقد استطاع الكاتب أن يجذب القارئ وأن يضع تجارب ثمانين عاماً في لغةٍ سليمةٍ وقريبةٍ وواقعية، ومواكبة للعقل الفلسطيني أيضا رغم اختلاف السن بين القارئ والكاتب، لقد استطاع أن يرصد الواقع بشعبيته وحكمته بقصصه وأساطيره بكباره وصغاره، بقضه وقضيضه، برجاله ونسائه، بأحجاره وزيتونه، بقدسهِ وخليله، نعم لقد برع الكاتب في وصف المكتوب.

جاءَ الكتاب على شكل نصوص نثريةٍ متفرقة عاشها الكاتب أو ربما شاهدها أو سمع عنها، راصداً المجتمع بمكوناته، والوطن بقضيته وسياساته، والإنسان بخيره وشره، وإيجابياته وسلبياته، وفي كل قصة عبرة وفي كل نص معتبرون كثر كلما زاد عدد القراء طبعا.

الثقافة الفلسطينية ظاهرة بين طيات الكتاب، والعربية تطفح، والمرأة تعيشُ منْصَفَة مكرّمة سعيدةً وإنْ شقيت في بعضِ أجزاء الكتاب، ولكنها الحياة بحلوها وبمرها،  الحرية والأخلاق تسيطر على جزء كبير من النص ولكن في النهاية لا بدّ من عبرة.

يؤرخ الكتاب تاريخا وقصصا وأساطير سمعها المجتمع الفلسطيني خلفا عن سلف، ولدا عن والد، ويرصدُ التاريخ بلغة المجتمع ولسان الإنسان البسيط، ويطير بكَ تارة لامرأة في عملها ترفض الحب ثم تعود للحياة به، وتارة لزيتونة سرقت طارحا القضية في حبة زيتون، وتارة لأسطورة خرافية تختتم الكلمات بحكمة لا تكفيها أموال قارون، وتارة للحرية، وتارة لزوجة سعيدة، ليظل القارئ متنقلا بين زيتون الماضي وزهر اليوم.

كما عرج الكاتب على الحداثة بمواقع التواصل الاجتماعي ونقدها بأسلوب شيق يجبر القارئ على المتابعة، وهذا يدلُّ على أنَّ الكاتب رغم سنّه لا زال مواكبا لكل جديد.

الكتاب وإن حملَ عنوانا أنثويا إلّا أنّه يحمل في طياته نقدا اجتماعيا بارعا وتسليطا للضوء على قضايا يعيشها المجتمع الفلسطيني والإنسان العربي بشكل عام، ولا بدَّ من تسليط الضوء عليها في مسرح الثقافة العربية.

يحمل الكاتب في نصوصه رسالة العاشق الصادق والعشق الحقيقي، ويوازن بين القلب والعقل في نصوصٍ اختيرت ببراعة، جعلت من القارئ لا ينتهي حتى يكمل ما بدأ به.

وفي الجانب الآخر، فلقد جاء عنوان الكتاب رائعاً، لأنَّ الهمس في أذن المرأة ليس عشقا، وإن كان فليس من ذلك في الإثم من شيء، ولكن يصر الكاتب على أنَّ المرأة نصف المجتمع وتلد وتربي النصف الآخر، فيراها المجتمع كله، ويراها قائدة جنبا إلى جنب مع الرجل، ويضع لها العنوان لتكون هي المجتمع وهي العبرة والحكمة وهي التي أنجبت وربّت فولدت الأخلاق وكان الإنسان.

كما جاءت النصوص الفرعية، تحمل عناوين مقتضبة لقصص كالقصص القصيرة جدا، ولكنها جاءت ملفتة وظاهرة، وقوية، كما جاءت تجمع بني العراقة والأصالة والحداثة والتطور، وجاءت بلغة عربية فصيحة مع بعض العامية القريبة من لغة الشارع، ولكنّها في مجملها تلخص قصصا عاشها كلٌّ منا ربما ولكنّه لم يجد فرصة كالرائع جمعة السمان ليدونها لنا لتبقى تاريخا ومنهاجا لنا ولمن بعدنا.

الكتاب قيّم ورائع وأنصح كل عربي بقراءته كما أنصح أن يترجم للغاتٍ أخرى لأنَّ هذه القصص وهذه النصوص هي قضية إنسان .

وكتبت خولة سالم:

صورة الغلاف من تصميم الكاتبة الرسامة رشا السرميطي… حيث أبدعت في تجسيد فكرة المجموعة القصصية… حيث يد حانية تقدم وردة أمام وجه ملائكي هي اكبر بكثير من تلك اليد التي تمتد بقوة وجبروت، لا يليق بجمال الطلة وحلتها الغاية في السحر المطلق… هي كذلك القصص في داخل المجموعة…تحاكي قول المصطفى عليه السلام :” الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها ” فأتت صورة الغلاق قالبا مناسبا جدا لما احتوته المجموعة من جواهر تجربة ابداعية لها رونق حضور باذخ.

“همس في اذنها” المجموعة الثانية بعد “تصبحون على حب” صدرت عن ذات دار النشر قبل عام تقريبا… تجوال لا يقف عند تجربة انسانية بعينها، حتى ترى نفسك أمام تجربة ثانية وثالثة … الى ان تتراكم في مخيلتك حكمة الوالد الطيب – كما أسميته – سبعة وتسعون نصّا تجذبك كلماتها المنتقاة بعناية… صورها الشاعرية المغرقة في الرومانسية…تتخللها موسيقى من وقت لآخر,,, كأنك بين مدّ البحر وجزره، أو بين خمائل الطبيعة النقية، تحاكي مكنوناتها بكل روية لتخرج في النهاية بحكمة تنشدها .

يتنقل بك القاص بعناية وحرص من خبر الحياة…وعاركها بكل صنوف أوجاعها، ونهل ما طاب له من مباهجها… ينقلك رويدا رويدا بين حكايات التراث الشعبي تارة، وقصص الخيال المحكي على ألسنة الطيور والعصافير تارة أخرى؛ ليأخذك في رحلة البحر وحورياته… وما جاد به خياله حولها الشاطئ، وما يثيره في مخيلة القاص من حكايات البحارة، ورواد البحر وعشاقه، تنوع وتفرد في آن … تنوع في المشاهد … وتفرد في كل مرة بحكمة مختلفة، كأن القاص يريد ان يوصل رسالة للجيل الشاب وخصوصا المرأة … عماد هذا المجتمع …وأساس بنائه القويم … وصايا العارف بالحياة وأسرارها… خبر الوطن…عاداته…تقاليده، أو كأنه يريد أن يجرد الواقع بقسوته أمام عشاق الحياة ومباهجها… كأني  به يوجه رسالة لجيل بأكمله عبر همسات تصبح مع مرور الوقت ناقوسا يدق في ذاكرة الوطن بأسره؛ لتدرك معنى الحياة في قالب أدبي مشوق جذاب.

يكتب للبحر… للطبيعة… للبستان… للغيمات وللنجمات… تجده يكتب للشجرة بقدسية الوطن في وجدانه، ففي “وصية جدّ ” … كتب: ” فانهالت البلطات على الشجرة تقطعها حطبا يطعمونها للنار … وكانت كلما انطلقت شرارة من الموقد يسمعون أنات وآهات …. الى ان ضاق صدر كبيرهم فانسحب يداري دمعه … تنهد وقال: تدفأت الأجساد .. وبرد الضمير .. جمده الجحود ومات ” ص(64) حنين للوطن وعشق للجدّ وما تبقى من أثره.

وللمرأة نصيب الأسد في صوره الشاعرية … عندما يقول مقدمة لقصة “محطة الباص” في خطواتها كبرياء الأميرات .. والثقة الزائدة بالنفس ثقة ملكات .. يقلدها الطاؤوس .. ويذوب في شموخها الغرور.. طاع لها الجمال.. فالعين عين غزال .. والشعر مغزول من خيوط الشروق .. يلمع على حبات الندى في ربيع نيسان … والقوام سبحان الله عود خيزران” ص(65) تأسرك الصورة بشاعريتها حد التماهي بها، فلا تصحو الا وقد لمست الواقع بحكمة من  يصحح المسار فترتطم مخيلتك بواقع يتجرد مرة واحدة أمامك لتنجلي الصورة،  أسلوب شيق في إيصال المغزى .

وفي صورة أخرى من قصة بعنوان “شجرة المرجان” ” كانت الحبيبة تتبختر على الشاطيء ..ومياه البحر تعكس صورتها .. حسناء .. حورية البحر .. طلت على الشاطيء تستنشق عبير الهواء .. ولكن البحر لا يحب كل فخور مختال.. فهو الذي علم التواضع .. وكرم العطاء .. حمل على سطح مائة .. القارب والسفينة والمركب .. وأعطى الصياد السمك .. والغواص اللولؤ والمرجان وكل جائع من خيراته طعاما” ص(108) . وفي نهاية القصة بعد ان تنتهي العاصفة القوية…التي كادت تؤدي بالمركب الى نهاية ماساوية للقصة…تنقلب الصورة رأسا على عقب فيقول: ” نزلت الحسناء من المركب تمشي الهوينا .. فقد علمها البحر التواضع .. وحسن العطاء. وأخذت منها العاصفة البخترة والاختيال والكبرياء” .

تتقمص الفتاة في قصصه كل مرة صفة من الطبيعة فتارة تجدها وردة ” هكذا قال البستاني ودمه ينزف من اصبع علقت به أشواكي .. والغفران يقف خاشعا.. يسبح مبهورا بشذى عطري … والطيف هدية الشمس جمال ألواني …” ص(120) فالغفران يقف خاشعا كانه عبد مبهور بشذى عطر،،،

وتارة أخرى عصفورة تستمع للحن حسون “… الى أن أسكرها الطرب ذات ليلة وذهبت لتعيش معه … وعادت لتركض الأيام والعصفور الحسون يسمعها كل ليلة نفس اللحن .. ونفس الأغنية … فطلبت منه ان يغير ويبدل في اللحن والصوت ..” الطرب يسكر… صورة في غاية الروعة… ص238.

ومرة يمزج الصورتين معا فيقول” وردة في بستان عشقها عصفور… كانت توحي له باللحن الجميل … فتشرق الشمس له .. مليئة بالشوق والحنين ص(250) تحار وانت تتابع صورا في غاية الجمال، كأن رسالة القلم هنا رسم الاحساس وانطاق الطير .

وللوطن في قلم القاص حضورجميل ففي قصة “حامل حجر” يجسد تحديّا من نوع آخر، وتمردا على محتل لا يرحم طفولة في جسد شاب في مقتبل العمر لم تزل، فيقول: ” بعد ان انتهت محكومية الطفل .. خرج من السجن .. ولكنه كان كلما سمع عن عملية اقتحام جنود الاحتلال لحيّة .. كان يتشوق للمواجهة … بعد أن أصبح العقل المدبر لاستدراج الجنود … ونصب الكمائن ” ص(257) قصة توثيقية لحالة تتكرر في وطن يسلبه الاحتلال كل معالم الجمال، حتى الطفولة لم تسلم من جور وظلم .

وفي نظرة على القلم وجنونه وما يبثه من شجن يوحي للقاريء بالكثير… يقول على لسان زوجة شاعر ضاقت ذرعا بصور خيال زوجها فيقول: “صرخات مجنونة تهزّ البيت .. أمسكت بالقلم تقصفه، وتلقي به الى سلة القمامة .. هذا القلم عدوي.. هذا القلم عدوي … وهذا الدفتر كلماته ليست خرساء .. ان صوتها بكلام الحب والعشق يخرق أذني … ساعة لحبيبة شقراء … واخرى سمراء .. وثالثة بيضاء … والشعر شلال حرير … والعيون عربية فيها سواد الليل …” خصام يودي بسكون بيت الشاعر وجمال ورونق حياته،  قصة رائعة لقلم صادق ما تلبث الزوجة في النهاية ان تدرك سوء تقديرها، وتعود ثانية حياة الوئام بعد طول خصام، كأن القاص هنا يلتمس عذراً للشاعر مهما غرر به قلمه وابعده عن حياته الواقعية، من قصة بعنوان “عشقت جنونها” ص 266.

تنتهي من المجموعة لتعود ثانية تتفقد بعضا من جمال حضورها، فتقف عند قصة كأنها ملخص مفيد بعنوان “الحب لا يموت ” فيقول فيها : “وقف في العراء منتعشا قلبه .. يأخذ نفسا عميقا ويعلو بالفرحة صوته .. وأخيرا تخلصت من الحب.. احضني يا نسيم الحرية .. أشتاق أن تعيرني جناحيك أطير …” …الى ان يعكس النظرة كاملة فيقول : “ليتك صبرت حتى تتأكد فأنت دون شهيق عبير الحب تضمر رئتيك وتموت” ص(265) تناقض يحكم الحب، كأنه يهمس في أذنيك “لا بد أن تعيشه بكل تناقضاته تلك”  تجسيد لفكرة راودت القاص في معظم قصص المجموعة، راقت لي فأحببت ان تكون شاهدا على جمال الفكرة وشموليتها.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: رفعت زيتون، ديمة السمان، عيسى القواسمي، محمد سويلم، سوسن حشيمة، رشا السرميطي، طارق السيد، ورائدة أبو الصوي.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات