لم يترك الرئيس المخلوع حسني مبارك كرسي الرئاسة تحت ضغط الجماهير الثائرة إلا بعد ان تركها “خرابة” فقد دمر اقتصاد البلد ونهب خيراته، وأرهن مقدراته، وجوّع الشعب، وجاءت ثورة 25 يناير 2011 ليبني المصريون والعرب آمالا عليها، ولترتعد فرائص القوى الامبريالية خوفا من أن تعود مصر الى دورها الريادي كزعيمة للاقليم، وفي افريقيا وفي دول العالم الثالث….وتوالت الأحداث في مصر الى أن تم انتخاب الرئيس محمد مرسي في انتخابات ديموقراطية كمرشح للاخوان المسلمين ولحزبهم الجديد”حزب العدالة” وواضح أن الأصوات التي حصل عليها الرئيس مرسي لا تشكل القوة الحقيقية للاخوان المسلمين، فهناك ملايين انتخبوه نكاية باللواء احمد شفيق الذي شغل مناصب رفيعة في فترة العهد البائد.
لكن الرئيس مرسي ومن خلفه مرشد ومجلس شورى جماعة الاخوان المسلمين استغلوا الفرصة، بعد تفاهمات سياسية مع امريكا لنقل الحكم في المنطقة الى الاسلام السياسي ممثلا بالاخوان المسلمين، فقام بالغاء دستور عام 1971 وعين مجموعة من جماعته لوضع دستور جديد جرى الاستفتاء عليه واقراره، والغى المحكمة الدستورية، وأقال المدعي العام وعين بديلا لهما، وأقال جنرالات الجيش الذين حموا الثورة وعلى رأسهم قائد الجيش المشير طنطاوي، وأقال محافظين وكبار موظفين وعين بدائل لهم من جماعته، وقد بات واضحا أن الرئيس مرسي يريد تجيير الدولة بالكامل لصالح جماعته مستثنيا القوى السياسية العاملة على الساحة المصرية كافة، تماما مثلما كان حال الحزب الوطني زمن الرئيس المخلوع، وأخطر الاجراءات التي قام بها الرئيس هي تغيير الدستور ووضع دستور جديد لا توافق بين المصريين عليه، مما حدا بالمفكر المصري الكبير محمد حسنين هيكل بوصف ذلك”انه اذا بقي هذا الدستور فانه يجري تحويل مصر الى دولة نازية”.
وتوالت احتجاجات قوى المعارضة المصرية، ونزول ملايين المواطنين الى الشوارع مطالبين بالحوار وتعديل الأوضاع، وتجاهلت الرئاسة المصرية مطالب المتظاهرين، وكانت النتائج الأولى صدامات بين الأجهزة الأمنية والمواطنين اسفرت عن قتل العشرات واصابة المئات بجراح في مدن القناة، والقاهرة، والامعان في تدمير الاقتصاد المصري المنهك، وتعطيل ماكينته عن الدوران والتقدم، لكن الأخطر هو ظهور جماعات مسلحة من جماعة حزب العدالة، تعمل لمساعدة الأجهزة الأمنية في قمع المتظاهرين، وظهور ما يسمى جماعات”البلاك بلوك” المقنعة والمسلحة تعمل ضد الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة.
ولم يعد خافيا على أحد بأنه اذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فان ذلك سيؤدي الى انهيار الدولة، وقد يقود الى اقحام البلاد في حرب اهلية وتقسيمها على أسس طائفية.
لكن المؤسف والمحزن هو تطور الأوضاع في معالجة الأحداث، وطريقة التعامل معها من قبل وزارة الداخلية، واذا كان بدهيا رفض محاولة المتظاهرين اختراق قصر الاتحادية –مقر الرئيس- ولا يوجد دولة في العالم تسمح للمعارضة باقتحام قصر الرئاسة، إلا أن ما ظهر على شاشات التلفزة مساء الأول من شباط فبراير 2013حيث قام رجال شرطة الداخلية بسحل مواطن وتعريته وركله وضربه بالعصي وجره عاريا في الشارع أمر لا يقبل به عاقل على وجه الأرض، ففي ذلك خرق فاضح لحقوق الانسان وحقه في الحياة، وهو مخالف لشرع الله الذي يدعي المتأسلمون الجدد بأنهم يحافظون عليه ويعملون على تطبيقه، وهل قرأ جماعة الاخوان المسلمين وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لجيوش الفتح المتجهة لبلاد الشام؟ وان قرأوها هل استوعبوها، وان استوعبوها هل اتعظوا منها؟ علما انها وصية لجيش المسلمين في كيفية التعامل مع شعوب عدوّة ومحاربة، وقد حصرت الوصية الحرب في دائرة المتحاربين، ووفرت الحماية للمدنيين، ودعت الى عدم الحقد وعدم التنكيل، ولمن لا يعلم فان لوائح حقوق الانسان التي اتفقت عليها البشرية بعد الحرب الكونية الثانية مستمدة جميعها من الاسلام، فما بال المتأسلمين الجدد لا يطبقون شرع الله، بل ويسيئون الى الاسلام والمسلمين.
ويبدو أنهم تثقفوا على الحقد والانغلاق، فحتى الرئيس مرسي بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية بأقل من 24 ساعة بث احقاده على حكم الرئيس جمال عبد الناصر عندما قال”فترة الستينات..وما أدراك ما الستينات”! وزاد على ذلك قبل بضعة أيام عندما رفع الحراسة عن ضريح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، غير سائل عن أتباعه –وهم ملايين-وردود أفعالهم.
ان عملية سحل وجرّ المواطن المصري أمام قصر الاتحادية وحدها كفيلة باسقاط الحكومة، وكان الأجدر بمؤسسة الرئاسة أن تعتذر عن ذلك وأن تحاسب المسؤولين عن الحادثة بدلا من التهديد بعدم التهاون، خصوصا وأن الآلاف منهم تعرضوا الى التعذيب والاعتقال والقتل في العهد البائد، أم أن الضحية يقلد جلاده؟
2-2-2013