نقاش ديوان”بيت المقدس في حيرة وصمت” في اليوم السابعالقدس: 3 يناير-كانون ثاني 2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الاسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان”بيت المقدس في حيرة الصمت” للشاعرة ابتسام أبو شرار.يقع الديوان الصادر عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس في 130 صفحة من الحجم الصغير. والشّاعرة ابتسام أبو شرار من مواليد دورا-الخليل، أتمّت تعليمها الثّانوي في مدارس البلدة، درست الأدب العربيّ في جامعة الخليل، عملت في التّدريس في المدرسة الوطنيّة للكفيفات مدّة عام، ثمّ واصلت التّدريس في مدرسة البلدة الحكوميّة مع مجيء السّلطة الوطنيّة، درست اللغة الإنجليزيّة أثناء العمل في جامعة القدس المفتوحة، ثمّ التحقت ببرنامج الماجستير في جامعة الخليل، وتخصّصت في الأدب والنّقد الحديث، وأعدّت رسالتها بعنوان: التّناصّ الدّينيّ والتّاريخيّ في شعر محمود درويش، حظيت هذه الرّسالة بتقدير مناقشيها لا سيّما الدّكتور عبد الكريم أبو خشّان من جامعة بير زيت، بدأت بنظم الشّعر في المرحلة الثّانويّة، وكانت تميل قبل هذه المرحلة إلى نسج أغنيات وطنيّة على إيقاعات أغانٍ غير وطنيّة، لكنها لم تعر نظم الشّعر اهتمامًا كبيرًا لانصرافها إلى أكثر من اهتمام، حصلت على المرتبة الثّانية في كتابة المقالة في مهرجان الأدب الفلسطينيّ الّذي كانت تقيمه جامعة الخليل ، اهتمّت في المرحلة الجامعيّة بكتابة المقالات والقصص والخواطر، وبالنّشاطات الوطنيّة، انصرفت للاهتمام بالرّسم لفترة زمنيّة، وقد أنهت دورة في الفنّ التّشكيليّ، والخطّ العربيّ، والحاسوب، والحركة الكشفيّة. مهتمّة بفنّ المقالة والخطبة من خلال العمل، تتقن الخطابة المرتجلة في الميادين الّتي تألفها، اهتمّت بفنّ الإلقاء من خلال حفظ قصائد وطنيّة لشعراء فلسطين كمحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان، بشكل عامّ مهتمّة بالشّعر الوطنيّ ونقده، وتميل إلى النّقد أكثر من نظم الشّعر،عزمت على أن يكون الشّعر الملقى شعرها، إذ عادت إلى الشّعر من خلال اهتمامها بالوطن وبالشّخصيّات االثقافية الرّاحلة كمحمود درويش ……… لديها ميل فطريّ للّغات بشكل عامّ، وللعربيّة بشكل خاصّ، ترغب في تنميّة ثقافتها الّلغويّة دائمًا وترغب في تصفّح المعجم في فترات مختلفة . تميل إلى الفنون بأنواعها، تميل إلى النّقد والتّحليل ، ومهتمّة بتحليل اللّوحات الفنّيّة. حاضرت في جامعتي القدس المفتوحة والخليل.أدار الأمسية ابراهيم جوهر الذي بدأ النقاش قائلا:ابتسام أبو شرار في ديوان “بيت المقدس في حيرة الصمت”:جواز سفر إلى عالم الأدب يعيد الثقة بكتابات الشعراء الشبابشاعرة جنوبية من بلد الشهداء والشعراء تتقدم بثقة من خلال إضمامة قصائدها التي جمعها ديوان حمل عنوان “بيت المقدس في حيرة الصمت”.
تظهر ثقافة الشاعرة جلية واضحة وهي تنوّع أسلوب خطابها، وتتناص مع الشعر الجاهلي، والقرآن الكريم، والشعر الحديث ممثلا بالسيّاب وإبراهيم طوقان ومحمود درويش.تظهر الشاعرة قدرتها على التعامل مع اللغة، والصورة، والبيان وهي ترسل رسائلها الفنية بعمق وأصالة ووعي وانتماء على صفحة القصيدة الممتدة عبر صور ومحاور .استندت في عدد من قصائدها إلى ذكرى شهداء الحركة الوطنية؛ ماجد أبو شرار، وغسان كنفاني، ومحمود درويش، وياسر عرفات. وهذا ما يدخل هذه القصائد في باب المرثيات وشعر المناسبات الذي يميز الشاعرة بالوفاء لذكرى قامات عالية، والبناء فوق ما بنوا عليه، وبنوه.
تميزت الشاعرة بطول النفس فهي تكتب قصيدة تمتد على صفحات لم تضعف اللغة فيها ولا الفكرة، مما يشير إلى موهبة الشاعرة وقدرتها العالية.وإذا كانت لغة الشاعرة قد دلّت على اطلاعها ومحفوظها فإن بعض العناوين كانت تستحق مزيدا من التأني لتكون أكثر شعرية.لقد أجادت الشاعرة في معظم القصائد، وحملت كل قصيدة ما ميزها وقربها من القارئ، إلا أن قصيدة (بيت المقدس) التي حمل الديوان عنوانها كانت غرّة الديوان بشمولها، وعمقها، وتاريخها، ولغتها، وصورها ورسائلها.
هذه شاعرة من بلد الشعراء تتقدم بثقة وقدرة فتخطو بترحاب في عالم الأدب، وهي تعد بالمزيد.وقال رفعت زيتون:احتوى الدّيوان على إحدى عشرة قصيدة من شعر التّفعيلة، تغنّت فيها الشّاعرة للأرضِ والإنسان، للحرّيّة والأمل، وللشّهيدِ والحلم. كان وفاؤها كبيرا فكتبت لرموز كبيرة كالشّهيد أبي عمار وماجد أبو شرار ومحمود درويش. لقد كتبت للكبار فإلى أيّ مدى استطاعت الشّاعرة أن تعطي هؤلاء حقّهم وهل وصلت إلى مكانتهم؟هذا سؤال طرحته للنّقاش كأحد الأسئلة التي أثارها الدّيوان في نفسي خلال قراءتي.تغّنت الشّاعرة للقدس بجميل الكلام وأظنّها أبدعت في هذه القصيدة التي اختارت أن يكون عنوانها عنوانا للدّيوان ككلّ.لغة الشّاعرة تفاوتت بين القويّ الجميل الذي تميّز بجزالة الألفاظ وبين ما كان أقل من ذلك قليلا، وهذا طبيعيّ جدّا في كلّ الكتابات الإبداعيّة التي نقرؤها ونكتبها.وتفاوتت القصائد كذلك بين ما هو سلس سهل الفهم واضح الدّلالة، وما كان غريب المفردة مبهم المفهوم وصعب المعنى. وهنا تبادر إلى ذهني سؤال آخر عن ضرورة استخدام الغريب من اللفظ وبشكل كبير، بحيث يضّطر القارئ للعودة إلى القاموس في كلّ صفحة أكثر من مرّة لفهم معنى كلمة هنا وجملة هناك. وطبعا من حقّ الكاتب أن يختار الأسلوب الذي يريد في الكتابة، ولكن من حقّه على القارئ أن يسمع رأيه في ما كتب لأنّه في النّهاية يكتب لهذا القارئ. وأنا أعتقد أنّ خروجي من جوّ القصيدة إلى القاموس كان سلاحا ذا حدّين، فمن ناحية اكتسبتُ الكثير من المعاني التي كنت أجهلها كقارئ، وقرأت بعض المفردات التي لم أقرأها من قبل، ولكن في المقابل أخرجني ذلك من الجوّ الشّعريّ العام، وكسر لديّ متعة الإحساس بالقصيدة في كثير من الأحيان، ولستُ هنا ممن يقترح شيئا على الشّاعرة بقدر ما أنّي أنقل وجهة نظري كقارئ ربّما تفيد الشّاعرة فتوازن بين هذا وذاك.هناك جمل شعريّة حلّقت بها الشّاعرة بعيدا ولا تصدر إلّا عن شاعرة كبيرة عرفت كيف تبدع المعنى، وتخلق التّركيب المدهش، وأستدلّ على كلامي ببعض هذه الجمل الشّعريّة :- قالت للشّهداء في ص13 : “ستبقون أجنحتي الرّاقصة”- وقالت لهم “ما دمتم تئنّون في كبدي” ص15- ص39 : “من أين قُذفتم إلى هذه الأرض؟”- ص42 : “عكّا تطرد الغاصب عن جفونها”- ص43 : “في بيروت أطللت يا سندباد على التّجربة الجارحة”- ص47 : “درويش أغبت وأنت الحاضر فينا”- ص47 : “الخلود هو الابداع وليس التّناسل”- ص56 : “ورأيت مريم تخصف الأوراق يائسة على عورات أمّتنا”- ص57 : “واغمس شجونك في إدام الصّبر”- ص 69 : “من تجاعيد أحلامنا الهرمة”ومثلها كثير كثير وهنا أقول للشّاعرة هكذا يكون الشّعر يا ابتسام.ولكن بالمقابل أعتقد أنّها كانت أقلّ نجاحا في اقناع القارئ ببعض الجمل الشّعريّة التي غلّفها غموض المعنى، وغلب فيها التّصنّع على الصّنعة، ولو أنّ الشّاعرة اشتغلت عليها أكثر وخفّفت من حدّة غرابتها لكان ذلك أقرب إلى نفس القارئ، وأبلغ من حيث الصّياغة الشّعريّة، ومن ذلك أقتبس بعض الجمل :- ص32 : “عاصفة تعصف عصفا بسناب عداك”- ص25 : “أفلا كلّ ما يرمق فيك يغدو في ناظري يلوح”- ص 27 : “وسأجنح بأجنحتي الريح كي تجنح سفني”وهناك غيرها من الجمل.وأنتقل إلى تساؤل آخر خطر ببالي عندما قرأت بعض الجمل الشّعريّة، وذكرني بغير شاعرتنا من الشّعراء والأدباء، وسؤالي هو هل هناك ضوابط وقوانين تحكم خيال الشّاعر أم أنّ الشّاعر حرّ فيما يذهب إليه؟ ومن حقّه أن يصوغ ما يريد مطلقا العنان لخياله بحيث يكتب حتّى ما هو غير منطقيّ، وحتّى لو وضع البقرة في زجاجة، وجعل ما لا يتنفس تحت الماء يتنفس تحت الماء. وللأمانة وحتّى يكون السؤال موضوعيّا أذكر ما قاله الشّاعر ابراهيم ناجي على سبيل المثال في الأطلال البيت الشّعريّ الذي يقول فيه ” عبق السّحر كأنفاس الرّبى ” هنا جعل الشّاعر الربى تتنفّس ولكنّه لم يأتِ بهذه الصّورة عبثا، فقد تخيّل النّسيم فوق الرّبى كأنّه شهيق وزفير وبالتالي كانت الرّبى كالصّدر من الإنسان، وقد ورد في القصائد بعض الكلمات والأفكار التي جعلتني أسأل هذا السّؤال عن ضوابط الخيال.فمثلا قالت الشاعرة في ص 23 ” كي أستلّ الدفء من نجوى قلبيكا، فإن لم يكن هذا خطأ مطبعيّ فإنّه يندرج تحت سؤالي عن ضوابط الخيال، وهل يجوز أن يجعل للإنسان قلبين في صدره؟” . وقالت في قصيدة بيت المقدس في حيرة الصّمت “القدس في الاصفاد ترنو للحياة بحيرة الصّمت المسمّر في شفاه جفونها”ما يجعلني أسأل ذات السّؤال. والحقيقة أنّني أسأل سؤال الطّالب للعلم والمعرفة لا الناقد المنكر لأمر وهذا من فائدة النّقاش والتّحليل.وعودة إلى الدّيوان وأسلوب الشّاعرة فقد تميّز:أولا : بالتّناص القرآني وأحيانا الاقتباس المباشر للجمل القرآنية، وكذلك للشّعر العربيّ عموما. وهذا يدلّ على ثقافة الشّاعرة وسعة معرفتها وتمكنها، ومن الامثلة على ذلك:- تتّكئون على الأرائك ص 14- ولا تهنوا ولا تحزنوا ص 15- يضيء سنا برقه ص 25- لا تدري نفس في أيّ البلاد تموت ص 26- تذروها الرّياح ص 35- سبحان الذي أسرى ص 39- سلام عليك مذ ولدّتَ ص 48- خير من ألف شهر ص 54- الليالي تعسعس والصّبح لا يستطيع التّنفّس ص 61وهناك غيرها من التّناص القرآنيّ، أما تناصّ الشّعر فقد ورد في بعض المواضع ومنها في ص 22 “وفي أرضنا استنسرت صغار البغاث” وغيرها.ثانيا: تمييّز ديوان الشّاعرة الرّائعة بجزالة الألفاظ وقوّتها واستخدام اللغة القاموسيّة والمفردة الغريبة في كثير من الأحيان، وكأنّها أرادت أن تعيد النّبض لقلب هذه الألفاظ، هذا أعطى ميّزة للشّاعرة من ناحية، ولكنّه أثّر في بعض المواضع على شاعريّة النصّوهناك جملٌ وجدتها مقحمة كجملة ،تظلّ تضرى ضارية ص 50″وجملة “يغور في رسّ الرّتام ص56” وجملة “تدقّ منشم عطره ص55” وأقتبس ما جاء في لسان العرب على سبيل الفائدة والمعرفة عن هذا المصطلح “وقال ابن الكلبي في عِطْرِ مَنْشِم: مَنْشِمُ امرأَةٌ من حِمْيَر، وكانت تبيع الطيب، فكانوا إذا تطيبوا بطيبِها اشتدَّت حربُهم فصارت مثلاً في الشرّ؛ قال الجوهري: مَنْشِمُ امرأَةٌ كانت بمكة عطّارة، وكانت خُزاعةُ وجُرْهُم إذا أَرادوا القتال تطيَّبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كَثُرَ القَتْلى فيما بينهم فكان يقال: أَشْأَمُ من عِطْرِ مَنْشِم، فصار مثلا”وهناك المزيد من هذه الأمثلة للمفردات والجمل في ديوان شاعرتنا.ثالثا: من النّاحية العروضيّة تميّيز الدّيوان بقصائد التفعيلة وخلا من القصائد العموديّة الكلاسيكيّة إلا من بعض الأبيات التي تخللت قصيدة رسائل فوق التّلال، على بحر المتقارب مع أنّ جزالة ألفاظ الشّاعرة تذكرنا أكثر بالشّعر الكلاسيكيّ.تنوعت التفعيلات المستخدمة في الدّيوان، فقد استخدمت تفعيلة المتقارب والكامل والخبب، وهناك قصائد لم تتقيّد في كلّ جملها في تفعيلة واحدة وربّما لم أستطع أن أحدّد بحرها وتفعيلتها ولعلّ الشّاعرة تفيدنا في تبيان ذلك.ملاحظات:- ص 16 قالت الشّاعرة “وحين تفتّح في كفّتيه” ولو قالت راحتيه لكان الاستخدام صحيحا لأنّ مثنى كفّ كفان فتصبح الجملة “وحين تفتّح في كفّيه” وفي الآية الكريمة “وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا”- ص17 “حين ذرت رياح المنون” ربّما أرادت الشّاعرة هبّت، والاستخدام هنا يغيير المعنى لأنّ الرّياح تذروا الأشياء “تذروه الرّياح” ولو قالت “ذرت الرّياحُ المنونَ” لكان ذلك صحيحا.- ص 18 “ستهتف دوما لن نتردّدْ” لِمَ التّسكين للفعل نتردّدْ دونما ضرورة خصوصا أنّ النّصب أولى بالفعل بعد لن؟ وأنّ ما كان قبلها وما بعدها كان في آخر كلماته بالألف في كلمات “العدى، أحمدا، قائدا”.- ص 23 “نجوى قلبيك” أظنّها خطأ مطبعيّ.- ص 23 “أشراك الحبّ، هل أرادتها الشّاعرة جمع شَرَك فإذا كانت كذلك فجمعها شُرُك لأنّ اشراك وشركاء جمع شريك.-ص25 قالت “يرمق في” وأعتقد أنّ الفعل يرمق لا يأخذ في فنقول يرمق الشّيء يرمقه.وأخيرا أقول أنّنا أمام شاعرة تمتلك الادوات الشّعريّة واللغة والخيال، وتعرف ماذا تريد؟ وكيف تصوغ ما تريد؟ وأتنبّأ لها أن تكون صوتا شعريا فلسطينيا متميّزا، واتوقّع منها الأكثر والأفضل.وبعدها كانت مداخلات لحسين ياسين وجميل السلحوت.