انتهيت لتوي من قراءة هذا الكتاب الذي وصلني مع الأخ عيسى قواسمي من ضمن مجموعة كتب لكتاب فلسطينيين في القدس وشمال فلسطين.
استمتعت على مدى يوم وليلة برحلات متعددة الأهداف والجغرافيا والتاريخ قام بها الكاتب وسجلها في هذا الكتاب، وسأضع انطباعاتي كما يلي وأتمنى أن يتسع لها صدر كاتبها، وليسامحني إن إخطأت:
أولاً: غلاف الكتاب لوحة جميلة تشكلت من لقطات من بيئات وثقافات متنوعة، ما بين تمثال الحرية في نيويورك إلى الأهرامات إلى تماثيل بدت لي أنها من أمريكا اللاتينية إلى قباب مساجد ومآذن وشلالات أنهار، ومناظر لأحياء تبدو شعبية ذات بيوت بسيطة، وربما متاحف أو أبنية تاريخية قديمة، كان تمثال الحرية واضحاً وبلون أخضر في حين غلب اللون البني والمائل إلى الصفرة على صورة الغلاف، ولا أدري لماذا حظي التمثال بلون مميز؟.
ثانيا: الكتاب في طبعته الأولى من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية في عام 2012، وقد صدر بماسبة اختيار الكاتب جميل السلحوت شخصية القدس الثقافية للعام 2012. أهدى الكاتب كتابه إلى حفيده الأول (كنان) الذي أبدى المؤلف علاقته (الغلاوة) بهذا الحفيد الأول، وقدم له الشكر.
ثالثا: يقع الكتاب في 265 صفحة من القطع المتوسط، وطبع بخطوط كبيرة نوعا ما، وفيه سبعة اقسام كل منها يتحدث عن رحلة أو رحلات إلى كل من: عمان/الأردن، والسعودية، ومصر، وأمريكا، وموسكو، وسوريا، ولبنان. وفي حين كان القسم عن أمريكا هو وصف وتسجيل ورحلات متعددة، وفي سنوات مختلفة ولأماكن متعددة، امتدت حتى بورتوريكو في الكاريبي، فإن الرحلات الأخرى، كانت تسجيلاً لرحلة واحدة، كما سجل الكتاب غير ما رحلة واحدة إلى لبنان، في حين كان التسجيل لرحلة واحدة لكل من عمان والسعودية (تخلللها أداء فريضتي العمرة والحج) وسوريا وموسكو ومصر. وكان أطول هذه الأقسام هو الرحلات المتكررة إلى الولايات المتحدة وجاء في 84 صفحة وأصرها في الكتاب كان عن رحلة سوريا “10صفحات”
رابعاً: معظم قصص الكتاب كتبت في آذار/مارس 2011، سبقه القسم الطويل عن الرحلات إلى الولايات المتحدة إذ انتهى الكاتب من كتابتها في اشهر الأول من عام 2011، وبذلك تكون معظم الرحلات في الكتاب قد كتبت بين الشهر الأول والثالث من العام 2011، في حين كتب القسم عن زيارة السعودية في عام 2009، وإلى الأردن في عام 2010، وزمن الكتابة يختلف عن أزمنة الرحلات كما سيأتي تالياَ.
خامساً: ترتيب الأقسام في الكتاب لا يخضع لا لزمن حدوث الرحلات، ولا لتاريخ كتابتها ولا لحجم الصفحات في كل قسم من الأقسام، فمن حيث الزمن كانت رحلات الكاتب إلى سوريا ولبنان في حزيران/يونيو عام 1971، وكأنهما رحلة واحدة، ووقعتا في نهاية الكتاب، وكانت الرحلة إلى عمان في سبتمبر عام 2010 وجاءت أول رحلة في الكتاب، وإلى السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، وإلى مصر في شباط/فبراير 1975، وكانت الرحلة الأولى إلى أمريكا عام 1985، وتكررت في سنوات متعددة، وكان آخرها عام 2006 حين تخرج قيس ولد الكاتب في الجامعة. وكانت الرحلة إلى موسكو في عام 1984، وهي رحلة علاجية، بينما كانت الرحلة إلى سوريا ولبنان للدراسة في جامعة بيروت العربية، وكانت الرحلة إلى مصر لأداء الامتحانات الجامعية في الإسكندرية، بينما كانت الرحلة إلى السعودية ضمن وفد فلسطيني للمشاركة في مهرجان فلسطين الثقافي في الرياض برعاية وزارة الثقافة السعودية، وقد تهيأت الأقدار للكاتب ولأربعة من زملائه لأداء فريضتي الحج والعمرة، في حين كان الرحلات الأخرى باعثها الرئيسي العلاقات الاجتماعية وإن لم تتوقف عند ذلك في سردها.
سادساً: هناك فترة زمنية انقضت بين وقوع هذه الرحلات وبين كتابتها، قد تطول بضع عقود، إلى سنوات قليلة، ويبدو لي أن الكاتب كان يسجل انطباعاته أثناء الرحلات، وحين كتبها عاد إلى تلك المذكرات وأعاد صياغتها، وإلا لما كان يقدر على تذكر تلك الأسماء للأشخاص والمواقع والعناوين، وهكذا.
سابعاً: الهم الأساسي والرئيسي، والقضية التي ظلت تؤرق فكر الكاتب ورؤيته هو الفلسطيني وقضيته في الشتات والشقاء، ومصير المسجد الأقصى، وبخاصة في أثناء رحلته في السعودية وعمان، فكلما رأى مشهداً انتقل بذاكرته إلى فلسطين والقدس والأقصى ورثى لحال فلسطين والفلسطينيين.
ثامنا: ذكرني الكتاب بأدب الرحلات العربي، وبشكل خاص ذكرني بأسلوب ابن جبير في رحلته من المغرب إلى الجزيرة العربية إلى بلاد الشام. الأسلوبان متشابهان في عدة أمور. الكاتب فيهما يرى ويسمع ويحلل ويسأل ويجيب وينفعل ويتفاعل، وهو دائما موجود بذاته، وهناك تفاصيل ورصد للعادات والتقاليد والثقافات ومكونات البيئة وعادات المجتمعات والشعوب بملابسهم ولغاتهم، وطريقة حديثهم، وخبراتهم، ومأكلهم ومشربهم، وطريقة تعاملهم مع الزائر والغريب أو القريب، ووصف للعمران والأثار والشوارع والمدن والأحياء وطرق المواصلات، والغابات والمياه وسلوك الأفراد بما فيها من غرائب وطرائف لا سيما في رحلاته إلى الولايات المتحدة وبورتوريكو التي زارها مرتين –كما أذكر- … وهكذا يهيأ لي أن السلحوت لم يترك شيئا مهما يفيد منه ويستفيد ولم يسجله في كتابه. وفي رحلاته إلى الولايات المتحدة هناك وصف مطول لحياة الفلسطينيين وبخاصة لإخوته وعائلاتهم وأنشطتهم وأشغالهم، وعلاقاتهم، وأرباحهم وخساراتهم، والأخطار التي أحدقت بهم، وتاريخ هجراتهم، وارتباطاتهم بالوطن، كما ضم هذا الجزء سرداً للعلاقات العائلية والارتباطات الأسرية وأسماء الزوجات والأبناء، وبعض شذرات من حيواتهم.
تاسعاً: الكاتب حاضر دوماً فالرحلات هي نوع من المذكرات الشخصية، ولذلك فالكتاب مروي بلسان المؤلف، ويسجل انطباعاته وخبراته الذاتية.
عاشراً: بالإضافة إلى الانطباعات قدم المؤلف كثيرا من المعلومات والحقائق المفيدة في كل بقعة زارها وتحدث عنها، هذه المعلومات تشمل الإنسان والبيئة والثقافة وتنوعاتها.
أحد عشر: عاطفة الكاتب ومشاعره حاضرة دوماً، فالكتاب تجربة ذاتية، ولذلك غلبت عليه عاطفة جياشة، وأحاسيس مرهفة، ووجدانيات ارتبطت بالأشخاص وبالأمكنة وبالعلاقات وبالذكريات، وبخاصة في رحلته إلى السعودية التي كان الكاتب فيها إيجابياً كلياً، بل أستطيع القول إنها كانت إيجابية مبالغ فيها، ونادر جداً جداً ما فسر بعض المواقف سلبيا، كخسارته للكتب التي أهديت إليه أثناء الرحلة في مطار جدة بسبب سوء معاملة موظف شركة الطيران، على الرغم من أنه لم يصف تصرف ذلك الموظف بأنه سيء، ولكنه وصف مني.
ثاني عشر: لغة الكتاب لغة مثيرة وشائقة وذات جاذبة عالية للقاري، كما اتسمت بالمباشرة في الوصف، وهو الأسلوب الملائم والمتبع في هذا الجنس الأدبي، ولكن يبدو لي أن السلحوت لم يراجع الكتاب في نسخته التجريبية، أقصد قبل النسخة النهائية للطباعة، وإلا لن تفوته مسائل إملائية لا يمكن أن يقع فيها مثل الأستاذ جميل، فهمزة الوصل والقطع مما يعلمه لطلبته في المدارس. ولكني من جهة ثانية أستغرب أن الكتاب وقع في مسالة لغوية شائعة على ألسنة كتاب كثيرين وهي مسألة تكرار الإضافات إلى مضاف إليه واحد.