القدس:- 25-8-2005
ناقشت الندوة يوميات تحت الاحتلال لباسمة التكروري، هذا الكتاب الذي صدر عام 2004 عن مؤسسة تأمر للتعليم المجتمعي في رام الله ويقع في 83 صفحة من الحجم المتوسط.
بدا النقاش جميل السلحوت فقال:-
هذا الكتاب من قسمين، القسم الأول هوعبارة عن مراسلات الكاتبة التكروري مع الكاتبة الجنوب افريقية الشهيرة بيفرلي نيادو التي تعرفت عليها كاتبتنا عندما اعطت الاخيرة دورة عن ادب الاطفال في رام الله صيف العام 2000 ويلاحظ من هذه الرسائل والتي ابتدأتها باسمة التكروري قبل ان تصل العشرين من عمرها، انها تمتلك روح الدعابة والفكاهة، اضافة الى حديثها ومعرفتها لما تريد، فهي تفلسف الامور بطريقتها الخاصة، ومن خلال حياتها الخاصة ايضا، فتخلط العام بالخاص، وتمزج ما بين الجد والهزل، لتخرج لنا بوجبة دسمة، لكنها صحية في نفس الوقت، ولقد ادهشتني حقا عندما قرأت ما جاء في تقديم الكتاب بقلم مديرة مؤسسة تامر بان باسمة التكروري لم تخطط لان تكون رسائلها معدة للنشر، بدلالة انها لم تحتفظ بها، بل المرسلة اليها وهي كاتبة ثورية تحمل قلبا انسانيا كبيرا، هي التي احتفظت برسائل باسمة على جهاز الحاسوب خاصتها، وهذا يعني ان رسائلها كانت عفوية وبريئة، ومع ذلك فان صاحبتها تملك وعيا كافيا للخطاب الاعلامي الابداعي، الذي يدخل عقل وقلب المتلقي دون تكلف او معاناة، لانه بعيد عن المباشرة المتعبة.
وتحمل هذه الرسائل هموم فتاة فلسطينية يافعة تعيش مرحلة انتـقالية ما بين الطفولة والشباب، ومع ذلك ورغم المعاناة الا انها استطاعت ان تنقل للمتلقي انها انسانة تحب الحياة، وتعمل لبناء مستقبلها بعفوية وجدية معا، فهي تدرس في الجامعة، وتحصليها العلمي جيد جدا، وهي تعمل في مؤسسة تامر ايضا، وتمارس هواياتها مثل الرسم والعزف على القيثارة، وتحب الضحك وتعرف فوائده، وتسمع الموسيقى وتـشاهد الافلام، وتطالع الاداب المحلية والعالمية وان كانت مطالعاتها للادب العالمي اكثر، ويبدو هنا انها متأثرة بدارستها اللغة الانجليزية، وهي تراسل اصدقاءها وزملاءها من الجنسين وتتابع اخبارهم، وتطرح فهمها للحياة ببراءة، وتجالس والديها واخواتها واخوانها وجدتها، وتعرف هواياتهم ومشاغلهم، ويبدو واضحا انها تحظى برعاية فائقة من والديها، يلاحظ ذلك من خلال ان والدها يطلب منها النوم في الساعة الثانية عشرة ليلا، وكل ذلك في ظل حصار شديد وحواجز عسكرية عديدة تقيد حريتها، سواء في الذهاب الى الجامعة او العمل في مؤسسة تامر، اوالعودة الى البيت.
وهي مع ذلك ليست بعيدة عن الوضع العام، فهي جزء منه، وهو مفروض عليها شاءت ذلك ام أبت، فكلا الامرين سيان، لذا فهي تكتب عن الاوضاع غير المستقرة المتمثلة في الحرب غير العادلة التي يشبها المحتلون على وطنها وشعبها، لقد كتبت عن القصف بطريقة ذكية، “تدمير ستة صفوف وجزء من المكتبة”، وتكتب عن قتل المدنيين، ومنهم الاطفال، وتكتب عن القتل الجماعي في رام الله،وعدم تمكن الاهالي من دفن موتاهم، وتكتب عما تتعرض له سيارات وطواقم الاسعاف من اعتداءات وعرقلة الوصول الى الجرحى واسعافهم، وبالتالي فان عددا من الجرحى بقى ينزف حتى الموت، انها مأساة الحياة في الاراضي المحتلة. وهي تستـفيد من معرفة وخبرة معلمتها الكاتبة نيادو التي ارشدتها الى قراءة مذكرات الطفلة البوسنية زلاتا فيليوفيل عن حرب البوسنة، ويبدو واضحا كيف استطاعت التكروري من ان تجعل من معملتها- نيادو- صديقة تتراسل معها، وتستفيد من خبراتها، كاسرة بذلك حواجز كثيرة منها حاجز العمر، وحاجز التجربة الطويلة، وحاجز المعلم والطالب لتجير كل ذلك لمصلحتها، وهذه نقطة تسجل لها.
اما الجزء الثاني من الكتاب فقد كان عن فترة اجتياج المناطق الفلسطينية في العام 2002 وهو عبارة عن يوميات الكاتبة لفترة شهرين، ما بين اواخر اذار واواخر ايار من نفس العام.
وقد بدأت الكاتبة يومياتها بالحديث عن تكيف الفلسطيني مع افرازات الاحتلال اللا انسانية، وهذا التكيف هو الذي يجعل الفلسطيني يستمر في حياته، كما ان الكاتبة تتمنى لو ان بيتها الواقع في ” حي مشروع نسيبة ” في بيت حنينا ابتعد عنه الحاجز قليلا، ذلك الحاجز الذي يحاصر القدس من مدخلها الشمالي، ويمنعها من التواصل مع رام الله، تماما مثلما يوجد على مدخل القدس الجنوبي حاجز اخر يفصلها عن بيت لحم، وبالتالي يمنع وصول كاتبتنا الى جامعة بيت لحم حيث تدرس، وما بين حاجزالجنوب وحاجز الشمال هناك حواجز اخرى تقلب حياة الفلسطيني جحيما، غير ان حاجز قلنديا والذي تخطط اسرائيل ان تجعله حاجزا حدوديا، ويتفنن الجنود الذين يقفون عنده بتعذيب الفلسطينين بارغامهم على الوقوف على احد جانبيه تحت البرد القارس شتاء، وتحت اشعة الشمس اللاهبة صيفا، ولا مبرر لهذا الوقوف سوى تعذيب الفلسطيني لانه فلسطيني، وهذا ما حدث مع كاتبتنا قبل احتياج رام الله بيوم واحد. عندما اجتاحت اسرائيل رام الله في 29/3/2002 ، بدأ القلق والحيرة والارتباك، الاف القذائف تنهمر على البيوت، ومئات الدبابات والمجنزرات تجوب شوارع المدينة، تدمر ارصفتها، وتقطع خطوط مياهها وهواتفها وكهربائها، يتم اقتحام البيوت، واعتقال الالاف، وحشر العائلات من الرجال والنساء والاطفال في سكنة واحدة ليعربد الجنود في الشقق الاخرى ، ثم لا يلبث المحتلون ان يقتحموا بيت لحم، وهكذا فان كاتبتنا انقطعت عن مكان عملها في رام الله وعن مكان دراستها في بيت لحم، وتحاول الاتصال باصدقائها ومعارفها واقاربها لتطمئن عليهم ولكن دون جدوى ، وبعدها يتم اجتياح الحي الذي تسكن فيه بحجة البحث عن المقاومين ، ويبدو ان القضية كانت مجرد تمثيل لترويع الاهالي. وتعرج الكاتبة على حصار مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات اثناء اجتياح رام الله وصموده فيه وكلماته التي شحنت المواطنين بالعزيمة والثبات . كما ان الكاتبة لا تنسى اليوم الذي مات فيه الاديب والمفكر حسين البرغوثي في 1/5/2002 اثناء الحصار.
يبقى ان نقول ان باسمة التكروري تملك لغة سلسة جميلة ، وتكتب بعفوية تامة ، وتعطي ما تريده بطريقة عميقة ومؤثرة.
وبعده تحدث سمير الجندي فقال :
إن اسلوب الرسائل في كتابة القصص القصيرة فيه الاثارة والتشويق وهذا ما تحتاج اليه القصة، او الرواية او الخاطرة، فقد استخدم هذا الاسلوب من قبل العديد من الكتاب ومنذ نشأ هذا الفن الادبي ، اذكر على سبيل المثال لا الحصر قصة الكاتب غسان كنفاني ” موت سرير رقم 12″ فقد اتبع هذا الاسلوب وكان رائعا في تقديم عمل فني مميز.
قدمت الكاتبة باسمة التكروري ، عرضا وقصصا من الواقع الحي الذي تعيشه وعما يرتكب بحق ابناء هذا الوطن الغالي من قمع وانتهاك لحقوقه الانسانية . كما ان التسلسل الزمني في عرض الرسائل كان دقيقا ومبنيا بشكل صريح وارتبط بالانسان ( الشخصيات) القصص بشكل موضوعي بناء .
وقالت الطفلة اسراء ابو طير :
هي يوميات فصلت احداث الفلسطينيين اثناء انتفاضتهم التي ناضلوا فيها يوما بيوم . صورت الاحداث وتكلمت عنها ، الاحداث التي ربما لم يتم التصريح عنها جميعا وبشككل مفصل عبر قنوات الاعلام.
وكانت قد راسلت الكاتبة بيفرلي نيادو والتي هي ربما شعرت بما يعيشه الشعب الفلسطيني لانها من جنوب افريقيا اي حيث كانت حروب التمييز العنصري والتي كانت قد كتبت قصصا عن هذه المشكلة التي واجهت بلدها لفترة طويلة وحاربت العنصرية بتلك القصص .
وكانت رسائلها عفوية حيث انها لم تكن قد خططت لنشرها. ولكن كان هناك بعض الاخطاء في الكتابة، وكان هنالك في الجزء الاول بعض الرسائل التي بها اسئلة كان قد اجيب عليها في رسائلها قبلها .
وكان في الرسائل اسلوب التشويق والذي يتمثل في القصة القصيرة ، وكانت قد اوصلت معنى وشعور الفلسطيني ايام بحور الدم .
تصور معاناة الفلسطيني رغم انها لم تكن تحت الحصار ولكن كان قد حوصر عملها وعلمها .
وكان اختيارها لمراسلة الكاتبة الشهيرة جيدا حيث اخذت منها واستفادت وراسلت من يمكن ان يتفهمها .
ثم تحدث خليل سموم فقال :
كتاب جدير بالقراءة ، فهو يكشف عن انفعالات ومعاناة وتصرفات شابة يافعة ، في بدايات الانتفاضة الاخيرة للشعب الفلسطيني ، اضافة الى احتوائه على جزء مهم مما شاهدت، وما سمعت ، وما عملت ، والشيء المهم جدا في هذه اليوميات انها كانت تسجل يوم وقوعها، ولم تكن تسجل بعد فترة .
ولكني كنت اتمنى لو ان هذه اليوميات كانت تسجل يوميا، بدون انقطاع ، وان كانت اعطتنا فكرة اوضح ومتكاملة ، وليست متقطعة ، عن التفاعلات بين الناس والانتفاضة ، يوما بيوم، وعن مدى ونوعية تاثير كل منهما بالاخر ، وخاصة عند الشباب .
هذه اليوميات طافحة بالقيم التربوية الايجابية ، ولا سيما توجيهات الكاتبة الجنوب افريقية ” بيفرلي نيادو” لباسمة ، والتي حثت فيها باسمة على ان تقرأ وتقرأ ، وان تكتب ، وان تحاول قدر استطاعتها خفض التوتر عند الناس، وذلك حتى يستطيعوا الاستمرار في صمودهم، وفي كفاحهم. هذا من ناحية ” بيفرلي” ، ومن ناحية باسمة فانها خلال الانتفاضة لم تكتف بالتفرج والتأثر ، بل انها اخذت تقرأ لتزداد ثقافة ، وتطوعت لجمع نقود للمتضررين ، وكذا تطوعت كمعلمة ، كل هذا مثال طيب لشبابنا.
الكتاب مليء بالاخطاء اللغوية والمطبعية ، حوالي (25) خطأ لغويا، و(35) خطأ مطبعيا ، وهنا ، فاننا لا نضع اللوم على الكاتبة ، لانها كانت يومها غير متمكنة من اللغة، وقليلة الخبرة في قضايا النشر ، لكننا نضع اللوم على المؤسسة الناشرة والتي كان باستطاعتها تلافي كلا النوعين من الاخطاء .
واخيرا ، واستنادا الى هذا الكتاب ، والى كتب ومقالات اخرى لاحقة للكاتبة ، فاننا نتوقع مستقبلا جيدا لباسمة في عالم الكاتبة الملتزمة ، وذلك لخدمة قضايا شعبها