من خلال قراءتي لهذه الرسائل الأدبية القيمة النيرة، أراها تندرج بشكل عام ضمن إطار (أدب الرسائل ) التي تبادلها كل من الأديب المقدسي جميل السلحوت صاحب لقب شخصية القدس الثقافية، والكاتبة الناشطة في مجال شؤون المرأة الأستاذة صباح بشير .. حيث بدأ تبادل الرسائل الأدبية بينهما بتاريخ 11 ابريل 2010، من قبل الكاتب السلحوت، وآخرها كان بتاريخ 30-12-2021 من قبل الكاتبة صباح .. وكان ذلك بعد أن تعرف الأديب السلحوت على الكاتبه صباح من خلال ندوة (اليوم السابع الأسبوعية الثقافية) في مسرح الحكواتي في القدس ..
من منظار رؤيتي لهذه الرسائل المتبادله بينهما ومنذ قراءتي للرسالة الأولى، تحمل طابعا أدبيّا بامتياز، وتحمل بين طياتها قيمة تربوية وثقافية، تاريخية، معرفية، سياسية، أخلاقية، إنسانية نبيلة .. كتبت بقلم كل منهما بأسلوب شيق ممتع وبلغة جميلة سهلة … غنية بالثقافة والمعرفة بشكل عام .. وتحاكي قضايانا بشكل خاصة معاناة شعبنا المريرة تحت الاحتلال الغاشم، وقضية القدس مرورا، بقضايا عديده أخرى كواقع شؤون المرأة الفلسطينية، وقضايا الجهل السائد المتفشي في بلادنا، وقضايا ذات أهمية كبيره تعود على الفرد والمجتمع، كموضوع التعليم في بلادنا قبل وخلال جائحة كورونا..والعديد من القضايا الأخرى التي تم طرحها بعقلانية من قبل كل من الكاتبين ..
— ذكر الكاتب السلحوت من خلال هذه الرسائل العديد من إنجازاته الأدبية ما بين سنة 2010 و 2021 من مقالات وسلسلة روايات وكتب وقصص أدب اطفال ويافعين وغيرها .. وأفخر باني حظيت بقراءة معظمها والكتابه عنها.
وممّا لفت انتباهي ورسخ في ذهني من خلال قراءتي لروايات السلحوت هو تعاطفه ودعمه لحقوق المرأة ومعاناتها في ظل مجتمع ذكوري صعب .. حيث لا تخلو رواياته من الحديث عن هذا الشأن، عدا عن قضايا أخرى تبدو حاضرة وبقوة في كتاباته خصوصا فيما يخص القدس وتاريخ قضيتنا الفلسطينية، وقضايا الجهل السائد في بلادنا، وبعض العادات والتقاليد البالية التي تحول دون دفع عجلة التقدم إلى الأمام ..
— هناك تشابه في العديد من الأمور تجمع بين كلا الكاتبين خصوصا حديث كل منهما عن جزء من تفاصيل حياته الخاصة، بالإضافة إلى وصف الأماكن السياحيهة التاريخية التي زارها كل منهما والتي تندرج تحت إطار (أدب الرحلات ) ..
— الكاتبه صباح بشير سلطت الضوء في رسائلها المتبادلة على قضايا المرأة الفلسطينية، وأشارت هنا الى الدور الضعيف الهش لوسائل الإعلام في بلادنا التي تعجز عن تغطية قضايا مهمة تخص شؤون المرأة، كمشاركتها في مجال الفكر والثقافة، وتجاهلها لها في كل المجالات، وغالبا ما تركز هذه الوسائل وللأسف على ( الشؤون المنزلية والطبخ والموضة ومستحضرات التجميل وغيرها ) وأعتقد أن هذا ما هو إلا إلغاء لكيان المرأة وعقلها وابداعها وانسانيتها ..
كم كان ممتعا وشيقا وصف كلا الكاتبين للأماكن المختلفة التي زارها كل منهما من دول ومدن العالم .. فقد ذكرت هنا الكاتبة صباحى بشير ص 34 و 35 عن تجربتها في الانتقال من بلد الى آخر خارج الوطن، فتفكيرها الذاتي بالهجةه من الوطن لم يأت من فراغ، وهذا حال معظم أبناء شعبنا الفلسطيني، الذي يعاني من ظروف صعبة لا تساعد الفرد على تحقيق ذاته .. وما أصعب أن يشعر الفرد بالاغتراب في محيط مجتمعه ووطنه .. وما لفت انتباهي هو وصفها الشيق للمدن التي زارتها وأقامت فيها كأنطاليا، لندن .. تونس وغيرها، كما أحببت وصفها للمدن الأجمل على الإطلاق كمدينة القدس العاصمة الأبدية لفلسطين، ومدينة حيفا عروس البحر .. تماما كما الوصف الماتع للكاتب السلحوت للمدن العديدة التي زارها خصوصا فيما ذكره في كتابه ( بلاد العم سام ) وانطباعاته عن الحياه الاجتماعيه في امريكا..
— ممتع هو السفر والترحال من مكان الى آخر لما فيه من تجديد للحياة، واثراء معرفي، وترويح عن النفس، خصوصا لمن يعيش مثلنا في سجن كبير تحت غطرسة المحتل الغاشم .. “ولكن مهما سافرنا وتنقلنا بين مدن ودول العالم فلن نجد وطن أحنّ علينا من وطننا فلسطين، ويبقى هو الأبهى والأجمل، ولا كرامه حقيقية لإنسان إلا في وطنه، فهو الحضن الآمن بالرغم من ضنك العيش وقسوة الحياة…
كثيرا ما تحدث كل من الكاتبين عن ( مظاهر التعصب الديني) وانتشارها الواسع والخطير في بلادنا ( دون الفهم الصحيح للدين) فهذا التطرف والتعصب يحد من التنوع والتعدد، ويلغي ذاك النقاش الحر والحوار بصوره أكثر حضارية واشراق .. كعقلية الجماعات التكفيرية الظلامية التي تلغي القيم الإنسانية النبيلة، وترسخ بدورها الجهل الذي بات يسيطر على العقول بل ويصادرها .. وهذا الموضوع تحدث عنه السلحوت في كتابه ( ثقافة الهبل وتقديس الجهل ) .. كتبت عنه سابقا ..
— نعود مره أخرى الى قضية القدس التي هي دوما حاضرة في كتابات السلحوت، خصوصا تللك القرارات التي صدرت من قبل وزارات الثقافة في الدول الاسلامية والعربية من حيث تسمية القدس عاصمة الثقافة العربية، والقرار الثاني بتسميتها العاصمة الدائمه للثقافة الإسلامية .. والمخجل هنا أن أيّا من هذه الدول لم تقدم شيئا للقدس .. بينما أثرياء اليهود تبرعوا بمليارات الدولارات لتهويدها .. كما سلط الضوء على مسألة احترام الأديان في بلادنا .. وأن الصراع في فلسطين بشكل خاص ليس صراعا دينيا، وإنما صراع مع الحركة الصهيونية الاستيطاتية، التي استولت على أراضينا بالقوة، وهجرت سكانها الأصليين وحلت محلهم يهودا مهاجرين من دول مختلفة من العالم، وذلك بموجب قرارات جائرة بحق أرضنا وشعبنا الفلسطيني، كوعد بلفور وقرارات سايكس بيكو، سان ريمو وغيرها، والتي كان آخرها خطيئة أوسلو التي أوصلتنا الى ما نحن به الآن من تفسخ وانقسام وانهيار وتراجع بكافة المجالات … والأدهى والأمر من ذلك تهافت الأنظمة العربية على التطبيع المجاني مع الطرف الآخر على حساب حقوق شعبنا الفلسطيني …
— قضية أخرى نعود اليها وهي ذات شأن وأهمية كبرى تحدث عنها اللكاتبان في رسائلهما المتبادلة وهي قضية ( التعليم ) وهي قضية ( التعليم والمناهج التربوية ) في المدارس والجامعات في بلادنا… مستعرضا آثارها السلبية على الطلبة، وبالتالي على المجتمع لأسباب عديده منها محتوى المناهج، وأساليب التعليم، وعدم تنوعها، وأسلوب التلقين والحفظ الأصم .. مرورا بالبيئة المدرسية والأبنية غير الصحية وغيرها، مما ينعكس ذلك سلبيا على بناء الفرد والمجتمع .. مقارنا ذلك بين مفارقات التعليم بين الشرق والغرب، حيث يركز الأخير بدوره على قيمة الفرد وأهمية بنائه من خلال اعتماده على العقل، ووسائل البحث العلمي التي تفتقر له بلادنا، الأمر الذي يهدد الاستدامة من كافة نواحيها، ويعرقل مسيرة التعلم نحو الأفضل .. كما ذكر كلاهما الآثار السلبية لجائحة كورونا خصوصا في مجال التعليم والاعتماد على أسلوب التعليم عن بعد، والذي يعتمد على الإلكترونيات وآثارها السلبية على الطلبة، وبالتالي على المجتمع .
13-7-2022