صدرت هذا العام 2024 عن مكتبة كلّ شيء في حيفا روايّة “الوَبْش” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، وتقع الرّواية الّتي تشكلّ الجزء الثّاني من رواية “الّليلة الأولى” في 180 صفحة من الحجم المتوسّط. وقد صمّم غلافها وأخرجها شربل الياس.
رواية اجتماعية قشرت الكثير من طبقات الجهل المتراكمة لدى فئة من المجتمع، وجعلتها تطفو بجرأة على سطح الشفافية؛ لتسليط الضوء عليها، ووضع إصبع الوعي على جرح التخلف والجهل الذي بدأ الحديث عنه في جزئها الأول “الليلة الأولى” بتناول موضوع الشعوذة واللجوء إليه لحل مشكلة “موسى”في ليلة زفافه الأولى مع إغفال دور العلم والطب في هذا الموضوع، وتحميل والدته مسؤولية ما جرى له لزوجته كما يحدث غالبا في مجتمعاتنا الذكورية، وفي النهاية تحت تأثير كلام الناس ونظراتهم اضطر موسى للهجرة بعيدا ليرمم ذاته مما أصابها تحت وطأة ضغوط مجتمعه وتدخلاته في أدق أمور علاقته الخاصة بزوجته، كان كل ذلك بخيوط متسلسلة من التشويق لانتظار ما تؤول إليه الأحداث في الجزء الثاني.
لم تخل رواية الوبش من الأمل، فبعد حصول ليلى على الطلاق من موسى تزوجت بعد انقضاء عدتها من سعيد، الذي كان يحبها قبل زواجها الأول دون علمها، وأنجبت ثلاثة أطفال، وموسى ربما قال في قرارة نفسه قبل أن يهاجر “لن أبحث عن ذاتي في المكان الذي فقدتها فيه” فوجد في الخارج ذاته، وأحب وتزوج وأنجب أيضا ثلاثة أطفال، وفي هذا إشارة لأحوال الحياة، فبعض العلاقات يضعها الله في طريقنا مؤقتا لحكمة ما، رب ضارة نافعة.
*مهما أخطأ الإنسان يبقى باب التوبة مفتوحا على مصراعيه، ومن يصدق الله يصدقه، فطبائع الناس مختلفة منهم من يمكن لبذرة الخير الصغيرة فيه أن تتغلب بلحظة على كل ما سبق من شر وطغيان، ومنهم من يغلب طبعه تطبعه، فأبو ربيع ومبروكة نموذجان سيئان للشعوذة واستغلال جهل الناس وحاجتهم، لكن مبروكة اختارت التوبة بالنهاية أمّا أبو ربيع فحتى في طريق توبته في أقدس بيوت الله سرق وافتضح عمره.
*لذة ثمار الحب لا تؤتى حين تقطف بغير أوانها كما حصل مع سميح وغادة الذي حملها مسؤولية تسليمه نفسها قبل الزواج، وشعر بالندم على ذلك حين تزوجها وأنجب منها، وفي ذلك إشارة إلى أن لذة الحرام تفسد لذة الحلال عاجلا أم آجلا، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
نجحت هذه الرواية بسلاسة أن توصل هذه الرسائل وغيرها بأسلوب لا يخلو من الجاذبيّة والتشويق.
25-2-2024