احتفل المحتلون الاسرائيليون يوم الخميس 21 ايار الحالي بالذكرى الثالثة والاربعين حسب التقويم العبري لما يسمونه ” توحيد القدس ” حيث قامت اسرائيل من جانب واحد في 28-6-1967 بضم القدس الشرقية بقرار من الكنيست الاسرائيلي ، متحدية بذلك القانون الدولي ، ومجلس الأمن الدولي قبل ان تتحدى الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والاسلامية .
واذا كانت هذه الاحتفالية الاسرائيلية التي يتم من خلالها اغلاق مداخل ومنافذ ” القدس القديمة ” امام المقدسيين الفلسطينيين ، تأتي هذا العام بعد احكام عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي من خلال جدار التوسع الاحتلالي ، فإن سياسة التسريع في تهويد المدينة قد اخذت اشكالا جنونية بعد انتهاء الأعمال العسكرية الاسرائيلية في حربها المفتوحة على قطاع غزة، تتمثل في سياسة التطهير العرقي غير المعلن للمقدسيين الفلسطينيين ، اضافة الى سياسة هدم البيوت الفلسطينية ، وتكثيف البناء الاستيطاني تنفيذا للحلم الصهيوني بأن لا يتجاوز عدد المقدسيين الفلسطينيين نسبة 18-20% ومع ان البلدة القديمة التي يحيطها سور القدس التاريخي مسجلة في منظمة الامم المتحدة للتربية والتعليم ” اليونسكو ” كتراث حضاري انساني يجب الحفاظ عليه ، الا ان المحتلين لم يكتفوا بهدم حارات الشرف والمغاربة والنمامرة هدما كاملا ، وبدون رحمة للأبنية والمدارس والمساجد التاريخية في الأيام الأولى لحرب حزيران 1967 العدوانية ، ووقوع المدينة تحت الاحتلال ، وتهجير مواطنيها الفلسطينيين ، وإقامة حيّ استيطاني يهودي مكانها ،وتجريف أحشاء المدينة من خلال الحفريات بحثا عن اثار يهودية مزعومة، بل إنهم يقومون هذه الأيام وبحجة ” الاصلاح والتطوير ” بمحو وطمس الأثار العربية والاسلامية ، وهم بهذا يسرقون التاريخ كما سرقوا الجغرافيا .
لكن اللافت للانتباه استمرارية التواطؤ العالمي في السكوت على ما يجري في القدس ، وكأن اسرائيل فوق القانون الدولي ، فلم نسمع مثلا دعوة لاجتماع اليونسكو لبحث الاعتداءات الاسرائيلية على الارث الحضاري الانساني في القدس ، لكن المحزن هو غياب أو سوء ادارة الدبلوماسية الفلسطينية والعربية الرسمية التي من المفترض ان تدعو الى عقد اجتماع عاجل لليونسكو لبحث القضية ، ومن ثم تحويل قراراتها الى مجلس الامن الدولي لاتخاذ قرار ملزم لاسرائيل كي توقف اجراءاتها التهويدية للمدينة ، من اجل الحفاظ على الطابع التاريخي للمدينة على الأقل .
وليس هناك جديد في تصريحات بنيامين نيتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الاخيرة بهذه المناسبة ،والتي مفادها بان القدس لن تقسم ثانية وستبقى عاصمة اسرائيل الموحدة والأبدية ، فقد سبقه اليها أسلافه وأقرانه من رؤساء ووزارات سابقين ، ووزراء وقادة الاحزاب الصهيونية .
وهم يتمترسون بهذه التصريحات خلف قوتهم العسكرية التي يقابلها الضعف العربي الرسمي ، وهم مشغولون بسياسة التوسع والاستيطان ، وفرض سياسة الأمر الوقع اكثر من انشغالهم بالسلام الذي يتعاملون معه من باب فن ادارة الصراع ليس اكثر ، وهذه لعبة يجيدونها تماما ، ومن صرح منهم بأنه مع حل الدولتين ، أيّ اقامة دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة في حزيران عام 1967 بجانب اسرائيل، فإنه كان يعمل عكس ذلك تماما عندما كان في موقع المسؤولية والقدرة على التنفيذ ، وما يجري على ارض الواقع من مصادرات للاراضي والبناء الاستيطاني وجدران التوسع ، وتمزيق الاراضي بالشوارع الالتفافية والجدران التوسعية الهمجية ، ومحاصرة الفلسطينيين اضافة الى سياسات هدم البيوت وقتل المواطنين والاعتقالات الا تأكيد على ذلك ، وكل افعالهم تشير الى أن اقصى ما يمكن أن يقدموه للفلسطينيين هو ادارة مدنية على السكان وليس على الارض، وبشروط غير معلنة منها :عدم زيادة هؤلاء السكان ، وذلك من خلال محاصرتهم ، ومنع البناء العربي ، والتضييق على السكان لاجبارهم على الرحيل خارج وطنهم لحل ضائقتهم السكنية ، أو سعيا خلف رغيف الخبز المرّ، وقناعات قادة الفكر الصهيوني بمنح الفلسطينيين ادارة مدنية ضمن الشروط الاسرائيلية له أسبابه ايضا ، ومنها عدم تحمل المسؤولية القانونية عن سبل اعاشة المواطنين الفلسطينيين ، وتحميلها للمجتمع الدولي أو ما يسمى الدول المانحة في حين يبقى الاقتصاد الفلسطيني نهبا للاسرائيليين ، اضافة الى ان اسرائيل لا تحتمل ضم كافة الاراضي الفلسطينية اليها لأنها ستكون حينئذ امام خيارين وهما :مشاركتهم في اختيار ممثليهم في صناديق الاقتراع ، أو منعهم من ذلك وبالتالي فضح العنصرية الصهيونية بشكل مكشوف .
ولعل نتنياهو ووزير خارجيته لبيرمان اكثر وضوحا من غيرهم في هذه القضايا ، فهما يقفان علانية ضد اقامة الدولة الفلسطينية ، ونتنياهو يرى الحل فيما يسميه ” الرخاء الاقتصادي ” أيّ تحويل الشعب الفلسطيني الى “حطابين وسقائين ” ودون حقوق سياسية وحتى انسانية ، فهو لم يتطرق اثناء زيارته الاخيرة لامريكا ، ومباحثاته مع الرئيس اوباما الى حل الدولتين ، وتحدث عن السلام ودعوته لاستئناف المفاوضات بطريقته المعهودة وبدون شروط حسب رأيه ، متناسيا انه يضع شروطه بشكل مسبق من خلال لاءاته الشهيرة ومنها : لا لحل الدولتين ، لا لوقف الاستيطان ، لا للانسحاب من الاراضي المحتلة ، لا لتقسيم القدس ، ولا للمبادرة العربية . وشروط نيتنياهو ليست شروطا من وجهة نظره لأنه يعتبرها أمورا بدهية ومسلم بها ، وحتى انه يسعى الى ما هو ابعد من ذلك وهو اقامة علاقات طبيعية وكاملة مع كافة الدول العربية والاسلمية قبل حلّ القضية الفلسطينية،بل انه يسعى الى التحالف مع الدول العربية لتدمير المشروع النووي الايراني ، ويلاحظ التركيز في الاعلام والحراك الدبلوماسي على ان الخطر الايراني هو الذي يهدد الأمن القومي العربي وليس الخطر الاسرائيلي ، ومع ضرورة الانتباه الى الاطماع الايرانية في العالم العربي ، الا انه يلاحظ ان التركيز على المشروع النووي الايراني ، وهو للأغراض السلمية -كما يصرح بذلك قادة ايران -، يصاحبه تجاهل امتلاك اسرائيل للأسلحة النووية واليكماوية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل ، واذا كان الخطر الايراني على العالم العربي خطر محتمل ، فإن الخطر الاسرائيلي أمر قائم وواقع من خلال استمرار احتلالها للاراضي الفلسطينية والعربية ، ومن خلال الدور المنوط بها كحارسة للمصالح الامبريالية في المنطقة ، وجاهزيتها للقيام بأي عملية عسكرية لضرب أيّ قوة محتملة في المنطقة .
وبما ان الرئيس الامريكي اوباما قد وضع قضية الصراع العربي الاسرائيلي على سُلّم اولوياته منذ بداية فترته الرئاسية ، وطوي صفحة سياسة ادارة الرئيس الاسوأ في التاريخ الامريكي جورج دبليو بوش ، فإن على العرب عامة والفلسطينيين خاصة اليقظة التامة في التعامل مع خطته للسلام في المنطقة، والتي سيعلن عنها في القاهرة في الرابع من حزيران القادم كما ذكرت وسائل الاعلام ، ونعتقد انه قد حان الأوان لاسماع كلمة ” لا ” للمسؤولين الامريكيين ، وأن تقال كلمة ” لا ” في موقعها الصحيح ، وان لا يتم تجزيء المبادرة العربية ، فلا اقامة لعلاقات عربية واسلامية مع اسرائيل قبل انسحابها الكامل من الاراضي المحتلة ، ولا بقاء للمستوطنات في الاراضي المحتلة ، ولا سلام بدون حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية ، ولا سلام بدون تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف ، ولا بقاء لجدران التوسع الاحتلالي ، ولا استقرار في المنطقة بوجود اسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الاسلحة النووية ،ولا ضمان للحفاظ على مصالح أمريكا وحلفائها ما دامت تدعم الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية.