القدس:27-9-2012 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الاسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس المجموعة الشعرية”نوافذ” التي صدرت قبل بضعة أيام للشاعر المقدسي رفعت زيتون وبحضوره. وهذه هي المجموعة الشعرية الثانية التي تصدر للشاعر عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، ومجموعته الشعرية الأولى تحمل عنوان”حروف مقدسية على السور الجريح”
بدأ النقاش وأدار الأمسية ابراهيم جوهر فقال:
في ديوانه الثاني يقيم الشاعر (رفعت يحيى زيتون) حوارا فلسفيا ذا نفس شعري في لغته وصوره مع التاريخ، تاريخ بدء الخليقة وبداية الصراع. ومع ذاته الشاعرة، ومع تلك المعشوقة التي عذبت فؤاده وليله. أما بعض ذكرياته فيتمنى نسيانها ومحوها .
إنه ينقل لحظات من الحوار الشعري مع الذات والآخر المتخيل. ويبني قصة شعرية مكتملة العناصر قوية الخيال والتأثير في قصيدة (عابرة سبيل) مثلا التي أجاد رسم الحركة والصوت واللون فيها. (صفحة 44 وما بعدها) .
والشاعر لا يتخلى عن فلسفته المتفائلة المأخوذة من أبي ماضي، لكنه معجب بزهد أبي العتاهية، ويتسلل إلى روحه أحيانا نبض من لغة أبي العلاء المعري المتشائمة
وهو إذ يبني فوق ما بناه الآخرون لا يضيع في أساليبهم ولا لغتهم، بل يتفرّد بلغته وقضاياه ورؤاه وموسيقاه وصوره .
إنه شاعر يقدّم بستانه إلى قارئه بما فيه من زهور تصلح للمناسبات جميعها.
مفاجأة الديوان الثاني الجديد هذا للشاعر كانت مطولته الشعرية(لم يبق إلا الكلام).
القصيدة المطوّلة التي حملت عنوانا رئيسا في الديوان (لم يبق إلا الكلام) حملت عناوين فرعية وصل عددها إلى سبعة وثلاثين عنوانا؛ في كل منها كانت إشارة إلى الحدث التاريخي الأبرز في مسيرة البشر الثقافية. إنها سيرة الإنسان منذ البدء حتى اللحظة التي يحياها الفلسطيني في راهنه .
استعراض بروح المعنى البعيد عن المباشرة، ورسائل بثها الشاعر بأسلوب ملحمي واع لغاياته الكبرى التي يدعو فيها إلى العمل، والأمل والاستفادة من حكمة التاريخ التي تشير إلى أهمية مكافحة السواد، والظلم ( لم تبق إلا كلمة الأنوار / بدّد عتم ليلك / واقتحم جدر السواد ودكّها /يا صانع العهد الجديد / انهض بها من تحت أكوام السواد / بنورها / وأعد إلى الدنيا البياض ) صفحة 110 .
اعتمد الشاعر أسلوب القصة الشعرية في مطولته هذه لأنه يروي بدء الخليقة في الدنيا، وأرسل رسائله إلى مستمع متخيّل، هو كل قارئ، مستخدما أسلوب الخطاب المباشر، تارة للمستمع وأخرى للقلم. كما اعتمد أسلوب النصح والإرشاد (كن كذاك الشيخ – ص59) وفتح نافذة للبشرى بعد حادثة الغراب ( أبشر بعد سلبك / بعد سبيك /بعد قيدك / تلك بشرى بالسرور ) ص 63 .
تنوع أسلوب الشاعر في مطولته فاستخدم أسلوب الشرط، والطلب، والنهي، والنداء، والاستفهام …والتعقيب والتلخيص منوّعا بين أسلوبي الخبر والإنشاء مناسبا أسلوبه مع أحداثه التي يسوقها مستوقفا قارئه للوقوف على عبرها، ليقبس منها جمرة لصموده، وبقائه، وأمله لينهض مجددا غير يائس من التغيير .
تشكّل هذه المطولة الملحمية تطورا في أسلوب الشاعر المأخوذ بالتغيير والتجريب. وهو يسهم في مراجعة أحداث التاريخ ليأخذ منها عبرة لواقعه .
احتوى الديوان (نوافذ) على قصائد سبقت هذه المطولة في الترتيب، عددها اثنتا عشرة قصيدة، تنوعت موضوعاتها وطغى عليها جو الشكوى، والحزن، والانتظار، والتشاؤم، والضياع، وإظهار التفجّع والألم وهي سمات الغزل العذري المعروفة فنيا لهذه الظاهرة الشعرية .
يعجب الشاعر هنا بشعر الذات الموجوعة المتألمة ليكون ألمه ذاتيا ينقل الحس العام. فنجده في غزله الشفاف ذا إحساس كليم متأثر بالجو العام الذي يحياه الإنسان في واقعه اليومي؛ الأمل وحده يحرك الشاعر والصبر والإيمان. لذا نجده يدعو إلى الصبر والتمسك بالحلم في إطار عام من العاطفة الإيمانية التي تدعم صبر المرء على الرزايا والآلام .
رفعت زيتون شاعر مجدد ذو نفس ملحمي، يحسن صوغ الصورة والعبارة الشعرية. وهو في هذه المجموعة من القصائد يتقدم خطوة إلى الأمام في بستان القول الجميل.
وقالت ايمان مصاروة:
نوافذ للشاعر الفلسطيني رفعت زيتون
تخطت كل التوقعات
شاعرنا رفعت يحيى زيتون، شاعر، بمثله ترتفع قامات الأمة، يحيى من أجل فلسطين، متجذر فيها كزيتونها، وهذا الشاعر المهندس ابن القدس غني عن التعريف، صدر له أخيرا عن دار الجندي للنشر والتوزيع – القدس ديوان نوافذ يقع الديوان في 111 صفحة من القطع المتوسط، يحتوي الديوان ثلاث عشرة قصيدة هي: أقبلْ بالضّحكةِ مُنْشرِحًا، أنتِ اشتياقي .. وأنتِ السّرابْ، طوتِ السّطورُ حروفَها، منْ بينِ قطراتِ المطر، غيثُ الفؤادْ، لمْ يعدْ في النّهرِ ماءٌ، قالَ لي حُلمُ المساء، لو تموتُ الذّكرياتْ، ألا مِنْ خَبَرْ، اليومَ محكمةٌ، يا حاسدي، عابِرَةُ سَبِيل، لمْ يبْقَ إلْا الكَلِمَة(قصيدة مُطوَّلة 64 صفحة) والإهداء إلى كل عاشق للضاد، وكل مؤمن بأن نور الكلمة سيعود يوما، والى كل الأهل والأصدقاء، والكاتبة كاملة بدارنة، ولقد تميز الديوان بتطور لغة الشاعر وأسلوبه، وبرز إبداع الشاعر في قصيدته لمْ يبْقَ إلْا الكَلِمَة والتي هي أشبه بالملحمة الشعرية.
والمقام هنا لا يتسع للحديث عن الكثير من روائع هذا الديوان، تصفحت صفحاته واحترت أي القصائد سأنفذ في مروج أعماقها، فكلها عذاب وجميلات، فأغمضت عيني واخترت قصيدة”ألا من خبر ” للوقوف عليها ومن خلالها نتتبع مكانة شاعرنا الفذ،يقول فيها:
رمتـني جفــــوني بلـيلِ السّـــهَرْ
ونامـــتْ كطـــفلٍ عـــيونُ القـــمَرْ
غريــبًا غــدوتُ كطـــيرٍ حـــزينٍ
تُرى هلْ سلتني غصـونُ الشــجَرْ
وهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍ
وغيضتْ مياهي وجـــفَّ النَّــهَرْ
أمْ أن السّحابَ اختفى منْ سمائي
وضــلَّ الطّـــريقَ إلـيَّ المــــطَرْ
يعبر لنا الشاعر في هذه القصيدة عن الحالة النفسية التي يعيشها بسبب الاحتلال للوطن والغربة فيه والاغتراب، ويقتنص من مظاهر الطبيعة صوراً رمزية توحي لنا بحالته النفسية. والشعر فيه شيء من غموض، ولكنه غموض يوحي لقارئه بإدراك المعنى والجو النفسي الذي يعيشه الشاعر، فنحن أمام صور متعددة، صورة شاعر لا يعرف النوم جفنُه من هول المأساة وقد غاب القمر، ولو أسهبت في الحديث لأخذ مني هذا البيت صفحات في التحليل، فالشاعر يشكو الغربة في وطنه الذي يجري تهويده على قدم وساق، والشاعر أصبح غريبا عن وطنه، كما أن الوطن أصبح غريبا عن صاحبه، وما أشد الغربة في الوطن عندما يصبح الإنسان غريبا كطير حزين، ويتساءل الشاعر بحزن: هل حقا أن غصون الشجر وجمال القدس قد نسيتني؟ وهل قلّ وضعف العطاء في المطالبة بالحق السليب وامتنع الخير والمطر في ظل تكالب قوى الأرض على وطن؟ والشاعر هنا يتكئ على التشبيهات والاستعارات والكنايات والمجاز والخروج على غير المألوف بما يسمى الانزياح أو الانحراف، لجمالياته والنحو نحو الإيحاء والإيحاء تأثيره كبير في النفس، فيقول:”رمتني جفوني” فيصور لنا أن الجفون كأنه إنسان يرمي، وهي استعارة مكنية، وفيها أيضا كناية عن عدم القدرة على النوم والقلق، ويشبه القمر بإنسان له عيون وينام كما الطفل ينام، وفيها كناية عن طول قلق الشاعر بالإضافة للتشبيه، ويشبه الشاعر نفسه في غربته بالطائر الحزين، وينتقل الشاعر من الأسلوب الخبري الذي يصور حالته النفسية القلقة إلى الأسلوب الإنشائي متسائلا:”
تُرى هلْ سلتني غصـونُ الشــجَرْ
وهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍ
والاستفهام يفيد التحسر، فيتساءل الشاعر هل بهاء القدس وأصالتها العريقة قد خبت ونسيت عروبتها في هذا الجو العاصف بالتهويد؟ أم أن الخير والعطاء العربي قد نضب واستُنزِف؟
فيصور الشاعر أن الأشجار تنسى وهي استعارة مكنية، وفي قوله:( وهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍ) كناية عن انقطاع المد والعطاء العربي، ويقول:
أمْ أنَّ السّحابَ اختفى منْ سمائي
وضــلَّ الطّـــريقَ إلـيَّ المــــطَرْ
والاستفهام يفيد التحسر، حيث يتساءل الشاعر: هل الخير والعطاء العربي قد انقطع عن أرضنا؟ وفي البيت كناية.
ويسترسل الشاعر فيقول:
أقولُ لنفـسي وقـدْ ضـاقَ صدري
وشــدّةُ عتــمي تســــدُّ البـــصَرْ
أقـــولُ وقــدْ طالَ يـومُ انتظاري
ألا مــنْ بـــريدٍ ألا مــنْ خـــــبَرْ
يُريــحُ فـــــؤادَ الظّـــنونِ وقلـبي
فتســـكنُ فــيَّ ريـــــاحُ الفِــكَـرْ
وتهــدأ روحـــي وتغــفو عيوني
وتكـسرُ نفــسي قيــــودَ الحجَر
فيبدأ بالأسلوب الخبري الذي يعبر عن قلق الشاعر، فهو يخاطب نفسه كما يخاطب شخصا وقد ضاق صدره، كناية عن رفضه للواقع المر، يخاطب نفسه في عتمة تسد البصر، وهذه كناية عن النفق المظلم الذي يعيش فيه الفلسطيني، وقد طال انتظاره، وهي كناية عن طول أمد الإحتلال، يقول لنفسه منتقلا إلى الأسلوب الإنشائي: ألا من بريد ألا من خبر؟ والاستفهام يفيد هنا التمني، فالشاعر يتمنى زوال الاحتلال وارتفاع الغمة والغربة عن الوطن، وهنا في العبارة حذف يكسب الأسلوب جمالا على جمال فكأني به يقول: ألا من بريد يحمل خبر زوال الاحتلال؟ وهذا الانزياح أو الانحراف في اللغة والإيحاء أبلغ في نفس المتلقي لتحصل المتعة الذهنية والفنية وتصوير الواقع، وهنا تكثر أفعال المضارعة: أقول، تسدّ، يريح، تسكن،تهدأ، تكسر،تغفو، وهذه الأفعال تفيد بث الحيوية، فالشاعر يريد زوال الاحتلال ليرتاح؛ فاختار من الأفعال ما يناسب ذلك:” تسكن ،تهدأ، تكسر، تغفو، يريح” وقد كرر الفعل أقول مرتين؛ ليصور نفسه الملحّة وحاجتها لزوال الاحتلال، وفي عبارة “تغفو عيوني” ما يدلل على ذلك وهي كناية عن حاجته لزوال الاحتلال، وبينها وبين عبارة”تهدأ روحي” مساواة لإعطاء القصيدة إيقاعا داخليا.
فالشاعر يقول: أقول لنفسي، حيث لجأ إلى تقنيات فنية مستمدة من الفنون النثرية السردية، فاستخدم الحوار، ولجأ إلى التداعي الحر من خلال اعتماده في نسج القصيدة على الذاكرة والحواس والخيال، ومكّنت هذه التقنيات بأن جعلت بناء القصيدة يقترب من البناء الدرامي ، وقوله في مخاطبته للنفس يذكرنا بقول إلياس فرحات:
أقُولُ لِنَفْسِي كُلَّمَا عَضَّهَا الأَسَـى = فَآلَمَهَا : صَبْرَاً فَفِي الصَّبْرِ مَكْسَبُ
وهذا تناص أدبي، والتناص يثري الأدب ويمده بعناصر القوة والجمال.
ويتابع الشاعر شدوه قائلا:
فها هو مستمر بمخاطبة النفسْ”أقول” بعد أن ملّ انتظاره من زوال الاحتلال”ألا من بريد ألا من خبر” فنستوقف هنا عند أداة التحضيض وهي تفيد الحث والطلب، ولا يليها إلا فعل مضارع، والفعل المضارع هنا محذوف، وفيه إيجاز بالحذف، فالشاعر يستخدم ضمير المفرد”أنا” والذي يفيد ضمير المتكلم”نحن” أي الفلسطينيين الذين يتوقون لسماع خبر سار مفرح لطالما انتظروه وهو زوال الاحتلال، وفي قوله:” يُريــحُ فـــــؤادَ الظّـــنونِ وقلـبي” كناية عن الطمأنينة التي اشتاق لسماعها الفلسطيني، ومثلها أيضا قوله:” فتســـكنُ فــيَّ ريـــــاحُ الفِــكَـرْ” ومثلها قوله:”وتهــدأ روحـــي وتغــفو عيوني” فالشاعر يأتي بقوالب لفظية متعددة متتالية لتفيد تأكيد معنى توْق الفلسطيني لراحة البال.
ويصدر الشاعر في أفكاره ومعانيه عن تجربة صادقة، وعاطفة قوية، فلا ريب في ذلك، فلقد عايش الاحتلال وقاسى مراراته واكتوى بلظاه لامس القهر والظلم بنفسه منذ نعومة أظفاره، فانعكست ذلك على أحاسيسه ووجدانه، وقد غلبت على المقطوعة نزعة الرفض للواقع المر والمتمثل في الاحتلال، فارتفع صوته رافضا هذا الواقع المزري.
أما الوزن والموسيقى فنرى أن الشاعر قد نظم مقطوعته على نمط الشعر العمودي، فاستخدم بحر المتقارب، وتميزت القصيدة بإيقاع عذب لاءم جوها وغرضها، ساعد ذلك القافية، وقد استخدم قافية الراء، والراء صامت مكرر هو الوحيد بين الصوامت في هذه الميزة، مجهور ذو وضوح سمعي، وهناك الإيقاع الداخلي، الناتج عن التصريع والتوازي الصوتي والتكرار الإيقاعي والجمع بين الأصوات المهموسة والأصوات المجهورة. وينسجم هذا الإيقاع الشعري بكامله مع الجو الموسيقي والنفسي والدلالي للقصيدة.
وقال محمد موسى سويلم:
لو لم أعرف الشاعر رفعت زيتون لقلت انه تجاوز الثمانين من العمر، فكتب في قصيدته الأولى بحكمة الشيوخ وعنفوان الشباب، فقصيدته أقبل بالضحكة منشرحاً السطر الثاني يقول :-“كي نرمي حزنا يسكننا” ترى من الذي يرمي الحزن جانباً سوى من خبر الدنيا وعركها عمراً طويلا، ويسهب الشيخ الجليل رفعت ليقول الشكر يكون بأن ترضى بالله وترضى بقضائه. وكما يعلم الجميع بان الرضى غاية لا تدرك ولا يدرك رضى الله إلا من قنع بقضاء الله وقدره والايمان بأن مالك لك وما لغيرك لغيرك، ثم يختتم بالمثل الشعبي ” سوي خير وارمي بالبحر ” حيث يقول الشاعر رفعت الذي بلغ من الكبر عتيا: واعمل من الخير وتعلم ذا راس المال وذا الجاه .
هل بقى بعد تلك الحكم حكم؟
في قصيدة غيث الفؤاد لم يترك مثلا شعبيا ولا حكمة في الحياة، ولم يترك للطامعين والراكضين وراء عيش زال وحياة فانية وتذكير بالأمم السابقة، وما حل بها من الدمار والخراب نتيجة لسوء أعمالهم، وطلب من الناس فعل الخيرات والابتعاد عن أصحاب السوء وإن سألت فاسأل الله ، ترى حين كتب هذه القصيده أين كان الشيخ رفعت؟ أفي بيت من بيوت الله، أم في خلوة، أم في احدى الزوايا الصوفية، أم أين كان جالساً ليتذكر قوله تعالى ” وعاد هل ترى لهم من باقية “؟ أم فوله تعالى ” لقد سبق منا القول انهم اليها لا يرجعون” ليسأل الشاعر الا من خبر أم قرأ قوله تعالى ” وفي السماء رزقكم وما توعدون “
في قصيدة ألا من خبر جمع فيها كل معاني العبر، على كل شئ الصبر على قلة النوم على ضيق الصدر،القيمة الانتظار…. الظنون تتكدر النفس ثم تجده يتفاءل فجأة، ويناجي الروح والنفس سطوع الشمس والضحك والسمر، فهل فعلاً كتب الشاعر فلسفته في الحياة مبكرا، أم ماذا أراد الشاعر بهذه الدروس والعظات الدينية؟ وهل حضر الى مسامعه قول الشاعر :-
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً ألا بالك يسأم
أم تنامى الى مسامعه قول ابراهيم ناجي:
يا حبيبي كل شئ بقضاء ما بيدنا خلقنا تعساء
أم سمع قول الشاعر
ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة ما أكل العصفور شيئاً مع النسر
حقيقة ان من الكلام لسحرا، وأن من الشعر لحكمة، وأن الشاعر هو من أكثر الناس إحساساً بألم وهموم الوطن والمواطن.
وقال موسى أبو دويح:
بدأ الشّاعر ديوانه بقصيدة عموديّة بعنوان: (أقبلْ بالضّحكة منشرحًا)، فيها دعوة إلى الأمل والتّفاؤل، ونسيان الأحزان والرّضى بقضاء الله وقدره، واعلم أيّها الإنسان أن فعل الخير هو رأس المال وهو الجاه المعتبر عند الله.
وثنّى بقصيدة من الشّعر الحرّ بعنوان (أنت اشتياقي وأنت السّراب)، ومن روائع الدّيوان قصيدة (من بين قطرات المطر) وجاء فيها:
ما أجمل الغيث الرّقيقَ
على الوجوه اليابساتِ
يفتّح الرّيحان فيها بعد طول تقشفٍ
تغدو كأحلى ضحكةٍ
تبدو كتاج، قد
ترصّع بالدّررْ
————
بل كيف أصبحنا
صقورًا جارحاتٍ قاتلاتْ
في الجوع نأكل بعضنا
أين المحبّة بيننا؟
أين البصيرة والنّظرْ؟
————
والله تُقْنا للرّبيعِ
وصوت بلبله الّذي
إن ما تغنّى في الصّباحِ
تمايلت كلّ النّسائم والنّدى
من غير لحنٍ أو وَتَرْ
————
ومن شعر الدّيوان العموديّ قصيدة (غيث الفؤاد) على بحر مجزوء الرّمل (فاعلاتن فاعلاتن… فاعلاتن فاعلات). والقصيدة (29) بيتًا وجاء فيها
طمئنِ القلب بذكرٍ
إنّه غيث الفؤاد
لا تلُذْ يومًا بعبدٍ
ولتسلْ ربّ العباد
فهو من إن شاء أمسكَ
وهو من إن شاء جاد
وهذه المعاني كلّها مقتَبَسة من القرآن الكريم، ومن الحديث الشّريف. فالأوّل من قوله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب”، والثّاني من قوله عليه السّلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، والثّالث من قوله تعالى:(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا).
وجاء في قصيدته (ألا من خبر):
غريبًا غدوت كطير حزينٍ
تُرى، هل سَلتني غصون الشجر
أقول وقد طال يوم انتظاري
ألا من بريد ألا من خبر
أيا نفس صبرًا لعلّ بيوم
يَرِقُ لدمعيَ قلب القدر
أمّا قصيدته المطوّلة (لم يبقَ إلا الكلمة) فتحتاج إلى نقد موسّع لا يتّسع له وقت ندوة اليوم السّابع.
ويظهر أنّ الشّاعر غلب على شعره التأثّر بالقرآن الكريم فقوله: (فانظر إلى ذات العماد) تشير إلى الآية في سورة الفجر:(إرمَ ذات العماد الّتي لم يُخْلَقْ مثلُها في البلاد). وقوله:(يأيّها الطّين الجحود، لِمَ الكنود؟) مقتبَس من قوله تعالى: (إنّ الإنسان لربّه لكنود، وإنّه على ذلك لشهيد، وإنّه لحبّ الخير لشديد). وقولُه:(رُبّ سحابة في الجوّ تخفي خلفها سيل العرم) راجعٌ إلى قوله تعالى:(فأرسلنا عليهم سيل العرم). وقولُه:(لم تدم حتّى لعاد) فيه إشارة إلى قوله تعالى:( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ). وقوله:( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ)
أمّا الأخطاء النّحويّة والإملائيّة في الدّيوان فقليلة نسبيًّا، منها أخطاء من النّاشر، ومنها ما هو من الشّاعر، وإنّي أذكر هنا بعضها:
صفحة (7): (كسحرُ الخضاب) والصّواب: كسحرٍ.
صفحة (12): (فلا نصيرُ عندها يحمي الثّغور) والصّواب: فلا نصيرَ.
صفحة (13):(أيّها اللّيل الغليظ) ولو قال الطّويل بدل الغليظ لكان أحسن، اتباعًا لامرئ القيس في قوله:
ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
صفحة (14): (وصدر نيسانِ الحزين) والصّواب: نيسانَ؛ لأنّها ممنوعة من الصّرف، لأنّها عَلَمٌ مختومٌ بألف ونون مزيدتين.
صفحة(21): (يا أخَ النّسيان إنّا) والصّواب: يا أخا النّسيان.
صفحة(40): (إنّ النّجوم بريقها خرق الفضا فعمى البصيرة) والصّواب: فأعمى البصيرة.
صفحة(42): (فالزّهر قد ملأ الرّبى) والصّواب: الرّبا بالألف القائمة؛ لأنّ مفردها ربوة.
صفحة(48): (لا أيادٍ للزّمان) والصّواب: لا أياديَ للزّمان.
صفحة(63): (وجُدْ بها للحقل يبتسمُ الرّبيع) والصّواب: يبتسمِ الرّبيع؛ لأنّها جواب الطّلب مجزوم وحّركت بالكسر لالتقاء السّاكنين.
صفحة(68): (اغفر ثيابك في وعاء العزّ) والصّحيح: اُغمُر ثيابك.
صفحة(70): (وربّما عشقت جمل) والصّواب: جملًا.
صفحة(82): (هاكَ الرّسالةُ والأناشيدُ) والصّواب: الرّسالةَ والأناشيدَ؛ لأنّها مفعول به منصوب لاسم الفعل هاكَ.
صفحة(84): (كم ضيّقٌ ذاك الطّريق) والصّواب: كم ضيّقٍ؛ لأنّ تمييز كم التّعجّبية أو الخبريّة أو التّكثيريّة مجرور دائمًا. وأمّا كم الاستفهاميّة فتمييزها منصوب.
صفحة(93): (قبّل خدّ كوكبك اليمينِ وبعده الخدّ اليسار) والصّحيح: الأيمنَ والخدّ الأيسرَ.
صفحة(96): (والنّور يسرع في الخطى) والصّواب في الخطا بألف قائمة لا بألف على شكل الياء؛ لأنّ مضارعها يخطو، ومفردها خطوة.
وقالت نسب أديب حسين:
يقدم لنا الشاعر رفعت زيتون ديوانه الثاني “نوافذ” بعد ديوانه الأول الذي صدر في العام الماضي 2011 “حروف مقدسية على السّور الجريح” ليكون كلاهما قد صدرا عن دار الجندي للنشر والتوزيع. ورغم أن المدة قصيرة بين الإصدارين إلا أنّ الاختلاف كبير بينهما، ففي الديوان الأول يظهر الشاعر عاشقًا.. عاشقًا للمحبوبة وللوطن. أمّا في هذا الديوان فيظهر الشاعر عاشقًا أحيانًا.. لكنه يرتدي رداءً آخر فوق رداء العشق.. ليظهر بمظهر الحكيم الواعظ، الخبير بأمور الدنيا.
“أقبل بالضحكة مُنشرحًا” هذه القصيدة المكونة من ثمانية أبيات، جاءت لتكون الفاتحة على الدور الجديد للشاعر.. ألا وهو دور الحكيم، أتت تمهيدًا لروح هذا الديوان يطلب فيها الشاعر من القارئ أو السامع المنتصح بكلامه أن ينعم بالنور، ويقنع بما منحه إياه الربُ من العطايا، ليبتسم ويعمل بالخير.
لم يسدل الشاعر الستارَ فوق نافذة الحب بل أبقاه مشرعًا، حين أتانا برائعته “أنتِ اشتياقي.. وأنتِ السّراب” وهي القصيدة الثانية في الديوان. ظهر دور العاشق في قصيدتين من بين ثلاثة عشرة قصيدة من قصائد الديوان، ومن بينها قصيدة مطولة تحت عنوان (لم يبق إلا الكلمة) تحتل أكثر من نصف الديوان سأحاول تحليلها في قراءتي هي وقصيدة “أنت اشتياقي وأنت السراب”.
قصيدة “أنت اشتياقي.. وأنت السراب”
جاء مطلعها: سئمتُ الضباب.. وعزفَ الرحيل ولحن الفراق.. كرهتُ احتمالي لهذا الغياب.. وإني الحقيقةُ، لم أنس يومًا، وآثرتُ منفاي خلف إنحسارك.. أنتِ اشتياقي.. وأنتِ السراب”.
تظهر في القصيدة لوعة الوجد وصعوبة الرحيل، يستخدم الشاعر الاستعارات والصور الشعرية الجميلة. فصدى المحبوبة يعاوده ليدُّكَ جدارَ تحمله، ينادي ملتاعًا وبدل أن تأتيه بلابل المحبوبة، يجد نفسه هو في عشّ الغراب.
في المقطع الرابع صوتُ خطى المحبوبة لا تفارق سمع العاشق.. الصوتُ يباعد لكنه لا يختفي الأمر الذي يؤثر على نفسيته، ويزيد من صعوبة نسيانها ليسقط فوقَ المقاعدِ، وهناك يجد دفأها ما زال في المقاعد، ولا زالت أميرة شِعرِه.
في المقطع الخامس “نبضك حولي يطوفُ ويسعى” استخدم الشاعر أسلوب التشخيص في منحه صفة إنسانية للنبض، نبض المحبوبة الذي يرمز لحبها له بأنه يطوف حول الشاعر ويشدّ الحبال.. أي يأسرُه، وليس الشاعر بمتضجرٍ من هذا بل أنّ جسده يقبل “خدَّ الحبال” وهنا استعارة. إذ أنّ هذه الحبال تحمل عطر المحبوبة وعبقها، هذا العطر نقي وناعم ومنعش مثلما هو الندى على الأغصان.
في المقطع السادس تأتيه المحبوبة عند اشتياقه لها، تأتي اليه لتمضي به بعيدًا، الأمر الذي يبعث به السأم، ليقول لها يكفينا إغترابًا. ويبدو أنّ الغربة هنا هي إمّا الغربة في الأمكنة فهي تمضي به بعيدًا، أو غربة الذات تمضي به بعيدًا عن ذاته مما يُشعره بالغربة.
في المقطع السابع يسأل الشاعر محبوبته أن تعود بمركبِ حب مع الموج، لكنها تضل طريقها.. كما ضلت جميع المراكب الوصول الى شاطئه، فبكى والصحاري بكت لطول انتظاره.
في المقطع الثامن يظهر كلا من الشاعر ومحبوبته مقيدان.. هي تسأل القصائد عنه، فإذا ما فعلت لاقى الوحي طريقه اليه لتسيل الكلمات مدادًا على شفتيه، كأنما الكلام يخرج الى المحبوبة مخطوطًا في اللحظة ذاتها التي ينطق بها الشاعر. حروفًه تعاتب قيودها، لكنّ المفاجأة أنه هو أيضًا مكبلٌ ومقيد مما يدفعه للصمت ولجم لسان العتاب. وهنا يتضح أن الشاعر أيضًا لا يضل عن طريقها وليس بإمكانه البحث عنها. ليأتي الختام في المقطع التاسع ليقول: ها نحن.. ظلانِ فوق رمادٍ لشمسِ الغروب.. وفي دفترِ الغائبين.. غدونا سؤالين.. نرجو الإجابةَ يومًا.. من القدرِ المستحيل.. ومني.. ومنكِ.. فهل ذاتَ حظٍ.. سيأتي الجواب”.
تنقضي الأيام للتتشح بالفراق والغياب، ليصير المحبوبان سؤالا في دفاتر الغائبين الراحلين، يتضح لنا استسلام الشاعر لقدره فهو لا يتمرد على هذا الواقع، ولا يصرخ أو يفجر قيده أو يبحث بنفسه عن المحبوبة، إنه ينتظر منها الوصول، وينتظر إجابة من القدر المستحيل، ومنه ومنها، ويبدو أنّ في هذا الموقع يوجد بعض الرمزية لشيء من التمرد أو التدخل في إجابة القدر، ويأمل أن تأتيه يومًا الإجابة وأن تكون مصحوبة بشيءٍ من الحظ.
القصيدة المطولة (لم يبقَ إلا الكلمة) هذه القصيدة هي لبّ الديوان وتتخذ المساحة الأكبر منه، فهي تحتل 62 صفحة، وتأتي مقسمة تحت عناوين أو مقاطع لتكون في 35 عنوانًا، أولها (في البدء) وآخرها هو عنوان القصيدة ذاته (لم يبقَ إلا الكلمة).
في هذه القصيدة تتربع شخصية الواعظ الحكيم المجرب، والذي يعود للأصل والبداية، ويطالب السائل للنصيحة في عصرنا هذا أن يعود الى التاريخ الى البداية، لعل أمور دنياه تتحسن.
تظهر المؤثرات الدينية بصورة قوية في القصيدة لتشمل الكثير من الرموز الأدبية المستوحاة من التوراة والإنجيل والقرآن.
في البدء: العنوان الأول في القصيدة ـ يعود الشاعر الى أول كلمة في العهد القديم، حيث أتى في سفر التكوين الاصحاح الأول (في البدء خلق الله السماوات والأرض). وبالعودة الى انجيل يوحنا المعمدان الاصحاح الأول (في البدء كانت الكلمة). أمّا القصيدة فيأتي مطلعها
في البدء كان الحرف
يسبحُ فوقَ أمواجٍ من الحبر القديم.
ويبدو أنّ الشاعر قرر أن يعود الى أصل الكلمة وهي الحرف. وتأتي الاستعارة (كان الحرف يسبح فوق أمواج من الحبر القديم)، يقابلها في سفرالتكوين (وروح الله يرفُّ على وجه المياه). يشير الشاعر الى أنه في البداية لم يكن قد خُلق الرمل ولا معنى للزمن ، (ولم يفهم التاريخ بعد الفكرتين) ويبدو أنّ الاشارة هنا الى فكرة الخير والشر. ويستمر ليقول (في البدء لم يكن السوادُ موزعًا، واللون أكثرُه البياض..)، وهنا التأثير الديني يأتي من انجيل يوحنا الإصحاح الرابع (فيه كانت الحياة، والحياة كانت نورُ الناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه.). الأمر الذي تختلف فيه التوراة اذ جاء في سفر التكوين (وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمرِ ظلمة)، ليخلق الله النور (الاصحاح الثالث)وقال الله: “ليكن نور”، فكان نور.
ثم يأتي في القصيدة:
تمامًا مثل بدئِكَ
قبل هذا الكهف
ينهش ماتبقى منكَ،
فأسمعْ للنهايةِ
قد يفيدك في الصعود الى التلة الكُبرى
يتوجه الشاعر هنا الى شخصٍ معين يستمع اليه، ويبدو أنّ هذا الشخص واقع في أزمة تحيطه كالكهف وتنهشه، وأتى الشاعر يسألُه النصح، وهنا بدأ الشاعر من البداية (بداية الكون) فيقول للمستمع تمامًا مثل بدئك.. ويطلب منه أن يستمع اليه الى النهاية لعلّ هذا يساعده في الصعود الى التلة الكبرى.
ستُ خطوات تحت هذا العنوان تأتي الاشارة الى خلق العالم في ستة أيام.
في الفجر ( في الفجر صاح الديك\ يفتتح الرواية بانبلاج النور..\ النون ثم الواو ثم الراء.\ تلك حكاية المصباح\ في سفر الكلام..\ تختلف الروايات التي تروى\ عن المصباح.. لكنْ\ لا اختلاف على بهاء النور).
يرى الشاعر أنّ بداية العالم جاءت بانبلاج النور..
فانظر مليًا عبر هاتيك النوافذ\ كل ترى كلّ القوافل حين مرّت،\ لا تضع شيئًا من المعنى\ خذ القرطاس وابدأ بالقراءة\ منذ أول لحظة..\ فحكاية الخطوات تبدأ حينذاك.
يطلب الشاعر من المستمع أن ينظر عبر النوافذ الزمنية، والى القوافل أي المجموعات البشرية عبر التاريخ، ويدعوه الى التبحر في معنى التاريخ وما فعل، وليقرأ من اللحظة الأولى، فحكاية (الخطوات) وهنا الخطوات ترمز الى درب الحياة وما وصل اليه المستمع اليوم، فيقول له الشاعر، تبدأ من اللحظة الأولى للخلق.
أولى المعارك(4)…هذا المقطع يشير الى قصة آدم وحواء والمستوحاة من العهد القديم (سفر التكوين الاصحاح الثاني)، فيرمز اليهما (طفلان في سن الكهولة). أمّا عن أكلهما من شجرة التفاح الأمر الذي أدى لطردهما من الجنة (سفر التكوين الإصحاح الثالث)، فقد انتهت القصة عند أقدام الغراب حسب وصف الشاعر، وهناك اتسع السّواد، هذا السّواد جاء على اليابسة ومن المخلوقات التي وُلدت من تراب، وعندها أدرك التاريخ معنى الفكرتين، بإشارة الى فكرة الخير والشر. ويقول الشاعر للمنتصح المستمع في آخر ثلاثة أبيات من هذا المقطع( وذاك أصل الجراح في كفيك،\ فاعلم أصل جرحك، ربّما\ يومًا تعي أيان قد تجد الدواء.). أي عندما تعود الى الخطيئة الأولى في البشرية ستدركُ أصل جرحك وقد تهدي عندها الى الدواء.
ندم (5) بتأثر من الاصحاح الرابع في سفر التكوين، في إشارة قصة قايين ابن آدم وحواء الذي قتل أخاه هابيل، وراح يتملكه الندم.
6 طوفان العقوق …مستوحاة من قصة نوح والطوفان (سفر التكوين، اصحاحات 5-8). أتى في البيت الخامس من هذا المقطع (تمتد أجنحة السواد الى القبائل) يقابله في التوراة (ورأى الرّب أنّ شرّ الإنسان قد كثر في الأرض، وأنّ كلّ تصورِ أفكارِ قلبه إنما هو شرير كل يومٍ.)(الإصحاح 6)
من الإستعارات الجميلة في هذا المقطع، (بالت عجوز البوم في أذن العُصاة) إشارة الى أفكار الشرّ حين تبدأ وساوسها تعبث بالنفس البشرية.
ينادي الشاعر القلم القديم ويطالبه بأن لا يكتب االذنب الكبير، ويبدو أنه يصنف العقوق في هذه الفترة على أنها الذنب الكبير، ويتمنى لو لم يُكتب، ولو لم نعرف طوفان العقوق. يبدو أن الشاعر يرى أنّ معرفتنا لما جرى كان هو السبب في توارث فكرة الشر.
7 وشوشة البوم ….في مطلع هذا المقطع (البوم تعرف منطق الأشياء..\ فتوشوش الريح\ التي هبت\ أن اشتذي.. أثيري النقعَ).
البوم تطلب من الريح أن تستمر لتثير الطوفان أكثر، فيما أرسل الله الريح على الأرض لتهدأ المياه.(سفر التكوين، اصحاح 8). البوم في القصيدة تريد أن تعبر الدرب الذي يصل الى الوتين. والوتين حسب معجم الوسيط هو الشِّريان الرئيسُ الذي يغذِّي جسمَ الإِنسان بالدّم النقيِّ الخارج من القلب. وبيولوجيًا الوتين هو الشريان الأورطي (شريان رئيسي في الجسد). ويوجد هنا مؤثر ديني من القرآن الكريم، سورة الحاقة آية رقم 46 وقد جاء فيها (ثم لقطعنا منه الوتين)، ومن يُقطع وتينه يكون مصيره الهلاك.
البوم والتي ترمز لقوى الشر والخراب (أو الشيطان) تحاول الوصول الى الوتين، وتطلب من الريح حجب الأضواء عنها، كي لا يراها الطفل حين توسوس بالشر في أذنه، ولا تبالي إن أغرقت فكرة، في اشارة الى فكرة الخير، ولا تبالي حين ينقطع الوريد، يعود الرمز هنا الى الوتين. لكن الشاعر قد وقع في خطأ بيولوجي فالأورطة هو شريان وليس وريد.
8 إحذر الذئب – 21 كن رقيقًا كالفراش
في هذه المقاطع من القصيدة يستمر توجه الشاعر الى المنتصح السامع مستخدمًا أساليب بلاغية كالاستعارة والتشبيه والكناية. ففي احذر الذئب يطلب منه أن يسمع نصح من أكبر منه، وأن يبقى مع التيار ومع الجماعة لئلا يصبه ما أصاب الشاة التي غادرت القطيع. رغم أنّ نصيحته هذه ليست بالضرورة صحيحة فهناك من يغادر القطيع ويعود هذا عليه بالخير، كأن يفارق متنور قومه الجاهلين، وينطلق نحو دربٍ فيها استزادة من العلم والنور. ويقول له أن لا يغمض عينيه الاثنتين في آن واحد، وأن لا يأمن جانب أحد. وفي لغة جميلة يقول الشاعر الحكيم للمنتصح في نهاية هذا المقطع (إحلم لكن إبنِ حلمَك على درب يسوده العقل ليجلب الخير، ولا يتبدد ويصير سراب في سراب).
في مقطع الشيخ الكبير، يحرض الشاعر على الاستمرار وإن كان ثمة سقوط وانكسار، يجب على المرء أن يعود ويغرس بذوره من أجل حفيده دون أن يفكر بنهايتها.
في مقطع (في النار) جاء في البيت الثامن ( هي السماء\ تغيث في الحرِّ الحروف\ لتستمر رسالة الزيت\ المقدس والسراج..)، هنا يوجد رمز الى أنّ الرب سيغيث في زمن الكفر الحروف (الرسالة الدينية) لتستمر الرسالة، وليبقى النور موقدًا في السراج.
لا تنظرن لفور النار\ وارفع ناظريك الى الغيوم،\ وثق بأن الغيث\ لم يحنث بوعدٍ\ للذين توضأوا واستسقوا السحب\ المليئة بالسلام) يطلب الشاعر من السائل أن يترفع عن الألم وعن لسعات النار، ويثق بالغيوم، أي يؤمن برسالة الخير، فمن يفعل لا تحنث الغيوم وعدها له. ويستمر في هذا المقطع من القصيدة ليقول له ومهما اشتدت المصائب لا تخف، فالخوف صنعه الوهم وإن تركت له السلطة فسيتملكك وسينهش جسدك وتصير ضيفًا عنده.
(الحب مملكة النساء) (14) يقول الشاعر (الحب مملكة النساء\ اذا هوت..\ هوتِ السّماء على عجل)، في أجواء هذه القصيدة المليئة بالأحاديث الدينية والنصح لا يهمل الحكيم الحب، (من نار حبٍ حارق\ ومن المحبة ما قتل..)، ويقول للسامع إن أردت أن تنجو بنفسك عند عاصفة القلب، فليس لك إلا الهرب لكي تبقى البطل.
(معادلة الوصول) (18) (ما قاد نصرك مثل خيلك\ فانتبه.. هي ذي\ معادلة الوصول لما تريد..\ بالجدِّ تدرك ما تريد،\ وإنّ إصباحًا سيعقبُ كلِّ ليلٍ\ يا غريبًا إنّ ليلك محزن، لكن لتعلم أنه من رحم هاتيك الليالي\ يولد الفجر السعيد).
تحت هذا العنوان يحرض الحكيم المتلقي على الاستمرارية والكفاح من أجل رسالته، ويحضه على الاعتماد على الذات، والجِد، وإن كان من ليلٍ أو فشلٍ فلا بدّ أن يكون من بعده فجرٌ جديد سعيد. ويختم هذا المقطع بقوله (لكلّ يوم صبحه ومساؤه\ والشمس تهديك الشروق\ فترتضي..\ ومن الجحود وخالص النكران\ أنّك لستَ ترضى بالغروب). للحياة حلوها ومرّها، ومثلما قبلت بالحلو عليك أن تقبل بالمر.
تعود الرموز الدينية للتتجلى بوضوح في المقطع 22 تحت عنوان (الملك السعيد) في إشارة الى سليمان الحكيم. وفي المقطع 23 (في العصر تتهم الأميرة) حين يشير بالأميرة الى مريم العذراء التي اتهمت، ويستمر (أبشر بمصباح جديد\ رغم تكديس الظلام) إشارة الى مولد السيد المسيح. وفي ذات المقطع يذكر حواء ليقول (حواء يا سرّ البداية..\ حواء يا أصل الرواية والحكاية..). حواء أنجبت زهرة، وزهرتها لا تشبهها الأزهار.
(الامام والتلاميذ.. والغيم) (25) هنا تأتي الاشارات الدينية المستوحاة من الدين المسيحي. فالإمام هو السيد المسيح وتلامذته، يشير في هذا المقطع الى عجائب السيد المسيح (كيف تكفي قطرة للماء\ كي تحيا الورود؟)، كإطعام أربعة آلاف رجل من سبعة أرغفة خبز وبضع سمكات (انجيل متى، اصحاح 15).
في مقطع (القيامة) (26) رأيت أنّ هناك إشارة الى وصايا للسيد المسيح، وقد جاء في القصيدة (في دجى الأحزان،\ قبل خد كوكبك اليمين\ وبعده الخد اليسار)، كما جاء في انجيل متى (من لطمك على خدِّك الأيمن، فأدر له الخدَّ الآخر).
(العند) (27) اشارة الى فترة الضلال بعد المسيح.
(ما أجمل الصحراء) (28) يأتي وصف جميل لصحراء شبه الجزيرة العربية. وأتى في القصيدة (ذا وقتُ ميلاد جديد) في اشارة الى مولد الرسول محمد.صلى الله عليه وسلم.
(الضاد يا أحلى الحروف) (29) يستمر الشاعر ليصف انتشار الإسلام ونزول القرآن الكريم، والذي لغته هي لغة الضاد.
(صن لسانك)(31) – (طعم الوطن) (34). يقدم الشاعر النصائح للملتقي كصيانة اللسان، واتباع الصدق منهجًا في الحياة..الخ، كل هذه الوصايا جاءت مستوحاة من وصايا جميع الأديان السماوية.
(لم يبق إلا الكلمة) (35) المقطع الأخير الذي حمل عنوان القصيدة نجد الحكيم قد وصل الى النهاية، ويقول للسامع الذي توجه اليه في بداية القصيدة أنّ سواد كهفه لن يبقى، سيرحل حاملا معه الكتاب ليسكن الذكرى، ولم يبق له إلا وقت قصير ليقوم الى نوافذ كهفه ويسدل ستائرها، وينظر بعين عقله الى مجريات حياته، ويفكر فيها، ويبحث عن الدرب الصحيح. هنا نجد أنّ البيئة الخارجية يطغى عليها السواد والشر، وقد اقتحمت نوافذ كهف المنتصح وراحت تطغي عليه، فأصبح الكهف أيضًا غير آمن، وهنا يختلف هذا عن الكهف الذي ذكر في سورة الكهف في القرآن الكريم، فالفتية الذين لجأوا الى الكهف ذهبوا بحثا عن نور الهداية والرشد. وكانوا في مأمنٍ في كهفهم. لكن يبدو أنّ الشاعر يرى أنّ زمننا هذا قد غلفه السواد الى درجة أكبر من تلك التي كانت، حتى أنّ الظلمة قد اقتحمت نوافذ الكهف، ولم يبق للاجئ هناك الى أن يحمي نوافذ جسده وعقله وهي عينيه.
يقول له (خذ الحروف جميعها،\ واصنع من الكلمات مصباحًا\ وهاتِ النور..\ لم تبق إلا كلمة الأنوار) يدعوه الحكيم أن يعود ويستفيد من الرسائل الدينية ومن كل ما كان في البدء لينصنع كلمات جديدة ويأتي بالنور ليبدد هذا الظلام الذي يسود عالمنا، ويقصد بالظلام الشرور، والحروب، وعدم الفهم الصحيح للدين وتحريفه، وما ينجم عن هذا من مصائب وويلات.
لتُختتم القصيدة برسالة الشاعر (يا صانع العهد الجديد\انهض بها من تحت أكوام السواد،\ بنورها..\ وأعد الى الدنيا البياض.)
نوافذ رفعت زيتون في اليوم السابع
القدس:27-9-2012 من جميل السلحوت- ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الاسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس المجموعة الشعرية”نوافذ” التي صدرت قبل بضعة أيام للشاعر المقدسي رفعت زيتون وبحضوره. وهذه هي المجموعة الشعرية الثانية التي تصدر للشاعر عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، ومجموعته الشعرية الأولى تحمل عنوان”حروف مقدسية على السور الجريح”بدأ النقاش وأدار الأمسية ابراهيم جوهر فقال:في ديوانه الثاني يقيم الشاعر (رفعت يحيى زيتون) حوارا فلسفيا ذا نفس شعري في لغته وصوره مع التاريخ، تاريخ بدء الخليقة وبداية الصراع. ومع ذاته الشاعرة، ومع تلك المعشوقة التي عذبت فؤاده وليله. أما بعض ذكرياته فيتمنى نسيانها ومحوها .إنه ينقل لحظات من الحوار الشعري مع الذات والآخر المتخيل. ويبني قصة شعرية مكتملة العناصر قوية الخيال والتأثير في قصيدة (عابرة سبيل) مثلا التي أجاد رسم الحركة والصوت واللون فيها. (صفحة 44 وما بعدها) .والشاعر لا يتخلى عن فلسفته المتفائلة المأخوذة من أبي ماضي، لكنه معجب بزهد أبي العتاهية، ويتسلل إلى روحه أحيانا نبض من لغة أبي العلاء المعري المتشائمة وهو إذ يبني فوق ما بناه الآخرون لا يضيع في أساليبهم ولا لغتهم، بل يتفرّد بلغته وقضاياه ورؤاه وموسيقاه وصوره .إنه شاعر يقدّم بستانه إلى قارئه بما فيه من زهور تصلح للمناسبات جميعها.مفاجأة الديوان الثاني الجديد هذا للشاعر كانت مطولته الشعرية(لم يبق إلا الكلام).القصيدة المطوّلة التي حملت عنوانا رئيسا في الديوان (لم يبق إلا الكلام) حملت عناوين فرعية وصل عددها إلى سبعة وثلاثين عنوانا؛ في كل منها كانت إشارة إلى الحدث التاريخي الأبرز في مسيرة البشر الثقافية. إنها سيرة الإنسان منذ البدء حتى اللحظة التي يحياها الفلسطيني في راهنه .
استعراض بروح المعنى البعيد عن المباشرة، ورسائل بثها الشاعر بأسلوب ملحمي واع لغاياته الكبرى التي يدعو فيها إلى العمل، والأمل والاستفادة من حكمة التاريخ التي تشير إلى أهمية مكافحة السواد، والظلم ( لم تبق إلا كلمة الأنوار / بدّد عتم ليلك / واقتحم جدر السواد ودكّها /يا صانع العهد الجديد / انهض بها من تحت أكوام السواد / بنورها / وأعد إلى الدنيا البياض ) صفحة 110 .اعتمد الشاعر أسلوب القصة الشعرية في مطولته هذه لأنه يروي بدء الخليقة في الدنيا، وأرسل رسائله إلى مستمع متخيّل، هو كل قارئ، مستخدما أسلوب الخطاب المباشر، تارة للمستمع وأخرى للقلم. كما اعتمد أسلوب النصح والإرشاد (كن كذاك الشيخ – ص59) وفتح نافذة للبشرى بعد حادثة الغراب ( أبشر بعد سلبك / بعد سبيك /بعد قيدك / تلك بشرى بالسرور ) ص 63 .تنوع أسلوب الشاعر في مطولته فاستخدم أسلوب الشرط، والطلب، والنهي، والنداء، والاستفهام …والتعقيب والتلخيص منوّعا بين أسلوبي الخبر والإنشاء مناسبا أسلوبه مع أحداثه التي يسوقها مستوقفا قارئه للوقوف على عبرها، ليقبس منها جمرة لصموده، وبقائه، وأمله لينهض مجددا غير يائس من التغيير .تشكّل هذه المطولة الملحمية تطورا في أسلوب الشاعر المأخوذ بالتغيير والتجريب. وهو يسهم في مراجعة أحداث التاريخ ليأخذ منها عبرة لواقعه . احتوى الديوان (نوافذ) على قصائد سبقت هذه المطولة في الترتيب، عددها اثنتا عشرة قصيدة، تنوعت موضوعاتها وطغى عليها جو الشكوى، والحزن، والانتظار، والتشاؤم، والضياع، وإظهار التفجّع والألم وهي سمات الغزل العذري المعروفة فنيا لهذه الظاهرة الشعرية .يعجب الشاعر هنا بشعر الذات الموجوعة المتألمة ليكون ألمه ذاتيا ينقل الحس العام. فنجده في غزله الشفاف ذا إحساس كليم متأثر بالجو العام الذي يحياه الإنسان في واقعه اليومي؛ الأمل وحده يحرك الشاعر والصبر والإيمان. لذا نجده يدعو إلى الصبر والتمسك بالحلم في إطار عام من العاطفة الإيمانية التي تدعم صبر المرء على الرزايا والآلام .
رفعت زيتون شاعر مجدد ذو نفس ملحمي، يحسن صوغ الصورة والعبارة الشعرية. وهو في هذه المجموعة من القصائد يتقدم خطوة إلى الأمام في بستان القول الجميل.
وقالت ايمان مصاروة: نوافذ للشاعر الفلسطيني رفعت زيتون تخطت كل التوقعات شاعرنا رفعت يحيى زيتون، شاعر، بمثله ترتفع قامات الأمة، يحيى من أجل فلسطين، متجذر فيها كزيتونها، وهذا الشاعر المهندس ابن القدس غني عن التعريف، صدر له أخيرا عن دار الجندي للنشر والتوزيع – القدس ديوان نوافذ يقع الديوان في 111 صفحة من القطع المتوسط، يحتوي الديوان ثلاث عشرة قصيدة هي: أقبلْ بالضّحكةِ مُنْشرِحًا، أنتِ اشتياقي .. وأنتِ السّرابْ، طوتِ السّطورُ حروفَها، منْ بينِ قطراتِ المطر، غيثُ الفؤادْ، لمْ يعدْ في النّهرِ ماءٌ، قالَ لي حُلمُ المساء، لو تموتُ الذّكرياتْ، ألا مِنْ خَبَرْ، اليومَ محكمةٌ، يا حاسدي، عابِرَةُ سَبِيل، لمْ يبْقَ إلْا الكَلِمَة(قصيدة مُطوَّلة 64 صفحة) والإهداء إلى كل عاشق للضاد، وكل مؤمن بأن نور الكلمة سيعود يوما، والى كل الأهل والأصدقاء، والكاتبة كاملة بدارنة، ولقد تميز الديوان بتطور لغة الشاعر وأسلوبه، وبرز إبداع الشاعر في قصيدته لمْ يبْقَ إلْا الكَلِمَة والتي هي أشبه بالملحمة الشعرية.والمقام هنا لا يتسع للحديث عن الكثير من روائع هذا الديوان، تصفحت صفحاته واحترت أي القصائد سأنفذ في مروج أعماقها، فكلها عذاب وجميلات، فأغمضت عيني واخترت قصيدة”ألا من خبر ” للوقوف عليها ومن خلالها نتتبع مكانة شاعرنا الفذ،يقول فيها: رمتـني جفــــوني بلـيلِ السّـــهَرْونامـــتْ كطـــفلٍ عـــيونُ القـــمَرْغريــبًا غــدوتُ كطـــيرٍ حـــزينٍتُرى هلْ سلتني غصـونُ الشــجَرْوهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍوغيضتْ مياهي وجـــفَّ النَّــهَرْأمْ أن السّحابَ اختفى منْ سمائيوضــلَّ الطّـــريقَ إلـيَّ المــــطَرْ يعبر لنا الشاعر في هذه القصيدة عن الحالة النفسية التي يعيشها بسبب الاحتلال للوطن والغربة فيه والاغتراب، ويقتنص من مظاهر الطبيعة صوراً رمزية توحي لنا بحالته النفسية. والشعر فيه شيء من غموض، ولكنه غموض يوحي لقارئه بإدراك المعنى والجو النفسي الذي يعيشه الشاعر، فنحن أمام صور متعددة، صورة شاعر لا يعرف النوم جفنُه من هول المأساة وقد غاب القمر، ولو أسهبت في الحديث لأخذ مني هذا البيت صفحات في التحليل، فالشاعر يشكو الغربة في وطنه الذي يجري تهويده على قدم وساق، والشاعر أصبح غريبا عن وطنه، كما أن الوطن أصبح غريبا عن صاحبه، وما أشد الغربة في الوطن عندما يصبح الإنسان غريبا كطير حزين، ويتساءل الشاعر بحزن: هل حقا أن غصون الشجر وجمال القدس قد نسيتني؟ وهل قلّ وضعف العطاء في المطالبة بالحق السليب وامتنع الخير والمطر في ظل تكالب قوى الأرض على وطن؟ والشاعر هنا يتكئ على التشبيهات والاستعارات والكنايات والمجاز والخروج على غير المألوف بما يسمى الانزياح أو الانحراف، لجمالياته والنحو نحو الإيحاء والإيحاء تأثيره كبير في النفس، فيقول:”رمتني جفوني” فيصور لنا أن الجفون كأنه إنسان يرمي، وهي استعارة مكنية، وفيها أيضا كناية عن عدم القدرة على النوم والقلق، ويشبه القمر بإنسان له عيون وينام كما الطفل ينام، وفيها كناية عن طول قلق الشاعر بالإضافة للتشبيه، ويشبه الشاعر نفسه في غربته بالطائر الحزين، وينتقل الشاعر من الأسلوب الخبري الذي يصور حالته النفسية القلقة إلى الأسلوب الإنشائي متسائلا:” تُرى هلْ سلتني غصـونُ الشــجَرْوهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍ والاستفهام يفيد التحسر، فيتساءل الشاعر هل بهاء القدس وأصالتها العريقة قد خبت ونسيت عروبتها في هذا الجو العاصف بالتهويد؟ أم أن الخير والعطاء العربي قد نضب واستُنزِف؟ فيصور الشاعر أن الأشجار تنسى وهي استعارة مكنية، وفي قوله:( وهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍ) كناية عن انقطاع المد والعطاء العربي، ويقول: أمْ أنَّ السّحابَ اختفى منْ سمائيوضــلَّ الطّـــريقَ إلـيَّ المــــطَرْ والاستفهام يفيد التحسر، حيث يتساءل الشاعر: هل الخير والعطاء العربي قد انقطع عن أرضنا؟ وفي البيت كناية.ويسترسل الشاعر فيقول: أقولُ لنفـسي وقـدْ ضـاقَ صدريوشــدّةُ عتــمي تســــدُّ البـــصَرْ أقـــولُ وقــدْ طالَ يـومُ انتظاريألا مــنْ بـــريدٍ ألا مــنْ خـــــبَرْيُريــحُ فـــــؤادَ الظّـــنونِ وقلـبيفتســـكنُ فــيَّ ريـــــاحُ الفِــكَـرْوتهــدأ روحـــي وتغــفو عيونيوتكـسرُ نفــسي قيــــودَ الحجَرفيبدأ بالأسلوب الخبري الذي يعبر عن قلق الشاعر، فهو يخاطب نفسه كما يخاطب شخصا وقد ضاق صدره، كناية عن رفضه للواقع المر، يخاطب نفسه في عتمة تسد البصر، وهذه كناية عن النفق المظلم الذي يعيش فيه الفلسطيني، وقد طال انتظاره، وهي كناية عن طول أمد الإحتلال، يقول لنفسه منتقلا إلى الأسلوب الإنشائي: ألا من بريد ألا من خبر؟ والاستفهام يفيد هنا التمني، فالشاعر يتمنى زوال الاحتلال وارتفاع الغمة والغربة عن الوطن، وهنا في العبارة حذف يكسب الأسلوب جمالا على جمال فكأني به يقول: ألا من بريد يحمل خبر زوال الاحتلال؟ وهذا الانزياح أو الانحراف في اللغة والإيحاء أبلغ في نفس المتلقي لتحصل المتعة الذهنية والفنية وتصوير الواقع، وهنا تكثر أفعال المضارعة: أقول، تسدّ، يريح، تسكن،تهدأ، تكسر،تغفو، وهذه الأفعال تفيد بث الحيوية، فالشاعر يريد زوال الاحتلال ليرتاح؛ فاختار من الأفعال ما يناسب ذلك:” تسكن ،تهدأ، تكسر، تغفو، يريح” وقد كرر الفعل أقول مرتين؛ ليصور نفسه الملحّة وحاجتها لزوال الاحتلال، وفي عبارة “تغفو عيوني” ما يدلل على ذلك وهي كناية عن حاجته لزوال الاحتلال، وبينها وبين عبارة”تهدأ روحي” مساواة لإعطاء القصيدة إيقاعا داخليا. فالشاعر يقول: أقول لنفسي، حيث لجأ إلى تقنيات فنية مستمدة من الفنون النثرية السردية، فاستخدم الحوار، ولجأ إلى التداعي الحر من خلال اعتماده في نسج القصيدة على الذاكرة والحواس والخيال، ومكّنت هذه التقنيات بأن جعلت بناء القصيدة يقترب من البناء الدرامي ، وقوله في مخاطبته للنفس يذكرنا بقول إلياس فرحات:
أقُولُ لِنَفْسِي كُلَّمَا عَضَّهَا الأَسَـى = فَآلَمَهَا : صَبْرَاً فَفِي الصَّبْرِ مَكْسَبُ
وهذا تناص أدبي، والتناص يثري الأدب ويمده بعناصر القوة والجمال. ويتابع الشاعر شدوه قائلا: فها هو مستمر بمخاطبة النفسْ”أقول” بعد أن ملّ انتظاره من زوال الاحتلال”ألا من بريد ألا من خبر” فنستوقف هنا عند أداة التحضيض وهي تفيد الحث والطلب، ولا يليها إلا فعل مضارع، والفعل المضارع هنا محذوف، وفيه إيجاز بالحذف، فالشاعر يستخدم ضمير المفرد”أنا” والذي يفيد ضمير المتكلم”نحن” أي الفلسطينيين الذين يتوقون لسماع خبر سار مفرح لطالما انتظروه وهو زوال الاحتلال، وفي قوله:” يُريــحُ فـــــؤادَ الظّـــنونِ وقلـبي” كناية عن الطمأنينة التي اشتاق لسماعها الفلسطيني، ومثلها أيضا قوله:” فتســـكنُ فــيَّ ريـــــاحُ الفِــكَـرْ” ومثلها قوله:”وتهــدأ روحـــي وتغــفو عيوني” فالشاعر يأتي بقوالب لفظية متعددة متتالية لتفيد تأكيد معنى توْق الفلسطيني لراحة البال. ويصدر الشاعر في أفكاره ومعانيه عن تجربة صادقة، وعاطفة قوية، فلا ريب في ذلك، فلقد عايش الاحتلال وقاسى مراراته واكتوى بلظاه لامس القهر والظلم بنفسه منذ نعومة أظفاره، فانعكست ذلك على أحاسيسه ووجدانه، وقد غلبت على المقطوعة نزعة الرفض للواقع المر والمتمثل في الاحتلال، فارتفع صوته رافضا هذا الواقع المزري.أما الوزن والموسيقى فنرى أن الشاعر قد نظم مقطوعته على نمط الشعر العمودي، فاستخدم بحر المتقارب، وتميزت القصيدة بإيقاع عذب لاءم جوها وغرضها، ساعد ذلك القافية، وقد استخدم قافية الراء، والراء صامت مكرر هو الوحيد بين الصوامت في هذه الميزة، مجهور ذو وضوح سمعي، وهناك الإيقاع الداخلي، الناتج عن التصريع والتوازي الصوتي والتكرار الإيقاعي والجمع بين الأصوات المهموسة والأصوات المجهورة. وينسجم هذا الإيقاع الشعري بكامله مع الجو الموسيقي والنفسي والدلالي للقصيدة.وقال محمد موسى سويلم:لو لم أعرف الشاعر رفعت زيتون لقلت انه تجاوز الثمانين من العمر، فكتب في قصيدته الأولى بحكمة الشيوخ وعنفوان الشباب، فقصيدته أقبل بالضحكة منشرحاً السطر الثاني يقول :-“كي نرمي حزنا يسكننا” ترى من الذي يرمي الحزن جانباً سوى من خبر الدنيا وعركها عمراً طويلا، ويسهب الشيخ الجليل رفعت ليقول الشكر يكون بأن ترضى بالله وترضى بقضائه. وكما يعلم الجميع بان الرضى غاية لا تدرك ولا يدرك رضى الله إلا من قنع بقضاء الله وقدره والايمان بأن مالك لك وما لغيرك لغيرك، ثم يختتم بالمثل الشعبي ” سوي خير وارمي بالبحر ” حيث يقول الشاعر رفعت الذي بلغ من الكبر عتيا: واعمل من الخير وتعلم ذا راس المال وذا الجاه .هل بقى بعد تلك الحكم حكم؟في قصيدة غيث الفؤاد لم يترك مثلا شعبيا ولا حكمة في الحياة، ولم يترك للطامعين والراكضين وراء عيش زال وحياة فانية وتذكير بالأمم السابقة، وما حل بها من الدمار والخراب نتيجة لسوء أعمالهم، وطلب من الناس فعل الخيرات والابتعاد عن أصحاب السوء وإن سألت فاسأل الله ، ترى حين كتب هذه القصيده أين كان الشيخ رفعت؟ أفي بيت من بيوت الله، أم في خلوة، أم في احدى الزوايا الصوفية، أم أين كان جالساً ليتذكر قوله تعالى ” وعاد هل ترى لهم من باقية “؟ أم فوله تعالى ” لقد سبق منا القول انهم اليها لا يرجعون” ليسأل الشاعر الا من خبر أم قرأ قوله تعالى ” وفي السماء رزقكم وما توعدون ” في قصيدة ألا من خبر جمع فيها كل معاني العبر، على كل شئ الصبر على قلة النوم على ضيق الصدر،القيمة الانتظار…. الظنون تتكدر النفس ثم تجده يتفاءل فجأة، ويناجي الروح والنفس سطوع الشمس والضحك والسمر، فهل فعلاً كتب الشاعر فلسفته في الحياة مبكرا، أم ماذا أراد الشاعر بهذه الدروس والعظات الدينية؟ وهل حضر الى مسامعه قول الشاعر :-سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً ألا بالك يسأمأم تنامى الى مسامعه قول ابراهيم ناجي:يا حبيبي كل شئ بقضاء ما بيدنا خلقنا تعساءأم سمع قول الشاعر ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة ما أكل العصفور شيئاً مع النسر حقيقة ان من الكلام لسحرا، وأن من الشعر لحكمة، وأن الشاعر هو من أكثر الناس إحساساً بألم وهموم الوطن والمواطن.وقال موسى أبو دويح:بدأ الشّاعر ديوانه بقصيدة عموديّة بعنوان: (أقبلْ بالضّحكة منشرحًا)، فيها دعوة إلى الأمل والتّفاؤل، ونسيان الأحزان والرّضى بقضاء الله وقدره، واعلم أيّها الإنسان أن فعل الخير هو رأس المال وهو الجاه المعتبر عند الله.وثنّى بقصيدة من الشّعر الحرّ بعنوان (أنت اشتياقي وأنت السّراب)، ومن روائع الدّيوان قصيدة (من بين قطرات المطر) وجاء فيها:ما أجمل الغيث الرّقيقَعلى الوجوه اليابساتِيفتّح الرّيحان فيها بعد طول تقشفٍتغدو كأحلى ضحكةٍ
تبدو كتاج، قد
ترصّع بالدّررْ
————
بل كيف أصبحنا صقورًا جارحاتٍ قاتلاتْفي الجوع نأكل بعضناأين المحبّة بيننا؟أين البصيرة والنّظرْ؟————والله تُقْنا للرّبيعِوصوت بلبله الّذيإن ما تغنّى في الصّباحِتمايلت كلّ النّسائم والنّدىمن غير لحنٍ أو وَتَرْ
————
ومن شعر الدّيوان العموديّ قصيدة (غيث الفؤاد) على بحر مجزوء الرّمل (فاعلاتن فاعلاتن… فاعلاتن فاعلات). والقصيدة (29) بيتًا وجاء فيهاطمئنِ القلب بذكرٍإنّه غيث الفؤادلا تلُذْ يومًا بعبدٍولتسلْ ربّ العبادفهو من إن شاء أمسكَوهو من إن شاء جاد
وهذه المعاني كلّها مقتَبَسة من القرآن الكريم، ومن الحديث الشّريف. فالأوّل من قوله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب”، والثّاني من قوله عليه السّلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، والثّالث من قوله تعالى:(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا).وجاء في قصيدته (ألا من خبر):غريبًا غدوت كطير حزينٍتُرى، هل سَلتني غصون الشجرأقول وقد طال يوم انتظاري ألا من بريد ألا من خبرأيا نفس صبرًا لعلّ بيوميَرِقُ لدمعيَ قلب القدر
أمّا قصيدته المطوّلة (لم يبقَ إلا الكلمة) فتحتاج إلى نقد موسّع لا يتّسع له وقت ندوة اليوم السّابع.ويظهر أنّ الشّاعر غلب على شعره التأثّر بالقرآن الكريم فقوله: (فانظر إلى ذات العماد) تشير إلى الآية في سورة الفجر:(إرمَ ذات العماد الّتي لم يُخْلَقْ مثلُها في البلاد). وقوله:(يأيّها الطّين الجحود، لِمَ الكنود؟) مقتبَس من قوله تعالى: (إنّ الإنسان لربّه لكنود، وإنّه على ذلك لشهيد، وإنّه لحبّ الخير لشديد). وقولُه:(رُبّ سحابة في الجوّ تخفي خلفها سيل العرم) راجعٌ إلى قوله تعالى:(فأرسلنا عليهم سيل العرم). وقولُه:(لم تدم حتّى لعاد) فيه إشارة إلى قوله تعالى:( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ). وقوله:( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ)أمّا الأخطاء النّحويّة والإملائيّة في الدّيوان فقليلة نسبيًّا، منها أخطاء من النّاشر، ومنها ما هو من الشّاعر، وإنّي أذكر هنا بعضها:
صفحة (7): (كسحرُ الخضاب) والصّواب: كسحرٍ.
صفحة (12): (فلا نصيرُ عندها يحمي الثّغور) والصّواب: فلا نصيرَ.
صفحة (13):(أيّها اللّيل الغليظ) ولو قال الطّويل بدل الغليظ لكان أحسن، اتباعًا لامرئ القيس في قوله:ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجليبصبح وما الإصباح منك بأمثلصفحة (14): (وصدر نيسانِ الحزين) والصّواب: نيسانَ؛ لأنّها ممنوعة من الصّرف، لأنّها عَلَمٌ مختومٌ بألف ونون مزيدتين.صفحة(21): (يا أخَ النّسيان إنّا) والصّواب: يا أخا النّسيان.صفحة(40): (إنّ النّجوم بريقها خرق الفضا فعمى البصيرة) والصّواب: فأعمى البصيرة.صفحة(42): (فالزّهر قد ملأ الرّبى) والصّواب: الرّبا بالألف القائمة؛ لأنّ مفردها ربوة.صفحة(48): (لا أيادٍ للزّمان) والصّواب: لا أياديَ للزّمان.صفحة(63): (وجُدْ بها للحقل يبتسمُ الرّبيع) والصّواب: يبتسمِ الرّبيع؛ لأنّها جواب الطّلب مجزوم وحّركت بالكسر لالتقاء السّاكنين.صفحة(68): (اغفر ثيابك في وعاء العزّ) والصّحيح: اُغمُر ثيابك.صفحة(70): (وربّما عشقت جمل) والصّواب: جملًا.صفحة(82): (هاكَ الرّسالةُ والأناشيدُ) والصّواب: الرّسالةَ والأناشيدَ؛ لأنّها مفعول به منصوب لاسم الفعل هاكَ.صفحة(84): (كم ضيّقٌ ذاك الطّريق) والصّواب: كم ضيّقٍ؛ لأنّ تمييز كم التّعجّبية أو الخبريّة أو التّكثيريّة مجرور دائمًا. وأمّا كم الاستفهاميّة فتمييزها منصوب.صفحة(93): (قبّل خدّ كوكبك اليمينِ وبعده الخدّ اليسار) والصّحيح: الأيمنَ والخدّ الأيسرَ. صفحة(96): (والنّور يسرع في الخطى) والصّواب في الخطا بألف قائمة لا بألف على شكل الياء؛ لأنّ مضارعها يخطو، ومفردها خطوة.وقالت نسب أديب حسين: يقدم لنا الشاعر رفعت زيتون ديوانه الثاني “نوافذ” بعد ديوانه الأول الذي صدر في العام الماضي 2011 “حروف مقدسية على السّور الجريح” ليكون كلاهما قد صدرا عن دار الجندي للنشر والتوزيع. ورغم أن المدة قصيرة بين الإصدارين إلا أنّ الاختلاف كبير بينهما، ففي الديوان الأول يظهر الشاعر عاشقًا.. عاشقًا للمحبوبة وللوطن. أمّا في هذا الديوان فيظهر الشاعر عاشقًا أحيانًا.. لكنه يرتدي رداءً آخر فوق رداء العشق.. ليظهر بمظهر الحكيم الواعظ، الخبير بأمور الدنيا. “أقبل بالضحكة مُنشرحًا” هذه القصيدة المكونة من ثمانية أبيات، جاءت لتكون الفاتحة على الدور الجديد للشاعر.. ألا وهو دور الحكيم، أتت تمهيدًا لروح هذا الديوان يطلب فيها الشاعر من القارئ أو السامع المنتصح بكلامه أن ينعم بالنور، ويقنع بما منحه إياه الربُ من العطايا، ليبتسم ويعمل بالخير. لم يسدل الشاعر الستارَ فوق نافذة الحب بل أبقاه مشرعًا، حين أتانا برائعته “أنتِ اشتياقي.. وأنتِ السّراب” وهي القصيدة الثانية في الديوان. ظهر دور العاشق في قصيدتين من بين ثلاثة عشرة قصيدة من قصائد الديوان، ومن بينها قصيدة مطولة تحت عنوان (لم يبق إلا الكلمة) تحتل أكثر من نصف الديوان سأحاول تحليلها في قراءتي هي وقصيدة “أنت اشتياقي وأنت السراب”. قصيدة “أنت اشتياقي.. وأنت السراب”جاء مطلعها: سئمتُ الضباب.. وعزفَ الرحيل ولحن الفراق.. كرهتُ احتمالي لهذا الغياب.. وإني الحقيقةُ، لم أنس يومًا، وآثرتُ منفاي خلف إنحسارك.. أنتِ اشتياقي.. وأنتِ السراب”. تظهر في القصيدة لوعة الوجد وصعوبة الرحيل، يستخدم الشاعر الاستعارات والصور الشعرية الجميلة. فصدى المحبوبة يعاوده ليدُّكَ جدارَ تحمله، ينادي ملتاعًا وبدل أن تأتيه بلابل المحبوبة، يجد نفسه هو في عشّ الغراب. في المقطع الرابع صوتُ خطى المحبوبة لا تفارق سمع العاشق.. الصوتُ يباعد لكنه لا يختفي الأمر الذي يؤثر على نفسيته، ويزيد من صعوبة نسيانها ليسقط فوقَ المقاعدِ، وهناك يجد دفأها ما زال في المقاعد، ولا زالت أميرة شِعرِه.في المقطع الخامس “نبضك حولي يطوفُ ويسعى” استخدم الشاعر أسلوب التشخيص في منحه صفة إنسانية للنبض، نبض المحبوبة الذي يرمز لحبها له بأنه يطوف حول الشاعر ويشدّ الحبال.. أي يأسرُه، وليس الشاعر بمتضجرٍ من هذا بل أنّ جسده يقبل “خدَّ الحبال” وهنا استعارة. إذ أنّ هذه الحبال تحمل عطر المحبوبة وعبقها، هذا العطر نقي وناعم ومنعش مثلما هو الندى على الأغصان. في المقطع السادس تأتيه المحبوبة عند اشتياقه لها، تأتي اليه لتمضي به بعيدًا، الأمر الذي يبعث به السأم، ليقول لها يكفينا إغترابًا. ويبدو أنّ الغربة هنا هي إمّا الغربة في الأمكنة فهي تمضي به بعيدًا، أو غربة الذات تمضي به بعيدًا عن ذاته مما يُشعره بالغربة.في المقطع السابع يسأل الشاعر محبوبته أن تعود بمركبِ حب مع الموج، لكنها تضل طريقها.. كما ضلت جميع المراكب الوصول الى شاطئه، فبكى والصحاري بكت لطول انتظاره. في المقطع الثامن يظهر كلا من الشاعر ومحبوبته مقيدان.. هي تسأل القصائد عنه، فإذا ما فعلت لاقى الوحي طريقه اليه لتسيل الكلمات مدادًا على شفتيه، كأنما الكلام يخرج الى المحبوبة مخطوطًا في اللحظة ذاتها التي ينطق بها الشاعر. حروفًه تعاتب قيودها، لكنّ المفاجأة أنه هو أيضًا مكبلٌ ومقيد مما يدفعه للصمت ولجم لسان العتاب. وهنا يتضح أن الشاعر أيضًا لا يضل عن طريقها وليس بإمكانه البحث عنها. ليأتي الختام في المقطع التاسع ليقول: ها نحن.. ظلانِ فوق رمادٍ لشمسِ الغروب.. وفي دفترِ الغائبين.. غدونا سؤالين.. نرجو الإجابةَ يومًا.. من القدرِ المستحيل.. ومني.. ومنكِ.. فهل ذاتَ حظٍ.. سيأتي الجواب”.تنقضي الأيام للتتشح بالفراق والغياب، ليصير المحبوبان سؤالا في دفاتر الغائبين الراحلين، يتضح لنا استسلام الشاعر لقدره فهو لا يتمرد على هذا الواقع، ولا يصرخ أو يفجر قيده أو يبحث بنفسه عن المحبوبة، إنه ينتظر منها الوصول، وينتظر إجابة من القدر المستحيل، ومنه ومنها، ويبدو أنّ في هذا الموقع يوجد بعض الرمزية لشيء من التمرد أو التدخل في إجابة القدر، ويأمل أن تأتيه يومًا الإجابة وأن تكون مصحوبة بشيءٍ من الحظ.القصيدة المطولة (لم يبقَ إلا الكلمة) هذه القصيدة هي لبّ الديوان وتتخذ المساحة الأكبر منه، فهي تحتل 62 صفحة، وتأتي مقسمة تحت عناوين أو مقاطع لتكون في 35 عنوانًا، أولها (في البدء) وآخرها هو عنوان القصيدة ذاته (لم يبقَ إلا الكلمة).في هذه القصيدة تتربع شخصية الواعظ الحكيم المجرب، والذي يعود للأصل والبداية، ويطالب السائل للنصيحة في عصرنا هذا أن يعود الى التاريخ الى البداية، لعل أمور دنياه تتحسن. تظهر المؤثرات الدينية بصورة قوية في القصيدة لتشمل الكثير من الرموز الأدبية المستوحاة من التوراة والإنجيل والقرآن.في البدء: العنوان الأول في القصيدة ـ يعود الشاعر الى أول كلمة في العهد القديم، حيث أتى في سفر التكوين الاصحاح الأول (في البدء خلق الله السماوات والأرض). وبالعودة الى انجيل يوحنا المعمدان الاصحاح الأول (في البدء كانت الكلمة). أمّا القصيدة فيأتي مطلعها في البدء كان الحرف يسبحُ فوقَ أمواجٍ من الحبر القديم. ويبدو أنّ الشاعر قرر أن يعود الى أصل الكلمة وهي الحرف. وتأتي الاستعارة (كان الحرف يسبح فوق أمواج من الحبر القديم)، يقابلها في سفرالتكوين (وروح الله يرفُّ على وجه المياه). يشير الشاعر الى أنه في البداية لم يكن قد خُلق الرمل ولا معنى للزمن ، (ولم يفهم التاريخ بعد الفكرتين) ويبدو أنّ الاشارة هنا الى فكرة الخير والشر. ويستمر ليقول (في البدء لم يكن السوادُ موزعًا، واللون أكثرُه البياض..)، وهنا التأثير الديني يأتي من انجيل يوحنا الإصحاح الرابع (فيه كانت الحياة، والحياة كانت نورُ الناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه.). الأمر الذي تختلف فيه التوراة اذ جاء في سفر التكوين (وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمرِ ظلمة)، ليخلق الله النور (الاصحاح الثالث)وقال الله: “ليكن نور”، فكان نور. ثم يأتي في القصيدة:تمامًا مثل بدئِكَ قبل هذا الكهفينهش ماتبقى منكَ، فأسمعْ للنهايةِقد يفيدك في الصعود الى التلة الكُبرىيتوجه الشاعر هنا الى شخصٍ معين يستمع اليه، ويبدو أنّ هذا الشخص واقع في أزمة تحيطه كالكهف وتنهشه، وأتى الشاعر يسألُه النصح، وهنا بدأ الشاعر من البداية (بداية الكون) فيقول للمستمع تمامًا مثل بدئك.. ويطلب منه أن يستمع اليه الى النهاية لعلّ هذا يساعده في الصعود الى التلة الكبرى.ستُ خطوات تحت هذا العنوان تأتي الاشارة الى خلق العالم في ستة أيام. في الفجر ( في الفجر صاح الديك\ يفتتح الرواية بانبلاج النور..\ النون ثم الواو ثم الراء.\ تلك حكاية المصباح\ في سفر الكلام..\ تختلف الروايات التي تروى\ عن المصباح.. لكنْ\ لا اختلاف على بهاء النور). يرى الشاعر أنّ بداية العالم جاءت بانبلاج النور.. فانظر مليًا عبر هاتيك النوافذ\ كل ترى كلّ القوافل حين مرّت،\ لا تضع شيئًا من المعنى\ خذ القرطاس وابدأ بالقراءة\ منذ أول لحظة..\ فحكاية الخطوات تبدأ حينذاك. يطلب الشاعر من المستمع أن ينظر عبر النوافذ الزمنية، والى القوافل أي المجموعات البشرية عبر التاريخ، ويدعوه الى التبحر في معنى التاريخ وما فعل، وليقرأ من اللحظة الأولى، فحكاية (الخطوات) وهنا الخطوات ترمز الى درب الحياة وما وصل اليه المستمع اليوم، فيقول له الشاعر، تبدأ من اللحظة الأولى للخلق.أولى المعارك(4)…هذا المقطع يشير الى قصة آدم وحواء والمستوحاة من العهد القديم (سفر التكوين الاصحاح الثاني)، فيرمز اليهما (طفلان في سن الكهولة). أمّا عن أكلهما من شجرة التفاح الأمر الذي أدى لطردهما من الجنة (سفر التكوين الإصحاح الثالث)، فقد انتهت القصة عند أقدام الغراب حسب وصف الشاعر، وهناك اتسع السّواد، هذا السّواد جاء على اليابسة ومن المخلوقات التي وُلدت من تراب، وعندها أدرك التاريخ معنى الفكرتين، بإشارة الى فكرة الخير والشر. ويقول الشاعر للمنتصح المستمع في آخر ثلاثة أبيات من هذا المقطع( وذاك أصل الجراح في كفيك،\ فاعلم أصل جرحك، ربّما\ يومًا تعي أيان قد تجد الدواء.). أي عندما تعود الى الخطيئة الأولى في البشرية ستدركُ أصل جرحك وقد تهدي عندها الى الدواء.ندم (5) بتأثر من الاصحاح الرابع في سفر التكوين، في إشارة قصة قايين ابن آدم وحواء الذي قتل أخاه هابيل، وراح يتملكه الندم. 6 طوفان العقوق …مستوحاة من قصة نوح والطوفان (سفر التكوين، اصحاحات 5-8). أتى في البيت الخامس من هذا المقطع (تمتد أجنحة السواد الى القبائل) يقابله في التوراة (ورأى الرّب أنّ شرّ الإنسان قد كثر في الأرض، وأنّ كلّ تصورِ أفكارِ قلبه إنما هو شرير كل يومٍ.)(الإصحاح 6) من الإستعارات الجميلة في هذا المقطع، (بالت عجوز البوم في أذن العُصاة) إشارة الى أفكار الشرّ حين تبدأ وساوسها تعبث بالنفس البشرية. ينادي الشاعر القلم القديم ويطالبه بأن لا يكتب االذنب الكبير، ويبدو أنه يصنف العقوق في هذه الفترة على أنها الذنب الكبير، ويتمنى لو لم يُكتب، ولو لم نعرف طوفان العقوق. يبدو أن الشاعر يرى أنّ معرفتنا لما جرى كان هو السبب في توارث فكرة الشر.7 وشوشة البوم ….في مطلع هذا المقطع (البوم تعرف منطق الأشياء..\ فتوشوش الريح\ التي هبت\ أن اشتذي.. أثيري النقعَ).البوم تطلب من الريح أن تستمر لتثير الطوفان أكثر، فيما أرسل الله الريح على الأرض لتهدأ المياه.(سفر التكوين، اصحاح 8). البوم في القصيدة تريد أن تعبر الدرب الذي يصل الى الوتين. والوتين حسب معجم الوسيط هو الشِّريان الرئيسُ الذي يغذِّي جسمَ الإِنسان بالدّم النقيِّ الخارج من القلب. وبيولوجيًا الوتين هو الشريان الأورطي (شريان رئيسي في الجسد). ويوجد هنا مؤثر ديني من القرآن الكريم، سورة الحاقة آية رقم 46 وقد جاء فيها (ثم لقطعنا منه الوتين)، ومن يُقطع وتينه يكون مصيره الهلاك. البوم والتي ترمز لقوى الشر والخراب (أو الشيطان) تحاول الوصول الى الوتين، وتطلب من الريح حجب الأضواء عنها، كي لا يراها الطفل حين توسوس بالشر في أذنه، ولا تبالي إن أغرقت فكرة، في اشارة الى فكرة الخير، ولا تبالي حين ينقطع الوريد، يعود الرمز هنا الى الوتين. لكن الشاعر قد وقع في خطأ بيولوجي فالأورطة هو شريان وليس وريد.8 إحذر الذئب – 21 كن رقيقًا كالفراشفي هذه المقاطع من القصيدة يستمر توجه الشاعر الى المنتصح السامع مستخدمًا أساليب بلاغية كالاستعارة والتشبيه والكناية. ففي احذر الذئب يطلب منه أن يسمع نصح من أكبر منه، وأن يبقى مع التيار ومع الجماعة لئلا يصبه ما أصاب الشاة التي غادرت القطيع. رغم أنّ نصيحته هذه ليست بالضرورة صحيحة فهناك من يغادر القطيع ويعود هذا عليه بالخير، كأن يفارق متنور قومه الجاهلين، وينطلق نحو دربٍ فيها استزادة من العلم والنور. ويقول له أن لا يغمض عينيه الاثنتين في آن واحد، وأن لا يأمن جانب أحد. وفي لغة جميلة يقول الشاعر الحكيم للمنتصح في نهاية هذا المقطع (إحلم لكن إبنِ حلمَك على درب يسوده العقل ليجلب الخير، ولا يتبدد ويصير سراب في سراب).في مقطع الشيخ الكبير، يحرض الشاعر على الاستمرار وإن كان ثمة سقوط وانكسار، يجب على المرء أن يعود ويغرس بذوره من أجل حفيده دون أن يفكر بنهايتها.في مقطع (في النار) جاء في البيت الثامن ( هي السماء\ تغيث في الحرِّ الحروف\ لتستمر رسالة الزيت\ المقدس والسراج..)، هنا يوجد رمز الى أنّ الرب سيغيث في زمن الكفر الحروف (الرسالة الدينية) لتستمر الرسالة، وليبقى النور موقدًا في السراج. لا تنظرن لفور النار\ وارفع ناظريك الى الغيوم،\ وثق بأن الغيث\ لم يحنث بوعدٍ\ للذين توضأوا واستسقوا السحب\ المليئة بالسلام) يطلب الشاعر من السائل أن يترفع عن الألم وعن لسعات النار، ويثق بالغيوم، أي يؤمن برسالة الخير، فمن يفعل لا تحنث الغيوم وعدها له. ويستمر في هذا المقطع من القصيدة ليقول له ومهما اشتدت المصائب لا تخف، فالخوف صنعه الوهم وإن تركت له السلطة فسيتملكك وسينهش جسدك وتصير ضيفًا عنده.(الحب مملكة النساء) (14) يقول الشاعر (الحب مملكة النساء\ اذا هوت..\ هوتِ السّماء على عجل)، في أجواء هذه القصيدة المليئة بالأحاديث الدينية والنصح لا يهمل الحكيم الحب، (من نار حبٍ حارق\ ومن المحبة ما قتل..)، ويقول للسامع إن أردت أن تنجو بنفسك عند عاصفة القلب، فليس لك إلا الهرب لكي تبقى البطل.(معادلة الوصول) (18) (ما قاد نصرك مثل خيلك\ فانتبه.. هي ذي\ معادلة الوصول لما تريد..\ بالجدِّ تدرك ما تريد،\ وإنّ إصباحًا سيعقبُ كلِّ ليلٍ\ يا غريبًا إنّ ليلك محزن، لكن لتعلم أنه من رحم هاتيك الليالي\ يولد الفجر السعيد). تحت هذا العنوان يحرض الحكيم المتلقي على الاستمرارية والكفاح من أجل رسالته، ويحضه على الاعتماد على الذات، والجِد، وإن كان من ليلٍ أو فشلٍ فلا بدّ أن يكون من بعده فجرٌ جديد سعيد. ويختم هذا المقطع بقوله (لكلّ يوم صبحه ومساؤه\ والشمس تهديك الشروق\ فترتضي..\ ومن الجحود وخالص النكران\ أنّك لستَ ترضى بالغروب). للحياة حلوها ومرّها، ومثلما قبلت بالحلو عليك أن تقبل بالمر.تعود الرموز الدينية للتتجلى بوضوح في المقطع 22 تحت عنوان (الملك السعيد) في إشارة الى سليمان الحكيم. وفي المقطع 23 (في العصر تتهم الأميرة) حين يشير بالأميرة الى مريم العذراء التي اتهمت، ويستمر (أبشر بمصباح جديد\ رغم تكديس الظلام) إشارة الى مولد السيد المسيح. وفي ذات المقطع يذكر حواء ليقول (حواء يا سرّ البداية..\ حواء يا أصل الرواية والحكاية..). حواء أنجبت زهرة، وزهرتها لا تشبهها الأزهار.(الامام والتلاميذ.. والغيم) (25) هنا تأتي الاشارات الدينية المستوحاة من الدين المسيحي. فالإمام هو السيد المسيح وتلامذته، يشير في هذا المقطع الى عجائب السيد المسيح (كيف تكفي قطرة للماء\ كي تحيا الورود؟)، كإطعام أربعة آلاف رجل من سبعة أرغفة خبز وبضع سمكات (انجيل متى، اصحاح 15).في مقطع (القيامة) (26) رأيت أنّ هناك إشارة الى وصايا للسيد المسيح، وقد جاء في القصيدة (في دجى الأحزان،\ قبل خد كوكبك اليمين\ وبعده الخد اليسار)، كما جاء في انجيل متى (من لطمك على خدِّك الأيمن، فأدر له الخدَّ الآخر).(العند) (27) اشارة الى فترة الضلال بعد المسيح. (ما أجمل الصحراء) (28) يأتي وصف جميل لصحراء شبه الجزيرة العربية. وأتى في القصيدة (ذا وقتُ ميلاد جديد) في اشارة الى مولد الرسول محمد.صلى الله عليه وسلم. (الضاد يا أحلى الحروف) (29) يستمر الشاعر ليصف انتشار الإسلام ونزول القرآن الكريم، والذي لغته هي لغة الضاد.(صن لسانك)(31) – (طعم الوطن) (34). يقدم الشاعر النصائح للملتقي كصيانة اللسان، واتباع الصدق منهجًا في الحياة..الخ، كل هذه الوصايا جاءت مستوحاة من وصايا جميع الأديان السماوية. (لم يبق إلا الكلمة) (35) المقطع الأخير الذي حمل عنوان القصيدة نجد الحكيم قد وصل الى النهاية، ويقول للسامع الذي توجه اليه في بداية القصيدة أنّ سواد كهفه لن يبقى، سيرحل حاملا معه الكتاب ليسكن الذكرى، ولم يبق له إلا وقت قصير ليقوم الى نوافذ كهفه ويسدل ستائرها، وينظر بعين عقله الى مجريات حياته، ويفكر فيها، ويبحث عن الدرب الصحيح. هنا نجد أنّ البيئة الخارجية يطغى عليها السواد والشر، وقد اقتحمت نوافذ كهف المنتصح وراحت تطغي عليه، فأصبح الكهف أيضًا غير آمن، وهنا يختلف هذا عن الكهف الذي ذكر في سورة الكهف في القرآن الكريم، فالفتية الذين لجأوا الى الكهف ذهبوا بحثا عن نور الهداية والرشد. وكانوا في مأمنٍ في كهفهم. لكن يبدو أنّ الشاعر يرى أنّ زمننا هذا قد غلفه السواد الى درجة أكبر من تلك التي كانت، حتى أنّ الظلمة قد اقتحمت نوافذ الكهف، ولم يبق للاجئ هناك الى أن يحمي نوافذ جسده وعقله وهي عينيه. يقول له (خذ الحروف جميعها،\ واصنع من الكلمات مصباحًا\ وهاتِ النور..\ لم تبق إلا كلمة الأنوار) يدعوه الحكيم أن يعود ويستفيد من الرسائل الدينية ومن كل ما كان في البدء لينصنع كلمات جديدة ويأتي بالنور ليبدد هذا الظلام الذي يسود عالمنا، ويقصد بالظلام الشرور، والحروب، وعدم الفهم الصحيح للدين وتحريفه، وما ينجم عن هذا من مصائب وويلات. لتُختتم القصيدة برسالة الشاعر (يا صانع العهد الجديد\انهض بها من تحت أكوام السواد،\ بنورها..\ وأعد الى الدنيا البياض.)