صدرت بداية هذا العام 2020 رواية اليافعين”كنان يتعرف على مدينته” للأديب المقدسي جميل السلحوت عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرواية التي يحمل غلافها الأول لوحة للفنان الشكيلي محمد نصرالله في 55 صفحة من الحجم المتوسط.
مَن يتابع كتابات أديبنا جميل السلحوت، يجد تكتيكا جميلا ومنظما في فن توالي الأحداث عبر الزمان وعبر المكان، وذلك بطريقة جاذبة ولافتة للإنتباه. فهي مترابطة بأسلوب فنيّ وذكيّ، تجعلك تنسجم في الرواية حتى نهايتها.
يضع الكاتب العامود الفقري لكتاباته المختلفة، ويبقى يدعمها في مسارها بمحطات مفاجئة للقارئ، فهو يختلقها؛ لينقذ بها المواقف، ويدفع بالأحداث ليحافظ على سيرورتها وإنسيابها في ممراتها الصحيحة دون ملل.
أما في رواية ” كنان يتعرف على مدينته ” .. فقد زرع أديبنا تاريخ مدينة القدس في قوارير وردية خاصة، وزينها للمتصفح في أجواء تُفضي زخمًا من المعرفة والثقافة، وذلك لكل مَن يجول بإمعان بين سطور وصفحات هذه الرواية. دمج الكاتب التاريخ مع الدين، مع السياسة، مع الجغرافيا في رحلة مدرسية تارة، وانفرادية خاصة تارة أخرى. كذلك قصد أن يُظهر بعض المواقف والقيم الأخلاقية والتربوية من خلال شخصيات الرواية.
الأديب السلحوت ضليع في أدب الرحلات، وهذا ما لاحظناه خلال تنقلنا معه في رحاب وزقاق المدينة المقدسة، فله في كل ركن معلومة تاريخية مفصّلة. وهذا بالطبع ساعدنا في إستحضار المكان بجماله لمن لا يعرف أصل المكان. وأما الذين يعيشون المدينة، فقد زادهم حُبًا بها.
أخذنا إلى بلدتها القديمة مرورًا بسورها العظيم وبواباتها التاريخية، كذلك أسواقها، زقاقها، قبابها، باحة المسجد الأقصى وقبتها الذهبية وأيضا كنيسة القيامة وما حولها. وفي كل محطة، يتعرّف القارئ على خصائص وخصوصيات هذه الأماكن بالجمال والتفصيل.
أمّا في هذه اللحظات، فتبرز للعيان تلك القيم الأخلاقية والعادات المجتمعية الحميدة، والتي تجلّت بأخذ القرارت الجماعية، الإتفاق والعمل الجماعي، النظام وإحترام الأوامر والمواعيد. فكانت لفتة من قبل كاتبنا لتفعيل التكاتف والتآلف إبتداء بتلك الشريحة العمرية من الفتيات والفتيان.
لم يكتفِ الأديب السلحوت بما قدمه في النصف الأول من الرواية، إلاّ أنَّ “كنان” وصاحبيه “جمال” وعبدالله إتفقوا أن يقوموا بزيارة أخرى لنفس المكان، وتوسيع دائرة المعرفة وحصد المزيد من المعلومات المفيدة عن مدينتهم. هذا بالتالي يُحفّز الفتيان الصغار والفتيات على خلق حُبّ المبادرة الشخصية لديهم وأخذ القرار الجريء في البحث والتنقيب عن المجهول من حولهم.
وجدنا عدة محطات في الرواية يلجأ فيها الكاتب إلى خلق الأسباب من أجل وصل الأحداث مع بعضها. فوصل بنا إلى قرية (عين كارم) المهجرة من الفلسطينين إبّان النكبة الأولى، وكان هناك مَن يسرد على كنان تاريخها الذي أوجع قلب هذا الفتى؛ لتنتهي معه الرواية، وتتوقف الأنفاس هناك علّها تُعاود الحياة وتعود المياه إلى مجاريها الأصيلة.
اتّسمت الرواية باللغة البسيطة المفهومة دون تعقيدات. كما أنّ أسلوب الحوار كان هو المسيطر بين الشخصيات القليلة . وقد تزيّنتْ الصفحات بالعديد من الصور للأماكن المقدسة في المدينة. أمّا إذا تكلمنا عن عنصر التشويق، فقد تحرك النبض عندما حصلت مشاجرة بين كنان وبعض الشباب الذين أساؤوا الأدب في ساحة المسجد الأقصى. كما أننا توقعنا أن يكون هناك احتكاك مباشر مع بعض المستوطنين في قرية عين كارم عندما زارها مع والده، إلاّ أنّ ذلك لم يحدث.
٢٠٢٠/٣/١٩