القدس:27-3-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مجموعة نصوص “نقش الريح” لابن قرية بيت صفافا المقدسية نعيم عليان. وتقع المجموعة التي صدرت في القدس في الأيام القليلة الماضية في 64 صفحة من الحجم المتوسط، وهي باكورة أعمال كاتبها التي تصدر في كتاب.
بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر فقال:
انتصار للغة الأدب وطموح لبناء وطن الجمال
سعي للإسهام في مسيرة الأدب، ودليل على تمكّن لغة التعبير الأدبي من قلوب الناس؛ هذا ما استنتجته من قراءتي لنصوص الكاتب (نعيم عليان) التي حملت عنوانا عاما هو (نقش الريح). ولعل في الأسئلة التي يطرحها الكتاب ما يشهد مجددا للأدب بسحره وحيويته، ورغبة القراء بالتعبير عن قضاياهم وهمومهم بلغته الساحرة. ولا عجب والحالة هذه لأن في الأدب علاجا لهموم النفس، وترقيقا للمشاعر التي بدأت تغزو مجتمعاتنا المعاصرة، وبحثا عن قيم تغيب من أجل وطن مشتهى يدأب الإنسان المعاصر – وفي بلدنا بالتحديد – على العيش فيه وبنائه كما يهوى.
هل هو الاغتراب الذي يدفع المرء للتعبير؟
هل هو البحث عن صديق يبثّه الكاتب همومه وأشجانه؛ ليصير له في ما بعد أصدقاء من القراء يشتركون معه في حمل الهموم المتثاقلة؟
في الحالات جميعها فإنني واجد توجها نحو التعبير الأدبي بشكل لافت للنظر، والاهتمام في الآونة الأخيرة في بلادنا.
وهذا يفتح المجال للنقاش، والاستنتاج.
في (نقش الريح) وجدت قارئا ساعيا للمعرفة والتعبير. قارئ يتذوّق لغة الأدب، ويسعى لحجز مكان له في قاطرته السائرة إلى براري الحياة وخبايا النفس وجغرافية الوطن. لذا جاءت الريح لتقول وتنقش، وكانت لغة شعراء سابقين حاضرة في لغة الكاتب. إنك تجد لغة محمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني، وصورهم وروحهم.
هذه النصوص تحمل إصرارا على الكتابة وعودة لإحياء موهبة واضحة المعالم، أخفتها هموم الحياة ومشاغلها، فدحرتها إلى زاوية بعيدة من البرنامج اليومي. إنها انتصار لروح الأدب وعودة إلى بساتينه.
والكاتب الذي يضع بين أيدينا كتابه الأول وقد حمّل عنوانه دلالة الثبات والتغيّر، إنما يرسل رسالة واضحة سنجد تطبيقها القوي في الكتاب الثاني.
وقال جميل السلحوت:
في باكورة نتاجه الأدبي “نقش الريح” الصادر قبل أيام في القدس – بدون دار نشر- ويزين غلافها الأول لوحة للفنان العالمي فان كوخ، يقدم لنا نعيم عليان ابن قرية بيت صفافا المقدسية مجموعة نصوص أدبية لافتة، وعنوان المجموعة لافت، فماذا تنقش الريح؟ أو هل للريح نقش؟ صحيح أن الريح العاتية تدمر وتقتل، وتترك آثارا، لكنها لا تترك نقوشا، وهنا يضعنا الكاتب في متاهة التفكير بهذا العنوان، واذا ما عدنا الى النص الذي يحمل نفس العنوان، فاننا ندخل في متاهة أكبر،”
“أقرأ فاتحة الكتاب
ودعاء السفر المنقوش
بقلم الريح في الغيمة المصلوبة
على ردهة الليل
وسنابل القمح المنثورة
في بيدر كنعان”ص10.
ففاتحة الكتاب هي فاتحة القرآن الكريم، ودعاء السفر دعاء معروف عند المسلمين يقرأونه عندما يسافرون، فكيف تنقشهما الريح في غيمة؟ وهما مثبتتان في الكتب؟ وماذا يريد الكاتب هنا؟ ولنتابع مع الكاتب:
“إذ يقف التاريخ ليستريح قليلا
ليغتسل من الخطيئة المكرّرة
بعد أن يرى وجهه القبيح كلّ مرّة
في مرآة الزمان
عجوزا مترهل القسمات
يجدّ السّير محدودبا في دروب الظلمات”ص11.
فهل الكاتب هنا يبدي استنكاره لما يجري في وطنه من سرقة للتاريخ وللثقافة بعد سرقة الجغرافيا؟ فهذه البلاد كانت عربية اسلامية، وفي غفلة من التاريخ، أو في طفرة تاريخية تغيرت الثقافة وتغيّر التاريخ، وأصبح كأنه نقوش على الغيوم تذروها الرياح! وهل عملية تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه خطيئة ثانية تشبه الخطيئة التي أخرجت أبانا آدم أمّنا حواء من الجنة؟ أم أن التاريخ شاخ وتنكر لبداياته؟ وكل ذلك جائز ومحتمل.
وعودة مرّة أخرى الى النصوص، حيث يبدو كاتبنا فيها أنّه يمتلك لغة جمالية، إلا أنّه لم يصنف ما كتبه تحت صنف أدبي معروف، وترك نصوصه للقارئ كي يصنفها، وقد أحسن صنعا في ذلك، مع أن بعض نصوصه تقترب من قصيدة النثر أحيانا، وتبتعد عنها أحيانا أخرى، لتشكل مجموعة خواطر، طرق فيها أكثر من موضوع، فتارة تكلم عن التاريخ ، وعن المكان، وتارة رثى الشهداء، وتارة أخرى تعاطف مع ما جرى من نكبات في مخيم اليرموك قرب دمشق للاجئين الفلسطينيين، وأبدى حزنه على تدمير سوريا وعاصمتها دمشق، وتارة يتغزل ويصف.
ولغة الكاتب فيها مفردات وصور ذات جماليات عالية. ولو أنّه تريّث قليلا وراجع ما كتب، لقدّم قصائد نثرية جميلة، أو أقاصيص مكتملة فنيّا، لكن خياره كان أن يقدمها بشكلها الحالي دون تصنيف وهذا حقه،
ويسجل في هذه النصوص سلامة اللغة وهذا لصالح الكاتب طبعا.
وقال عبدالله دعيس:
تنقش الريح رمال الصحراء وتترك فيها أخاديد واضحة المعالم، لكنها سرعان ما تزول ويتغير شكلها وترتيبها وكأنها لم تكن. أما ما تحفره الريح في الصخور على مر الأيام والدهور فيبقى منقوشا هناك شاهدا على تاريخ مؤلم. هذا ما يريد الكاتب أن يبثه لنا في كثير من نصوصه. يمضي العمر وتتلاحق الأحداث وتمر الأيام بحلوها ومرها، لكنها تمضي سريعا، ولا نذكر منها إلا الألم والحسرة، أما ما يسعدنا فإنه يتلاشى كما يتلاشى نقش الريح في رمال الصحراء. فقارئ صفحات التاريخ لا يجد فيها إلا ذكر الحروب والويلات، وكأن الزمن خلا من كل جميل. لذلك فإن الكاتب يشبه التاريخ بالعجوز قبيح المظهر. “من نص نقش الريح” ص 11 . والكاتب في هذه النصوص يعبر عن خلجات نفسه، وخواطره فيما يرى حوله ويدور من أحداث. وهو متشائم بشكل عام، يرى عيوب مجتمعه وأمته بشكل واضح، ويتطرق لها في العديد من نصوصه، لكن شعلة الأمل لديه خافتة لا تكاد ترى في نهاية النفق. فكل الأمور تسير بشكل سيئ، ولا تعدو ردة فعلنا عن أمرين: إما صمت الأموات الذي نظنه يعلو جميع الأصوات، كالعجوز الذي يجلس متخفيا في كهف يسرح في حاضره وماضيه دون أن يقوم بأي عمل لتغيير واقعه، ثم يصرخ في نهاية الأمر: “أنا الآمر هنا لا صوت يعلو فوق صمتي.” (من نص المغارة والعجوز ص 20) وإما ردة فعل غاضبة غير مجدية. ويعبر الكاتب عن الظاهرة الصوتية لردات الفعل العبثية في نص (خاصرة القرية) بقوله “رحل الهدهد وظل سليمان يتوعد” وإن كان اليأس من صلاح الأوضاع يسيطر على معظم النصوص في هذا الكتاب، فإن بعض النصوص تترك فسحة للأمل. ففي نص (حلة بيضاء) يشبه الكاتب الأرض التي تكسوها الثلوج في أشد أوقات الشتاء برودة بالشهيد الذي يكسوه كفنه الأبيض، وكما أن قسوة الشتاء يعقبها جمال الربيع فإن دم الشهيد يعقبه النصر. ويعود الكاتب ليأسه من إصلاح الحال. فعندما يثور الناس وتهتز عروش الطغاة، وتظن الجموع أنها انتصرت، سرعان ما يعود الطغيان للسيطرة، والاستهزاء بتضحيات الجموع. “من نص تلقيح التراب” ص 54
يختار الكاتب أن يطلق على مجموعة الكتابات الأدبية في هذا الكتاب نصوصا. والنص لفظ عام قد يدل على الشعر أو النثر. فهو يبث أفكاره ومشاعره في هذه الكلمات، ثم يترك للقارئ حرية تصنيفها كما يشاء. فكثير من هذه النصوص تقترب من الشعر في إيجازها وتوهج ألفاظها ووحدتها العضوية، وتجنب الاستطرادات والشروح. لكنها في مجملها تخلو من الموسيقى الشعرية أو تلك النغمة التي تتولد في الألفاظ، والتراكيب والموسيقى الداخلية النابعة من تتابع الصور وتضافرها، لكنها لا تخلو من روح شعرية فيها. وهذه النصوص وإن كانت تشترك مع الخاطرة في وصف لحظات نفسية ومشاعر وجدانية تجاه أمور واجهها الكاتب، إلا أنها تخلو من الإسهاب الذي يتطلبه النص النثري.
لقد نقشت ريح نعيم عليان هذه الكلمات، في هذا الكتاب الذي هو باكورة أعماله الأدبية، ونرجو أن يستمر عطاؤه وتنقش ريشته في قابل الأيام ما هو أفضل وأجمل.
وقال راتب حمد:
“احفريني حروفا كنعانية “
يبدأ كاتبنا بعزف الحروف من بعيد كأنه يرسم لوحة عاشق، واللحن صار أيقونة الحب باللوحة الحوراء التي استهل بها “نقش روحه” ليعبر من باب واسع واثق لنقش الريح ليسافر في حقول السراب ممتشقا الحروف زهورا ، تعبق و تفوح برائحة التاريخ المقدس؛ ليبدأ المشوار بفاتحة الكتاب، يسافر مع قلم الريح قارئا دعاء السفر المنقوش، ينثر سنابل القمح في البيدر الكنعاني . و يسترسل عليان بين الحلم والحقيقة ليسكن على حد السيف، كلمات لم أجد تعبيرا ووصفا دقيقا لأقول أنه يكتب شعرا أو خاطرة أو نصا بدون حدود و إطار، خاصة إذا علمنا أن هذا الكتاب هو باكورة أعماله والذي يبشر بالقدرة على تطويع اللغة، وجعلها لقمة سائغة للآخرين عندما يشعل حبات الرمل المنسية ما بين صمت وصرخة ورعشة، وقشعريرة، يفرق الكاتب بين الكلمات والحروف ليضعنا في أيقونة جميلة، تحمل عشق الوطن ليحط القصيدة أقحوانة، ويسقي الأرض خمرا، ويعزف ويرسم موالا هو درويش أم نزار أم سميح، يعرج على كل واحد وكأنه في نصوصه هذه يأخذ من كل بستان زهرة، فالبحر والحنين يقتله، ودموع المسافرين تنهمر، وهو يتألم لما يجري في الوطن من تخريب وقتل الأبطال، واغتيال الزيتون لما نرى ونشاهد كيف يعبث الاعداء في الارض فسادا،
كلمات بألوان الفراش تصدح بالحب للوطن ما يلبث أن يحضر التنين يتلوى حول خاصرة القرية متحفزا يسحق الوقت، يشرب الماء والآبار ليبعدنا عن الصحوة حد الثمالة، ويتركنا جسدا يمزقه الأسى وروح تحلق في الفضاء في قصيدة نثرية وهي المعراج ص 27
الخيط المسافر ص29 يرسم الطفل بقلمه بساطا للريح؛ ليحلق ويرجم الحصار، صورة رائعة يرسمها لنا الكاتب بريشة طفل يرجم الحصار بكرات من الغضب.
في قصيدة ألف عام ص 35 لعل المحبوبة هي فلسطين، فالبحث عنها في البحار، وفي غابات الصبر وعلى ظهر غمامة في الفضاء، يقول: “أذكر أني عشقتك ألف عام قائما بين سحرك والقضبان ” ” لعل يوما التقيك حقيقة.
وفي حلةٍ بيضاء يبكي الشهداء، بل يبكي الشهيد وتبكيه حجارة القدس “في كل فجر لك ميلاد لأن موتك لأجلها ما كان سدى ” لعله يوم استشهاد ميلاد عياش حيث كانت القدس كما تريد”.
لم ينس كاتبنا أن يعرج على الشام ليقول أن القلب منفطرٌ، وإن تجزعي فالدمع جار فينا” ليؤكد على حبه للشام باعثا التحية من القدس ممزوجة بصدق الثائرين.
و في رايات يتحدث عن الجبل ليصفه بمغازلته الموت عشقا وفداء مظهرا نظرة تفاؤلية بأن المستقبل آت بهؤلاء، وأن على جبينه نجوم العز، وفي يده يلوح اللواء .. إذا اقدامه داست على الأرض دانت له الدنيا بلا رياء.
و بين أحلام و طفولة منسية ورائحة طابون وخبز المساكين، ورائحة النجوم والزعرور والنار،وغليون جدي، يؤكد كاتبنا عن الأصالة التي تسكنه لينثرها ورودا جميلة في قصائده النثرية، وخواطره مسافرا في حقول البلاد يعزف لحن الصمود والوجود، ويبقى الصمت سيد الموقف، وأذان الفجر يشق الظلام، ففي الغد سيعربد التجار اللصوص وصوت المارقين.
وشارك في النقاش سامي الجندي وبكر زواهرة.
نقش الريح في اليوم السابع
القدس:27-3-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مجموعة نصوص “نقش الريح” لابن قرية بيت صفافا المقدسية نعيم عليان. وتقع المجموعة التي صدرت في القدس في الأيام القليلة الماضية في 64 صفحة من الحجم المتوسط، وهي باكورة أعمال كاتبها التي تصدر في كتاب.بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر فقال:انتصار للغة الأدب وطموح لبناء وطن الجمالسعي للإسهام في مسيرة الأدب، ودليل على تمكّن لغة التعبير الأدبي من قلوب الناس؛ هذا ما استنتجته من قراءتي لنصوص الكاتب (نعيم عليان) التي حملت عنوانا عاما هو (نقش الريح). ولعل في الأسئلة التي يطرحها الكتاب ما يشهد مجددا للأدب بسحره وحيويته، ورغبة القراء بالتعبير عن قضاياهم وهمومهم بلغته الساحرة. ولا عجب والحالة هذه لأن في الأدب علاجا لهموم النفس، وترقيقا للمشاعر التي بدأت تغزو مجتمعاتنا المعاصرة، وبحثا عن قيم تغيب من أجل وطن مشتهى يدأب الإنسان المعاصر – وفي بلدنا بالتحديد – على العيش فيه وبنائه كما يهوى.هل هو الاغتراب الذي يدفع المرء للتعبير؟هل هو البحث عن صديق يبثّه الكاتب همومه وأشجانه؛ ليصير له في ما بعد أصدقاء من القراء يشتركون معه في حمل الهموم المتثاقلة؟في الحالات جميعها فإنني واجد توجها نحو التعبير الأدبي بشكل لافت للنظر، والاهتمام في الآونة الأخيرة في بلادنا.وهذا يفتح المجال للنقاش، والاستنتاج.في (نقش الريح) وجدت قارئا ساعيا للمعرفة والتعبير. قارئ يتذوّق لغة الأدب، ويسعى لحجز مكان له في قاطرته السائرة إلى براري الحياة وخبايا النفس وجغرافية الوطن. لذا جاءت الريح لتقول وتنقش، وكانت لغة شعراء سابقين حاضرة في لغة الكاتب. إنك تجد لغة محمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني، وصورهم وروحهم. هذه النصوص تحمل إصرارا على الكتابة وعودة لإحياء موهبة واضحة المعالم، أخفتها هموم الحياة ومشاغلها، فدحرتها إلى زاوية بعيدة من البرنامج اليومي. إنها انتصار لروح الأدب وعودة إلى بساتينه.والكاتب الذي يضع بين أيدينا كتابه الأول وقد حمّل عنوانه دلالة الثبات والتغيّر، إنما يرسل رسالة واضحة سنجد تطبيقها القوي في الكتاب الثاني.وقال جميل السلحوت: في باكورة نتاجه الأدبي “نقش الريح” الصادر قبل أيام في القدس – بدون دار نشر- ويزين غلافها الأول لوحة للفنان العالمي فان كوخ، يقدم لنا نعيم عليان ابن قرية بيت صفافا المقدسية مجموعة نصوص أدبية لافتة، وعنوان المجموعة لافت، فماذا تنقش الريح؟ أو هل للريح نقش؟ صحيح أن الريح العاتية تدمر وتقتل، وتترك آثارا، لكنها لا تترك نقوشا، وهنا يضعنا الكاتب في متاهة التفكير بهذا العنوان، واذا ما عدنا الى النص الذي يحمل نفس العنوان، فاننا ندخل في متاهة أكبر،””أقرأ فاتحة الكتابودعاء السفر المنقوشبقلم الريح في الغيمة المصلوبة على ردهة الليلوسنابل القمح المنثورةفي بيدر كنعان”ص10.ففاتحة الكتاب هي فاتحة القرآن الكريم، ودعاء السفر دعاء معروف عند المسلمين يقرأونه عندما يسافرون، فكيف تنقشهما الريح في غيمة؟ وهما مثبتتان في الكتب؟ وماذا يريد الكاتب هنا؟ ولنتابع مع الكاتب:”إذ يقف التاريخ ليستريح قليلاليغتسل من الخطيئة المكرّرةبعد أن يرى وجهه القبيح كلّ مرّةفي مرآة الزمانعجوزا مترهل القسماتيجدّ السّير محدودبا في دروب الظلمات”ص11.فهل الكاتب هنا يبدي استنكاره لما يجري في وطنه من سرقة للتاريخ وللثقافة بعد سرقة الجغرافيا؟ فهذه البلاد كانت عربية اسلامية، وفي غفلة من التاريخ، أو في طفرة تاريخية تغيرت الثقافة وتغيّر التاريخ، وأصبح كأنه نقوش على الغيوم تذروها الرياح! وهل عملية تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه خطيئة ثانية تشبه الخطيئة التي أخرجت أبانا آدم أمّنا حواء من الجنة؟ أم أن التاريخ شاخ وتنكر لبداياته؟ وكل ذلك جائز ومحتمل.وعودة مرّة أخرى الى النصوص، حيث يبدو كاتبنا فيها أنّه يمتلك لغة جمالية، إلا أنّه لم يصنف ما كتبه تحت صنف أدبي معروف، وترك نصوصه للقارئ كي يصنفها، وقد أحسن صنعا في ذلك، مع أن بعض نصوصه تقترب من قصيدة النثر أحيانا، وتبتعد عنها أحيانا أخرى، لتشكل مجموعة خواطر، طرق فيها أكثر من موضوع، فتارة تكلم عن التاريخ ، وعن المكان، وتارة رثى الشهداء، وتارة أخرى تعاطف مع ما جرى من نكبات في مخيم اليرموك قرب دمشق للاجئين الفلسطينيين، وأبدى حزنه على تدمير سوريا وعاصمتها دمشق، وتارة يتغزل ويصف. ولغة الكاتب فيها مفردات وصور ذات جماليات عالية. ولو أنّه تريّث قليلا وراجع ما كتب، لقدّم قصائد نثرية جميلة، أو أقاصيص مكتملة فنيّا، لكن خياره كان أن يقدمها بشكلها الحالي دون تصنيف وهذا حقه، ويسجل في هذه النصوص سلامة اللغة وهذا لصالح الكاتب طبعا. وقال عبدالله دعيس:تنقش الريح رمال الصحراء وتترك فيها أخاديد واضحة المعالم، لكنها سرعان ما تزول ويتغير شكلها وترتيبها وكأنها لم تكن. أما ما تحفره الريح في الصخور على مر الأيام والدهور فيبقى منقوشا هناك شاهدا على تاريخ مؤلم. هذا ما يريد الكاتب أن يبثه لنا في كثير من نصوصه. يمضي العمر وتتلاحق الأحداث وتمر الأيام بحلوها ومرها، لكنها تمضي سريعا، ولا نذكر منها إلا الألم والحسرة، أما ما يسعدنا فإنه يتلاشى كما يتلاشى نقش الريح في رمال الصحراء. فقارئ صفحات التاريخ لا يجد فيها إلا ذكر الحروب والويلات، وكأن الزمن خلا من كل جميل. لذلك فإن الكاتب يشبه التاريخ بالعجوز قبيح المظهر. “من نص نقش الريح” ص 11 . والكاتب في هذه النصوص يعبر عن خلجات نفسه، وخواطره فيما يرى حوله ويدور من أحداث. وهو متشائم بشكل عام، يرى عيوب مجتمعه وأمته بشكل واضح، ويتطرق لها في العديد من نصوصه، لكن شعلة الأمل لديه خافتة لا تكاد ترى في نهاية النفق. فكل الأمور تسير بشكل سيئ، ولا تعدو ردة فعلنا عن أمرين: إما صمت الأموات الذي نظنه يعلو جميع الأصوات، كالعجوز الذي يجلس متخفيا في كهف يسرح في حاضره وماضيه دون أن يقوم بأي عمل لتغيير واقعه، ثم يصرخ في نهاية الأمر: “أنا الآمر هنا لا صوت يعلو فوق صمتي.” (من نص المغارة والعجوز ص 20) وإما ردة فعل غاضبة غير مجدية. ويعبر الكاتب عن الظاهرة الصوتية لردات الفعل العبثية في نص (خاصرة القرية) بقوله “رحل الهدهد وظل سليمان يتوعد” وإن كان اليأس من صلاح الأوضاع يسيطر على معظم النصوص في هذا الكتاب، فإن بعض النصوص تترك فسحة للأمل. ففي نص (حلة بيضاء) يشبه الكاتب الأرض التي تكسوها الثلوج في أشد أوقات الشتاء برودة بالشهيد الذي يكسوه كفنه الأبيض، وكما أن قسوة الشتاء يعقبها جمال الربيع فإن دم الشهيد يعقبه النصر. ويعود الكاتب ليأسه من إصلاح الحال. فعندما يثور الناس وتهتز عروش الطغاة، وتظن الجموع أنها انتصرت، سرعان ما يعود الطغيان للسيطرة، والاستهزاء بتضحيات الجموع. “من نص تلقيح التراب” ص 54يختار الكاتب أن يطلق على مجموعة الكتابات الأدبية في هذا الكتاب نصوصا. والنص لفظ عام قد يدل على الشعر أو النثر. فهو يبث أفكاره ومشاعره في هذه الكلمات، ثم يترك للقارئ حرية تصنيفها كما يشاء. فكثير من هذه النصوص تقترب من الشعر في إيجازها وتوهج ألفاظها ووحدتها العضوية، وتجنب الاستطرادات والشروح. لكنها في مجملها تخلو من الموسيقى الشعرية أو تلك النغمة التي تتولد في الألفاظ، والتراكيب والموسيقى الداخلية النابعة من تتابع الصور وتضافرها، لكنها لا تخلو من روح شعرية فيها. وهذه النصوص وإن كانت تشترك مع الخاطرة في وصف لحظات نفسية ومشاعر وجدانية تجاه أمور واجهها الكاتب، إلا أنها تخلو من الإسهاب الذي يتطلبه النص النثري. لقد نقشت ريح نعيم عليان هذه الكلمات، في هذا الكتاب الذي هو باكورة أعماله الأدبية، ونرجو أن يستمر عطاؤه وتنقش ريشته في قابل الأيام ما هو أفضل وأجمل.وقال راتب حمد:”احفريني حروفا كنعانية “يبدأ كاتبنا بعزف الحروف من بعيد كأنه يرسم لوحة عاشق، واللحن صار أيقونة الحب باللوحة الحوراء التي استهل بها “نقش روحه” ليعبر من باب واسع واثق لنقش الريح ليسافر في حقول السراب ممتشقا الحروف زهورا ، تعبق و تفوح برائحة التاريخ المقدس؛ ليبدأ المشوار بفاتحة الكتاب، يسافر مع قلم الريح قارئا دعاء السفر المنقوش، ينثر سنابل القمح في البيدر الكنعاني . و يسترسل عليان بين الحلم والحقيقة ليسكن على حد السيف، كلمات لم أجد تعبيرا ووصفا دقيقا لأقول أنه يكتب شعرا أو خاطرة أو نصا بدون حدود و إطار، خاصة إذا علمنا أن هذا الكتاب هو باكورة أعماله والذي يبشر بالقدرة على تطويع اللغة، وجعلها لقمة سائغة للآخرين عندما يشعل حبات الرمل المنسية ما بين صمت وصرخة ورعشة، وقشعريرة، يفرق الكاتب بين الكلمات والحروف ليضعنا في أيقونة جميلة، تحمل عشق الوطن ليحط القصيدة أقحوانة، ويسقي الأرض خمرا، ويعزف ويرسم موالا هو درويش أم نزار أم سميح، يعرج على كل واحد وكأنه في نصوصه هذه يأخذ من كل بستان زهرة، فالبحر والحنين يقتله، ودموع المسافرين تنهمر، وهو يتألم لما يجري في الوطن من تخريب وقتل الأبطال، واغتيال الزيتون لما نرى ونشاهد كيف يعبث الاعداء في الارض فسادا،كلمات بألوان الفراش تصدح بالحب للوطن ما يلبث أن يحضر التنين يتلوى حول خاصرة القرية متحفزا يسحق الوقت، يشرب الماء والآبار ليبعدنا عن الصحوة حد الثمالة، ويتركنا جسدا يمزقه الأسى وروح تحلق في الفضاء في قصيدة نثرية وهي المعراج ص 27الخيط المسافر ص29 يرسم الطفل بقلمه بساطا للريح؛ ليحلق ويرجم الحصار، صورة رائعة يرسمها لنا الكاتب بريشة طفل يرجم الحصار بكرات من الغضب. في قصيدة ألف عام ص 35 لعل المحبوبة هي فلسطين، فالبحث عنها في البحار، وفي غابات الصبر وعلى ظهر غمامة في الفضاء، يقول: “أذكر أني عشقتك ألف عام قائما بين سحرك والقضبان ” ” لعل يوما التقيك حقيقة.وفي حلةٍ بيضاء يبكي الشهداء، بل يبكي الشهيد وتبكيه حجارة القدس “في كل فجر لك ميلاد لأن موتك لأجلها ما كان سدى ” لعله يوم استشهاد ميلاد عياش حيث كانت القدس كما تريد”. لم ينس كاتبنا أن يعرج على الشام ليقول أن القلب منفطرٌ، وإن تجزعي فالدمع جار فينا” ليؤكد على حبه للشام باعثا التحية من القدس ممزوجة بصدق الثائرين. و في رايات يتحدث عن الجبل ليصفه بمغازلته الموت عشقا وفداء مظهرا نظرة تفاؤلية بأن المستقبل آت بهؤلاء، وأن على جبينه نجوم العز، وفي يده يلوح اللواء .. إذا اقدامه داست على الأرض دانت له الدنيا بلا رياء. و بين أحلام و طفولة منسية ورائحة طابون وخبز المساكين، ورائحة النجوم والزعرور والنار،وغليون جدي، يؤكد كاتبنا عن الأصالة التي تسكنه لينثرها ورودا جميلة في قصائده النثرية، وخواطره مسافرا في حقول البلاد يعزف لحن الصمود والوجود، ويبقى الصمت سيد الموقف، وأذان الفجر يشق الظلام، ففي الغد سيعربد التجار اللصوص وصوت المارقين.وشارك في النقاش سامي الجندي وبكر زواهرة.