صدرت رواية (اليتيمة) للأديب جميل السلحوت عام 2021 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرواية في 260 صفحة من الحجم المتوسط.
ليس من الغريب أو الجديد أن نقرأ هذه الرواية الاجتماعية للكاتب جميل السلحوت( نصير المرأة) فقد أصدر الكاتب روايات عدة تطرقت إلى معاناة المرأة كرواية المطلقة التي صدرت قبل عام وغيرها. تطرق الكاتب في روايته إلى المرأة المغلوبة على أمرها، ونظرة المجتمع المتباينة لها.. وقد أشار في روايته الإنسانية إلى المجتمع وما حمله من سلوكيات غير مقبولة أو أفكار تحطّ من قدر المرأة، كانت ولا زالت مستشرية في المجتمع العربي عامة، وما هي إلا عادات وتقاليد بعيدة عن الدين الذي نادى باحترام المرأة وعدم امتهانها..وساوى بينها وبين الرجل في العبادة والعلم والعمل، وأعطاها من الحقوق ما لم تحظ به امرأة من الملل والديانات الأخرى.
تدور أحداث الرواية في قرية من قرى القدس وهي قرية سلوان، وأظن أن الكاتب وجّه أنظار القارئ لهذه القرية وما فيها من أحياء ومعالم مثل بير أيوب، حي البستان، راس العامود وعين سلوان. تحدث عنها الكاتب وعن أهميتها التاريخية والدينية- ليخرج منها هذه الرواية في هذا الوقت بالذات، بسبب ما تتعرض له هذه القرية من تهجير لسكانها وهدم لبيوتها بحجة عدم ترخيصها، وتهويد للمكان كما تخطط له سلطات الاحتلال، ووفق رؤيتهم التوراتية أنها مدينة داوود وهي المتاخمة للمسجد الأقصى من جهة الجنوب، وتعتبر خط الدفاع الأول، أضف إلى ذلك تسريب عقارات فيها من قبل أشخاص لا يسكنهم الوفاء ولا الإنتماء، وهذا أشد بلاء على الأرض.
ولو عدنا إلى أنماط السلوكيات المجتمعية العربية في الرواية لوجدناها متشابهة في التسلط والتحكم الذكوري، وللمرأة دور مهم في نقل هذا السلوك والاحتفاظ فيه.. بل وجدناها نصيرة له..تعين الرجل في تجبره وفي استضعاف بنات جنسها، وتفضل أن يكون سي السيّد في معظم المواقف..من هنا نرى أن المجتمع الريفي اأو القروي ما زال يحمل نفس السمات رغم اختلاطه بالمدينة..فلا اختلاف في العقلية، أفكار بائدة لا زالت تحتفل بانتصارها رغم الغزو التكنولوجي..وهي بذلك لا تختلف كثيرا عن المدن العريقة.
رواية اليتيمة رواية مجتمعية غارقة في الأمثال الشعبية التي تحسب للكاتب وإقناعه للقارئ.. (الأمثال المستخدمة كانت كثيرة جدا) استخدمها الكاتب كي لا ننسى وننجرف مع تيار العولمة، وما دخل على مجتمعنا من أفكار لا تليق بأخلاقنا ولا توافق عقيدتنا.
كعادة الكاتب السلحوت يفتح أمامنا أبوابا تفصل الشخصيات والأماكن والمعالم، وقد بيّن لنا في روايته مكنون وظواهر العلاقة بين أبناء الأسرة الواحدة وعلاقتها بالعائلة الممتدة القائمة على التعاون والإصلاح والألفة والمساعدة، وفصل لنا عادات الخطبة والزواج والتعارف والنسب وقِري الضيف والمصاهرة التي ما زالت قائمة ولم تتغير في مجتمعنا.
كما بيّن الكاتب أن المرأة العربية لم تأخذ حقّها كما يجب..حتى وإن كانت متفوقة في علمها، كبطلة الرواية عبير التي حصلت على أعلى معدل في منطقة القدس، إلا أن أمها تفضل أن ينهي أخوها عزيز تعليمه الجامعي لأنها لا تستطيع دفع تكاليف التعليم.. حتى المال الذي حصلت عليه عبير كهدية من المديرة والمعلمات خصصته الأم لعرس عزيز.. وقد بين الكاتب في الرواية التمييز بوضوح بين المرأة والرجل..وقد لا تأخذ المرأة حقها في التعليم او اختيار الزوج أو الميراث.
أثار الكاتب في روايته قضايا اجتماعية عبر عنها بواقعية من خلال السرد والحوار والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأمثال الشعبية؛ لتوطئة الفكرة وترسيخ مهمتها لدى المتلقي وإقناعه.
تطرق الكاتب الى البطالة المتفاقمة لحملة الشهادات، وبين كذلك أن اختيار العروس يكون وفق رؤية الأهل..و( أن البنات زي الهم على القلب ) لذا كان التسرع من سمات اختيار الشريك في هذه الرواية..كموافقه عبير على مهيب وتعرضها للقسوة والقهر إضافة الى وجع الغربة.. وإجبارها على تحمل مرض زوجها النفسي وعدم التذمر أو الإفصاح عن ذلك.. وكأن قبول القهر صفة متوارثة أمّا عن جدّة.
تميزت الرواية باختلاط المشاعر، كمشاعر الفرح والخوف والحزن والانكسار إثر الافتقاد واليتم.
امتازت جمل الرواية بالبساطة.
أثار الكاتب تسلط الاحتلال ومواصلة قهر المواطن الفلسطيني، وفصّل بعض المواجهات التي تحدث ما بين المحتل والمواطن، وتحكمّ المحتل في مجريات الحياة الاعتيادية في المدينة وفي إبادة الفرح.. وتطرق إلى استباحة المستوطنين لساحات الأقصى وحي سلوان وإطلاق الرصاص الحيّ والمطاط تجاه الشعب الأعزل .. وتحويل أفراحه الى آهات وأوجاع.
من الملاحظات حول الرواية أن الكاتب أشار إلى موسم الحصاد ولم يعد في سلوان أو القرى المجاورة لها أراض لزراعة القمح والشعير وحصدها بسبب البناء والاكتظاظ السكاني الهائل.
كان من الأفضل ان لا يفصّل الكاتب بعض المشاهد الإباحية..لأن عدم كتابتها لا يؤثر على سيرورة النص أو اختلاله.
بعض الحوارات في الزيارات المتبادلة كانت طويلة جدا، حبذا لو اختصرت..رغم الأحداث الشائقة في الرواية..إلا أن الحوار الطويل بين الشخصيات يؤدي إلى الملل لدى المتلقى.
ذكر الكاتب صفات سلوى وعبير الجسدية أمام الرجال وهذا غير جائز شرعا وعرفا.
هناك بعض الأسئلة.. هل من المعقول في هذه الأيام أن توافق فتاة “عبير” جامعية على خطبتها من رجل ( مهيب) لا تعرفه، وأن يأتوا لها بصورة له كي تراه بسبب غيابه خمس سنوات عن الوطن؟
وهنا يطرح السؤال نفسه: لم تعمّد الكاتب تهميش الدور التكنولوجي وقنوات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والواتس أب مثلا والتي تقوم بهذه المهمات في ثوان معدودة؟
إلا إن كان الكاتب يتحدث عن فترة زمنية سابقة قبل ثلاثة عقود مثلا.. أم أن كانت الرواية تواكب أيامنا هذه وهو ما دلت عليه الرواية، وفي هذه الحالة يبدو الكاتب متناقضا..لأن تهويد سلوان وتسريب البيوت للمستوطنين بدا جليا واضحا في السنوات الأخيرة..مع أن البيع والتسريب كان يتسلل بالخفاء.
إن كان تصوّر الأم أن الحلّ الأمثل في شفاء ابنها اختيارها زوجة له
لتفرح به، وتهدأ نفسه رغم معرفتها بمرضه.. فهل من المعقول أن يوافق شاب في حالة اللاوعي التي تسيطر عليه أن يرتبط بعروس لم يرها ولم يعرفها؟
كيف يعمل الشاب مهيب محاسبا بشركة كبيرة في بلد عربي وتصيبه نوبات صرع واكتئاب ويتناول المهدئات..مع العلم أن من يتقدم لوظيفة ما، يجب أن يأتي بشهادة طبية تؤكد خلوّه من الأمراض كي يباشر عمله؟
كان للأم دور سلبيّ تجاه ابنتها عبير..في تمييز أخيها عزيز عنها في التعلم والزواج..ولم تكن لها سندا حقيقيا في محنتها واغترابها وزواجها.. والسؤال الذي يطرح نفسه: لم عززت الأمّ بداخل ابنتها الكتم والسكوت والرضا عن حياتها الزوجية وعدم الإفصاح عن مرض زوجها؟ ألتكون وريثة للعادات والتقاليد في الذلّ والخضوع للرجل؟ أم لتهميش مبادئ الدين التي حثّت على كرامة المرأة الإنسانة ومساواتها بالرجل الإنسان؟