أن يفوز اليمين المتطرف الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو بغالبية أصوات النّاخبين لم يفاجئ أحدا من المهتمين بالصّراع الشّرق أوسطي. فالإدارة الأمريكيّة برئاسة رونالد ترامب دعمته بكلّ إمكانيّاتها، فعدا عن الدّعم المالي والعسكري والسّياسيّ الأمريكي اللامحدود لإسرائي،ل جاء إعلان ترامب في 28 يناير 2020 عن مشروع نتنياهو للسّيطرة على الشّرق الأوسط، تحت مسمّى “صفقة القرن.”
وهذه “الصّفقة” تعطي إسرائيل أكثر ممّا كان يحلم به نتنياهو أو أيّ شخص من قادة الفكر الصّهيونيّ، ولم تأت صفقة نتنياهو- ترامب من فراغ، فقد استغلّا الوضع الإقليمي والعالمي بطريقة جيّدة، وقد مهّدا لذلك من خلال تطبيق السّياسة الأمريكيّة الإسرائيليّة القديمة الجديدة، والتي تقول:” أنّ ما لم يمكن حلّه بالقوّة يمكن حلّه بقوّة أكبر”، وأنّ المصالح الأمريكيّة في الشّرق الأوسط مؤمّنة من خلال اسرائيل قويّة وعرب ضعفاء. وهذا ما استجاب له غالبيّة القادة العرب. فعدا عن ضخّ تريليونات دولارات النّفط العربيّ للخزينة الأمريكيّة، فقد شنّت دول عربيّة وإسلاميّة حروبا بالإنابة عن أمريكا وإسرائيل في المنطقة وبأشكال مختلفة، تمثّلت بتدمير دول وقتل وتشريد شعوبها كما جرى ويجري في العراق، سوريّا، ليبيا، اليمن وغيرها، على طريق تنفيذ مشروع”الشّرق الأوسط الجديد” الأمريكي، لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ.
وتسابقت أنظمة عربيّة بالتّخلي عن “مبادرة السّلام العربيّة” التي انطلقت عام 2002 على أرض الواقع. وتهافتت في التّطبيع مع إسرائيل إلى أبعد من التّبادل التّجاري، ووصلت إلى تحالفات أمنية واستخبارتيّة وعسكريّة معها. حتّى أن صلاة استخارة برهان السّودان واجتماعه بنتياهو جاءت متأخّرة في حلبة السّباق للولاء لإسرائيل. وكلّ هذا شكّل دعما قويّا لنتنياهو وأحزاب اليمين المتطرّف في إسرائيل أمام النّاخب الإسرائيلي، الذي بات يرى مصالحه ومصالح شعبه ودولته مرتبطا بنتنياهو وسياساته وتحالفاته.
وفي هذا المجال لا يمكن القفز عن خطيئة “اتّفاقات أوسلو” التي أفرغت منظمة التّحرير الفلسطينيّة وفصائلها من مضمونها. كما أنّ للإنقسام الفلسطيني دور كبير في تراجع القضيّة الفلسطينيّة أمام العرب قبل العجم.
ونتنياهو المعروف بدهائه السّياسيّ ووضوحه في طروحاته، استطاع بناء علاقات قويّة مع مختلف القوى الفاعلة في المنطقة وعالميّا، فعدا عن استقطابه الدّول الغربيّة عدا أمريكا مثل بريطانيا، ألمانيا وفرنسا، فقد بنى علاقات مع روسيا أيضا، وسبق وأن وصف الرئيس الروسي بوتين بالصّديق أكثر من مرّة. وأقام علاقات وطيدة مع دول لها وزنها ودورها كالهند. كما حبك علاقات وطيدة مع مختلف الدّول الإفريقيّة، بعد أن تمّ تحييد مصر بعد وفاة عبدالنّاصر.
ونتنياهو الذي صرّح أكثر من مرّة بأنّ اسرائيل قد أصبحت دولة عظمى لم يخطئ التّعبير، وتصريحاته هذه ليست موجّهة للناخب الإسرائيلي فقط، بل تحمل أبعادا أخرى، بحيث يصير لها مناطق نفوذ خارج حدودها، وهذه باتت ملحوظة في افريقيا، وفي بلدان عربيّة بات قادتها يتسابقون على “طلب رضا اسرائيل”؛ كي يبقوا على كراسي الحكم! أي أنّهم يحتمون بإسرائيل بدل شعوبهم.
وبغضّ النّظر عن النّتائج المترتّبة على فوز اليمين المتطرّف بقيادة نتنياهو في الإنتخابات الإسرائيليّة، وأنّها ستقود المنطقة إلى صراعات لن تكون في مصلحة أحد، خصوصا إذا أعيد انتخاب ترامب للرئاسة الأمريكيّة في نوفمبر القادم، فإنّه لا يمكن إغفال دور سياسة غالبيّة الأنظمة العربيّة في عودة نتنياهو وحلفائه إلى الحكم.
3-3-2020