1
في 102 صفحة من القطع المتوسط؛ صدرت عن مكتبة كل شيء لعام 2022 رواية “مايا” للأديب جميل السلحوت، وهي مكرسة لليافعين، وفيها تحفيز لهم ولمن ولدوا منهم وعاشوا خارج بلادهم فلسطين على حب البلاد والعودة إليها والإقامة فيها على نحو دائم.
مما يحسب لصالح الرواية أن جميل السلحوت جعل من ابنه قيس بطلًا للرواية، ومن زوجته مروة وبناتهما الثلاث لينا وميرا ومايا بطلات لها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فثمة ذكر للجدّ جميل وللجدّة حليمة ولرجال وأولاد آخرين في العائلة ولنساء وبنات فيها، بحيث أصبحت بعض جوانب الحياة الشخصية لهؤلاء وأولئك مادة للروائي ينسج منها عالمًا فسيحًا ينتفع منه أطفال كثيرون في فلسطين وفي غيرها من الأقطار.
ومما يحسب لصالح الرواية كذلك أن يجري تعريف الأطفال بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين ووضعها كلها على قدم المساواة من دون تفرقة أو تمييز، ومن ثم التعاطي مع أعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة الميلادية الجديدة بروح إيجابية طيبة، لولا جملة وردت على لسان مروة حين حاولت ثني ابنتها مايا عن الإصرار على زيارة فلسطين في فترة أعياد الميلاد حين قالت لها: “لاعلاقة لنا بهذه الأعياد”؛ وهي لا تقصد المعنى السلبي لهذه الجملة، بل كانت تقصد أن الصلوات في هذه الأعياد تخص إخوتنا المسيحيين ولا تخص المسلمين، لكن جملتها برغم ذلك قد تفهم بمعناها السلبي، فالحقيقة المؤكدة تقول إن الأعياد المسيحية مثلها مثل الأعياد الإسلامية هي جزء من ثقافة الشعب الفلسطيني التي لا تقبل التجزئة.
2
تكثر في الرواية تساؤلات مايا وأختيها في محاولاتهن لاكتساب المعرفة، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي ومطلوب في الواقع وفي أدب الأطفال سواء بسواء، وتكثر في الرواية المعارف والمعلومات والأغاني التي يقدمها الراوي للبنات وللقراء من اليافعين بأسلوب ذكي ومن دون إثقال على النص الروائي، مثلًا: رياضة اليوغا وأصولها، ومثلًا: شلالات نياغرا في الولايات المتحدة وغير ذلك.
وفي الرواية حيز للرقص وللعب الذي تمارسه البنات مع صديقاتهن من بنات الجيران بشغف واستمتاع، وحيز للحوار بين قيس ومروة وبناتهما، حيث تتفق الآراء حينًا وتختلف حينًا آخر، ويكون لمايا الطفلة الأصغر رأي حرّ في ما تراه مناسبًا وما تراه غير مناسب، ويكون للبنات الثلاث رأي في ساعة الذهاب إلى النوم؛ برغم إلحاج أمهن على ضرورة النوم المبكر للتوفر على حالة من النشاط والحيوية في اليوم التالي، وهذا كله جيد وصحيح.
3
لكنني تمنّيت لو أن المناكفات الصغيرة التي حدثت بين قيس ومروة على مسامع البنات حينًا وبعيدًا منهن حينًا آخر لم تقع على هذه الشاكلة، وعلى النحو الذي قد يؤثر على سلوكهن، وعلى سلوك اليافعين الذين سيقرؤون الرواية، ثم إن هذه المناكفات كانت تتخذ في بعض الأحيان شكلًا فيه إبطال قيس لرأي زوجته وتقديم وجهة نظر مخالفة حين تحتكم إحدى بناتهما إليه؛ ما يضطر الزوجة إلى التغاضي والسكوت.
وتمنّيت لو لم تمسك ميرا بالأفعى غير السامّة، ما قد يشجع أيّ طفل على الاقتداء بها من دون التدقيق في نوع الأفعى التي قد تكون سامة، وتمنّيت لو لم يأتِ شرطي إلى البيت للتأكد من عدم تعرّض مروة لأذى حين صاحت خوفًا من الأفعى التي أطلقتها ابنتها في البيت.
4
لغة الرواية سهلة سلسة تتساوق مع القاموس اللغوي لجيل اليافعين؛ غير أن صوت المؤلف طغى في الصفحات الأولى من الرواية على صوت الطفلة مايا؛ إذ كان يضع كلامه في تلك الصفحات على لسانها، فيبدو الكلام أكبر من قاموسها اللغوي ومن وعيها، خصوصًا وهي تتحدث عن حبّها لفلسطين وعن حبها لجدّها جميل وجدّتها حليمة، وعن الجرائم الوحشية التي يرتكبها المحتلون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين، إلا أن هذا الأمر لم يستمر في صفحات الرواية اللاحقة التي أبرزت شخصية مايا على نحو جيد، وجعلت أجواء الرواية ممتعة ملائمة لليافعين من البنات والبنين.
10-11-2022