“زغرودة ودماء” قصّة للأطفال للأديب المقدسيّ جميل السّلحوت، صدرت في طبعتها الأولى قبل أيام عن دار إلياحور للطّباعة والنّشر في القدس (أبوديس). ومن المعروف أنّ للأديب السّلحوت عددا من الرّوايات للفتيان، وعددا من قصص الأطفال هذه تاسعتها. ومن المعلوم أيضا أنّ قصص الأطفال لديه قصص هادفة تأخذ المنحى التّربويّ الخالص، وباقي القيم من ترفيه ولغة وغيرها تأتي تبعا لهذا الهدف الكبير. غير أنّه في هذه القصّة بدا ناقدا مجتمعيّا، وهذا من الأساليب التربويّة المؤثّرة، فالقصّة وإن كانت موجّهة للأطفال، إلا أنّ فيها نقدا عظيما لتلك الظّاهرة الخطيرة التي يعانيها مجتمعنا، وهي إطلاق المفرقعات النّاريّة أو إطلاق الرّصاص الحيّ في كلّ مناسبة فرح، ولعلّ أكثر المناسبات التي تطلق فيها هذه المرفقعات أو الرّصاص هي الاحتفاء أو الاحتفال بنجاحات الثّانويّة العامّة، وهي من أكثر المناسبات التي تقع فيها الضّحايا، من قتل أو جرح أو حرق، فالقصّة جاءت ناقدة لهذه الظّاهرة وناهية عنها إذ تناولت إحدى نتائجها، وهي بتر أصابع الطّفل رائد ابن التّسع السّنوات، الإبهام والسّبّابة والوسطى، الطّفل الذي كلّفته أمّه بإطلاق المفرقعات لنجاح أخيه زيد في الثّانويّة، وقد صوّر فيها الكاتب جهل الأمّ واستهتارها، وكان الكاتب ناقدا في سخرية لاذعة لمّا أشار على لسان الأمّ بأنّ معدّل ابنها الذي اقتضى الزّغاريد وإطلاق المفرقعات وبتر أصابع أخيه الطّفل الصّغير هو خمس وخمسون درجة (علامة) من المائة، وهذه ظاهرة محسوسة ملموسة في أنّ أكثر النّاس مبالغة في الاحتفال بالنّجاح هم أصحاب المعدّلات المتدنّية. وكان الكاتب زاجرا مخوّفا من مثل هذه التصرّفات لمّا ختم قصّته بسؤال الطّفل رائد لأمّه: ” هل ستنبت لي أصابع جديدة…؟”، سؤال من طفل بريء يتفطّر له قلب الأمّ، وكأنّه يوجّه للوالدين أيضا. وكذلك إشارته أنّ النّاس في البلدة يحتفلون بالنّجاحات وزيد وأمّه وأبوه في المشفى يبكون. القصّة قصيرة تناسب سنّ الطّفل وقدرته الزّمنيّة في القراءة أو الاستماع، وهي مكثّفة لا نجد فيها حدثا أو عبارة أو إشارة زائدة عن الغرض والمقصود، فتحصر ذهن الطّفل في الحدث والفكرة. وجاءت لغتها سهلة في الدّلالة والتّراكيب، وفيها أساليب لغويّة نافعة لائقة بمستوى الأطفال. ولو عدنا للعنوان لوجدناه يحمل مضمون القصّة، وهذه فنّيّة محسوبة لصاحبها، إذ يفهم منه أنّ هناك فرحا ينتهي بحزن وألم، والحقّ أنّ هذه القصّة تصلح نواة لقصّة قصيرة للفتيان وللكبار أيضا. وهناك ظواهر سلبيّة كثيرة يجب أن نربّي أطفالنا على نبذها. ولا ننسى تميّز القصّة بالتّنسيق والصّور وجمال الألوان وتناسقها مع الأحداث. ولا يسعني إلا أن أبارك لأديبنا أديب القدس هذا العمل النّافع، فدمت ودام عطاؤك.
30/11/2020