- 1. هوان بلا نعيم
قبل كتابة هذه السطور ببضع ساعات، كنت ووالدي البالغ من العمر تسعون عاما ونيف في زيارة لصديق له يصغره ببضع سنوات، وكعادته في مثل هذه المناسبات، استعاد والدي ذكريات من حرب حزيران 1967، ولم يكن في حديثه ما يثير فخره ويظهر بطولاته أمام أبنائه وأحفاده، بل كان يتحدث بمرارة وألم، وكأني به يلوم نفسه على قرار الهروب والاختباء في الكهوف بعيدا عن ساحة الحرب والمقاومة. “كنت أخدم في الجيش في الخان الأحمر” قال ” وتلقينا الاوامر بالانسحاب بعد ساعة فقط من اندلاع الحرب” وأضاف ” لا زلت أشعر بالهوان كلما تذكرت ذلك” . أنا لم أقل لوالدي أن ما يقوله الآن سيكون محور نقاش في ندوة اليوم السابع مساء يوم غد. لأنه لن يكترث بذلك، وسيسخر مني بقوله: ” على الأقلّ نحن قاتلنا مع عبد القادر الحسيني واستشهد عمّك معه، أمّا أنتم فلم تفعلوا شيئا” . شمس والدي تقترب من المغيب وهو لا يزال يعيش هوانا بلا نعيم، وأنا لم أفعل شيئا في نهاره، فماذا سأفعل له بعد المغيب .
- 2. من هو الأكتع ؟
لا يزال خليل الشخصية المحورية في “هوان النعيم” تماما مثلما كان في “ظلام النهار” و “جنة الجحيم” وهو الشخصية التي من خلالها ينقل الكاتب رسالته الى القاريء، وهو بذلك يحمل عبئا تنأى عن حمله الجبال. لقد اختار الكاتب خليلا أن يكون أكتعا يملك ذراعا اصطناعيا مثيرا شفقة وتعاطف الآخرين حتى رجال الشرطة. ومع ذلك فقد كان مبدعا وخلاقا وناجحا ومتفوقا، وتدرب على السلاح مستخدما ذراعه السليمة، وزحف مسافة كبيرة على بطنه وذراعه فوق ظهره، يبدع ويتفوق ويتقدم ويشارك في تظاهرات، ويعود وصديقه محمد الى قريته بعد الهروب، والاختباء ليحرس بيته، ويذهب في رحلة استكشافية لمدينة القدس ويتوجه في زيارة إلى الداخل الفلسطيني، حيث تتبلور ملامح مستقبله السياسي والنضالي التي ربما ستظهر جليّة في الأعمال القادمة. الأكتع في “هوان النعيم” ليس من بترت ذراعه، بل من امتلك ذراعين سليمين، وتقاعس عن حمل السلاح والدفاع عن أرضه. الأكتع هو الجيش العاجز الذي لم يصمد في الحرب لساعات قصيرة، ليسجل أكبر وأسرع هزيمة عسكرية عرفها التاريخ .
- 3. زينب
زينب بنت منصور، صبيّة في السابعة عشر من عمرها، مشحونة بالعنفوان تذهب إلى المدرسة وتجمع البنات في المسجد، وتحرضهن ضدّ الدراسة بالمنهاج الاسرائيلي، لقد لعبت دور القيادة بوعي طلابي عفويّ، وحتى دون توجيه من أحد، ربما يشير الكاتب هنا بذكاء الى المرأة في النضال الفلسطيني الذي بدأ يتبلور بعد حرب حزيران 1967 مباشرة، فقد تحررت من أسرها، ولم يعد دورها يقتصر على الإنجاب وخدمة الرجل فقط، بل انطلقت بعنفوان إلى فضاء المقاومة بشتى أشكالها. وإذا كان الكاتب قد غيّب دور المرأة في معظم أحداث رواية ” هوان النعيم” إلا أن عودة المرأة إلى الفعل السياسيّ والاجتماعيّ من خلال الإشارة السريعة لزينب، يبشّر بأن الكاتب يعد دورا لافتا ومتميزا لزينب في الأعمال القادمة.
- 4. أبو سالم
أبو سالم يمثل الشخصية الأكثر انسجاما مع نفسها، ليس في هذه الرواية وحسب، بل في روايتيه السابقتين أيضا. وإذا كانت شخصية خليل لم تتبلور بعد، ولم ترتسم معالمها على نحو واضح، رغم أنها الشخصية المحورية في الروايات الثلاث، فإن شخصية أبي سالم تبلورت منذ ظهوره في الرواية الاولى. إنه يعرف ما يريد، ويتقلب وفقا للأحداث، ويقف إلى جانب القويّ مغلبا مصالحة الشخصية على أيّة مصلحة أخرى. وفي “هوان النعيم” لم ينتظر الأحداث خلافا لغيره من الشخصيات، بل قام بصنعها والتساوق معها والاستفادة منها، حتى ولو بثمن النباح. إنها الشخصية الأكثر انتشارا وديمومة في حاضرنا، وربما يكون لها شأن في مستقبلنا. في الزمن الضيّق لرواية “هوان النعيم” ، كان النّباح عارا يستدعي المقاطعة والتحريم، وربما أكثر من ذلك، أمّا في حاضرنا فقد بات مباحا ووجهة نظر، وربما صفة يتسابق نحوها كثيرون.
- 5. ما غاب عن الكاتب
في روايته “هوان النعيم” غاب عن الشيخ جميل السلحوت حقيقة أن القدس التي شكلت في الرواية المكان الأساسي لأحداثها، شهدت في الأيام الأولى من حرب حزيران 1967 مقاومة شعبية عنيفة، وتشكلت فيها مليشيات مسلحة شنت هجمات نوعية، كان لها الأثر الكبير في رسم معالم المقاومة المسلحة، وثمة أسماء بارزة كان لها شأن في النضال الفلسطيني، انطلقت من حارات وأزقة وضواحي مدينة القدس. صحيح أن السفر الى الناصرة والداخل الفلسطيني بحثا عن الذات، واستكشاف الواقع الجديد، كان قد أعطى بعدا وطنيا للرواية التي جمعت شطري الوطن في بوتقة نضالية واحدة، ولكن في المرحلة ذاتها كانت هناك معركة أخرى ربما اكثر أهمية لم يأت الكاتب على ذكرها ولو بكلمة. ولأن الكاتب هو الرواي العالم بكل شيء، فإن السؤال المفتوح هو لماذا هذا التغييب؟ وأيّ نهج يريد الكاتب أن يرسمه لخليل في المستقبل؟
- 6. لا يقع في الفخ إلا الشاطر
رغم الطابع السردي للرواية لا أجد مسوغا أدبيّا أو فنيّا للإكثار من الطابع التقريري للسرد، الذي جعله أقرب إلى التقرير الصحفي. الكاتب جميل السلحوت كاتب روائي معروف بالمواظبة وغزارة الإنتاج ورواية “هوان النعيم” هي العمل الثالث من مجموعة قد تكون رباعية أو خماسية. وربما لهذا السبب كنا نطمح أن لا يقع في فخّ التقريرية، وتكرار تدخل الراوي في التفسير والتعريف عن الشخوص والأحداث واستخدام الحوارات الطويلة، التي يغلب عليها طابع السؤال والجواب، مما انعكس سلبا على بناء الشخصيّات واستقلالها وتطورها، وفقا لمنطق الأحداث. ونحن بانتظار أعماله التالية، نأمل أن لا يقع الشاطر في الفخّ ثانية.
محمد عليان
ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع
16.02.2012