في ديوانه الأخير” عصيان” الذي صدر في تشرين أول 2013 يرسّخ الشاعر ماجد أبو غوش مسيرته الشعرية، والتي تتمثل بانحيازه الى الفقراء والمهمّشين والكادحين الذين يحترقون بنار الأرض، طمعا بوطن حرّ ودولة مستقلة لا حواجز احتلالية في شوارعها، ولا جدران تحاصرها، دولة لا سُرّاق ولا فساد فيها، دولة تحافظ على انسانية الانسان التي امتهنتها قوى الظلم والعدوان، ومن يعرف ماجد أبو غوش عن قرب سيجد فيه الانسان العادي الطيّب المتمرّد على واقع لا يجوز السكوت عنه، لذا فهو يعتمر قبّعته، ويلفّ سجائره راضيا بالعيش الكفاف، لكنّه في الوقت نفسه ساخط غاضب متمرّد ثائر على السّلبيات كلّها، فهو من صعاليك هذه المرحلة بالمفهوم الايجابي للصعلكة، تماما مثلما كانت صعلكة ما قبل الاسلام، لكن صعلكة شاعرنا تواكب العصر. لذا فهو ساخط على المحتل الذي سلب الوطن، ويمعن في الأرض الفلسطينية قتلا وتنكيلا وعدوانا واستيطانا، وساخط على الفساد المستشري، وعلى افرازات أوسلو وغيرها. والشاعر أبو غوش ابن قرية عمواس -احدى قرى اللطرون-التي تمّ تهجير مواطنيها وتدميرها هي وزميلاتها يالو وبيت أولا في حرب حزيران 1967، ليبنى عليها لاحقا متنزه عام باسم متنزه كندا “Canada park” تخليدا للصداقة الاسرئيلية الكندية. يعيش حياة اللجوء والتشرد والمعاناة كما هو حال الملايين من أبناء شعبه، لكنّه يطلّ على مسقط رأسه من بعد ويحلم بيوم العودة الموعود. لذا فان يافا وحيفا وغيرهما لم تغب عن شعره، تماما مثلما هي ليست غائبة عن وجدانه.
والقارئ للديوان سيجد أن الشاعر أبو غوش انسيابي في لغته، فهو لا يتصنع اللغة ولا يتحذلق بمفرداتها، فلغته انعكاس لشخصيته، لغة هادئة وغاضبة حسبما يتطلب الموقف، فهو يكتب نصوصه الشعرية عن همومه، وهي ليست هموما شخصية، بل هي هموم الغالبية العظمى من أبناء شعبه، فهو يكتب عن جدار التوسع الاسرائيلي الذي يمزق أرض الوطن، ويكتب ملتاعا عن الحروب التي شنّها ويشنّها المحتلون على قطاع غزّة المحاصر. ويكتب عن حنينه للقدس التي لا يستطيع الوصول اليها مع أنّها على مرمى حجر من رام الله حيث يعيش، ويشتعل حنينه الى مدن وقرى كانت عامرة بأهلها قبل حين، وجرى اقتلاعهم منها في غفلة من التاريخ، انه يستذكر أصدقاء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. ويكتب عن الحبّ وعن المرأة العاشقة والعشيقة، ويهرب الى الخمور أحيانا- ليس لأنه سكّير- بل للهروب من واقع لا يحتمل، أو لغسل الذّات من واقع مأزوم لا يمكن تحمّله.
وقصائد شاعرنا واضحة تأثّرها باللغة “الدرويشيّة” فلشعر الراحل الكبير محمود درويش سطوة واضحة على قصائد شاعرنا، وتبلغ ذروتها الى درجة التناصّ في أكثر من موضع، أو درجة اعادة صياغة الجملة الشعرية.
يبقى أن نقول بأنّنا أمام شاعر جميل غاضب يعرف ما يريد، ولا يريد أن يكون مهادنا في وقت يكون السكوت فيه وعنه معيبا.
30-11-2013
“ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع”