لبيرمان هذا المهاجر من مولدافيا في عام 1991 وزعيم حزب ” اسرائيل بيتنا ” الذي حصل على خمسة عشر مقعدا في انتخابات الكنيست الاسرائيلي الاخيرة . والذي سيكون الحليف الرئيس لبنيامين ناتينياهو وزعيم الليكود اذا ما استطاع تشكيل حكومته ، لبيرمان هذا رفع شعار ” لبيرمان يفهم العربية ” كشعار رئيس لدعاية حزبه الانتخابية . وهذا الشعار العنصري الفاشي يختصر فهم لبيرمان للسلام القائم على أن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة ، وهو جاهز لاستعمال هذه القوة في كل الظروف والأوقات وبلا حدود ، كما أنه لا يخفي نواياه بعدم الانسحاب من الاراضي المحتلة وفي مقدمتها جوهرتها القدس الشريف ، بل انه يدعو الى طرد من تبقى من الفلسطينيين في بيوتهم، وعلى ترابهم الوطني بعد قيام دولة اسرائيل في منتصف ايار 1948 لتحقيق الحلم الصهيوني في اقامة دولة يهودية ” نقية “. ولبيرمان في ايدولوجيته العنصرية لا يختلف كثيرا عن حليفه ورئيس وزرائه المكلف بنيامين ناتينياهو ، فكلاهما واضح وضوح الشمس في سياسته ، ونتنياهو طرح هذه السياسة قبل ان تطأ قدما لبيرمان ” ارض السمن والعسل ” في كتابه
Place between nations الذي ترجم الى العربية تحت عنوان ” مكان بين الأمم ” فقد دعا الى اقامة دولة فلسطينية في الاردن ، وهو يتمسك بالاراضي المحتلة عام 1967 بما فيها الجولان السورية ، وهو يرى ان ذلك في مصلحة العرب ، لأنه وحسب رأيه فإن اسرائيل المتطورة ستساعد الدول العربية المجاورة وفي مقدمتها سوريا لتطوير الزراعة وحل مشاكل المياه ، “واذا ما اجتمعت ” الانتلجنسيا ” اليهودية الاسرائيلية مع الايدي العاملة العربية الرخيصة ، فإن الشرق الاوسط سيصبح جنة “، ويشترط ايضا ان تبقى اسرائيل متفوقة عسكريا ، لأن العرب لا يحفظون العهود حسب رأيه، وهم عنصريون يستمدون عنصريتهم من دينهم ” الاسلام ” ويجب ضربهم عسكريا وبعنف كلما دعت الضرورة لذلك ، ولا يعارض نتينياهو بقاء بعض العرب في دولة اسرائيل حسب رأي استاذه جابوتنسكي الذي يقول ” لا يضير الديمقراطيات وجود بعض الاقليات القومية فيها “
ولا يخفى على احد ان التربية الاسرائيلية والاعلام الاسرائيلي ، والتثقيف الاسرائيلي ، القائمة على تنمية عقدة الخوف عند اليهود في اسرائيل ، وعلى التربية القائمة على امكانية تحقيق كل الاهداف بالقوة العسكرية هي التي قادت الناخب الاسرائيلي الى التصويت لصالح الاحزاب اليمينة والدينية الأكثر تطرفا ، يضاف اليها ان احزاب اليسار الصهيوني لا تمتلك برنامجا للسلام، وهمّها الوحيد هو المزاودة على الاحزاب اليمينية المتطرفة لكسب اصوات الناخبين ، ومن هنا جاءت حرب اولمرت – باراك – ليفني – الأخيرة على غزة ، ومع ذلك فإن هذه الحرب لم تؤهلها للحصول على اغلبية مقاعد الكنيست لان اليمين المتطرف كان اكثر وضوحا منها في طروحاته حول ” السلام ” القائم على تكريس الاحتلال ، والافراط في سياسة الردع العسكري .
غير ان نتائج الاتخابات البرلمانية الاسرائيلية الأخيرة ، لم تثبت ان الأحزاب الصهيونية غير مؤهلة لتحقيق السلام العادل في المنطقة فحسب ، بل ان الشعب الاسرائيلي في غالبيته غير ناضج وغير مؤهل لتحقيق هذا السلام ايضا ، بل ان الاحزاب الصهيونية التي لديها رؤى للسلام في تراجع مستمر ، وخير دليل على ذلك هو تراجع تمثيل حركة ” ميرتس ” بشكل مستمر ولافت .
وهكذا فإن نجاح بنيامين نتينياهو في تشكيل حكومة يمينية متطرفة سيغلق منافذ أيّ بصيص لأمل في تحقيق السلام المنشود في المستقبل المنظور . والملاحظ ان الفوارق بين طروحات اليمين الصهيوني والوسط واليسار الصهيوني هي فوارق بسيطة تختلف في التكتيك السياسي ، وتتفق على النتائج التي تتمثل في مواصلة الاستيطان ، والتسريع في تهويد القدس ، وفرض حقائق على الارض تمنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وحقه في اقامة دولته المستقلة . ويساعد الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على مواصلة سياساتها التوسعية ومعاداتها للسلام العادل الدعم اللامحدود من الادارات الامريكية المتعاقبة خصوصا ادارة جورج دبليو بوش من جانب ، وغياب الدبلوماسية العربية الناشطة من جانب آخر . فمبادرة السلام العربية التي طرحها العاهل السعودي على مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 لم تلق التسويق الذي تستحقه من الدول العربية ، كما ان الدول العربية التي اسقطت خيار الحرب منذ زيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات الاسرائيل في العام 1977 لم تستعمل أيّا من اسلحتها الاقتصادية ونفوذها المالي لتحقيق الطموح العربي في الوصول الى سلام عادل ودائم في المنطقة ، بل على العكس من ذلك فإن بعض الدول العربية قد فتحت ابوابها لاقامة قواعد عسكرية امريكية على اراضيها ، مما يعني انها ساهمت بشكل وآخر في دعم استمرارية الاحتلال الاسرائيلي ، وحتى انها فتحت خطوطا دبلوماسية مع اسرائيل رضوخا للضغوطات الامريكية ، وبعضها تبادل فتح مكاتب تجارية مع اسرائيل تمهيدا لاقامة علاقات دبلوماسية معها دون ان تقدم الاخيرة أيّ بادرة لحسن النوايا حول الانسحاب من الاراضي المحتلة والسير في الطريق الصحيح لتحقيق السلام الدائم والعادل .