القدس: 10-4-2025م من ديمة جمعة السمان
ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية الأسبوعية رواية ” لا تقربيه ولو كان آخر رجال العالم” للكاتبة الكرمية وجدان شتيوي. صدرت الرواية عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع في العاصمة المصرية، وتقع في 214 صفحة من القطع المتوسط.
افتتحت النقاش مديرة الندوة ديمة جمعة السمان ، قالت: رواية “لا تقربيه ولو كان آخر رجال العالم” للكاتبة وجدان شتيوي هي عمل أدبي يثير نقاشات معمقة حول طبيعة العلاقات العاطفية، وحدود التداخل بين العاطفة والعقل في اتخاذ القرارات المصيرية. منذ صدورها عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع في يناير 2025 في العاصمة المصرية، والتي تقع في 214 صفحة من القطع المتوسط.
تلفت الرواية الأنظار بطرحها الجريء لموضوع يمس الواقع الاجتماعي للعديد من النساء اللواتي يجدن أنفسهن في علاقات معقدة، حيث تتأرجح المشاعر بين الحب والخطر، بين الانجذاب والخوف، وبين الأمل واليأس. هذه الرواية لا تكتفي بسرد قصة رومانسية عادية، بل تدخل في أعماق النفس البشرية، محللةً الأسباب النفسية والاجتماعية التي تجعل بعض النساء ينجذبن إلى علاقات مؤذية، رغم إدراكهن لخطورتها.
العنوان بحد ذاته يحمل دلالة قوية، فهو لا يترك مجالًا للتأويل أو الشك، بل يأتي كتحذير قاطع: “لا تقربيه ولو كان آخر رجال العالم”. هذا العنوان يعكس جوهر الرواية، حيث تقدم الكاتبة صورة لرجل يُمثل نوعًا معينًا من العلاقات السامة التي قد يقع فيها البعض بدافع الحب أو التعلق العاطفي. يثير العنوان فضول القارئ: من هو هذا الرجل؟ ولماذا لا يجب الاقتراب منه مهما كانت الظروف؟ وهل هو شخص واحد بصفاته الخاصة، أم أنه مجرد رمز لأنماط محددة من الرجال الذين يُشكلون خطرًا على الشريك العاطفي؟ هذه الأسئلة تضع الرواية في سياق نفسي واجتماعي يتجاوز الحب الرومانسي التقليدي إلى تفكيك طبيعة التعلق العاطفي الذي قد يكون مؤذيًا أو مدمرًا.
تبدأ الرواية برسم ملامح بطلتها، امرأة تجد نفسها عالقة بين مشاعر متضاربة تجاه رجل تعرف أنه قد يكون خطرًا عليها. هذه الشخصية ليست مجرد امرأة عاشقة تسير خلف مشاعرها دون تفكير، بل هي نموذج لشخصية تحمل وعيًا داخليًا بالمخاطر، لكنها غير قادرة على مقاومة الانجذاب القوي لهذا الرجل.
هنا، تستخدم الكاتبة تكنيكًا سرديًا يُشبه إلى حد كبير أسلوب التحليل النفسي، حيث تدخل في عقل البطلة، وتكشف لنا صراعاتها الداخلية، مبرزةً كيف يمكن للمشاعر أن تعطل التفكير العقلاني، وكيف يمكن للإنسان أن يتجاهل التحذيرات التي يُدركها بوعيه، فقط بسبب قوة التعلق العاطفي.
من ناحية البناء السردي، تتنقل الرواية بين وصف المشاعر العاطفية العميقة للبطلة وبين التحليل النفسي والاجتماعي لسلوكها وسلوك الرجل الذي ترتبط به.
السرد يتميز بالواقعية والشفافية، حيث لا تحاول الكاتبة تزيين العلاقات العاطفية أو تقديم صورة مثالية عن الحب، بل تقدم صورة أقرب إلى الواقع، حيث نجد شخصيات معقدة، تحمل نقاط ضعفها وأخطائها، ولا تسير الحياة فيها وفقًا للنهايات السعيدة التقليدية. هناك الكثير من المقاطع التي تعكس حالة الصراع النفسي للبطلة، والتي تجسد بشكل دقيق كيف يمكن للحب أن يكون سيفًا ذا حدين، يمنح السعادة من جهة، لكنه قد يكون مصدرًا للألم من جهة أخرى.
الشخصية الذكورية في الرواية تمثل نموذجًا للرجل الذي يمتلك جاذبية طاغية، لكنه في الوقت ذاته يشكل خطرًا على من ترتبط به. هذا النوع من الشخصيات غالبًا ما يكون حاضرًا في الأدب والروايات، لكنه هنا لا يأتي بصورة نمطية مبالغ فيها، بل يتم تقديمه كشخصية متعددة الأبعاد، لها جوانبها الجذابة وأخرى مدمرة. هذا التقديم يعكس فهمًا عميقًا للطبيعة البشرية، حيث لا يوجد إنسان شرير بالمطلق أو مثالي تمامًا، بل هناك شخصيات تحمل في داخلها تناقضات تجعلها مغرية وخطيرة في آن واحد.
اللغة في الرواية تتميز بالبساطة الممتزجة بالعمق، حيث لا تعتمد الكاتبة على تكلف لغوي زائد، بل تركز على نقل المشاعر والأفكار بوضوح وقوة.
الحوارات بين الشخصيات تأتي مشحونة بالعواطف، وتعكس بصدق ما يدور في أعماق الشخصيات من صراعات نفسية وعاطفية. هناك استخدام ذكي للوصف، حيث تنجح الكاتبة في رسم المشاهد والأماكن بطريقة تجعل القارئ يشعر وكأنه جزء من الأحداث، مما يعزز من ارتباطه العاطفي بالقصة.
إحدى النقاط التي يمكن مناقشتها في الرواية هي مدى تعميمها لفكرة “الرجل الخطر”. فالرواية قد تُفسر على أنها تعزز من فكرة أن هناك فئة من الرجال يجب الابتعاد عنهم تمامًا، دون النظر إلى الظروف أو السياقات الفردية. هذا الطرح قد يكون مقبولًا في إطار الرواية كعمل أدبي يعكس تجربة معينة، لكنه قد يبدو قاسيًا إذا تم اعتباره قاعدة عامة لكل العلاقات. وربما لو أعطت الرواية مساحة أكبر لعرض وجهة نظر الشخصية الذكورية، أو تفسير أعمق لدوافعه وسلوكه، لكانت الصّورة أكثر توازنًا.
رغم هذه النّقاط، فإن الرواية بلا شك تقدّم مادة دسمة للتحليل والنقاش. فهي ليست مجرد قصة رومانسية، بل عمل أدبي يحمل بعدًا نفسيًا واجتماعيًا قويًا، ويدفع القارئ إلى إعادة التفكير في مفاهيم الحب والعلاقات. إنها تطرح تساؤلًا جوهريًا: هل يمكن للحبّ أن يكون مبررًا كافيًا لتجاهل الإشارات التحذيرية؟ وهل يمكن للإنسان أن يثق في قلبه عندما يكون عقله يصرخ بالتحذير؟ هذه الأسئلة تجعل الرواية أكثر من مجرد عمل للمتعة، بل تجربة فكرية ونفسية تجبر القارئ على مواجهة أفكاره ومشاعره حول الحبّ والتّعلق العاطفي.
وفي الختام، “لا تقربيه ولو كان آخر رجال العالم” هي رواية تستحق القراءة ليس فقط لأنها مشوقة، بل لأنّها تفتح باب التساؤل حول طبيعة العلاقات الإنسانية، ومدى تعقيدها وتأثيرها على النّفس البشرية.
وقالت د. روز اليوسف شعبان:
رواية لا تقربيه ولو كان آخر رجال العالم، للكاتبة وجدان شتيوي، يمكن اعتبارها سيرة ذاتيّة لبطلة الرواية جوري، التي تقصّ على الكاتبة قصّتها، وتطلب منها تدوينها ونشرها لتكون عبرة لكلّ امرأة.
جوري فتاة تعيش مع أسرتها بأمن وأمان، توفي والدها وهي طفلة، تزوجت والدتها، وعاشت جوري مع والدتها وزوج أبيها وأخوتها في حبّ ودلال. وربّما هذا الدلال كما قالت جوري في سردها، جعلها طيّبة القلب أكثر ممّا ينبغي، لا تعرف الناس، ولا تفكّر جيّدًا قبل اتخاذ أيّ قرار.
حين كانت جوري في المرحلة الثانويّة أحبّت الشاب مهنّد، الذي كان ينتظرها خارج المدرسة، وحين عرفت والدتها بالأمر حذّرتها من هذا الحبّ، فمهنّد حسب ما قالت الأمّ عنه، رسب في الثانوية العامّة، لا مستقبل له. بعد اختفاء مهنّد من حياة جوري (بسبب وقوعه في الأسر الإسرائيليّ)، تلّقت جوري اتّصالا من شخص غريب اسمه نادر، كان يرغب بالتعرّف عليها، في البداية رفضت، لكنّه كرّر اتصالاته فرضخت له ومن هنا ابتدأت حكايتها التي هي أشبه بفلم سينمائيّ مركّب ومعقّد.
تتعلّق جوري بنادر الذي كان يتصّل بها يوميًّا على هاتفها النقّال، يلقي على مسامعها أشعارًا في الغزل لنزار قبّاني، ويهتمّ بتفاصيل حياتها، فتحبّه، ثمّ يتّضح لها ولأسرتها أنّه متزوّج ولديه أربعة أبناء، وعمره يتجاوز أربعًا وثلاثين سنة، في حين كان عمرها ست عشرة سنة فقط.
يقنع نادر جوري أنّه يحبّها ولا يحبّ زوجته، وتقرّر الارتباط به، رغم رفض أهلها الشديد له ومعارضتهم لهذا الزواج غير المتكافئ.
تصرّ جوري على الزواج بـه فتضرب عن الطعام، فترضخ أسرتها لرغبتها. فتتزوّجه بعد أن تنهي الثانوية العامّة ويشترط أهلها على الزوج السماح لابنتهم بالتعلّم في الجامعة. ومنذ أوّل يوم في زواجها، تبدأ رحلة العذاب.
تصوّر جوري حياتها الزوجيّة التي بنيت على الغش والكذب، منذ لحظة إخفائه أنّه متزوّج ولديه أولاد، وإعلامها أنّ عمره ست وعشرون سنة، وأنّه سيسكنها في بحبوحة من العيش ويدلّلها، لكنّها تكتشف بعد الزواج، أنّ كلّ كلامه كذب. ولعلّ الصدمة الأكبر كانت في ليلة زواجها، حين سالت نقط قليلة من الدماء، فاتّهمها بعذريّتها، أصرّت جوري أنّها عذراء ولم يمسّها إنسان قبله، لكنّه أخذها في اليوم التالي للطبيب للكشف عنها ولمعرفة إذا كانت عذراء حقّا أم كذبت عليه.
منذ ليلة الزواج، عرفت جوري أنّها تسرّعت في قرارها وأخطأت، وتوالت الأحداث لتثبت لها صدق حدسها، وحدس والدتها. لكنّها جبنت في اتّخاذ القرار بالانفصال عنه.
تستمرّ جوري في سرد معاناتها للراوية، بدءًا من تغيّب نادر عن البيت ومبيته في بيت زوجته الأولى، وقرارها بالتعلّم في الجامعة موضوع الهندسة الكهربائيّة رغم أنّها لا تحبّه، وحملها بابنتها الأولى والثانية، واكتشاف جوري خيانة زوجها لها، وزواجه من نورهان لتصبح زوجته الثالثة، وتسوء العلاقة بينها وبين نادر أكثر وتصل إلى حدّ ضربها واغتصابها “شرعا”. تحاول جوري التنفيس عن نفسها بالبحث عن عمل والاشتراك في دورات للتنمية البشرية، والحديث مع جارتها هناء الأردنيّة التي لم تحصل على لمّ الشمل ولم تزر أهلها في الأردن طيلة سنوات عديدة، لكنّ نادر منعها من هذه الدورات وطلب منها التوقف عن العمل بحجّة تركها لابنتيها في البيت.
تذهب جوري لبيت أهلها فيبيع زوجها البيت وتبقى هي بلا بيت، ولما استصعبت العيش في بيت أهلها مع ابنتيها وابني أخيها بعد طلاق أخيها، استأجرت بيتا صغيرًا لتسكن فيه، لكنّ أخاها رفض أن تعيش أخته وحدها، فاضطرت لترك البيت والعودة إلى نادر بعد أن كانت قد رفعت عليه قضيّة شقاق، تنتهي الرواية بتعلّم جوري لموضوع اللغة الانجليزيّة في الجامعة، وتحصل على وظيفة في رام الله، فتشتري بيتا، وترفع قضيّة طلاق ضد زوجها، وتبدأ حياتها من جديد. وعندما تصل جوري في سردها إلى هذه النهاية المفعمة بالأمل تصلها رسالة على هاتفها من رجل يكتب لها:” لا أريد من الدنيا إلّاكِ، أنت لي مثنى وثلاث وخماس، تردّ عليه: وأنا أريدك يا قدرًا تأخّر بقدر جماله يا رجلًا بكلّ الرجال”. ( ص 214).
استخدمت الكاتبة في سردها ضمير المتكلّم، فجعلت جوري تسرد قصّتها، وتعبّر عمّا يجيش في نفسها من آلام وأحزان، فتستفيض في وصف حالتها ومعاناتها، مستخدمة لغة سليمة، تستند إلى التناص الدينيّ، والأحاديث النبويّة والآيات القرآنيّة، لاجئة إلى المونولوج في بعض الأحيان، لتعبّر عن صدق مشاعرها وأحاسيسها.
في هذه الرواية الثقيلة بأحداثها، الغريبة بمصادفاتها، تضعنا الكاتبة أمام حالة اجتماعيّة تتعلّق بمكانة المرأة (الأنثى) في المجتمع الشرقيّ المحافظ، التي تعاني فيه من تمييز صارخ، وتفضيل الرجل عليها، وجلدها في الحالات التي يرى فيها الرجل، خروجًا للمرأة عن طاعته، أو تمرّدها على قوانين المجتمع المجحفة بحقّها. فجوري بطلة القصّة تحدّت أسرتها واختارت شريكا لحياتها رغم معرفتها بعدم التكافؤ بينهما، وحين اكتشفت كذبه وخداعه، لم تتجرّأ على طلب الطلاق خوفا من ردّ فعل أهلها ومجتمعها. وحتّى بعد علمها بخيانته لها لم تتجرّأ على طلب الطلاق تقول جوري:” أن تكوني أنثى في مجتمع شرقي يعني أن تصبري على خيانات زوجك المتكرّرة، أو تعنيفه الجسديّ، أو اللفظيّ، أو المعنويّ، ثمّ تبتسمين له نهاية يومك الزاخر بالألم (ص 164).
:” أن تكوني أنثى في مجتمع شرقيّ ليس سهلًا البتّة، فهو يعني أن تكوني في كثير من الأحيان خلف ظلّ رجل، تابعة له تحت أيّ ذريعة (ص 162).
كلّ ذلك يجعل المرأة تعيش في غربة فتقول جوري:” أتدرين ما الغربة الحقيقيّة؟ أن تكوني في بيئة تختلف كثيرًا عنك، أن تحملي أفكارًا تختلف عن والديك، أن تشعري بالضعف لأنّ في قوّتك تمرّد على أفكارهم، وقيودهم عليك، تريدين التحرّر من كلّ ماضيك لكن بطريقتك أنت لا بطريقتهم وخياراتهم، وتخشين الصدام معهم” (ص 203).
لقد عاشت جوري في غربة حقيقيّة عن زوجها وأهلها ومجتمعها، عانت وحدها، وأشركت صديقتها هناء بكلّ ما كانت تشعر به وتتعرّض له من قبل زوجها.
حاول نادر زوج جوري تحطيمها نفسيّا ومعنويّا، فأجبرها على ترك العمل، وترك الجمعيّة النسائيّة، وحرمها من الكتابة ونشر ما تكتب في الفيس بوك، وكان دائم الشكّ بها، يأخذ هاتفها ليفحصه إذا ما كانت لها علاقة مع رجل آخر غيره، إضافة لعدم مراعاته لمشاعرها، ورغباتها، بل وتعنيفها وضربها وتحصيل حقوقه الزوجيّة بالعنف.
الساردة جوري تذكر أيضًا قصصًا أخرى لنساء يتعرضن للعنف من قبل أزواجهنّ ومع ذلك يبقين معهم، إمّا بسبب وجود أولاد وخاصّة بنات، وذلك خشية ألا يتزوجن في المستقبل، أو بسبب عدم دعم الأهل لبناتهنّ المطلّقات، مثل لمياء التي آثرت جحيم زوجها عن جحيم والدها، كما ذكرت جوري جارتها ام إياد التي طرقت بابها في منتصف الليل بعد أن ضربها زوجها، علما أنّ زوجها مدرّس للتربية الإسلاميّة، وانتحار إحدى الطالبات في صفّ ابنتها؛ بسبب تعرّضها للتهديد من قبل بعض الطلّاب، بكشف صورها وهي في وضعيّة محرجة.
هكذا بدت جميع النساء في هذه الرواية ضعيفات، خاضعات لسلطة الرجل وجبروته، هذه النماذج من النساء إضافة إلى تجربتها الشخصيّة جعلتها تصل إلى الكثير من الاستنتاجات المهمّة من خلال تجربتها القاسية المريرة، فتهمس لنفسها قائلة: كلّ ما عليّ فعله هو ترتيب أولويّاتي، وألا أحتفظ في حياتي إلّا بما يستحقّ الاحتفاظ به من أشخاص وأفكار. (ص 157). وقد أيقنت جوري بعد تقديم المساعدة لجارتها إم إياد وللمياء ولتلميذة أخرى كانت تدرسها اللغة الانجليزيّة وعلى وشك أن ترتبط بزواج من شابّ يكبرها سنًّا بكثير، فأقنعتها بعدم الارتباط وبالتفرّغ للتعليم أوّلا وبعد ذلك الزواج، كلّ هذا جعلها تشعر بالسعادة فتقول:” أيقنت أنّ بمساعدة الآخرين والتخفيف عنهم والإحساس بآلامهم، ينسى الإنسان أوجاعه، أو تخفّ حدّتها على الأقلّ، ففي العطاء نشوة وقوّة.. (ص 114).
كلّ هذا يجعلني كقارئة أتساءل: كيف ارتبطت جوري برجل يكبرها بكثير متزوّج وله أولاد؟ كيف لم يتمكّن أهلها من إقناعها؟ كيف لم تطلّقه منذ أن اكتشفت خداعه؟ وكيف لم تأخذ حذرها وحملت منه؟ كيف تحمّلت خيانته وزواجه من امرأة أخرى؟ وكيف تحمّلت أربع عشرة سنة من العذاب ولم تشرك أهلها أو على الأقلّ أختها إلّا بعد سنوات عديدة من العذاب؟ كيف استطاعت إخفاء معاناتها عن أهلها لسنين عديدة؟
ورغم كلّ ذلك، ولعلّ الجميل في هذه الرواية أنّ بطلة الرواية لم تفقد الأمل تقول جوري:” لن أتردّد في طرق أيّ باب للأمل، شمعة قوّتي لن تنطفئ”(ص 157).
:” من منا لا يخطئ وهذه ليست نهاية المطاف فالمهمّ ماذا نتعلّم من خطئنا”(ص 141).
وتبقى الأنثى في مجتمعنا الشرقيّ تعاني من مشاعر الدونيّة والتفرقة في التعامل بينها وبين الذكر، ومع ذلك تتسلّح بالأمل، الإرادة، التحدّي، وتشحن نفسها بالقوّة، فتحقّق الإنجازات الكبيرة، وتتقلّد المناصب الرفيعة، وتتغلّب في كثير منها على الرجل. ولعلّ بطلة الرواية جوري خير مثال على ذلك.
وقالت وفاء داري:
رواية “لا تقربيه ولو كان آخر رجل في العالم” للكاتبة وجدان شتيوي يُعتبر عملًا أدبيًا معاصرًا يجمع بين السرد الشعري والنقد الاجتماعي والفلسفي. العمل مستوحى من أحداث حقيقية مما يمنحه بعدًا ذاتيًا وإنسانيًا في عرض الصراعات الداخلية والخارجية التي تعيشها البطلة. تدور أحداث الرواية حول فتاة فلسطينية اسمها جوري، وتتناول قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية مختلفة، مثل الحب، والفقد، والاحتلال، والظلم، والأمل، والصراع من أجل البقاء. تتميز الرواية بأسلوبها الأدبي الواقعي، ولغتها البسيطة، وشخصياتها المتنوعة، وأحداثها المشوقة. تقدم الرواية سرداً وجودياً لصراع الأنثى في مجتمع أبوي (البطريكي)، حيث يمكن أن تُعَدُّ الشخصية الرئيسية “جوري” نموذجاً لـ”الآخر” كما في فلسفة سيمون دي بوفوار، التي تُعرِّف الأنثى ككيانٍ يُصنَع اجتماعياً. الرواية تُشيِّد نقداً لاذعاً للبنى الذكورية عبر تفكيك مفهوم “الشرف” المرتبط بجسد المرأة، وتحويله إلى سجن رمزي يكرس التبعية. السرد، الذي يتخذ شكل مونولوج داخلي متقطع، يعكس تشظي الهوية تحت وطأة القيود الأخلاقية المزدوجة، مما يذكرنا بفكرة ميشيل فوكو عن “السلطة الجسدية” التي تُهَيْمِنُ على الفرد عبر آليات المراقبة الاجتماعية.
الثيمات في الرواية: تتناول الرواية ثيمات رئيسية متعددة، منها الحب المعذب والخيانة والتناقض بين الحلم والواقع، إضافة إلى صراعات الهوية والذات في ظل ضغوط اجتماعية وأسرية خانقة. تتداخل مشاهد العلاقات العاطفية مع نقد لاذع للأنظمة الاجتماعية التي تفرض على المرأة أن تقبل بمحددات تقلل من قيمتها الإنسانية. كما تقدم الرواية صورة واقعية للحياة في فلسطين، وتحدياتها، وآمالها. تطرح الرواية العديد من التساؤلات الفلسفية الهامة حول معنى الحياة، والموت، والوجود، والحرية، والعدالة. تبرز الرواية دور المرأة الفلسطينية في المجتمع، وتصورها كامرأة قوية، ومناضلة، وفاعلة.
الأسلوب الأدبي: يتجلى الأسلوب في استخدام لغة شاعرية تحمل ثقل الرمزية والتلاعب بالمفردات، حيث يُدمج السرد الخطي مع مقاطع شعرية واعية تعكس تدفق الوعي الداخلي. تبرز الكاتبة عبر تقنياتها اللغوية والبلاغية اهتمامها بتفكيك الصور النمطية للعلاقات، مما يمنح النص بعدًا نقديًا معاصرًا يجمع بين الحس الإبداعي والروح الفلسفية. تتميز الرواية بأسلوبها الأدبي الواقعي، ولغتها البسيطة، وشخصياتها المتنوعة، وأحداثها المشوقة. تطرح الرواية العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية الهامة. تبرز الرواية دور المرأة الفلسطينية في المجتمع، وتصورها كامرأة قوية، ذات إرادة قوية، ومنتجة وطموحه. من جانب اخر قد يرى البعض أن الرواية تركز بشكل كبير على الجانب العاطفي، وتهمل الجوانب الأخرى. أيضًا قد يرى البعض أن الرواية تستخدم لغة بسيطة أكثر من اللازم، وتفتقر إلى العمق الفلسفي في بعض أجزاء السرد. كما يمكن اعتبار الرواية عملاً أدبياً يساهم في إثراء (أدبيات ولسانيات) المرأة العربية. كذلك يمكن اعتبار الرواية عملاً أدبياً مقاوماً، يساهم في دعم القضية الفلسطينية.
ومن جانب اخر يبرز تفكيك الخطاب عبر الانزياحات اللغوية والبنى السردي، حيث تتبنى الرواية أسلوباً حداثياً يدمج بين السرد الواقعي والانزياحات الشعرية، حيث تُحَوِّلُ اللغةُ العادية إلى فضاءٍ استعاريٍّ يعكسُ الاضطرابَ الوجودي للأنثى. الانزياحاتُ اللغوية المتكررة، كما ورد في الرواية على سبيل المثال: “الحبّ طوفانٌ من المسامير”، و “الزمنُ يَلْعَقُ ذاكرتي”، هذه العبارات ليست مجردَ زخارفَ، بل أدوات سيمائية. كما برز تفَكك الثنائيات التقليدية: (العقل/العاطفة، الشرف/الانحلال) عبر خلقِ مفارقاتٍ دلاليةٍ تُعَرِّي تناقضاتِ الخطاب الذكوري. ان الانزياحُ الأسلوبيُ يظهرُ في توظيفِ المفارقةِ الساخرة كسلاحٍ نقديٍّ: مشاهدُ الخطوبة المقدسة اجتماعيا تُسْرَد بلغةٍ جافةٍ تشي بفراغ الطقوس، بينما تُوصَف لحظات التمرد الخفيةِ (كوشمِ اسمِ الحبيب) بأسلوبٍ شِعريٍّ مُتَوَتِّرٍ يُحَوِّلُ الجسد الأنثويَّ إلى ساحة مقاومةٍ. هذا التناوب بين اللغة الطقسية المُجَمَّدة واللغة الجسدية الحميمة يُشَكِّلُ تناصًا مضادًا مع الخطاب الديني الذكوري، مُعَزِّزًا الرؤيةَ النقدية للرواية. هذه الخيارات الأسلوبية تُؤَسِّسُ لـ”جمالياتِ الرفض” في أدبيات المرأة العربية، حيث يصبح الشكل الأدبيُّ ذاتهُ فعلًا تحرُّريًا يتحدى أنساق الهيمنةِ اللغويةِ والاجتماعية. قد تكون الرواية محاولة لتفكيك الصور النمطية عن المرأة في الأدب العربي، من خلال تقديم شخصية معقدة ومتحدية للتوقعات.
البنيةُ السرديةُ المُتَشَظِّيةُ: والتي تبرز بشدة من خلال انزياحات زمنيةِ غيرِ خطيةِ (الفلاش باك، الاستباقات)، تُحاكي تشظيَ الهوية الأنثوية تحت وطأةِ القيود الاجتماعية، فيما يُذَكِّرُنا بأسلوبِ فرجينيا وولف في “غرفة تخص المرء وحده”. الحوارُ الداخليُّ المكثفُ، المُحَمَّلُ بالاستفهامات الوجوديةِ (“من أنا؟”، “أين الحريّةُ الموعودة؟”)، يخلقُ تقاطُعاً بين السردِ والفلسفةِ، مُجَسِّداً صراعَ الذاتِ مع آلياتِ الهيمنةِ الرمزيةِ التي تحدث عنها بيير بورديو. كذلك برزت الرمزية: مثل الإشارات إلى الاحتلال والذي يعكس صراخ تكبر وأوسع بين الفرد والمجتمع.
أما من المنظور الفلسفي النقدي: تطرح الرواية العديد من التساؤلات الفلسفية حول معنى الحياة، والموت، والوجود، والحرية، والعدالة، وتسلط الضوء على أهمية الأمل، والإرادة، والصمود في مواجهة التحديات. فيتجسد في تحليلها للتناقضات الوجودية؛ إذ تُعيد النظر في معاني الحب والالتزام والحرية في زمن أصبحت فيه العلاقات عابرة وتحت رحمة أنماط اجتماعية متحجرة. بهذه الطريقة، تشكّل الرواية نقدًا لاذعًا للمجتمع الذي يُحاصر الفرد بقيود لا تُغتفر، مما يجعلها نصًا غنيًا للتأمل في معاني الحرية والذات في العصر الحديث. ومن منظور فلسفة جان بول سارتر الوجودية، تُجسِّد “جوري” صراعَ “الوجود-لذاته” ضد “الوجود-في-ذاته”، حيث تحاول التحرر من أدوارها المفترضة (الابنة، الزوجة، الأم) عبر سلسلة من الاختيارات المأساوية التي تفضح تناقضات الحرية في مجتمعٍ يُقَيِّدُ الأنثى بخطاب الدين والتقاليد. الحب هنا ليس ملاذًا، بل فخًا وجوديًا، يُذَكِّرُنا بفكرة ألبير كامو عن العبث، حيث تتحول العلاقات إلى ساحة لخيانة الذات والآخر. تقدم الرواية تحليلاً عميقاً فلسفياً للعديد من القضايا الهامة، مثل: المرأة في الرواية: في السياق النقدي المعاصر، تقدم الرواية إضافةً نوعيةً (لأدبيات ولسانيات) المرأة العربية في الأدب العربي المعاصر، من خلال دمج الفلسفة الوجودية مع النقد الاجتماعي، مما يفتح آفاقاً جديدةً للحوار حول الهوية والحرية في سياق ثقافي معقد. كما يمكن ربط الرواية بفلسفة (سيمون دي بوفوار) في ” الجنس الآخر” لسيما تتناول الكاتبة قيود الأدوار الجنادرية وكفاح المرأة للتحرر من التوقعات المجتمعية والتضحيات المفهومة ضمنًا كونها امرأة وأم وغيرها، كما يمكن استكشاف مفاهيم الحرية والاختيار الوجودي من منظور جان بول سارتر. كما تبرز الرواية دور المرأة الفلسطينية في المجتمع، وتصورها كامرأة قوية، ومكافحة، وفاعلة، وتتحدى الصورة النمطية للمرأة العربية كامرأة ضعيفة، وخاضعة، وسلبية. وخاصة في المجتمعات الذكورية.
– الاحتلال: تصور الرواية الاحتلال الإسرائيلي كقوة غاشمة، تسلب الفلسطينيين حريتهم، وكرامتهم، وأرضهم، وتدمر حياتهم.
– الظلم: تصور الرواية الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون على أيدي الاحتلال، والمجتمع الدولي، وحتى بعضهم البعض.
– الأمل: تصور الرواية الأمل الذي يتشبث به الفلسطينيون في مواجهة الظلم، واليأس، والتحديات.
– الصراع من أجل البقاء: تصور الرواية الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون من أجل البقاء على قيد الحياة، والحفاظ على هويتهم، وكرامتهم.
وهنا يمكن القول من منظور السياق الفلسفي النقدي المعاصر: يمكن وضع الرواية في سياق الفلسفة النقدية المعاصرة التي تهتم بتحليل السلطة، والهيمنة، والظلم، والكشف عن آليات عملها، وتأثيرها على حياة الناس.
السياق الاجتماعي: الرواية تقدم نقدًا لبنى السلطة الأبوية (البطركية)، سواء في العائلة او المجتمع الأوسع. الصراعات مع الزوج. تعكس التحديات التي تواجهها المرأة في الحفاظ على استقلاليتها في بيئة تقيد حريتها.
ختامًا: يمكن القول: أن الرواية تندرج ضمن الخطاب النسوي العربي الذي يُعَيدُ تشكيل السردية الأنثوية كفعل مقاومة، مستخدمةً الانزياح اللغوي والانزياح الزمني (الفلاش باك) لتفكيك الخطاب الذكوري المهيمن. المشهد الأخير، حيث تختار “جوري” الانفصال، يُعَدُّ لحظةَ تحررٍ وجودي، تُجَسِّدُ انتقالها من “الضحية” إلى “الفاعلة”، متحديةً ثنائية الخير/الشر التي تكرسها الأيديولوجيا الذكورية. ومع أني ضد تجنيس الأدب؛ اذ الأدب لا يعرف جنس مبدعه، وهذا المتعارف عليه؛ اكتفي بمصطلح كتابات و(أدبيات ولسانيات) المرأة العربية، بديل الخطاب النسوي. تعتبر رواية “لا تقربيه ولو كان آخر رجال العالم” للكاتبة وجدان شتيوي عملاً أدبيًا هامًا، يساهم في إثراء الأدب الفلسطيني والعربي، ويقدم صورة واقعية للحياة في فلسطين، وتحديات الواقع، والمنشود، والمأمول. اذ تستحق الرواية أن تحظى باهتمام القراء، والنقاد، والباحثين.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
“لا تقربيه ولو كان آخر الرّجال”هي رواية اجتماعية ،واقعية،للكاتبة الفلسطينية وجدان شتيوي،رواية تسلّط الضوء على بطلة الرّواية “جوري”منذ سّن المراهقة،أيام المدرسة الثانوية،وعلاقات الحبّ التي تجتاح الإناث،وفيما بعد،تصور الكاتبة شكل عناد البطلة الشّابة “جوري” ابنة الثامنة عشر عاما،أمام رغبتها بالزواج من ” نادر” رجل متزوج ولديه أطفال،ويكبرها بعدّة سنوات،الذي أحبته عن طريق الهاتف النقال.
تستمر الكاتبة في سرد نتائج هذا الزواج ،حيث تكتشف جوري منذ عرفته وجها لوجه،أول كذبة التي تتعلّق بالسّن،لكنها تتغاضى عنها فيما بعد، لتتوالى حياتها معه بالكذب والنفاق وسقوط قناع نادر زير النّساء،ومقدرتها طلب الطلاق من زوجها،بعد عدّة سنوات من القهر وإنجابها لطفلتين.
تبدو رسالة الكاتبة واضحة في تحذير الفتيات الصغيرات،والإناث عامة من علاقاتهم العاطفية وسلوكهم تجاه الذكور،التي تحتاج إلى التّروي والحذر, وعدم التّسرع في اتّخاذالقرارات المصيرية وحدهم،بل الاستشارة والوعي والاستماع للنصيحة خير علاج للنفس بدل الوقوع في فخ صعب.
العنوان ـ”لا تقربيه ولو كان آخر الرّجال”،هو عنوان مركب و طويل جدا،يبدأ بحالة النهي”لا تقربيه”وفيه إشارة حذر للمتلقي للتوقف والتساؤل،لماذا لا تقربيه؟.
ثم الشّق الثاني من العنوان يبدأ ب”لو”وهو حرف شرط غير جازم يفيد التّعلق بالماضي أو المستقبل،ويضع القارىء في الحالة الشّرطية ألا وهي “لو كان آخر الرّجال”.
والرّجل هو الذي اختارته لعدم الإقتراب منه في عنوان روايتها.
العنوان هو عتبة النّص للرواية،فمن خلالها يتوقع القارىء أن الرّجل هو صاحب المشكلة ولذا تمّ النهي من الاقتراب منه،وأنّه لا يتميز بصفات حسنة.
العنوان واقعي، ومشروط بالمبالغة “ولو كان آخر الرّجال”،وهو يتناقض مع المقولة التي تقول “ظل راجل ولا ظل حيطة”.
نجد في هذه الرّواية،أنّ المرأة تظلم نفسها،قبل أن يظلمها الآخرون،فعلى نفسها جنت جوري ؛بسبب اختيارها السّيء منذ البداية،وعدم استماعها للنصيحة من قبل الأهل،والتي كانت واضحة للعين،لكن قلبها كان مفتوحا للحبّ وعيونها مغلقة أمام الحقيقة.
جاءت صورة المرأة ضعيفة،وتتنازل كثير ا في مواقف يجب عدم التنازل عنها،كما أنّ عدم استقلالها الإقتصادي،يشكلّ أحد الأسباب في عدم استقرارها نفسيا.فبعد أن استقلت جوري ماديا،توجهت للمحكمة لطلب الطلاق.
أسلوب الكاتبة
– تكرار اللّوم على لسان البطلة”جوري”،لوم النفس والندم ،والاعتراف بالخطأ”إنّ صمتي عن حقي،هو أكبر خطأ”,”ليتني”،”لو”.
وكأنّ بالكاتبة تقول على لسان جوري لا تظلموا البطلة بل تعاطفوا معها.
إن كثرة اللوم،ومشاعر الذنب،والوقوع ثانية وثالثة في الأخطاء الكثيرة،يجعل القارىء ينفر من البطلة،ويرهق المتلقي.
لم أقتنع كقارئة بعذر “جوري”تقول:لم أكن أريد منه إلاّ الخلاص،لولا هاتين الطفلتين”،لأنها لم تكن مرتاحة مع زوجها على الإطلاق،حتى قبل إنجابها، لكن استمرارها معه وتنازلها هو الذنب الذي ارتكبته،ذكر الأطفال ما هو إلا حجّة نعلّق عليها ذنوبنا وعجزنا.
هناك جمل دخيلة مقحمة في الرّواية،”بكلّ الأحوال ستحبسون أنفسكم كثيرا،وتعيشون معها كلّ حدث”.
فالقارىء وحده يقرّر علاقته ومشاعره تجاه الرّواية.
استخدمت الكاتبة الاسترجاع الفني(فلاش باك)في بداية الرّواية،في مشهد المحكمة الذي هو نهاية الرّواية في طلاقها.
نجد تسارع الزّمن في الرّواية، حيث تصور الكاتبة مرور الزّمن عند بطلتها منذ المرحلة الثانوية حتّى سنوات الثلاثين.
استخدمت الأحاديث النبوية وبعض الأمثال،والأشعار.
انعكست صورة الرّجل عامّة في الرّواية بشكل سلبي من خلال قصّة جوري وبعض قصص النّساء،فهو زير النّساء،ولا يحسن تعامله مع المرأة،يضرب زوجته ويطالب بحقه في الفراش،ظنّ السّوء بها، بينما صورت صورة زوج أمها بصفاته الإيجابية.
اعتمدت الكاتبة على أسلوب الحوار لتبين شكل العلاقة بين الشخصيات، والناحية العاطفية والنفسية. كما استخدمت الحوار الدّاخلي(المونولوج) للتعبر عن مشاعر الندم.
وقال بسّام داوود:
رواية اجتماعية واقعية تطرقت للعديد من المشاكل الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني الذي هو جزء من المجتمع الشرقي .
الاسلوب شيق,اللغة سهلة .
تدور احداث الرواية حول فتاة بعمر 16 عاما مراهقة بريئة اسمها جوري تعيش مع والدتها وقد توفي والدها وهي بعمر 9 شهور لتتتزوج امها من رجل اخر يكون بمثابة الاب الثاني لجوري ,وقد تبين ان امها ووالدها كانا على خلافات كبيرة بينهما بسبب اعتقادات دينية فامها المراة الطيبة المتدينة ووالدها ذلك الرجل الاكثر تحررا .
كانت جوري البنت المدللة لامها والتي تخشى عليها من نسمة الهواء وتراقبها في كل شيء وتفرض عليها ماذا تلبس وماذا تشاهد من برامج تلفزيونية وتمنعها من امتلاك جهاز خلوي خاص بها مما جعلها تشتري جهازا خفية عنها .هذه التصرفات جعلتها تشعر بغربة مع صديقتها في المدرسة اللواتي كن يتمتعن بحرية اكثر .
كانت تطمح لان تكمل دراساتها المدرسية والجامعية قبل ان تخوض في موضوع الزواج فهي لاتريد تكرار تجربة امها التي تزوجت بعمر 15 سنة مما حرمها من حقها في التعليم واكتساب الخبرات الحياتية وقد اثر ذلك على علاقتها مع ابنتها التي كانت تتمنى ان تكون صديقة معها مما جعلها تقول لو كان ابي موجودا لكنت صديقة معه وفي حال زواجي سأكون صديقة مع بنتي .
جوري وصديقاتها كن يتحدثن عن الحب وعن تجاربهن العاطفية البريئة ,بدأت قصة جوري عندما راته لاول مرة وهي في طريقها للمدرسة شعرت بدقات قلبها واصبحت تشعر باعراض الادمان لتراه يوميا شعرت انه يبادلها نفس الشعور انه الشاب مهند انه الحب الاول لكن للاسف لم يدم هذا الحب طويلا ,لتقع في حب شاب اخر تعرف عليها من خلال الهاتف اسمه نادر اوهمها انه يحبها وسيسعدها ويلبي كل طلباتها لتكون زوجته واستطاع ان ينال حبها ووعدها بان يتقدم لخطبتها وعندما علمت امها جن جنونها ولم توافق عليه لعدم وجود تكافؤ بينهما لكنها اصرت عليه فقد رأته شابا جيدا وملتزما4 بالصلاة كما اخبرها فامها علمتها ان الصلاة مقياس الاخلاق والدين ,الا انها تمردت على نظام العائلة واصرت على الزواج منه وتقدم لخطبتها وتمت الخطوبة لكن الفرحة تتعكر بعد اكتشاف انه متزوج وعنده 4 اطفال مما جعلها تشعر بالصدمة وبدهائه وحنكته استطاع ان يقنعها انه يحبها وانه يكره زوجته التي تزوجها بالاجبار من قبل والديه فهو غير سعيد معها لتعود المسكينة لتقتنع بكلامه ويتم الزواج بينهما ويا ليته لم يتم لتكتشف منذ دخولها بيته عكس ما وعدها ولتكتشف اكاذيبه وخداعه وحقارته لدرجة انه شكك في شرفها وفي عذريتها لتبدأ رحلة العذاب والمعاناة لكن مشكلتها انه اختيارها ,فهل تطلب الطلاق او ان ترجع لبيت اهلها اسئلة كثيرة تحوم حولها لتستمر حياتها معه لمدة 12 عاما اكتوت خلالها بنار كذبه وخداعه وعقده النفسية ,كان يريد منها ان تحيا بالطريقة التي يرسمها بمعنى اخر الغاء شخصيتها لكنها تحملت قذارته وتحلت بالصبر واكملت تعليمها الجامعي وحصلت على درجة الماجستير لتجد عملا يليق بها ثم لترفع عليه قضية نزاع وشقاق وتخلص منه ومن عقده واكاذيبه .
وهنا نستخلص من الرواية ما يلي :
-ان تكوني انثى في مجتمع شرقي ليس سهلا البتة فهو يعني في كثير من الاحيان ان تكوني خلف ظل رجل .
-في مجتمعنا منذ ولادة البنت يقول لوالدها مبارك اتتكم عروس كما يقولوا الي بتجيب البنت بتجيب صبي تخفيفا من وطأة المصيبة التي حلت بهم وان كبرت يقولون ماشاءالله صارت عروسة ,يربون الفتاة على قصة فارس الاحلام فيزرعون فيها منذ الصغر فكرة الزواج .
-هناك الكثير من الفتيات في بلادنا عندما تصبح في عمر الزواج ان اتيحت لها فرصة الاختيار ولم تصب في اختيارها تبقى تتجرع علقم سوء اختيارها خوفا من ان تسمع لاذع اللوم والعتاب .
-ان تزوجت باختيار اهلها ولم توفق وتوجهت لهم بالشكوى ينصحوها بالصبر .
-ان طلقت انهال عليها سيل اللوم والاتهامات بالتقصير وانه كان عليها احتواء الزوج .
-ان طفح كيل طاقتها وطلبت الطلاق عليها تقديم التنازلات عن حقوقها واطفالها ناهيك عن تشويه سمعتها من شريكها السابق .
-ان تكوني انثى في المجتمع الشرقي عليك ان تصبري على خيانة زوجك او تعنيفه .
-ان تكوني له الزوجة المثالية ,ام للاولاد,المربية الحنونة ,الحكيمة ,الصابرة ,الصديقة ,العشيقة .
-ان قصرت في حقه وجب عليك طلاقك واستبدالك في اخرى او الزواج باخرى وابقائك على ذمته لانك ام اولاده .
علما ان الاسلام كرم المراة وحررها من العبوديه ورسولنا (ص)يقول استوصوا بالنساء خيرا))
في المقابل في حالة حصول مشاكل زوجية :
-بعض النساء يكثرن من الانجاب ظنا منهن ان الاطفال سيوطدون العلاقة الزوجية ويقربوا الازواج من بعض غير مدركات انهن يقدمن للمجتمع ضحايا اكثر على طبق من الجهل والتفكك .
-منهن من ينجبن الاناث ويستمر الانجاب رغبة في انجاب الذكر غير ابهات لصحتهن على اعتبار ان انجاب الذكر هو جالب الحظ للمراة مع زوجها .
-بعض النساء من يتزوج زوجها عليها لمجرد اشباع نزواته تسارع الى الانجاب منه لمجرد اغاظة الزوجة الجديدة ظنا منها انها ستعيده اليها .
-هناك من يسيء تفسير قول الرسول (ص) (تناكحوا تكاثروا فاني مباه بكم الامم يوم القيامة ) ,فهل يعقل ان نباهي باطفال قد لا نحسن تبريتهم ولا يعلمون من الدين شيئا بل هم كتلة من العقد النفسية .
فارس الاحلام يكفي ان يكون صادقا وصاحب خلق فالاخلاق هي اساس الدين فلو تربى على الاخلاق وتأخر بالتزامه بالصلاة والصيام خير من تعوده على الصلاة والصيام منذ نعومة اظفاره وهولا يدري عن اخلاقيات الدين في التعامل شيئا , فالاخلاق تكمل الدين بل هي اساسه لكن الدين وحده ليس شرطا لاتمام الاخلاق .
(الاخلاق كانت موجودة قبل الاسلام ولولا وجودها لما اكتمل الدين )
فالرجل الطيب الخلوق رزق وكما جاء في الرواية هؤلاء في طريقهم للانقراض في هذا الزمن فنحن في زمن الحب السريع والفراق الاسرع قلة من الرجال من يقدرون الحب ربما نجدهم في الزمن القديم .
فمفهوم السرعة في عصرنا لم يقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي والنقل بل تجاوزه للمشاعر والعلاقات ,فالحب جميل ولابد ان يتوفر النضج على الاقل ليدوم هذا الحب وهذه نصيحة للمراهقين والمراهقات وكل مؤيد للزواج المبكر فقد يكون هذا الزواج فاشلا لان الاختيار قد يكون خاطئا وغير نابع من عقل وخبرة بل يعتمد على العاطفة وعندما يكبران ستتغير افكارهما وربما سيحسان بالغربة وسيملان من تحمل المسؤولية المبكرة التي سترهقهم لانهم ليسوا بصدد تحملها وسيدخلون في مرحلة المعاناة الزوجية وموت هذه الحياة تدريجيا ,وفي هذه الحالة نحن لا نموت مرة واحدة بل نحيا مرة واحدة ونموت الاف المرات نموت حين يلتف حبل العادات والتقاليد حول اعناقنا ,نموت حين يتحكم الف معيق في اختياراتنا ,نموت حين نسلب حقوقنا ,نموت حين نزرع كوردة في غابة اشواك قاتلة لا يحيا بها الا الوحوش ,نموت حين نجبر على التأقلم والتكيف في غير بيئاتنا ,نموت حين ندفع فاتورة اخطائنا التافهة العفوية من اعمارنا ونموت حين نختلف عمن حولنا في قناعاتنا وافكارنا .