قصة للأطفال بقلم : جميل السلحوت
يعود خالد من مدرسته في ساعات الظهيرة ، يستبدل ثيابه ،ثم ّيبدأ بحل واجباته المدرسية، فينسخ درسه، ويقرأه حتى يفهمه جيدا وبعدها يغسل يديه ، ويجلس لتناول طعام الغداء مع أسرته ، ثم يذهب إلى قـنّ الدجاج الذي بنته جدته ، يقدم لها الطعام ، ويستبدل ماءها بماء جديد نقيّ ، ويفرح كثيرا لزقزقتها وهي تنقر العلف . وكانت فرحته أكبر عندما اعتاد بعضها على التقاط العلف من راحة يده . راقبها وهي تكبر بسرعة حتى أصبحت دجاجا ، فقبل أن ينهي الفصل الأول من عامه الدراسي أخذت الفراخ تبيض ، وبدأت والدته تسلق له بيضتين ، واحدة يأكلها في وجبة الإفطار ، والثانية يحملها إلى المدرسة فيأكلها في الفسحة الصباحية . وازداد حبه لهذه الفراخ التي أخذت تطعمه من بيضها اللذيذ .
وفي العطلة الصيفية انقطعت دجاجتان عن البيض ، ولازمتا القنّ لا تخرجان منه إلا قليلاً . وبدأ ريش بطنيهما يتساقط ، وكلما حاول الإمساك بهما لتخرجا للطعام، كانتا تحاولان الإفلات منه، وهما تخرجان صياحاً متقطعاً ، فظنهما مريضتين ، وعاد إلى جدته مسرعاً وقال لها : هناك دجاجتان مريضتان ، ولا تقويان على تناول الطعام . فابتسمت الجدة وقالت له : إنهما ليستا مريضتين ، بل هي غريزة الأمومة يا ولدي .
اندهش خالد من جواب جدته ، وسألها : وهل الدجاجة تصبح أمـّاً يا جدتي ؟ فأجابته : نعم يا ولدي ، إنها ترقد على بيضها حوالي ثلاثة أسابيع ، فيتحول إلى صيصان تـنقر قشرة البيض، وتخرج منه كالصيصان التي شاهدتها قبل أن تكبر وتصبح دجاجاً . خرج خالد مسرعاً ، وبنى قناً جديداً بجانب القنّ القديم ، وجمع عشرين بيضة ،ووضعها فيه ، ثم أدخل إحدى الدجاجتين إليه ، فرقدت على البيض، ورآها وهي تقلبه وتدحرجه تحتها ، حتى لم يظهر منه أي بيضة .
مرت أربعة أسابيع ولم تخرج الصيصان من البيض ، فمدّ خالد يده ، وأخرج بيضة من حضن الدجاجة ، وكسرها ليساعد الكتكوت على الخروج ، فكانت خيبته كبيرة عندما لم يجد في البيضة إلا سائلا كريه الرائحة . وكرر محاولته فوجد جميع البيض هكذا . عاد إلى جدته حزيناً وأخبرها بالذي حدث ، فابتسمت الجدة وقالت : أعلم ذلك يا ولدي ، فمستحيل أن يخرج صوص من هذا البيض لعدم وجود ديك يلقح الدجاجات .
فسأل خالد جدّته مرة أخرى : وهل الديك يبيض يا جدتي ؟ فقهقهت الجدة وهي تقول : الديك لا يبيض يا خالد ، وإنما يلقح الدجاجة التي تبيض ، فالحياة لا تكتمل ولا تستمر إلا بوجود ذكر وأنثى .
فكر خالد قليلا وقال : هل أختي فاطمة لن تلد طفلا إلا عندما تكبر وتتزوج ؟ احتضنت الجدة خالداً وضمته إلى صدرها وهي تقول : نعم يا صغيري ، فالحياة لا تكتمل ولا تستمر إلا بالذكر والأنثى .