عند دار الهدى للنّشر والتّوزيع في كفر قرع في المثلّث الفلسطيني، صدرت قصّة الأطفال ” السّنجابة والعقاب” للكاتبين صليبا صرصر ورفيقة عثمان، وتقع القصّة مفروزة الألوان مشكولة الكلمات، وتزيّنها رسومات منار نعيرات في 30 صفحة من الحجم المتوسّط.
توقّفت أمام هذه القصّة كثيرا فور صدورها، وانتطرت للحصول على نسخة ورقيّة منها، لكنّ جائحة كورونا حالت دون ذلك، فعدت إلى نسختها الإلكترونيّة هذا اليوم.
مضمون القصّة:
تتحدّث القصّة عن غابة جميلة يخترقها نهر، وتعيش فيها حيوانات وطيور مختلفة، وذات يوم انقضّ نسر على سنجابة ونجح ببتر ذيلها، ممّا تسبّب لها بألم جسدي ونفسيّ، ممّا دفعها إلى الإعتكاف بجحرها، لكنّها قرّرت:” سوف أنتقم لنفسي حتّى لو بعد حين، لن أتنازل عن حقّي أبدا مهما حصل….”ص9.
وتتوالى الأحداث إلى أن اشتعلت النّيران في الغابة في يوم عاصف، ممّا اضطرّ الحيوانات والطّيور إلى الهرب بعيدا عن لهيب النّيران؛ لتنجوا بحياتها، لكنّ بعض السّناجب “لجأ للأوكار العميقة تحت الأرض المحروقة، واختبأ بعضها الآخر في كهوف صغيرة تحت الصّخور بمحاذاة النّهر. ص11. وبسبب الحرارة والّدخان الكثيف وقع فرخ عُقاب من عشّه فوق الشّجرة على كومة قشّ، فاستقرّ عند ساق الشّجرة حزينا باكيا خائفا يطلب النّجدة، فاقتربت منه السّنجابة “حنان” ووجدت فيه فرصتها السّانحة للإنتقام لذيلها المبتور! “لأنّه من عائلة النّسور الشّرسة.”ص14. ووسط صراعها النّفسيّ بالإنتقام أو التّسامح، وعندما اقتربت النّيران من فرخ العقاب، وهو يصرخ مستنجدا، “قرّرت “حنان” فجأة أن تهبّ لإنقاذه، قفزت وأسرعت فزعة نحو وكره، وانتشلته بين يديها وكلّ جسمها يرتعش وهي تضمّه لحضنها بحرارة.” ص16. اهتمّت السّنجابة حنان بفرخ العقاب مثل اهتمامها بصغارها، وعلّمته “كيف يصبح نسرا حقيقيّا” ص19. وكبر فخ العقاب وصار يحلّق عاليا في الفضاء :”عاش النّسر محبوب في حياة آمنة، واستطاع حماية حنان والسّناجب الأخرى من الإعتداءات عليها.ص21. وعندما التقى “محبوب” بعائلته التي فرحت بأنّه لا يزال حيّا، فأرسلت معه رسالة شكر لعائلة السّناجب واعتذرت عن بتر ذيل السّنجابة حنان.ص22. وتبادلت العائلتان الزّيارات، وتعاونت النّسور والسّناجب على إعادة زراعة الغابة حتّى عادت إلى سابق عهدها قبل الحريق، وعاشت السّناجب والنّسور بسلام.
أهداف القصّة:
تهدف القصّة إلى نشر المحبّة والتّسامح بين الأجناس المختلفة، دون تفريق بين جنس وآخر، أو بين قويّ وضعيف. كما تهدف إلى ضرورة توفير الحماية للصّغار في الأحول كلّها، بغضّ النّظر عن جنسهم وأعراقهم، وما اقترفه ذووهم من أخطاء وجرائم. وقد أحسن الكاتبان عندما جعلا بطلة القصّة المتسامحة سنجابة أنثى، لتبيان حنان الأمومة الذي يتعدّى حدود عطفها وحنانها على صغارها إلى الحنان على أطفال الآخرين.
مآخذ على القصّة:
خلط الكاتبان بين نوعين من الطّيور الجارحة وهما النّسر والعُقاب، وهما طائران جارحان مختلفان، وإن كانا ينتميان إلى فصيلة واحدة، وسأورد هنا تعريفات لهذه الطّيور كما وردت في المعاجم اللغويّة لتبيان هذا الاختلاف:
العُقاب: “طائر من كواسر الطّير، قويّ المخالب، له منقار قصير أعقف، حادّ البصر.” وقوئمتا العُقاب مكسوّتان بالرّيش، ويعتاش على ما يصطاده من الطّيور والحيوانات الصّغيرة كالأرانب وغيرها.
النّسر: “طائر من الجوارح، حادّ البصر قويّ من الفصيلة النّسريّة من رتبة الصّقريّات، وهو أكبر الجوارح حجما، وله منقار مدبّب، ذو جوانب مزوّدة بقواطع حادّة، وله قائمتان عاريتان…….يتغذّى بالجيف.”
الصّقر: “طائر من الجوارح من فصيلة الصّقريّات.” وجاء في القاموس المحيط:”الصّقر كلّ شيء يصيد من البزاة والشّواهين.”
لذا فالعقاب ليس صغير النّسر -كما ورد في القصّة-، علما أنّ صغير كليهما “النّسر والعقاب يسمّى”الهيثم”.
وزيادة في الإيضاح فإنّ الأسود والنّمور والفهود تنتمي لفصيلة القطط، مع أنّ كلّا منها جنس حيوانيّ مختلف عن الآخر.
أخطاء لغويّة:
ورد في القصّة أكثر من مرّة استعمال خاطئ للأفعال وللضّمائر مع جمع غير العاقل، سأورد عليه مثالا واحدا فقط فقد ورد في القصّة:”تعاونت السّناجب والنّسورمعا، في إعادة الحياة إلى طبيعتها في الغابة، أحضروا النّباتات، ونثروا الحبوب فوق أرض الغابة المحروقة، وزرعوا الأشجار من جديد.”ص26. والصّحيح هو أحضرت النّباتات، ونثرت الحبوب، وزرعت الأشجار.
وفي الصّفحة 11 جاء:” واختبأ بعضها الآخر في كهوف صغيرة تحت الصّخور”
وهنا استعمال خاطئ للكهوف، فالمقصود هو الجحور وليس الكهوف، والفرق كبير بين الكهف والجحر.
الأسلوب: واضح أنّ الكاتبين صاغا قصّتهما بلغة فصحى لا تعقيد فيها، وبأسلوب سلس لا ينقصه عنصر التّشويق.
الأسلوب والإخراج: الرّسومات التي أبدعتها ريشة الفنّانة منار نعيرات مناسبة لمضمون القصّة، مع أنّه لم تكن هناك فروقات واضحة بين رسومات النّسر والعُقاب، وفي الصّفحتين 22 و23 فإنّ الرّسومات لا تدلّ على النّسر أو العُقاب، وجاء مونتاج القصّة مناسبا في التّوفيق بين المضمون والرّسومات؛ وهذا يقرّب فهمها للطّفل المتلقّي.
تساؤل: أعتقد أنّ من الأهداف التي أراد الكاتبان إيصالها للأطفال، يتمحور حول ضرورة التّعايش السّلميّ بين الشّعوب والدّول القويّة من جانب، وبين الشّعوب والدّول الضّعيفة، واستعملا النّسور والعقبان كنموذج لذلك، علما أنّ النّسور والعقبان تعتاش على اللحوم، ومنها لحوم السّناجب حيث تعيش، فلماذا لم يختارا حيوانات عاشبة قويّة وأخرى ضعيفة لذلك.
28-11-2020