القدس: 22-11-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس قصّة الأطفال “دقدوق لا تزعج أبوك ” من تأليف الكاتبة فداء سمير أبو كف ورسومات آدم صادق. صدرت القصّة عام 2018 عن دار الرّازي للطباعة والنّشر في كفر قاسم-فلسطين، وتقع في 23 صفحة.
افتتح النقاش جميل السلحوت وممّا قاله:
أوّل ما لفت انتباهي في هذه القصّة هو اسم “دقدوق” فعدت إلى المعجم الوسيط للبحث عن معناه، فوجدته “الدَقْدَقَةُ: حكاية أصواتِ حوافر الدوابّ، مثل الطَّقْطَقَةُ.”
وهذا يذكّرني بأسماء أبناء الشّاعر الأمويّ الفرزدق” سبطة، لبطة وخبطة” والتي قال عنها النّقاد” لو أراد أحد من أعداء الفرزدق أن ينتقم من أبنائه، لما اختار لهم أقبح من هذه الأسماء.”
تهدف هذه القصّة إلى إيصال معلومة للأطفال بأنّ آباءهم يحبّونهم، وأنّ الأطفال قد يعتقدون بأنّ الأب قد يكره أطفاله عندما يمارسون طقوسهم في اللعب، وتنهرهم الأمّ عن إصدار الأصوات التي قد تكون سببا في الإزعاج، لكنّ الطفل ومن خلال القصّة يكتشف أنّ والده يحبّه عندما جاء يبحث عنه في الغابة التي تاه فيها، واحتضنه وأعاده للبيت. فهل وُفّقت الكاتبة في إيصال ما تريده للأطفال؟
وردت في القصّة مرّات كثيرة على لسان الأمّ جملة “دقدوق لا تزعج أبوك”، وذلك عندما كان الطّفل “دقدوق” يلعب أيّ شيء، كأن يفتح التّلفاز، أو يقفز على الكرسيّ، أو يلعب خارج البيت أو على سطحه، وتصرّف الأمّ هذا يُدخلنا في متاهة التّربية الخاطئة، فاللعب عند الأطفال غريزيّ، وقد نهت الأمّ ابنها عن اللعب في أيّ مكان في البيت أو في محيطه، وهذا تصرّف لا منطقيّ من الأمّ، التي هي في المحصّلة ودون أن تدري دفعت طفلها إلى اللعب في الغابة بعيدا عن البيت، حتّى كاد يضيع فيها!
وتسلسل الأحداث في القصّة ينمّي العقليّة الذّكوريّة لدى الأطفال، ويغرس في أذهانهم دونيّة المرأة من خلال دونيّة الأمّ، التي ظهرت في القصّة كحارسة في البيت؛ لتوفير الهدوء للأب الذي هو زوجها، وهي تردع طفلها دائما في سبيل تحقيق ذلك! ولماذا لم نشاهد ولو مرّة واحدة في القصّة أنّ الأب حاول توفير الهدوء للأمّ؟
كما نلاحظ أنّ الكاتبة لم تراع البيئة التي يعيش فيها أطفالنا، عندما جعلت “دقدوق” يلعب في الغابة، فأين الغابات التي تحيط بنا؟
اللغة: عمدت الكاتبة إلى السّجع في القصّة، لكن السّجع المحبّب هو الذي يأتي عفو الخاطر، وليس متصنّعا على حساب اللغة، فمن أهداف أدب الطفل هناك أهداف تعليميّة، ومنها تعليم اللغة السّليمة للأطفال، وفي سبيل حفاظ الكاتبة على السّجع في هذه القصّة، فقد أخطأت لغويّا بدءا من عنوان القصّة “دقدوق لا تزعج أبوك”، والصّحيح “دقدوق لا تزعج أباك”. ومن بداية القصّة وحفاظا على السّجع أخطأت الكاتبة إملائيّا عندما كتبت التّاء المربوطة هاء، وهما حرفان مختلفان، علما أنّنا عندما نقف على التّاء المربوطة في نهاية الجمل نقلبها هاء في اللفظ وليس في الكتابة. ولاحظوا ما فعله السّجع في هذه الجملة “لأنّي التّوقّف عن ازعاجه ما قدرت” ص16. والصّحيح كان يجب أن تكون الجملة هكذا:” لأنّي ما قدرت التّوقّف عن إزعاجه”.
وقال سامي قرّة:
الولد المشاغب والأم الجاهلة والأب الغول
من أهم الأسس عند كتابة قصة للأطفال أن تكون بداية القصة مثيرة بحيث تستحوذ على اهتمام الطفل، وتخطف انتباهه وتشّده إليها كما يشدّ الطعم السمكة إلى الصنارة. وهذا ما لم تنجح في تحقيقه الكاتبة في قصتها “دقدوق لا تزعج أبوك” على الأقل في الصفحة الأولى من قصتها. فبداية القصة تثير بعض الأسئلة لدى الطفل: من هو دقدوق؟ ما هذا الصندوق الذي يتحدث عنه؟ ما هي الحكايات التي يتكلم عنها دقدوق؟ وما هي أسراره الدفينة؟ وبعد ذلك يبدأ دقدوق بسرد إحدى حكاياته التي تُظهر شخصية دقدوق، وتبيّن طبيعة العلاقة بين الأمّ ودقدوق من جهة، وبين الأب ودقدوق من جهة أخرى. وما يُلفت الانتباه في القصة أن دقدوق يجتمع بأمّه منفردة وبأبيه منفردا، لكنه لا يجتمع معهما الإثنين في آن واحد (إلا في الحلم). ولعل في ذلك دلالة ضمنية على طبيعة العلاقة بين الأب والأمّ والتي تؤثر على الإبن وتجعله ينفر من الأمّ ويخشى من أبيه، كما تؤثر هذه العلاقة على سلوكه وتجعل منه ولدا مشاغبا.
في الصفحات الأولى يروي لنا دقدوق عن ممارسته اللعب داخل المنزل وبجانب المنزل وعلى سطح المنزل. واللعب نشاط جيد للأطفال إلا أن طريقة اللعب التي يمارسها دقدوق ليست اعتيادية، وتكاد تعبر عن غضب كبير في داخله؛ لأن فيها شيئا من إساءة السلوك. فهو يقفز على الكرسي وينثر ألعابه في الغرفة، ويختبئ بين الغسيل ويعتلي السطح. فهل هذه الألعاب عادة يمارسها الأطفال؟ في اعتقادي دقدوق ولد مشاغب يفتقر إلى الانضباط وهذا ما لا نحبذه في أطفالنا. وما يزيد الطين بلة أن الأمّ ترى ابنها يلعب أمامها ويُحدث الفوضى، لكنها لا تكترث لما يفعله ولا تدله على السلوك الجيد في اللعب، بل تكتفي بتأنيبه والصراخ عليه بذريعة أنه يزعج أباه. هي أمّ جاهلة لا شك؛ لأنها من ناحية لا نراها تهتم بتصحيح سلوك ابنها أثناء اللعب، ومن ناحية أخرى لأنها تخلق حاجزا بين ابنها ووالده. فهي تستخدم الأب كأداة (الغول) لتخويف ابنها دقدوق ممّا يجعل دقدوق يعتقد بأن أباه يكرهه. يصرخ دقدوق ويقول: “أبوك .. أبوك .. أبوك. ماذا به أبي؟ إنه يكرهني.”
ليس هناك أية إشارة في القصة تدل على أن الأب يكره ابنه دقدوق، وهروب دقدوق إلى الغابة (على الرغم من اعتراف الأب لاحقا أنه هو السبب في هروب ابنه؛ لأن ابنه لا يستطيع الكف عن إزعاجه) ما هو إلا ردة فعل على مضايقة أمّه له أثناء اللعب، وفي نفس الوقت هو ناتج عن صراع داخلي في نفس دقدوق؛ لأنه لا يستطيع أن يصدق بأن أباه يكرهه ويكره طريقة لعبه وإزعاجه له. هذا ما جعلته أمّه يعتقده بسبب تذمرها المستمر منه.
يهرب دقدوق من البيت إلى الغابة (وهروب الطفل من منزله شيء خطير في حد ذاته)؛ لأنه يشعر بأن أباه لا يقبله، وأمّه لا تكف عن مضايقته. والهروب من البيت دلالة على أن دقدوق يعاني من مشكلة في بيته مع أمّه وأبيه. لكن يبدو أن هذا الهروب يساعد في إظهار حقيقة العلاقة بين دقدوق وأبيه؛ لأن الأب يذهب في البحث عن ابنه ويعرف ساعتئذ دقدوق أن أباه يحبه ولا يكرهه. يصرخ دقدوق بفرخ ويقول: :”إنه أبي .. جاء يبحث عني. إنه يحبني، لا يكرهني.”
على الرغم من عدم وجود أية إشارة إلى انعدام التواصل بين دقدوق وابنه في القصة، الدرس الذي يتعلمه دقدوق من أبيه هو أن عليه التحدث مع أبيه عما يزعجه، وهنا نرى أن التواصل الإيجابي هام جدا بين الأب (ولكن ليس الأم كما تظهر القصة لأن اهتمامها ينصب أكثر على الاعتناء براحة الزوج) وابنه من أجل حل المشكلات التي تواجه الأبناء.
باختصار تظهر القصة الدور السلبي للأمّ والدور الإيجابي للأب. والقصة تخلو من أيّ حدث مثير يغذي خيال الطفل. واللغة المستخدمة لغة مصطنعة لا تناسب الطفل، ويبدو أن الكاتبة ضحّت بالمضمون لحساب الشكل (فهي تكثر من السجع). كما أن الراوي هو دقدوق نفسه وعادة لا يتحدث الأطفال بهذا الشكل.
أمّا فيما يتعلق بالدروس التي يتعلمها الطفل فليس هناك الكثير. بل أن بعض الدروس سلبية: اللعب بطريقة خاطئة؛ الكره الشديد للأمّ لأنها كثيرة التذمر؛ الخوف من الأب؛ الهروب من المنزل.
أخيرا، قصة دقدوق لا تزعج أبوك ليست أفضل ما قرأت من الكتابات للأطفال. فهي لغويا ومضمونا غير صالحة للطفل على الرغم من الرسومات الملوّنة الجميلة التي تحتويها.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
“دقدوق لا تزعج أبوك”، عنوان حيّرني وحاولت أن أجد مبررا لإستخدام الكاتبة كلمة “أبوك” بدلا من أباك، وإنّني أرى ربما تعمدت هذا من أجل السّجع، فدقدوق ينتهي بحرفي الواو والقاف أمّا “أبوك” فينتهي أيضا بحرفي الواو والكاف.
ومن خلال قراءة القصة يتضح تعمد الكاتبة بتسكين الحروف في آخر الكلمة لصالح السّجع على حساب اللّغة مرّة أُخرى، فمثلا يحلّ الحرف الساكن بدل تنوين الكسرة أو الفتحة، تقول” ونسيت أنَّني أضعتُ المكانْ”.
في هذه القصة أرادت الكاتبة توجيه رسائل تربويّة من خلال تصرف دقدوق الذّي يزعج أباه، وهي أن نتعلم التعبير عن مشاعرنا والبوح بها، وعدم استخدام الحلّ السّهل الخاطئ وهو الهروب من حلّ مشاكلنا.
وفي بدايّة القصّة نجد الطفل دقدوق يعبّر عن حالته النفسيّة وحكاياته من خلال الكتابة، حيث نجده يكتب في بطاقات صغيرة أسراره ويخفيها في الصندوق، وهذه طريقة جميلة تعلّم الطفل وتشجعه أن يعبّر عن مشاعره من خلال الكتابة أيضا.
أسلوب الكاتبة جميل ومشوّق، حيث جعلت الطفل هو الراوي الذّي يسرد القصة، ويعرّف عن نفسه” إسمي دقدوق، وعندي صندوق” ،
جاءت النهاية سعيدة، بعيدا عن الألم والحزن ممّا يثر انفعالات البهجة والإبتسامة في عالم الطفل. جاءت الصور المرفقة في القصة ملوّنة وجميلة مناسبة للطفل، حيث تجذب الطفل وتساعده على فهم القصّة، فقد جاءت متناسقة جدا مع السرد.
استخدمت الكاتبة بعض الأفعال القريبة للعاميّة لتقريب المعنى للطفل “عَرَف، قَدِرْتْ أسكُت.” استخدمت جملة “حوافر الخيّل” التّي لا تتناسب لجيل الطفولة.
وكتبت رائدة أبو الصوي:
يبدو أن المؤلفة لديها ثقافة وإلمام بأدب الأطفال، بداية من اختيار العنوان الشيق الممتع للأطفال دقدوق لا تزعج أبوك، لم تحدد اسما آخر حتى لا يثير الاحراج لدى الأطفال في الصف إذا وزّعت القصة، وطلب منهم قراءتها. والدق والازعاج متلازمان. الضجيج آفة العصر
بأسلوب لطيف استطاعت الكاتبة ارسال بعض القيم والأفكار للأطفال.
الأطفال هذه الأيام غالبيتهم يشبهون دقدوق، والأمّهات لا توجد لديهن الأدوات لتعديل هذا السلوك. سلوك الحركة الزائدة وعدم الانصياع لرغبات الأهل .
هنا استطاعت الكاتبة بالقصة ارسال رسالة للأهل وللأطفال؟ دقدوق من تفكيره البريء ظن أن والده يكرهه؛ لأن والدته تضع والده أمام كل تصرف لا يعجبها.
ولا النّاهية التي يصعب على الأطفال الانصياع لها ، هنا بعد عدة مواقف وهروب دقدوق من البيت لاعتقاده بأن والده يكرهه، ضياع دقدوق وشعوره بالخوف . لفتة جيدة بالقصة أضع تحتها خطا احمر.
الأهل هم من ينقذوننا دائما من الضياع. لا أحد يخاف على الأولاد مثل الوالدين
حضن الأب والأمّ هو مصدر الأمان .
الحوار والكلام مع الأهل والتعبير عن المشاعر تبني شخصيات تعتمد على نفسها . شخصيات تتمتع بالصحة النفسية، تستطيع مواجهة المواقف في الحياة بالمستقبل .
الخط المستخدم بالقصة ممتاز مريح للقاريء، الرسومات والألوان مبهجة .
قصة يستمتع بها الآباء والأطفال.
وكتب عبدالله دعيس:
تحاول الكاتبة من خلال قصتها الموجهة للأطفال، التركيز على بعض القيم التربوية للأطفال، وكذلك إرسال عدد من الرسائل للآباء والأمهات، وتستخدم لغة مسجوعة بسيطة مناسبة للأطفال المستهدفين، وتصاحب أحداث القصة رسومات ملوّنة تكمل المعنى وتشدّ الأطفال المطالعين أو المستمعين للقصّة. فهل نجحت الكاتبة في إيصال رسالتها؟
لا شكّ أن الجواب (نعم). فالطفل الذي يطالع القصّة سوف يخرج بمجموعة من القيم التربويّة: عندما يواجه الطفل مشكلة، أو ينتابه شعور سيّء عليه أن يتوجّه إلى والديه، ويتحدّث معهما بصراحة، ولا يبتعد عن منزله، والوالدان وإن أظهرا القسوة أحيانا على الطفل، وإن منعاه من ممارسة ألعابه التي يحبها في الوقت الذي يرغبه، إلا أنّهما يحبّانه ويبغيان مصلحته وتنشئته على الخلق والفضيلة. أمّا الوالدان، فتلفت القصة نظرهما إلى ضرورة إعطاء مساحة للطفل للّهو واللعب، داخل المنزل وخارجه، وألّا ينهراه دون توضيح الأسباب والحوار معه، وأن يمنحاه الحبّ والدفء الأسريّ، ويضحيا بشيء من راحتهما من أجل تربيته وتقويم سلوكه، وألّا ينتظرا حتى يبدأ الطفل بمواجهة المشكلات، أو تكوين شعور سلبيّ تجاههما، أو تجاه المجتمع.
لكنّ الكاتبة، وهي تحاول أن تجعل قصّتها مشوّقة مناسبة للأطفال، ربما وقعت في عدد من الأمور التي أرى أنّها قلّلت من قيمة القصة وتأثيرها: فقد ارتأت الكاتبة أن تكتب جملها البسيطة بلغة مسجوعة، وهذه اللغة محبّبة للأطفال، لها موضع القبول على مسامعهم، وقد يكون اختيارا موفّقا لو كان سجعا عفويّا وابتعدت الكاتبة عن التّكلف. فالكاتبة اختارت اسما غير مألوف لبطل القصّة (دقدوق) وكسرت القاعدة اللغوية ورفعت المفعول به في عنوان القصة من أجل هذا السجع! فلم يكن، برأيي، هذا اختيارا موفقا، وكان بإمكانها اختيار اسما آخر للشخصيّة، مثلا (جاك لا تزعج أباك). ويتكرّر التكلّف في السجع والتضحية بانسياب الجملة ورزانتها وصحتها من أجله خلال صفحات القصّة، فمثلا اختارت الكاتبة اسم الشخصية الثانية (أسيل أخت دقدوق) بشكل لا يتناسب مع اسم دقدوق، فقط ليكون على وزن كلمة (غسيل) ولتقول: “لعبت مع أسيل، واختبأنا بين الغسيل”.
والقصة واقعيّة، تروي أحداثا عاديّة يراها الطفل أو يسمع عنها كلّ يوم. لكنّ الأطفال بطبيعتهم يحبّون الخيال، فحبّذا لو طارت الكاتبة بالأطفال على أجنحة الخيال، وضمّنت قصتها أحداثا خياليّة مشوّقة، تجذب الأطفال وتحبّبهم بالقراءة، وتجنح بهم نحو إعمال الفكر بأحداث القصّة. والأطفال يستطيعون التفريق بين الحقيقة والخيال، يحبّون الخيال، ويعيشون معه بكلّ جوارحهم، ثمّ عندما يعودون إلى عالمهم، يحملون معهم ما تعلّموه في رحلتهم الممتعة تلك. كان بإمكان الكاتبة مثلا، أن تنطلق من الصندوق العجيب الذي كان دقدوق يضع فيه حكاياته الكثيرة، وتجعله صندوقا عجيبا فعلا، يأخذ الطفل إلى عالم المتعة والإثارة.
وقالت رفيقة عثمان:
تبدو الجودة عالية وظاهرة في الإخراج الفنّي للكتاب، سواء في تصميم الغلاف المقوّى، والرسومات المُعبّرة، وسُمك الصفحات غير القابلة للتمزّق بين أيدي الأطفال، ملساء الملمس. حجم الحروف كبير وواضح؛ بالإضافة للتشكيل الواضح، وتأطير النصوص، وجودة الرسومات المبعثرة.
اختارت الكاتبة فداء عنوانا “دقدوق لا تزعج أبوك” يبدو هذا الاختيار غير موفّق؛ نظرا لاستخدام الكاتبة اللهجة العاميّة للعنوان؛ من قراءة القصّة، من المُلاحظ بأن الكاتبة، قصدت باستخدام السجع في الكتابة، دون الانتباه لدقّة وسلامة اللغة، ابتداء من العنوان.
أدب الأطفال من المفروض أن يكون مصدرا؛ لتوجيه الأطفال نحو تربية سليمة، وخاصّة عند استخدام اللغة الصحيحة والمعياريّة؛ لأنّ الطفل يكتسب اللغة في جيل مبكرة، ولا يجوز استخدام التعبير الخاطئ واللّغة غير الصحيحة؛ لأنّه من الصعب تصحيح ما اكتسبه الأطفال فيما بعد. هنا ورد السجع، أو الوعي الصوتي متكلّفا على حساب اللّغة. ” قفزْت عن الكرسي، وبالأرض نثرت لُعبي”، “ركضنا وركضنا، وبالكرة لعبنا”، حملت نفسي وركضت، إلى غابة كبيرة وصلت”، “لم أعلم إلى أين ذهبت، وطريق العودة ما عُدت وجدت” وهكذا كانت معظم الجمل في القصّة يكون فيها الفعل في نهاية الجملة؛ بغرض إظهار الصوت المتشابه في نهاية كل جملة. كتابة النصوص والقصص على غرار الشعر حيث يحق للشاعر ما يحق لغيره؛ في اختيار العبارات لإتقان الوزن. تبدو جملة “حملت نفسي” تعبيرا مجازيّا باللغة العامية، غير مفهومة للأطفال، حبّذا لو تم الغاؤها.
استهلّت الكاتبة قصة الأطفال بتعريف دقدوق عن نفسه، “اسمي دقدوق، وعندي صندوق، أخفي فيه حكاياتي الكثيرة، وأسراري الدفينة، كتبت في إحداها قصة قصيرة”. ابتدأت الكاتبة بسرد القصة دون ربط بداية القصة مع ما يليها؛ كأن تذكر سوف أقرأ لكم قصة من داخل الصندوق.
رسالة الكاتبة من القصة، بأن تغرس احترام الوالدين، وعدم الإزعاج خاصة أثناء النوم؛ وتوجيه الأهل؛ لتقبُّل أبنائهم وتفهّم احتياجاتهم؛ لكن الكاتبة بنهاية القصة، ذكرت بأن الوالد اعترف لابنه بأنه سبب هروبه. ” وفي طريق عودتنا للبيت اعترف، أنه سبب هروبي؛ لأني التوقف عن إزعاجه ما قدرت”. هنا نفت الكاتبة رسالة غرس القيم، وأذعنت الأب لرغبة الابن، وهذا يتناقض تماما مع مبادئ التربية الصحيحة؛ ودور الوالدين في غرس القيم والأخلاق الحميدة؛ بتوجيههم، وشرح الأخطاء التي وقعوا بها؛ كي لا يكرروها، دون أن يلوموا أنفسهم أمام الأبناء.
وردت قيمة تربوية إيجابية عندما ذكرت الكاتبة “علمني أبي أني عندما أغضب وأتألم، يجب أن أتكلم، ولا أسكت وأخفي ما بداخلي.”، برأيي هذه قيمة تربوية ذات أهمية كبرى؛ بمنح الأطفال التعبير عن مشاعرهم، وما يجول بخاطرهم، وتقبلهم على حالتهم.
لم تُظهر الكاتبة دور الأمّ في النصح والتوجيه والتربية السليمة، منذ بداية القصة، طلبت الأمّ مرارا وتكرار من ابنها عدم إزعاج أبيه النائم؛ لكن الطفل لم يذعن لطلب أمّه فهرب، بعد عثور الأب على ابنه، لم ينصح الوالدان ابنهما، وتوضيح أهمية عدم الإزعاج، والطلب منه عدم تكرار الأمر؛ بل بالعكس قبّلاه واحتضناه. إن لأهمية التعزيز بالثواب والعقاب، أهمية كبرى في تنشئة الأطفال، وغرس القيم الإنسانية في نفوسهم؛ بهذه القصة أخطأ الطفل مرتين، بل أكثر من ذلك؛ عندما أزعج أباه النائم، ولم يُطع أمّه، وهروبه إلى الغابة دون علم والديه. كان من المفروض إظهار الأخطاء للابن، وتعريفه بخطورة كل تصرف قام به، وتوضيح له ما هو السلوك المحظور وما هو السلوك المسموح؛ ومن ثم وتعهده أمام والديه بعدم تكرار هذه التصرفات غير المُرضية.
خلاصة الأمر، هذه القصة باكورة أعمال الكاتبة، في رأيي لم تُوفق الكاتبة بتوصيل رسالتها التربوية كما يجب أن تكون؛ أتمنى لها التوفيق في الإصدارات القادمة.
وقالت سهير زلوم:
لا شكّ أن قصة (دقدوق لا تزعج أبوك) تحمل بعض القيم التربوية للأطفال والكبار، مثل:
• لا ينبغي للآباء أن يصدروا الأوامر للأطفال ويمنعوهم من اللعب دون توضيح الأسباب لهم وإقناعهم بها. فمثلا كان على أمّ دقدوق أن توضح له أن أباه نائم؛ لأنه يعود من العمل متعبا؛ وتوجّهه للعب في فناء البيت؛ ليستطيع أبوه النوم والراحة.
• الحديث بين الأب وابنه يقرّب بينهما، ويشيع الحب والألفة في العائلة.
القصّة لها ما لها وعليها ما عليها، لكنّي سأتكلّم فقط عن الرسومات التي صاحبت أحداث القصّة على مدى صفحاتها الثلاثة والعشرين. الرسومات بشكل عام جيدة ومناسبة لأحداث القصّة ولسن الأطفال الموجّهة لهم، لكن عندي بعض الملاحظات بشأنها:
• استخدم الرّسام عددا محدودا من الألوان هي: الأحمر والأخضر والأبيض والبنّي والأسود والأزرق.
• اختار الرّسام اللون الأبيض للسجّاد وهو غير مناسب لبيت فيه طفلان.
• في صورة الغلاف، يلعب دقدوق على الأريكة وهو منتعل حذاءه.
• نلاحظ أن الأشخاص في الصور يلبسون الملابس الصيفية ذات الكم القصير بينما تبدو صور الأشجار في الخلفية عارية من الأوراق ممّا يدل على فصل الشتاء.
• الصورة التي تبدو فيها أسيل عند حبل الغسيل غير واضحة بالنسبة للحبل.
وكتبت هدى خوجا:
ولكنصفحة الغلاف تظهر صورة دقدوق مع ألعابه والأمّ لا يظهر وجهها، حبذا لو كانت صورة الأمّ ظاهرة نصف الوجه وبعض التّعابير الخاصّة بلغة الجسد.
لغة القصّة مناسبة ومبسّطة للأطفال وقليلا من السجع المتداخل، مع وجود عدّة أخطاء إملائيّة مثال الهاء بدل التّاء المربوطة ص2 صغيرة الكثيرة قصيرة .
الخط مناسب وبعض علامات التّرقيم في مكان غير مناسب.
هنالك عدّة سلوكيات تربويّة نجحت الكاتبة بالوصول إليها منها:
وجوب التّحدّث والإفصاح عن المشاعر، حتى تتم عملية التّعلم الصّحيحة، البكاء لتخفيف حالة الألم.
حرص الوالدين على تربية الأبناء.الحفاظ على الهدوء في البيت وعدم الازعاج.
عدم الهروب عند حدوث المشاكل والمواجهة المناسبة. النّهاية كلاسيكية… النّوم ثمّ الأحلام السّعيدة.
وكتب نمر القدومي:
إرتأتْ لنفسها مكانا مشوّقا لناظريها، وأنا كلّما همّت نفسي إليها، تجتاحني موجات عاطفية تُلهمني بالتّروي. أُغازلها من بعيد ويوما ما سألقاها، وستحاكيني بكل ما لديها من قوة وإثارة، وتجذبني إلى حيث الحُب السّاكن بين نبضاتها النّاطقة. الخُطى إليها قد تكون متردّدة، وصدى جمالها مسألة مُقتصرة على ملمسي وشعوري بنعومتها. رَسَمَتْ نفسها بريشة فنّانة، وزيّنت مظهرها بألوان هادئة.
تكلّمتْ معي بلغة غاية في الأناقة، وحروف تخرج من دواخلها مُسقاة بعِطْر وألحانٍ عذبة، رقيقة ومسجوعة لها على القلوب وقعها. حَمَلَتني روحا وحملتها قلبا وقالبا، إنه إبداع في الشكل، أمّا مضمونها، فثروة من المبادئ والمثاليات. شكتني من مواجع مجتمعيّة وأسريّة، ناقشتني في الشرائع السّماوية، ووضعتْ إصبعها على نزف خفيّ تربويّ مُغَلّف بقشور قاتمة أساسها البيت والمنشأ والعائلة.
هكذا بدا لي عمل الكاتبة “فداء أبو كف” في قصة الصغار ( دقدوق لا تزعج أبوك ) لتُضيء نصب أعيننا ظاهرة تكاد لا تخلو من كل بيت، تتمثّل بعلاقة الأب مع أبنائه خلافا وبعيدا عن طبيعة علاقة الأمّ مع أبنائها . فالله سبحانه وتعالى خلق المرأة وجعل فيها قوة العاطفة ورقّة المشاعر أكثر من الرجل، ففي كثير من الأحيان يعتبرها الأبناء هي الوسيط أو السّفير بينهم وبين أبيهم في تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم الخاصة.
نجد في القصة أن الكاتبة عمدت الى افتعال موقف الأمّ من ابنها (دقدوق) بأنه يُزعج والده في كل حركة يقوم بها في البيت، وهذا بالتالي زاد وتيرة النّفور عند الإبن. وبما أنّ العائلات تتفاوت في درجات العلم والثّقافة، فهذا بالتالي يؤثّر على درجة التربية السّليمة لدى الأبناء. وعليه وجب على المسؤولين ضرورة إيجاد أساليب تربويّة تساعد على إيضاح العديد من الأمور المبهمة والتي يغلب عليها طابع الحياء والخجل، وكذلك العمل على توطيد الثقة المتبادلة ، وعلاقة مبنية على الصراحة والوضوح.
إنّ هيبة الأب في البيت لا بدّ أن تكون قائمة، وأن يشعر بها كل فرد في العائلة بما فيهم الأمّ، وأنّ هذه الهيبة نبسطها في أجواء البيت من ناحية إيجابيّة لا سلبيّة بحيث تعكس محبّة الأبناء لأبيهم وتجذبهم إليه، وعندها يشعرون معه بالأمان. ولا تعني الهيبة أن يكون الأب جبّارا أو طاغية، ولا يعني أنّه يُجَرّد نفسه من المشاعر والأحاسيس.
وجدنا في القصة تصرّف الأب العقلاني حين وجَدَ (دقدوق) تائها في الغابة، يبحث عن الخلاص من الضغط النّفسي الذي أحدثته أمّه في داخله؟ قد تكون لحظة اللقاء غير متأخّرة في هذه القصة، لكن في حالات أخرى، حصلت أو قد تحصل، يتأخر الوقت بسبب قلّة الخبرة والفهم، فتكون النتائج وخيمة وأليمة.
هذه القصة يا كاتبتنا “فداء” أنتِ كتبتها للصّغار، لكنها درس عظيم للكبار.