قصة “أريم والكتاب الأزرق” للكاتبة د. سيما صَيْرَفي في اليوم السابع

ق

القدس 18-12-2025 من ديمة جمعة السمان

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية الأسبوعية قصة الأطفال ” أريم والكتاب الأزرق” للكاتبة د. سيما صيرفي، ومشاركة الطفلة أريس كنان. صدرت القصة عن دار سهيل العيساوي للطباعة والنشر في كفرمندا، وتقع في 28 صفحة ملونة ومصقولة، رسوماتها بريشة الفنانة سعاد عمر الكلالي.

رحبت مديرة الندوة ديمة جمعة السمان بالكاتبة وبرواد الندوة وقالت:

تنطلق قصة ” أريم والكتاب الأزرق” من عنصر جذاب: كتاب أزرق يفتح أمام الطفلة أريم عالَماً مختلفًا، فتتحول القراءة من فعل جامد إلى تجربة حية تشجع على التساؤل والاكتشاف.

لا شكّ أنّ اختيار الكاتبة لاسم أريم جاء موفقًا وذكيًا، فهو من الأسماء العربية القديمة ويرتبط بالرشاقة والجمال والبراءة، كما يوحي بالأمان والفضاء المحمي، ما يتناغم مع شخصية الطفلة التي تخوض تجربة معرفية آمنة وملهمة. هذا التوافق بين الاسم وخصائص الشخصية يعزز الارتباط العاطفي بين الطفل والقصة.

تحسب للقصة قدرتها على تجسيد العلاقة الحميمة بين الطفل والكتاب، إذ تقدَّم الكاتبة الكتاب كصديق ومفتاح للدهشة.

كما وفقت باختيار اللون الأزرق.. إذ أنّ اللون الأزرق هو رمز للهدوء والعمق، ويعزز دلالة المعرفة المفتوحة والخيال اللامحدود.

ومع ذلك، هناك بعض الملاحظات.. فالقصة تميل إلى الخطّ السردي الآمن، دون صراع حقيقي أو أزمة تواجه أريم، ما قد يقلل من عنصر التشويق.

شخصية أريم مستقرة منذ البداية، ومحبة للقراءة، ولا تخوض تجربة صعبة أو تحوّلًا نفسيًا ملموسًا، الأمر الذي كان يمكن أن يعمّق أثر القصة.

كذلك، بقي الكتاب الأزرق رمزًا غامضًا دون قواعد واضحة لعالمه، والشخصيات الثانوية محدودة، والحوار ضئيل، ما جعل السرد أقرب للحكي منه للتفاعل الدرامي.

كما أنّ مواقف أريم النفسية، مثل رفضها الخضوع للفحص وحدها أو انزعاجها عند سماع التشخيص أمام الآخرين، واقعية نفسيًا وتعكس خوف الطفل من المجهول والحرج الاجتماعي، إلا أن القصة لم تشرح مشاعرها الداخلية بشكل كافٍ، ما جعل بعض هذه المواقف تبدو أحداثًا خارجية أكثر من كونها تجارب شعورية متعمقة.

في المحصلة، تقدم قصّة «أريم والكتاب الأزرق» نصًا أنيقًا وواعياً بأدواته، ينجح في ترسيخ قيمة القراءة والخيال بأسلوب هادئ وغير مباشر، ويزرع بذرة حب الكتاب لدى الطفل.

رغم بعض الملحوظات النقدية حول السرد والشخصية وتفسير المواقف، تحمل القصة بعدا تربويًا وجماليًا.. وتشكل إضافة نوعية لزاوية أدب الأطفال في المكتبة العربية.

وقال محمود شقير:

بلغة سهلة، وبمشاركة في أفكار القصة من الطفلة أريس كتانة، وبرسومات جيدة من سعاد عمر الكلالي، تهدف الكاتبة المحامية سيما صيرفي إلى تعليم الأطفال كيف يدافعون عن حقوقهم، وكيف يحمون خصوصياتهم فلا تكون هذه الخصوصيات عرضة لانتهاك الآخرين.

لذلك نرى الطفلة أريم وهي ترفض طلب الطبيب من الأم مغادرة غرفة الفحص، وتصرّ على بقاء أمّها معها في الغرفة، كما أن أريم لا تشعر بارتياح حين يتحدث الطبيب بصوت عالٍ كاشفًا أمام زوّار العيادة ما تعاني منه.

هذه الأفكار الجيدة تم تنفيذها في القصة بطريقة غير مقنعة؛ فالأم تقتحم العيادة وتدخل مباشرة إلى غرفة الفحص غير منتظرة دورها، وغير آبهة بمن ينتظرن وينتظرون الدخول إلى الطبيب، وحين تحتجّ ابنتها على كلام الطبيب الذي أمر الأم بالخروج من الغرفة، تتساءل الأم مستغربة كلام ابنتها: من أين تعرفين هذا الكلام؟ فتجيبها ابنتها: من كتاب أزرق في الرف الثالث من مكتبتنا.

هنا، تبدو الأم غبية لا تعرف شيئًا عن ابنتها وهي معها في البيت.  ولا تكتفي الكاتبة بإلحاق صفة الغباء والغفلة وقلة المبادرة بالأم، بل تقدّم لنا طبيبًا متعجرفًا يتحدّث بصوت عالٍ لا للوم من فتحوا باب غرفة الفحص من دون مبرر، بل لكي يفضح أسرار أريم، وذلك لكي تغضب أريم منه وتشكوه إلى المدير، ولكي تستمرّ أحداث القصة على النحو الذي تريده الكاتبة.

بالطبع، كان يمكن صياغة القصة على نحو أكثر إقناعًا، بحيث يكون فيه تعزيز لدور الطفل في الدفاع عن حقوقه، وبحيث لا نلغي دور الأم، ولا نضع الطبيب في خانة الاتهام.

وقال جميل السلحوت:

: تتحدّث القصّة عن الطّفلة” أريم” الّتي عانت من التهاب في الحلق، واصطحبتها والدتها إلي الطبيب، الّذي عمل لها الفحوصات الّلازمة، وعندما شخّص حالتها المرضيّة أخبرها بمرضها أمام الآخرين، فاحتجّت على ذلك واعتبرته اعتداء على خصوصيّتها، ولمّا لم يستجب لها الطّبيب ذهبت بصحبة والدتها إلى مدير المركز الصّحّيّ حيث اشتكت له، فوعدها بالتّحقيق في الموضوع، وبعدها ذهب المدير برفقة الطّبيب إلى بيت” أرام” واعتذروا لها، وقبلت اعتذارهم. وعندما سألتها والدتها عن معرفتها بالقانون أوضحت لها أنّها قرأتها في الكتاب ذي الغلاف الأزرق الّذي يتكلم عن حقوق الطفل وحقّ الخصوصيّة.

والقارئ للقصّة لا يحتاج إلى كثير من الدّكاء؛ ليعرف أنّ الكاتبة قد استفادت من تخصًصها بالقانون في كتابة هذه القصّة. لكنّ السّؤال الّذي يطرح نفسه بهذا الخصوص هو: هل يستطيع طفل عمره بين” ٧-١٢” سنة كما ورد على غلاف القصّة أن يطالع الكتب القانونيّة وأن يعرف حقوقه كطفال؟ وهل الطفل بهذا العمر يتحلّى بالوعي الكافي؛ ليحتجّ على الطّبيب وأن يشتكيه إلى مديره؟ وبالأحرى هل الطفل يعرف حقّه في الخصوصيّة أكثر من الطّبيب؟ ولماذا لم يُنسب هذا للوالدة بدلا من الطّفلة، فمن البدهيّات أن يحمي الآباء والأمّهات أطفالهم، وأن يدافعوا عن حقوقهم.

معنى الإسم أريم: بطلة القصًة اسمها أريم ومعناه: اسم تركي يطلق على الإناث ويعني حديقة في الجنة، وهو من أجمل أسماء البنات غير المنتشرة وذات المعنى الجذّاب..

الأسلوب واللغة: استعملت الكاتبة السّرد الإنسيابيّ القريب من أسلوب الحكايات، وكتبت القصّة بالّلغة الفصحى السّهلة والمناسبة للأطفال، لكنّها لم تخلُ من الأخطاء مثل:” وكانت تشعر بالخوف قليلا لأنّها لم تُحبَّ زيارة الأطبّاء” ص٨، فلماذا نصبت الفعل” تُحبّ” وقبله حرف جزم، مع الاستعمال الخاطئ لِ” لم” هنا، والصّحيح هو” لأنّها لا تحبُّ زيارة الأطبّاء”. وفي صفحة ١٣ جاء:” مثل أريم الّتي تعشق القراءة” والصّحيح تعشق المطالعة. وفي الصفحة ١٧ جاء:” التفتتْ النّساء لبعضهنّ مُذهلات”

والصّحيح “التفتتِ النّساء” فكُسرت التّاء لالتقاء السّاكنين، ومذهولات بدل “مُذهلات” فهو مذهول وجمعها مذهولون، وهي مذهولة وجمعها مذهولات”.

هدف القصّة: تهدف القصّ إلى تعريف الأطفال بحقّهم في الخصوصيّة.

الرّسومات: الرّسومات جميلة وتنسيقها مع النّصّ ملائم.

وقالت نزهة الرملاوي:

قدّمت الكاتبة قصّتها الموجّهة للأطفال للفئة العمرية من 8_12 عاما، بأسلوب شائق ملائم لهم، ورسوم واضحة جميلة أثرت المحتوى بصورة لافتة.

جاء عنوان القصة (أريم والكتاب الأزرق) مثيرا للسؤال: من هي أريم؟ وما هو الكتاب الأزرق؟ أريم هي طفلة تدور حولها أحداث القصة، وتبين لنا من خلال السرد، أن الكتاب الأزرق هو كتاب مزخرف ومصمم للأطفال، يبين لهم حقوقهم، وكيفية معاملتهم بلباقة.

قرأت أريم الكتاب، واستفادت من حقوق الأطفال المدونة فيه، وكان من أحد تلك الحقوق، أن يكون معها مرافقا أثناء الكشف عن حالتها المرضيّة من قبل الطبيب.

تميّزت القصة ببداية موفّقة لعرض الفكرة الرئيسة، وهي احترام خصوصية الآخرين، وهذا يحسب للكاتبة. احترام الخصوصية حقّ مشروع لكلّ فرد من أفراد المجتمع، سواء كان صغيرا أم كبيرا.

أثارت الكاتبة في قصتها قيمة سلوكية في غاية الأهمية، وهي طريقة توجيه الخطاب للآخر، والانتباه أثناء الحوار والمناقشة، وإلى كيفية استخدام المصطلحات وطريقة توجيهها للمتلقي. بالإضافة إلى إضفاء المرونة في حلّ المشكلات، بطريقة تطفئ فتيل الخلافات والنزاعات في المجتمع قبل اشتعالها.

بإضافة إلى تقديم الاعتذار كقيمة سلوكية مهمة في التعامل مع الآخرين حتى وإن كان الاعتذار موجها من الكبار إلى الصغار، كما حدث مع المدير الذي تواضع وأصغى لمشكلة الطفلة أريم،  ومن الطبيب الذي قدم اعتذارا لها، إثر استخدامه كلمات لا تلائم سلوكه كطبيب متفهّم لخصوصية مرضاه وأخلاقية مهنته كقوله مستهزئا:

(هل ستعلميني كيف أؤدي عملي) بعد أن وجهت له الطفلة أريم انتقادا، بسبب افصاحه عن سبب مرضها وهو (التهاب في حلقها، وطلبه منها عمل تحليل للدم والبول) أمام الآخرين، فشعرت بالاحراج والخوف.

اضافة الى قيمة التسامح وقبول اعتذار الطبيب والهدية من قبل أريم.

 تمتعت القصة بنهاية جميلة ملهمة لعمل دور تمثيلي في الصّف يثري فكرة احترام الخصوصية.

ملاحظة: في الصفحة الرابعة في السطر الأول، جاءت جملة (استيقظت أم أريم) زائدة لا لزوم لها، ومكانها الصحيح في السطر الثالث، استيقظت أم أريم وتوجهت …

  بالرغم من أهمية الأفكار ووضوحها في هذه القصة الهادفة، الا أنّ هناك أسئلة مهمة، من الطبيعي أن تثار من قبل القارئ ومن أهم تلك الأسئلة: هل التهاب الحلق الذي يصاب به معظم سكان العالم سرّ لا يجوز لأحد أن يعرف من المصاب به؟ (شعرت أريم بأن الكون عرف سرّها الكبير) ص18. أم هو إحساس طفلة بالحرج.

كيف استطاعت أريم أن تذهب مع أمها إلى مدير المركز للاحتجاج على الطبيب الذي أفشى نتائج فحصها أمام الآخرين، وهي في قمة الألم والوجع؟

 من خلال الحوار مع الطبيب والمدير لم نقرأ جملا تشير إلى طفلة مصابة بالحمّى، متألمة من التهاب حلقها، بل شعرنا بقوّة الطفلة وطلاقة لسانها أثناء المطالبة بحقها في الخصوصية.

إذا قصدت الكاتبة من خلال قصتها أن تنّبّه الأطفال وتحفّزهم على قراءة الكتب والنشرات والإرشادات التي تبين لهم حقوقهم، وتقوّي شخصيتهم، فقد وفّقت بذلك، لكن كان من الأجدى أن تعرض بعضا من واجباتهم.

 نرى أن الأطفال اليوم يبالغون في الانتباه إلى حقوقهم ويطالبون بها، وفي ذات الوقت يقصّرون في تقديم واجباتهم الدينية، والتعليميّة، والاجتماعيّة، كالعمل على رقيّ مجتمعاتهم، واحترام الآخرين ومشاركتهم والتعاون معهم، والإصغاء لحكمهم وتوصياتهم، والتعلم من تجاربهم والعمل بها.

مبارك للكاتبة العزيزة د. سيما إصدارها للقصة الهادفة.

وقالت وفاء داري:

قصة “أريم والكتاب الأزرق” تندرج تحت أدب الأطفال، هي محاولة إبداعية تلامس أحد حقوق الطفل الأساسية: حق الرعاية الصحية والمرافقة، وتحاول دمجه في سياق سردي مُحبب. إنّها قصة تنطلق من تفصيله يومية بسيطة تواجها كل الأمهات (المرض والذهاب للطبيب) لتُفجِّر قضية أعمق تتعلق بالثقة، الأمن النفسي، وتمكين الطفل من حقوقه.

صورة الغلاف هي العتبة المضيئة إلى عالم أريم

يُشكل الغلاف العتبة النصّية الأولى، وهو مصمم ببراعة تلائم عالم الطفولة. يهيمن عليه اللون الأرجواني الهادئ، الذي غالبًا ما يرتبط بالخيال وهناك حكمة في اختيار الألوان، مما يوحي بدخول عالم سحري ومُريح.

التكوين البصري: نرى أريم جالسة في بؤرة الضوء (القادم من المصباح)، محتضنة دميتها طفلة صغيرة (قد تكون دلالة على حق الرعاية) وتقرأ في الكتاب الأزرق المُعنون بحقوق الطفل. هذا الدمج المباشر بين الفعل (القراءة) والرمز (الكتاب الأزرق والحق) يُعلن صراحة عن رسالة القصة الجوهرية.

ملائمة الرسومات: الرسومات على الغلاف وفي الصفحات الداخلية (كصفحة 5 و7) تتميز بأسلوب رسوميات رقمية مُشبعة بالألوان ذات حواف ناعمة، وهي ملائمة تمامًا لجيل الألفية وما بعدها (جيل Z وما يليه). إنها رسومات تُنشئ بيئة دافئة ومُطمئنة، بعيدة عن القتامة، ومُفعمة بالتفاصيل الجاذبة (مثل الزينة والمفارش). هذا التوظيف البصري يخدم رسالة القصة التربوية والنفسية.

الانزياح في التلقي: الغلاف لا يعد فقط بقصة مسلية، بل يعد بـرسالة معرفية عميقة مُغلفة بدفء الحكاية، وهو انزياح ذكي في أدب الأطفال الذي غالبًا ما يتأرجح بين الترفيهي والتعليم المباشر.

الفئة المستهدفة: القصة تناسب بامتياز الجيل الذي يقع في المرحلة الانتقالية من الطفولة المبكرة إلى المتوسطة. مُلائمة بشكل أفضل ما بين (7-10) سنوات. فئة (7-8) سنوات تستوعب البنية السردية والرسومات. فئة (9-10) سنوات تبدأ في استيعاب البعد الحقوقي والترميز، خاصة عبارة “ومن حقي أن ترافقيني عند فحص الطبيب لي” (صفحة 10). الفئة العليا (11-12) قد تجد الحبكة بسيطة، لكنها تظل قيمة مُضافة لترسيخ الوعي بالحقوق.

البنية السردية: تدرّج الحدث من الذاتي إلى الحقوقي، حيث تتميز البنية السردية بالبساطة والخطية، وهي ضرورية لقصص هذه الفئة العمرية. تبدأ القصة بالمرض المفاجئ (صفحة 4)، مرورًا برحلة الطبيب المُحفوفة بـالقلق الطفولي (صفحة 8)، ثم تتبلور الأزمة حول حق المرافقة (صفحة 10) لتصل إلى حلّها بتمكين الطفل ومعرفة حقوقه (صفحة 13 وما بعدها).

البناء الزمني والمكاني: مُحكم وظيفيًا. انتقال أريم من منطقة الراحة (السرير) إلى منطقة الصراع (العيادة) يجسد أهمية الموضوع.

الزمن: زمن القصة مكثف ومُركز حول يوم واحد (صباح ماطر وبارد). هذا التكثيف الزمني يخدم سرعة الإيقاع وملاءمته لتركيز الطفل. 

المكان: تتنقل أريم بين ثلاثة فضاءات رئيسية: المنزل (غرفة النوم) (فضاء الدفء والأمان)، والعيادة (غرفة الانتظار وغرفة الفحص) (فضاء القلق والمواجهة)، ومكتب مدير العيادة/المستشفى (فضاء الحل والتمكين). هذا التدرج المكاني يعكس تدرج الصراع النفسي وصولاً إلى الحل المؤسسي. 

اللغة والأسلوب والعمق التربوي في صياغة لينة.

اللغة المستخدمة في النص عربية فصحى بسيطة وواضحة، مع غلبة للجمل الخبرية والمباشرة.  هناك اهتمام واضح بالتشكيل ومراعاة علامات الترقيم.  ومن جانب اللغة التعليمية والتربوية: تبرز أهمية اللغة في إدماج مفاهيم حقوق الطفل بـشكل غير مباشر أولًا (عبر الحوار) ومباشر لاحقًا (عند ذكر الكتاب الأزرق وحق المرافقة). عندما تتشبث أريم بحقها في مرافقة أمها، هذا انزياح لغوي مُهم، إذ يُحوّل الشعور الطفولي بالخوف إلى مطالبة واعية بالحقوق.   برز إتقان التدرّج المباشر في الجمل، نلمس هذا التدرج في الانتقال من الجمل الوصفية البسيطة على سبيل المثال: “فِي صَبَاحٍ مَاطِرٍ وَبَرْدٍ قَارِسٍ”(صفحة 4) إلى الجمل الحوارية المُحمّلة بالعاطفة “يَا أُمِّي، أَظُنُّ أَنِّي مَرِيضَةٌ وَمُرْهَقَةٌ، أَرْجُوكِ دَعِينِي فِي الْبَيْتِ الْيَوْمَ” (صفحة 6). هذه الجمل تحاكي منطق تفكير الطفل ومحاولاته التملص من الموقف المخيف. 

الحبكة ومستوى التأويل والترميز: من المَرَض إلى التمكين تتولد حبكة بسيطة لكنها ذات ثقل تأويلي وفلسفي عميق. النقطة المفصلية هي رفض الطبيب دخول الأم إلى غرفة الفحص، ثم اعتراض أريم المؤطر بحقوق الطفل. في هذا الصراع الرمزي، يرمز الطبيب إلى السلطة المعرفية والروتين المؤسسي الجامد، ورفضه هو تجسيد للاستلاب الذي قد يتعرض له الطفل في مواجهة الأنظمة، بينما يمثل أريم والكتاب الأزرق الوعي الطفولي الجديد والتمكين الحقوقي.

هنا يكمن سر المصداقية والوعي المتجذر في نمط الكتابة: فبما أن الكاتبة، سيما صيرفي، هي محامية مُحاكية تمارس مهنة المحاماة إلى جانب الكتابة الإبداعية، فإن النص يستفيد من هذا الاندماج المنهجي بين المعرفة القانونية والموهبة الأدبية. هذا الاندماج يُضفي على السرد قوة خاصة، حيث تمكنت الكاتبة ببراعة من تحويل الخوف الطفولي من زيارة الطبيب إلى فرصة تعليمية لحق المرافقة. إنه تأويل عميق يُعلي من شأن الذكاء العاطفي والحقوقي لدى الطفل، مؤكدًا أن تجمُّع العلم والموهبة في عالم أدب الأطفال يمنح العمل وعيًا تشريعيًا مُقنعًا. أما الكتاب الأزرق فيبقى الترميز الأقوى، كونه المرجع الذي تستند إليه أريم (رمز المعرفة والقوة المُشرَّعة).

وفي سياق التعمّق اللغوي الذي اختطته الكاتبة، لا بد من الإشارة إلى انزياح بسيط وربما وحيد لوحظ على الصفحة (22)، وتحديدًا في مقطع الحوار الداخلي أو المونولوج وهو: “عَمُّو المُدير”. الذي يميل إلى اللغة العامية مع نسق الحوار الفصيح الرصين الذي ميّز بقية صفحات العمل. فبقدر ما يُعدّ هذا التناغم بين الفصحى والعامية أحيانًا قريبًا من لغة الفكر التلقائية للطفل، إلا أن الإبقاء على الوحدة اللغوية في الحوار الداخلي باللغة الفصحى  كما هو الحال في السرد الخارجي والمحاورات المباشرة  يضفي مزيدًا من الرصانة والاتساق على البناء اللغوي العام للنص، وهو ما يُعلي من القيمة التعليمية للقصة على المدى الطويل ويُرسّخ الملكة اللغوية السليمة لدى المتلقي الصغير. الملاحظة في ضبط الصياغة، لا تمسّ على الإطلاق من جوهر القيمة السردية للقصة، ولا تقلل من أهمية رسالتها التوعوية العميقة التي تسعى لرفع الوعي بحقوق الطفل وتمكينه.

في الختام: في الختام، تتجاوز قصة “أريم والكتاب الأزرق” كونها مجرد حكاية طفولية عابرة؛ إنها تُمثل منعطفًا فلسفيًا عميقًا في أدب الأطفال المعاصر. هذه النوعية من الأعمال التي يمتزج فيها الكاتب الأدبي بالوعي الحقوقي والتوعوي، كما تجسده تجربة الكاتبة المحامية سيما صريفي. لا تُقدّم للطفل عالمًا خياليًا فحسب، بل تُقدم له خارطة وجودية يستطيع من خلالها فهم موقعه في هذا العالم المعقد. إن تعميق هذا النمط يُرسّخ معادلة نقدية مُلحة بأن أدب الأطفال ليس مجرد ترفيه بريء، بل هو تشريع للوعي، وتأطير للحق، وتهذيب للمفاهيم. عندما يتحول الكتاب الأزرق إلى سلاح معرفي بيد طفلة (أريم)، فإننا نكون أمام انزياح إبستمولوجي – معرفي يمنح الطفل قوة المبادرة ورفض الخضوع للسلطة المُطلقة (الطبيب). وبذلك، يصبح الكاتب التوعوي هو مهندس اللغة والوعي، الذي يُحوّل القصص إلى مساحات آمنة لتعليم الطفل كيف يطالب بحقه بأدب، وبعمق، وبلاغة. هذا الأدب الذي يجمع بين جمال الصورة وعمق الرسالة هو ما يرتقي بحق ليكون الأساس الصلب لتنشئة أجيال لا تعرف القراءة فحسب، بل تعرف كيف تكون فاعلة وواعية في واقعها الذي نشت فيه.

وقال همام الطوباسي:

في تاريخ 14/ 12/ 2025 تواصلت معي الصديقة الكاتبة سيما صيرفي، وبعثت لي قصتها مع دعوة عبر رابط «زوم». كان عنوان القصة «أريم والكتاب الأزرق»، وهي عبارة عن قصة قصيرة صغيرة الحجم، يبلغ عدد صفحاتها 28 صفحة، لكنها تحمل بين دفّتيها الكثير من الرسائل.

الرسالة الأولى هي تشجيع القراءة للأطفال، من أجل أن يعرفوا حقوقهم وواجباتهم. تدور أحداث القصة حول طفلة صغيرة توقظها أمها للمدرسة، فتقول للوالدة: «أنا مريضة ولا أستطيع الذهاب إلى المدرسة». فتأخذها الأم إلى الطبيب، ويجري لها الطبيب فحصًا باستخدام عود «بوظة» ليأخذ عيّنة من حلقها.

تسأل الطفلة الطبيب: «لماذا وضعت العود في فمي؟» فيجيبها: «من أجل أخذ العيّنة من حلقك». ثم يذهب ليجري الفحوصات، ويعود ليخبر الأم أن ابنتها مصابة بالتهاب، ويعطيها علاجًا، ويقول لها إنه يجب إجراء فحوصات بول لها.

تنظر الطفلة إلى الخارج، فترى أن باب الغرفة موارب أو مفتوح قليلًا، وتلاحظ بعض السيدات ينظرن إليها ويتهامسن، فتسأل: «لماذا فعلت هذا؟ يجب أن تكون لي خصوصية، وهذا من حقي». فيأتي الطبيب ويقول لها: «هذا عملي، هل ستعلّمينني عملي؟».

تذهب الأم وابنتها إلى غرفة مدير العيادة، ويكون الطبيب مدير العيادة رجلًا وسيمًا ومتفهّمًا. تتقدم الأم وتقول: «هل أروي أنا القصة وما الذي حصل، أم أنتِ؟». فتقف الطفلة بعد أن يقدم لها الطبيب حبّة حلوى ويقول لها: «تفضلي بالكلام». فتقول إن هناك طبيبًا في آخر الغرفة لا يحترم خصوصية المريض، وتشرح له ما حدث معها ومع أمها.

فيقول لها: «لا تخافي ولا تقلقي، سآخذ لكِ حقكِ». وبعد أيام من الحادثة والحوار، يأتي الطبيب ومدير العيادة والممرضة ويعتذرون من الطفلة وأمها. يعتذر الطبيب ويقدم لها الهدايا، فتقبل الاعتذار.

في اليوم التالي تذهب الطفلة إلى المدرسة، وتقول للمعلمة إنها تريد تنفيذ نشاط للطلاب، فترحب المعلمة بهذه الفكرة الجميلة. وبعد أن تنتهي أريم من تنفيذ النشاط، يصفق لها الطلبة وتبتسم. تبتسم لأنها أوصلت رسالة هادفة لزميلاتها وزملائها، وهي حقوقها وحقوقهم في الخصوصية. 

وهنا اسمحوا لي أن أحيّي الدكتورة سيما، لأنها استخدمت لغة سهلة وجميلة، وأدرجت صورًا ملوّنة للأطفال تشرح المكتوب وتعبّر عنه. لقد استمتعتُ صراحةً بهذه القصة، وأتمنى، كما قلت آنفًا، أن تكون في كل بيت وبيد كل طفل.

يجب على الأطفال أن يقرؤوا عن حقوقهم: حقهم في التعليم، وحقهم في العلاج، وحقهم في اللعب والترفيه، وحقهم في الرعاية الصحية والأسرية. نحن أمة «اقرأ» لا تقرأ، للأسف، لكنني أشعر أن القادم أجمل، وسنعيد القراءة من الأطفال إلى الأجداد والأمهات.

وهنا على هامش هذا المقال، أقول: كانوا يقرؤون لنا قصة قبل النوم، أو يشرحون لنا مجلة للأطفال. هذا باختصار.

 في الختام أحيّي الدكتورة سيما، وأشكرها على منحي هذا العمل الجميل لكي أقرأه وقد استمتعت به كثيرًا.

وقالت د. رفيقة أبو غوش:

  تناولت الكاتبة سرد قصّة “أريم والكتاب الأزرق”بمشاركة الأفكار مع الطّفلة أريس كنانة؛ ورسم الغلاف والتّنسيق من الفنّانة سعاد عمر الكيلاني، احتوت القصّة على ثمان وعشرين صفحة. وخُصّصت القصّة لجيل ما بين 12-7 عامًا. قامت الكاتبة سيما بإشراك الطّفل أريس كنانة، بالأفكار لأحداث الرّواية؛ ويعتبر هذا العمل إيجابيًّا، ويمنح القصّة مصداقيّة أعلى، واحترام رأي الأطفال في تشكيل القصّة، وفي الحياة بشكل عام.

  استخدمت الكاتبة لغة بسيطة، وسهلة تتناسب مع جيل الأطفال المذكور أعلاه؛ وتعتبر اللّغة تقريريّة، وصف لأحداث القصّة على لسان الرّوائي؛ مستخدمة شخصيّات محدودة وهي: الأم والطّفلة أريم، الطّبيب المُعالِج. تخلّلت حوارات خارجيّة بين الشّحصيّات الواردة سابقًا.

  زيّنت القصّة رسومات وصورًا توضيحيّة، وظهرت معظم الصّور حزينة، تخلّلها الغضب؛ وخاصّةً صورة الطّبيب أظهرت ملامح الغضب على وجهه. هنا ليس من الصّحي إبراز صورة الطّبيب سلبيّة في عيون الأطفال.

  من قراءة القصّة، من الممكن فهم مغزاها، ورسالة الكاتبة للأطفال؛ وهي توعية الأطفال نحو حقوقهم الخاصّة في امتلاك الخصوصيّة في حياتهم اليوميّة.

  تمحورت الفكرة حول، الطّفلة أريم الّتي عانت من الحمّى، وتوجّهت للطبيب للعلاج بصحبة والدتها؛ وهنا برزت المشكلة الأساسيّة عندما طلب الطّبيب من الأم الخروج من العيادة أثناء فحص أريم، والمشكلة الأهم عندما كشف الطبيب عن نتيجة الفحص أريم على مسامع الحاضرين من المرضى! وهنا احتجّت أريم وتوجّهت مع والدتها لمدير القسم؛ لتشكو طبيبها المُعالِج. “أنا صغيرة يا أمّي، ومن حقّي أن ترافقيني عند فحصي للطّبيب”.

طرأت تساؤلات في ذهني حول هذا الموقف: لا يوجد أي قانون يمنع الأم من مرافقة ابنتها أثناء الكشف أو العلاج، برأيي من المُفضّل حضور الأم، لدعم ابنتها ومساعدتها؛ إنّها حاجة طبيعيّة وهي تعلّق الأطفال بأمّهاتهم؛ بالإضافة لذلك نادت الطّفلة “ياعمو الطّبيب” و “يا عمّو المدي”؛ برأيي التّربوي: ليس من اللّائق مناداة عمّو الطّبيب، من الواجب حفظ مسافة بين الطبيب والمتحدّثة أريم؛ احترامًا لمركز الطّبيب ومكانته.   

  الموقف الثّاني وهو الشكوى عن الطّبيب لمدير المستشفى، فهو موقف مُتسرّع؛ من الأجدر التّوجّه للطبيب نفسه، والطّلب منه الحفاظ على الخصوصيّة؛ هنا ممكن إكساب الأطفال قيمة تربويّة هامّة، وهي احترام الطبيب وغيره الأكبر سنًّا وقيمة في المجتمع. برأيي هذا الموقف لا يُيرّر تضخيم الأمور؛ ودعم ذريعة الخصوصيّة والمطالبة بها، على حساب شخصيّة الطّبيب؛ بدلًا من أن نُشجّع الأطفال ونحبّبهم بالتّوجّه للعلاج عند الطّبيب. هنا يبرز دور الأم بتوضيح الأمور وتسويتها، قبل الوصول للمستوى الأعلى.

  في القصّة ظهر رئيس القسم، وهو يُقدّم قطعة حلوى للطّفلة أريم، أثناء الحديث معه؛ ” “أخرج حبّة حلوى من الخزانة، وقال لأريم خذي وتكلّمي يا صغيرتي”. برأيي الشّخصي؛ اعطت الكاتبة مكانة عالية لشخصيّة الطّفلة، وهي ليست بحاجة لقطعة حلوى لمجاراتها، وهذا الموقف أظهر بأنّ الطّفلة أريم صغيرة جدّا. استهلكت عمليّة الخروج من العيادة والذّهاب للمدير وقتًا طويلًا؛ في الوقت الّذي كانت الطّفلة تعاني من الحمّى العالية؛ فمن الأجدر بها أن تتعالَج أوّلًا، ومن ثم تستوضح الأمور.

  عنوان الكتاب “أريم والكتاب الأزرق” عندما سألت الأم ابنتها من أين عرفت قانون الخصّوصّيّة؟ أجابت من الكتاب الأزرق؛ افترضت الكاتبة بأنّ أريم طفلة ذكيّة وتعرف القراءة جيّدًا، لماذا تستعمل لون الكتاب وليس اسمه الحقيقي؟ وهو الكتاب الّذي يشرح حول حقوق الأطفال الأساسيّة، كالخصوصيّة والمعاملة اللاّئقة؛ من الممكن اسمه كتاب “معرفة حقوق الطفل”.

  ذكرت الكاتبة بأنّ أريم، عادت إلى البيت حزينة بعد عودتها من العيادة “تحدّثت مع دميتها، وكأنّها تبوح بأسرارها لصديقة وفيّة؛ وشعرت بأنّ دميتها تتعاطف معها وتهزّ رأسها موافقة على كل كلمة، وكأنّها تفهم كل شئ”؛ يبدو لي بأنّ الكاتبة غيّبت دور الوالدين في هذا الموقف، وخاصّة الأم. حبّذا لو تمّ تفريغ المشاعر ومناقشة المشكلة مع والدتها، وإجراء حوار بينهما طالما هي طّفلة ناضجة وواعية بقدر يجعلها تعبّر عن نفسها بطلاقة؛ لمعرفة الصّواب من الحقيقة، بدلّا من الحوار مع الدّمية. “محاولة كبح دمعة كبيرة تتراقص في عينيها”، برأيي التّربوي: محظور أن يكبت الطّفل مشاعره الحزينة، فمن الأجدر التّعبير عنها أمام والديه وأمام من يثق بهم؛ ليشعر بالطّمأنينة والأمان والمحبّة والتّعاطف؛ هكذا من الممكن، إكساب الطّفل شخصيّة سويّة ومتّزنة نفسيًّا؛ وللوالدين والمربّين دور هام جدّا في تشكيل شخصيّة الطفل السّويّة.

  كانت نهاية القصّة، بأنّ الطّبيب ومدير المستشفى توجّها لبيت أريم؛ لتقديم الاعتذار لها، مع تقديم هدية ترضية. هذا الموقف جاء متأخّرًا بعد ثلاثة أيّام؛ من الأجدر تسوية الأمور حالًا بعد حدوث الحدث؛ للحدّ من فترة حزن الطّفلة أريم.

  خلاصة القول: برأيي الشّخصي: لا أرى بأنّ موضوع الخصوصيّة الّتي ركّزت عليه الكاتبة هام بما يكفي؛ وافتعال الاحتجاج والغضب عند الطّفلة. هنالك حقوق للطّفل أهم تستدعي التّدخّل والاحتجاج عليها، والمطالبة بها. تخلّلت القصّة بعض الإخفاقات التّربويّة الّتي ذكرتها سابقًا، والّتي بحاجة لعلاجها تربويًّا وفق الحالة والعمر.

  إنّ فكرة الموضوع جيّدة، وهي توعية الأطفال حول امتلاك الخصوصيّة، ولكن بأمور أخرى أكثر شائكة ممّا قصدت الكاتبة.

وقال د. معاذ شتيّه:

يعد نص أريم والكتاب الأزرق واحدا من النماذج السردية التي تنتمي إلى ما يعرف بأدب الأطفال ، الذي يصلح أن يُقرأ قراءة سيميائية ؛ فالمنهج السيميائي ينظر إلى النص بوصفه خطابا تتضافر فيه مجموعة من العلامات ، والعلامات في أدب الأطفال تتجاوز اللغة بما تتضمنه من أساليب ورموز ذات بعد دلالي إلى الصور والرسومات والألوان والفراغات وما تحتويه من ظلال .

وفي ضوء ذلك ، يجد القارئ للنص (أريم والكتاب الأزرق ) أن الدلالة السيميائية فيه تقوم على شبكة من العلامات البصرية التي تتكامل مع اللغة لتكريس ( حق الطفل في الخصوصية ) ؛ من منطلق أن هذا الحق قيمة إنسانية وتربوية ، لا بوصفه مفهوما قانونيا مجردا .

وهكذا ،يمكن تناول النص بوصفه خطابا يقوم على ثلاث مستويات :

وهي المستوى اللغوي، والمستوى الأيقوني ( الصوري ) ، والمستوى اللوني .

فعلى المستوى اللغوي استطاعت الكاتبة أن تنتقي لغة سهلة ، مباشرة ، خالية من التعقيد ، وتنسجم مع البنية اللغوية والنفسية والذهنية للطفل ، وتحول مفهوم (الحق ) والخصوصية ) إلى تجربة حياتية قابلة للفهم ، وقد جاء فهم هذين المفهومين بالدعوة المبطنة في النص إلى المطالعة بوصفها مهارة تسهم في تنمية الذات واكتساب المعرفة بالحقوق ، بعيدا عن الإملاءات والتلقين الذي في كثير من الأحيان لا يؤتي أكله ، ولا يحقق الهدف المنشود .

وعلى المستوى الصوري فالمتمعن في صورة الطفلة ، وصورة الأم ، وصورة الطبيب ، ومدير العيادة ، إضافة إلى صورة المعلمة والطلبة ،  يجد أنها تؤدي أدوارا عدة ؛ فهي تسهم في شرح النص اللغوي من جهة ، وتضع الطفل القارئ في سياق التجربة ، وتجذبه لمتابعة القراءة ، وتصنع أحيانا جوا أسريا ومهنيا وتعليميا متآلفا ، يجعل الطفل يحس بأهمية الإحساس بالإلفة والانسجام الذي يبنى على التفاهم .

والمتمعن في اختيار الكاتبة لصور الطبيعة الشتوية يجد أنها أدت دورا رمزيا إضافيا ، فالشتاء بما يحمله من هدوء وبرد يبدو موسما تتفشى فيه الأمراض ، لكنه يوحي بالاحتواء والحماية بصحبة العائلة .

أما على المستوى اللوني فالناظر إلى الألوان التي اختارتها الكاتبة لتكون خلفية للنص اللغوي من جهة ، وخلفية للصور التي يحتويها الخطاب بعامة من جهة أخرى ، يجد أن اللون البنفسجي والألوان الهادئة ، هي ألوان تحيل سيميائيا إلى السكون والاحتواء ، وتجذب القارئ ، وتنزعه من العنف البصري .

وهكذا، سيميائيا، ينتصر النص لنسق احترام الخصوصية، ويسهم في بناء وعي طفولي مبكر يرى في الخصوصية حقا مكتسبا، حتى في لحظات الضعف والمرض؛ ليتحول النص البصري واللغوي إلى خطاب ناعم، يزرع القيمة دون وعظ وإملاء، ويعلم الطفل أن المعرفة هي أهم أبواب الحماية.

وقال بسام داوود:

تدور احداث القصة حول الطفلة اريم لم تتمكن من الذهاب الى المدرسة في احد الايام بسبب ارتفاع حرارتها والتهاب حلقها فأخذتها امها الى العيادة دخلن غرفة الطبيب يريد ان يفحصها طلب من الام الانتظار خارج الغرفة اريم ترفض ذلك فهي تريد مرافقا لها فهذا من حقها مما جعل الام تستغرب كيف عرفت ذلك اخبرتها انها قرأته في الكتاب الازرق المختص بحقوق الاطفال الموجود في مكتبة البيت.

اريم تعشق القراءة وهذا الكتاب يشرح للأطفال حقوقهم الاساسية والخصوصية والمعاملة اللائقة بطريقة سهلة ومحببة.

الام تقرر البقاء مع ابنتها في الغرفة الطبيب يلتزم الصمت ويعمل الفحوصات اللازمة للبنت فجأة يفتح باب الغرفة وتدخل النساء واطفالهن للداخل دون اذن من الطبيب فيقول الطبيب في صوت عال “اريم تعاني من التهاب في الحلق وعليها ان تعمل فحص للبول والدم” تأخذ النسوة النظر لبعضهن باستغراب غضبت اريم وشعرت بالاحراج فالكل عرف سر مرضها واعتبرت ذلك خرق لاخلاقيات المهنة وقالت له انت تعديت على خصوصيتي لكنه تجاهل اعتراضها .

غضبت ام اريم وتوجهت هي وابنتها الى مدير العيادة لتقديم شكوى استقبلهن بكل احترام واخبرته اريم بما حصل معها ووعدهن ان يتابع الموضوع .

رجعت اريم وامها الى البيت قامت باحتضان دميتها والحديث معها وابلاغها ما حصل معها عند الطبيب وشعرت انها تتعاطف معها .

بعد عدة ايام قدم الطبيب والمدير والممرضة ومعهم هدية لبيت اريم رحبت بهم الام وقدم الطبيب اعتذاره وندمه على ما حصل فابتسمت اريم وقبلت الاعتذار .

في المدرسة طلبت اريم من المعلمة ان تقدم تمثيلية حول موضوع الحق والخصوصية رحبت المديرة بذلك وادت اريم التمثيلية بنجاح وصفق لها الجميع .

————————————————

العبر المستفادة من هذه القصة والتي تفيد الاطفال :

-اهتمام الاهل باطفالهم ومتابعتهم .

-عند مرض الطفل يجب اخذه الى الطبيب .

-تشجيع الاطفال على القراءة وتوفير الكتب اللازمة لهم لزيادة المعرفة وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم منذ الصغر لصقل شخصياتهم وليتحملوا المسؤولية ليستطيعوا الدفاع عن انفسهم عند تعرضهم لاي موقف .

-تحذير الاطفال بعدم اختلاطهم بالمرضى لحمايتهم من العدوى وهذا ما يجب على الاطباء التقيد بالبروتوكولات الصحية التي تمنع اختلاط المرضى ببعضهم البعض ,فعند وجود مريض في غرفة الطبيب يجب عدم دخول مريض اخر وان لا يفتح باب غرفته الا باذنه .

-المحافظة على سر العمل الذي يندرج تحت المحافظة على اخلاقيات المهنة فكما حصل هنا على الطبيب ان لا يفشي سر المريض لان هذا من خصوصياته فعليه الالتزام بالقوانين واللوائح التي تدعو للمحافظة على اخلاقيات المهنة .

-احترام الاخرين وعدم تجاهلهم والتعامل معهم بمعاملة لائقة .

-الاستماع الجيد للطفل عندما يعبر عما بداخله وعدم الاستهزاء به .

-جميل ان نعلم اطفالنا في حال قدوم الشخص لبيتك عليك ان ترحب به وتحترمه فهذه من عاداتنا العربية  المحببة .

-عند حصول خطأ او اساءة فلا مانع من التراجع والاعتذار وعلى الطرف الاخر قبول ذلك وهذا يندرج تحت مبدأ التسامح وعدم تصعيد المشكلة .

-التفريغ النفسي للاطفال مهم جدا يعد من اساسيات نموه النفسي السليم ويعزز التوازن النفسي عنده كما حصل مع اريم عندما تحدثت مع دميتها او عندما عملت تمثيلية امام طلاب صفها . وممكن ان يتم التفريغ النفسي من خلال اللعب , الرسم ,الحديث مع الام او الاب او الاصدقاء فهو يخفف التوتر والقلق والاضطرابات وممارسته يشعر الطفل بالراحة النفسية والثقة بنفسه .

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

محور القصّة يدور حول فكرة  احترام  خصوصية  وحقوق الأطفال ،فالطفلة أريم تذهب إلى الطبيب بمرافقة امها بعد شعورها بالتعب،وحرارة عالية ،يطلب الطبيب من أم أريم الانتظار في الخارج؛ كي يعالج الطفلة، لكن أريم الطفلة المريضة تحتج بقوة وتطلب من أمها أن تبقى معها؛ لأنها صغيرة ومن حقها أن ترافقها عند فحص الطبيب .بقيت الأم مع ابنتها عند فحصها، وتبين أن الطفلة تعاني من التهاب في حلقها، حيث أعلن  الطبيب ذلك على مرأى ومسمع من كان في غرفة الانتظار، حيث فُتح باب  غرفة الطبيب من قبل الآخرين أثناء انتظارهما  نتيجة الفحص. وتحتج الطفلة مرة أخرى “لي حق في الخصوصية كيف لك أن تفشي نتائج فحصي على الملأ؟”.

قصّة بأسلوب وسرد واقعي، بعيدة عن الخيال المحبب للأطفال، فكرة القصّة جميلة، وهو احترام حقوق الطفل وخصوصياته، في أن يحترم الطبيب خصوصية الطفلة كمريضة، وعدم الجهر بالعلن عن مرضها (التهاب الحلق). ومّما يذكر أن تلك الحقوق هي أيضا تتعلق بالكبار في احترام حق خصوصية الكبار في حفظ حقوق المريض. لم يتم ذكر عمر الطفلة أريم، ولكن حسب الرسومات تبدو في سنّ العاشرة أو الحادي عشر من عمرها.

ما لفت انتباهي في القصّة ، هو جرأة أريم المريضة في احتجاجها أمام الطبيب عن حقوقها في احترام خصوصيتها كمريضة؛ بالرغم من حالتها المرضية، والسؤال الذي يطرح لماذا لم تحتج الأم؟ وقد ظهرت كأنها هي الطفلة. سؤال آخر هل يدخل الطفل إلى غرفة الطبيب بمفرده في عيادات صناديق المرضى أو في المشافي! أنا شخصيا لم أسمع عن هذا، بل بالعكس القانون يحتم على الأهل مرافقة الطفل في غرفة المعالجة. ف المشكلة هنا ضئيلة، بحيث لا يطلب الطبيب من أحد الوالدين مغادرة الغرفة.

للأسف ظهر الطبيب في القصة مثل الوحش من خلال تصويره في عدم حُسنه التصرف واحترام الآخرين، قال الطبيب “وهل ستعلمينني كيف أؤدي عملي؟” برأيي هذه الجملة فيها مبالغة وغير واقعية، وأيضا غير مناسبة في حوار لقصص الأطفال، يجب استخدام أسلوب أدبي وحوار ملائم لخيال الطفل، فالطفل بحاجة لحوار يتجاوب مع نفسية وعمر الطفل. فتلك الجملة تستخدم في الحياة اليومية بين الكبار في حالة جدال بين الطرفين.

سؤال آخر، ما دامت الطفلة جريئة وشجاعة، فلماذا لم تحتج على فتح الباب من قبل الآخرين فورا قبل أن يصرح الطبيب بأقواله، لماذا لم تطلب من أمها إغلاق الباب، أو قامت بإغلاقه بنفسها.

وردت جملة في القصة “وذهبت مع أمٖها إلى الطبيب من دون تردد، وكانت تشعر بالخوف قليلا؛ لأنها لم تحب زيارة الأطباء” والسؤال هو لم تفسر الكاتبة لماذا لم تحب أريم زيارة الأطباء؟ ألا يخطر ببال الطفل هذا السؤال! هل أريم لم تحب الزيارة لسبب لا نعرفه؟ ما هو سبب الخوف؟

سؤال آخر، “ارتدت أريم ثيابها بسرعة، وذهبت مع أمها إلى الطبيب “.  وبعد ذلك عند وصولها عند الطبيب تقول الأم “ابنتي تعاني من ألم في الرأس وحرارتُها عالية”، السؤال كيف استطاعت أريم وهي مريضة النهوض بسرعة، وعندها المقدرة في الجدال مع الطبيب؟

من الجميل تعزيز القراءة عند الأطفال في هذه القصة، من خلال شخصية أريم التي يبدو أنها تحب المطالعة، حيث قرأت الكتاب الأزرق الذي يتحدث في مضمونه عن حقوق وخصوصية الطفل، وقد أعجبت امها بذلك.

هناك بعض الأخطاء النحوية، وقد جاءت النهاية سعيدة، موفقة خاصة عندما طلبت أريم من معلمتها في الصف في أن تقدم تمثيلية دمى بمشاركة دميتها “لينا”، ذلك يعبر عن سلوك جميل من جهة الطفلة في مشاركة زملائها في الصف مفاهيم تعلمتها، مما يغرس المحبة والتعاون بينهم في نشر ثقافة الوعي.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات