عن دار سهيل العيساوي للطباعة والنشر صدر هذا العام 2023 قصّة للأطفال، بعنوان “جدّي يعشق أرضه” للكاتب سهيل ابراهيم عيساوي، وتقع القصّة مع رسومات فيتا تنئيل التي صاحبتها في 23 صفحة مصقولة ومفروزة الألوان، ومثلها صفحات ترجمتها للإنجليزيّة التي قام بها حسن حجازي حسن، ويضمّهما أيّ النّصّ بالعربيّة وترجمته للإنجليزيّة غلاف مقوى.
ملخّص القصّة: تتحدّث القصّة على لسان حفيد بأنّ جدّه لم يوافق على بيع أرضه “لرجل غريب”. وقد جاء على لسان الجدّ لحفيده:
“قال لي: أنا لا أبيع أرضي، هي عرضي
أنا لا أبيع أرضي، هي وطني.” ص22.
كما جاء على لسان الجدّ أيضا:
“قال جدّي: أنا لا أبيع أرضي لأهل بلدي ولا لسماسرة.” ص17.
ويلاحظ هنا أنّ الكاتب أراد أن يبيّن أنّ الفلسطينيّ العربيّ لا يبيع أرضه للغرباء، وهو هنا يؤكّد بطريقة غير مباشرة أنّ الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ يتمحور حول الأرض، وبالتّالي فإنّ الفلسطينيّ لا يفرّط بأرضه، مهما كانت الإغراءات الماليّة لأنّها وطنه، والوطن لا يباع ولا يشترى، فعندما سأل الرّجل الغريبُ الجدَّ:
” أتريد أن تبيع الأرض؟
جدّي: لا لا …لن أبيعها.
الغريب: وإذا دفعت مبلغا إضافيّا فوق ثمنها؟
جدّي: هذه الأرض توارثناها من أجدادنا جيلا بعد جيل منذ مئات السّنين، أنا لا أفرّط بهذه الدّرّة الثّمينة.” ص7.
ما علينا، لقد قرأت القصّة ثلاث مرّات وعدت إليها مرّات أخرى، وكلّما أعدت قراءتها كانت تراودني أسئلة كثيرة حولها بدءا من العنوان:” “جدّي يعشق أرضه”
فماذا بالنّسبة لي أنا الحفيد؟ وماذا بالنّسبة لأبي؟ ولماذا غُيّب الأب والمرأة كلّيّا عن النّصّ؟ وهل الحفيد في النّصّ طفل أم رجل راشد، وإذا قصد الكاتب أنّ الحفيد طفل -وهذا ما أعتقده-، فعندما اختلّت صحّة الجدّ قال الحفيد:
“قدّمت له كأسا من الماء، ونقله والدي إلى المستشفى” ص18.
وفي صباح اليوم التّالي لبقاء الجدّ في المستشفى، جاء على لسان الحفيد:
” كنت أطوي المسافات وأختزل الّلحظات خلال سفري بالسّيّارة للقاء جدّي العليل.” ص20، وسواء كان الحفيد هنا هو من يقود السّيارة، أو أنّه استقلّ وسيلة مواصلات عامّة فإنّ هذا يعني أنّه ليس طفلا.
وفي تقديري أنّ النّصّ الذي طغى عليه الأسلوب التّقريريّ الإخباري أكثر من السّرد القصصيّ قد انتهى في الصّفحة 18. وما تبعها هو مجرّد حشو لغويّ لإطالته، وتطغى عليه الجمل التّفسيريّة التي لا تخدمه.
وقد لفت انتباهي جملة وردت على لسان الجدّ:” أنا لا أبيع أرضي، هي عرضي”. وهذه الجملة أعادت ذاكرتي لكتاب الدّكتور صادق جلال العظم الذي كتبه بعد هزيمة العام 1967، تحت عنوان”النّقد الذّاتي بعد الهزيمة”، والذي قابل فيه عددا من النّازحين، وسألهم عن سبب هروبهم من وطنهم فأجابوا بالإجماع:” لقد هربنا بأعراضنا”! وعقّب الدّكتور العظم على ذلك بقوله بأنّه لا يوجد عندهم مفهوم للوطن. وواضح أنّ اقتران الوطن بالعِرض يدخلنا في متاهات لها أوّل، وليس لها آخر، فهل الوطن والعِرض متساويان؟ وهل الهروب من الوطن يحمي الأعراض؟ وكم من الأعراض انتهكت على أيدي من لجأ البعض منّا إليهم لحماية أعراضنا؟ وهل فهمنا للوطن مستمدّ من جسد المرأة؟ وكم؟….وكم…؟ وكم.
الرّسومات: رافقت النّص رسومات لـِ “فيتا تنئيل”، ولا أعرف شيئا عن صاحبة الرّسومات، لكن لفت انتباهي عدم وجود أيّ رسم للجدّ أو للحفيد، ولم أجد رسما واضحا للأرض، وحتّى رسمتي شجرة الصّبّار ونبتة الخيار في الصّفحتين 14 و15، جاءتا دون أرض، ورسمة البلدة العربيّة في الصّفحتين 22و 23 لا علاقة لها بالفن المعماري الشّرقيّ، وهي رسمة لبلدة أوروبّيّة أو أمريكيّة.
ملاحظة: وردت في النّصّ أخطاء مطبعيّة ولغويّة، ومنها: “قَرَعَ الجرسُ” ص10، والصّحيح “قُرِعَ الجرسُ”. و”سوف يبيعها الأبناء والأحفاد وينفقوا على ….”ص14، والصّحيح “وينفقون”.
28-8-2023