رواية الخاصرة الرّخوة للكاتب جميل السلحوت، صدرت الرّواية نهاية العام 2019 عن مكتبة كلّ شيء في حيفا، وتقع في ٢٦٠ صفحة
رغم أنّ الرّواية نسائية بامتياز إلا أنّ الكاتب سلّط الضّوء في بدايتها بالحديث عن الأب اللاجئ الذي لم ينسَ بيته على شاطئ يافا، وشلال الحنين إليه لا يتوقف، وهنا أراد أشار الكاتب إلى قضية اللاجئين الذين هُجّروا من بيوتهم واضطروا للعيش في مخيمات اللجوء، ورغم أن الأب يعيش في القدس وبقرب المسجد الأقصى إلا أنّه لم ينس يافا وبيته الوادع على شاطئها، ولم ينس والده الذي كان يراه على هيئة غيمة تقف على باب البيت رمزا للعطاء والخير.
تعمّد الكاتب أيضا أن يطرق باب العقل الذّكوريّ المسيطر في المجتمع، فكان الأب يشعر بعقدة النّقص التي تمثلت بعدم وجود ولد ذكر له، ليكون سندا له يُعينه على الحياة ومتطلباتها، رغم أنّه أب لخمس بنات يتمتّعن بالجمال وحسن الخلق والدّين. ومن هنا تبدأ الرّواية التي محورها الرّئيسيّ المرأ،ة فبدأ تسليط الضّوء على النّموذج الأوّل لها وهي جمانة الإبنة الكبرى، متديّنة، جميلة، خلوقة، واسعة الثّقافة والعلم، تملك لكلّ سؤال جواب، ولكلّ مناظرة حجّة وبيّنة ، ورغم كلّ ما تملك اضطرّت الخضوع للعادات والتّقاليد موافِقة على الارتباط بأسامة الذي درس علوم الدّين في الأزهر، شخصيّة متزمّتة ، تكفيريّة، المرأة بالنّسبة له ليست إلا وعاء لغرائزه الحيوانيّة، يتزوّجها وينقلها إلى بيئة متعفّنة حيث يعمل في السّعوديّة، يضعها في بيت قذر مهلهل لا يليق بالسّكن ولا بحياة زوجيّة قويمة، يمارس عليها عقده بكلّ أصنافها، يحرمها من أبسط المقومات الحياتّية كالخروج والقراءة، وعندما كان يسمح لها بالقراءة كانت الكتب من اختياره، حملت في رحمها ابنه الذي أجبرها على وضعته في ذات البيت بحجّة أنّ الولادة في المشفى حرام، لوجود أطبّاء رجال. وبعد معاناة في غربة مرّة عاشتها مع أسامة، تعود معه إلى القدس معلنة تمرّدها ورفضها لاستمرار الزّواج، وتطلب الطّلاق غير عابئة بالعادات والتّقاليد التي أجبرتها على الزّواج فيتحقّق لها ذٰلك.
النّموذج الثذاني كان عائشة الطّفلة التي تزوّجت في المرّة الأولى، وطُلِّقت بعد ساعات قليلة من زواجها، وهنا تبيّن الرّواية أنّ الطلاق ليس بالضّرورة أن يكون بإيقاع يمين الطّلاق وأمام قاضي المحكمة، إنّما كان بمجرد الشّكّ بعذرية عائشة الطفلة، التي لم تكن تعرف معنى للمعاشرة الزّوجيّة قبل ذلك، واتّهامها بشرفها أمام الملأ، لتعود إلى بيت أبيها بعد ثلاثة شهور وهي البريئة التي ألبسوها أسمال العار بإصرار، حتّى أنّ والدها بجهله رفض اصطحابها للكشف عند الطّبيب للتّأكد من براءة ابنته، بحجّة الخوف من الفضيحة، ملقيا بالّلوم كلّه على الأمّ متّهما إيّاها بسوء التّربية، وهذا نوع آخر من الظّلم الواقع على المرأة بتحميلها مسؤوليّة تربية الأبناء، وكأنّها أنجبتهم وحدها ولها وحدها، والزّوج معفى من ذٰلك، وبعد الثّلاثة أشهر تمّ الطلاق بالتنازل عن كافة حقوقها الشّرعيّة دون التّطرّق للأسباب أمام المحكمة، وهنا أظنّ أنّ الكاتب يريد التّنويه إلى نقطة هامّة وهي الرّوتين التي تحتكم له محاكمنا في قضايا النّسا، لم تتطرّق الرّواية بالتّفصيل لهذه القضيّة، وكأنّ الكاتب ترك الأمر للقارئ، كي يكتشف ذلك بنفسه، وأنّ يرى مدى العجز الذي تعاني منه محاكمنا، لأنّها نفس المحاكم التي تطلب ممّن لا يستطيع زوجها الدّخول بها الصّبر لعدّة أشهر؛ لتتاح الفرصة للحكم بالأمر، في حين لم يطلب التّأكد من عذريّة عائشة بالكشف الطّبي الّلازم، وكأنّ الكاتب يذكّر بأنّ القوانين في المحاكم من صنع الذّكور المتعاطفين مع أبناء جنسهم بعيدا عن الشّريعة القويمة، تتزوّج عائشة من جديد من أسير محرر (فارس ) الذي يكبرها بأربع وعشرين عاما، ولم يكن لها الخيار بالموافقة أو الرّفض، ليشاء القدر أن تظهر براءتها أثناء ولادتها، حيث كانت ممّن يحملن غشاء مطاطيا لا ينفضّ إلا بالولادة.
النّموذج الثّالث صابرين ابنة عم أسامة، صابرين الفتاة اللعوب التي تمردت على العادات والتّقاليد وخلعت حجابها وفقدت شرفها وعفّتها، وتزوّجت من يونس بعد حدوث الحمل سفاحا، وبعد أن وضعت طفلتها طلقها وألّقى بها خارج حياته ومجتمعه، وكأنها خرقة بالية اكتفى منها ولم تعد تصلح له.
الرّابط بين بطلات الرّواية هو العادات والتّقاليد التي رسمها الذّكور في مجتمع يتحكّمون به حسب أهوائهم ورغباتهم. .
المرأة هي الخاصرة الرّخوة الضّعيفة المستباحة، حتى فاطمة والدة أسامة رغم قوّتها وجبروتها ، كانت ضحيّة أفكار ورثتها أبّاً عن جدّ، ضحيّة بيئة رسّخت فيها أنّ المرأة ليس لها قيمة إذا لم تكن ولودا، وما هي إلا خادمة في بيت الزّوجيّة، كانت ضحيّة معتقدات وتقاليد عمياء، وللأسف طغت على شخصّيتها ما جعلها مُستبدّة طاغية صاحبة لسان سليط، يجلد ولا يرحم، وهي نفس العادات التي جعلتها تغيّر رأيها وتعمل جاهدة على إقناع ابنها بالزّواج من صابرين، متناسية أفعالها التي كانت يوما ما تعايُرها بها، وتضعها سكّينا على رقبتها، وهذا في سبيل أنّها أصبحت من أصحاب المال ( الملوّث ) الذي قبضته ثمنا لطلاقها.
5-اكتوبر 2020