قراءة في كتاب “رسائل من القدس وإليها” للكاتبين جميل السلحوت وصباح بشير
أدب الرسائل نوع أدبي معروف في الأدب العربي والأدب العالمي، فقد سبق أن تبادل العديد من الشعراء والكتاب والمبدعين والمفكرين الرسائل فيما بينهم، وشكل ذلك فرصة قيمة لهما للتأمل بالذات ومراجعتها، وفتح أفق الحوار فيما بينهما وقراءة الواقع، تشخيصه، تحليله وتوثيقه من خلال المزج بين عرض الحقائق والمعطيات والأحداث من جانب، واجتراح واستنباط الأفكار والتبصرات من جانب آخر.
تعرف الكاتبان على بعضهما من خلال حضورهما في أمسية أدبية في مسرح الحكواتي في القدس، وتنشأ وتتشكل وتتعمق علاقتهما من خلال الكتابة، فيتضح أنهما أبناء قرية واحدة من قرى القدس. ورغم اختلاف الجيل بينهما إلا أن هنالك العديد من الموضوعات والاهتمامات التي تجمعهما مثل النشاط الثقافي، القراءة والكتابة، حب الوطن، السفر، الانحياز لحقوق الإنسان وحقوق المرأة، الاهتمام بالتربية والتعليم والثقافة والإعلام الهادف، محاربة الجهل والتخلف وزرع الأمل والعمل على النهوض … إلخ.
الأسلوب الذي يكتب به السلحوت أسلوب سهل بسيط عفويا سرديا وجذاب، يشد القارئ من خلال طابعه القصصي، بينما أسلوب بشير محكم ومتقن ودقيق ورقيق وحذر مليء بالشاعرية والوصف والتجريد والنقد والبُعد التنظيري.
إحدى التيمات المركزية التي تعود وتتكرر مرارا في الرسائل هي جدلية العلاقة بين المطالعة والكتابة والولع بالقراءة، وما تفعله بكل واحد منهما وما تسببه الكتابة من سعادة وهناء وحرية.
يسهب السلحوت في نبش الذاكرة الفردية والجمعية والتطرق للمسائل السياسية المحلية والإقليمية والدولية، وفي مركزها القضية الفلسطينية، بينما تتحفظ بشير من التداخل بالسياسة بشكل مباشر مقدمة على ذلك التعاطي مع المسائل الاجتماعية والتربوية والثقافية.
نرى من خلال الرسائل غزارة إنتاجات السلحوت الأدبية، وخصوصا الروايات التي أصدرها وقصص الأطفال التي نشرها، في مقابل تشكل شخصية صباح بشير النفسية والإبداعية كناشطة اجتماعية وككاتبة وكصحفية وكرحالة قادرة على رسم وتخطيط مسيرة تقدمها المهنية والفكرية.
يشارك الكاتبان القراء بالمعلومات القيمة والمعرفة الواسعة التي اكتسباها إمّا من خلال الذاكرة أو المطالعة أو التجربة. فعلى سبيل المثال، يُسرَد تاريخ الشعب الفلسطيني وُتذكر الشخصيات الثقافية التي لعبت دورا مركزيا في بلورة وصياغة المشهد الثقافي الفلسطيني، وتوصف الدول والمدن والبلدان وُتفصل مميزاتها الإيجابية والسلبية.
ينهل الكاتبان الكثير من موضوعاتهم من بيئتهم والسياقات الإجتماعية والسياسية والجغرافية التي عايشاها بحلوها ومرها، وتشكل التداعيات محفزات ومداخل للحوار بينهما.
هذا النوع من الرسائل الأدبية من الممكن اعتباره جزء من أدب السيرة الذاتية. حيث يتطرق الكاتبان إلى فترة طفولتهما وشبابهما ومحطات مهمة من حياتهما وإلى أحداث أثرت فيهما.
لا يمكن، من خلال هذا السياق الإحاطة بكل جوانب الكتاب ولكن بلا شك أننا أمام كتاب لطيف ومفيد وشيق وممتع.