ينعقد مؤتمر القمة العربية في دمشق وأحوال الأمة في مهب الريح ، ففلسطين والعراق والصومال لا تزال تحت الاحتلال الأجنبي المباشر ،والسودان مهدد بوحدة أراضيه ،والجزائر تعيش ظروفا صعبة من الإحتراب الداخلي، ولبنان عاجز عن انتخاب رئيس للبلاد نتيجة للتدخلات الأجنبية ولسياسة المحاور لبعض الدول العربية،وبالتالي فان حكومته اتخذت قرارا بعدم المشاركة في القمة .
واذا كان غياب بعض القادة العرب عن المؤتمر يؤشر الى أن النتائج المتوخاة من القمة لن تستجيب لطموحات الشعوب العربية ، ولن تخرج عن قرارات القمم السابقة في صياغة أحلام لا تلبث أن تذروها الرياح بعد عودة القادة الى عواصم بلدانهم ، فإن الشعوب العربية التي يعاني بعضها من الاحتلال الأجنبي، وتعاني في غالبيتها من تردي الأوضاع الاقتصادية الناتج عن غياب التخطيط العلمي الصحيح في استغلال الموارد، وكيفية توزيعها وانفاقها ، كما تعاني من غياب التعليم الصحيح في مختلف المجالات ، وعدم مواكبة حتى الجامعات العربية للتقدم العلمي الهائل الذي يشهده العالم ،وغياب البحث العلمي بشكل شبه كامل، بل ان ما يقارب ربع مليون عربي – 70 مليون مواطن أمّي – في حين أن دولاً أخرى مثل اليابان تغلبت قبل أكثر من خمسة عشر عاماً على أمّية الحاسوب – الكمبيوتر – عند جميع مواطنيها ، ومع أن العالم العربي يمتلك أكبر احتياطي للنفط في العالم ، واحدى دوله وهي السودان تشكل أحد السلاّت الغذائية التي يمكن أن تحل المشاكل الغذائية للزيادة السكانية في العالم . إلا أن غالبية الشعوب العربية تعيش تحت خط الفقر، بل ان بعضها مهدد بالمجاعة ، وسوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي يوجد عندها اكتفاء ذاتي في انتاج القمح،مع كل مشاكلها القتصادية الأخرى ، بينما دول عربية تمتلك أراضي زراعية شاسعة تستورد القمح لسدّ رمق شعوبها من الخبز ، فمصر وادي النيل المشهورة بالفول الذي يشكل غذاء رئيسياً لشعبها، تستورد أكثر من خمسين في المائة من حاجتها من هذه المادة، اضافة الى استيرادها للذرة والقمح .
لكن الذي يهمنا هنا هو معالجة القضايا السياسية الملحة في العالم العربي ، رغم الضغوطات الهائلة التي يتعرض لها القادة العرب من قبل القوة الأعظم في العالم من أجل منعهم من اتخاذ أي قرار لصالح تحرير الدول العربية المحتلة احتلالا مباشرا على الأقل .
وفيما يتعلق بفلسطين فإن الجامعة العربية، وبعض المسؤولين العرب هددوا بسحب المبادرة العربية – أي المبادرة السعودية – التي قدمها العاهل السعودي الملك عبد الله الى قمة بيروت أيام كان ولياً للعهد ، وهذا التهديد جاء وكأن المبادرة كانت في مراحل التنفيذ ، علماً أن اسرائيل” ارتأت فيها جوانب ايجابية مع بعض التحفظات” وذلك تحت ضغوطات أمريكية لحفظ ماء الوجه للزعامات العربية ، بينما هي على أرض الواقع لم تقبل منها سوى انهاء الصراع العربي الاسرائيلي ، وضرورة تطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية ، أي أن اسرائيل تريد اعتراف الدول العربية بها ، واقامة علاقات شاملة وكاملة معها في ظل مواصلة احتلال اسرائيل لأراضي الدولة الفلسطينية ، وللجولان السورية ولمزارع شبعا اللبنانية ، واسرائيل التي تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع ثلاث دول عربية هي مصر والأردن وموريتانيا ، فإنها نجحت في تطبيع علاقاتها مع أكثر من دولة عربية أخرى بعضها لا يُخفي ذلك مثل قطر، والبعض الآخر يُخفي هذه العلاقة ، ولا يعلن عنها بشكل رسمي خوفاً من ردّة فعل شعوبها ، ويبدو أن ذلك جاء استجابة لضغوطات المحافظين الجدد المتربعين على عرش البيت الأبيض في واشنطن ، فالرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الذي يدعم اسرائيل بلا حدود سبق وأن أعلن ” أنّ من ليس معنا فهو ضدنا ” وبالتأكيد فإن غالبية القادة العرب معه، حتى وان تعارضت سياسته مع الأمن القومي العربي ، ومع المصالح العربية المختلفة ،ومن هذا المنطلق فان قادة عربا لم يحضروا قمة دمشق، كما أن أولمرت بعث الى القمة رسالة “تطمينات” قبل انعقاد القمة بثلاثة ايام باعلانه أن الاستيطان لن يتوقف، وبالتالي فانه ينسف العملية السلمية برمتها،وكأنه يقول هاأنا أتحداكم مجتمعين، فافعلوا ما تشاؤون.
و اسرائيل التي كانت تعاني من مقاطعة عربية شاملة منذ قيامها وحتى اتفاقات كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس وزراء اسرائيل الأسبق الراحل مناحيم بيغن، لم تعد تعاني من هذه المقاطعة ، بل انها استطاعت وبمساندة ضغوط الرئيس الأمريكي أن تجذب الدول العربية لمشاركتها هي وحلفاؤها في حصار الشعب الفلسطيني حصارا محكما، مثلما هو حال قطاع غزة الآن ، وبغض النظر عن الموقف من حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ انقلابها على السلطة في حزيران الماضي ، الا أن الذي يعاني من حصار التجويع هو مليون ونصف مليون مواطن فلسطيني، يعيشون في القطاع الأسير ، فهل يتنادى القادة العرب الى فك هذا الحصار ؟؟.
وفي حين أن اسرائيل أعلنت موافقتها في مؤتمر أنابوليس على اجراء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية على جميع القضايا بما فيها قضايا الحل النهائي ، الا أنها لم تـُقدم للرئيس محمود عباس أيّ شيء ، بل أن أولمرت يعلن بعد الاعلان عن تحديد موعد للاجتماع بينه وبين الرئيس الرئيس محمود عباس عن اقامة مشاريع استيطانية جديدة في القدس أو في مناطق أخرى من الضفة الغربية ، وقد وصل الأمر بنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في زيارته للمنطقة في الأيام القليلة الماضية أن يقول: ” أن أمريكا لن تضغط على اسرائيل في قضايا تتعلق بأمنها ” وهذا يعني تأييد الادارة الأمريكية للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية ، مما يعني أن ما يسمي ” رؤية الرئيس جورج بوش لاقامة دولة فلسطينية بجانب دولة اسرائيلية ما هو الا ذرّ للرماد في العيون ، فعلى أي أرض ستقوم الدولة الفلسطينية ما دام الاستيطان اليهودي مستمراً على أرض هذه الدولة ؟؟
فهل يتنادى القادة العرب في قمتهم لمساندة الرئيس محمود عباس في موقفه التفاوضي لتطبيق قرارات الشرعية الدولية بما يتعلق بالصراع ؟؟ وهل يتنادى القادة لقول كلمة ” لا ” فقط لاسرائيل وأمريكا في سياستهما التي تـُبعد السلام عن المنطقة بدلاً من تقريبه ؟؟ وهذا ما تتمناه شعوبنا وأمتنا العربية .