عبد السلام العابد
جميل السلحوت أديب معروف ، له حضوره الثقافي المتعدد ، منذ سبعينيات القرن الماضي ، له مؤلفات عديدة في مجال التراث الشعبي ، والمقالات والدراسات الثقافية ، وقصص الأطفال ، وأدب الرحلات ، والروايات . وهو دائم الحضور الثقافي الفاعل ، عبر ما ينشره من كتب ورقية، و في وسائل التواصل الاجتماعي . لقد تسنى لي أن أقرأ بعضا من كتابات أديبنا جميل السلحوت ، وقد استهوتني حقا وشدتني ، وتفاعلت معها ، الأمر الذي يجعلني مستعدا لقراءة كل ما تقع عليه عيناي من هذه الكتابات الواعية . رواية ( رولا ) آخر ما قرأته من روايات ، خلال الأيام الماضية. شدتني الرواية منذ سطورها الأولى ، كما شدتني روايات السلحوت التي تمكنت من الحصول عليها وقراءتها ورقيا . وأنت تقرأ هذه الرواية تدرك تماما أنك أمام كاتب له خبرة ومعرفة وتجربة عميقة في الحياة ، وفي العادات والتقاليد والتراث الشعبي الفلسطيني ، والتاريخ والجغرافيا ، وتطورات الأحداث التي شهدتها بلادنا فلسطين، منذ البدايات الأولى حتى الآن . يقص لك هذه الأحداث عبر سرد قصصي سهل و ماتع ، بعيدٍ عن السآمة والملل والتعقيد .تترك الرواية وتشتاق مرة ثانية لمتابعة القراءة فيها . في رواية ( رولا ) يدخلك الكاتب بسلاسة إلى أجواء أسرة فلسطينية عادية تعيش في جبل المكبر ، يتكون أفرادها من رب الأسرة أبي كامل، وزوجتيه أم كامل وفاطمة أم صالح ، والأبناء كامل وصالح وخليل وزينب .فاطمة تريد أن تزوج ابنها صالحا، ولكنه يرفض الزواج ؛ لأنه ليس مستعدا لذلك ، ولأن أخاه خليل معتقل في سجون الاحتلال ، ويأتي أيضا ألمختاران أبو سعيد وأبو محمد ، ليخطبا زينب الطالبة الجامعية للشاب سامح . وتتطور الأحداث ، وتتنامى الشخصيات بطريقة واعية وذكية وشائقة ، لترسم لنا الرواية عالما واقعيا يموج بالحركة و الحيوية لحياة الفلسطينيين، في بلادنا منذ الاحتلال عام سبعة وستين حتى عام ثلاثة وسبعين ، بسلبياته وإيجابياته ، وأفراحه وأحزانه. ثمة ظواهر اجتماعية سلط الكاتب عليها الأضواء ، بأسلوب سردي شائق، كعادات الخِطبة والزواج ، والتضامن مع المعتقلين واحترامهم وتقديرهم ، ومشاركتهم في الأنشطة الوطنية المتنوعة، وما يتعرض له الناشطون من تضييق ومراقبة وإقامة جبرية ، ورصد لحالات بعض المتعاونين الذين تلفظهم عائلاتهم وأبناء وطنهم في حياتهم ومماتهم ، وفي الرواية وصف جميل للطبيعة الفلسطينية وما فيها من خيرات وجمال وثمار ، وعلاقات التشاحن والشجارات و المحبة والتعاون والتسامح بين العائلات الفلسطينية ، و التآخي بين المسلمين والمسيحيين ، وخصص أديبنا حيزا كبيرا للقدس بتاريخها وجغرافيتها و حضارتها وماضيها وحاضرها وكنائسها ومساجدها، وحاراتها وشوارعها ومحلاتها. ويقترن أخيرا خليل برلا الفتاة الفلسطينية الأصيلة التي تعرضت للظلم والقهر والحرمان ولكنها شكلت نموذجا حيا للوعي والتحدي والإرادة ، والتي اختارها قلبه وعقله زوجة له ، لتنجب له طفلة اسمها ياسمين ، ثم طفلا آخر عام ثلاثة وسبعين ، أسماه جمال( تيمنا بزعيم الأمة الراحل جمال عبد الناصر ) . ولعل اقتران خليل برلا يشكل رمزا مشرقا للعلاقة الأسرية المتكافئة القائمة على الصدق والصراحة ،و الاحترام والتقدير والمحبة والوعي ومواجهة التحديات، بروح من العمل المشترك ، والتفاهم والانسجام، والأمل بمستقبل مشرق واعد في وطن حر آمن عاصمته زهرة المدائن .. القدس التي كتب عنها الأديب جميل السلحوت، وهو يعيش فيها، وبالقرب الحميم منها، ويراها في عين قلبه صباحا ومساء . وختاما، فإنني أتمنى لأديبنا المثابر جميل السلحوت المزيد من الإبداعات الأدبية والثقافية التي تضيء دروب الآلام الفلسطينية ، على مر الحقب والسنين