“شبابيك زينب” في اليوم السابع
القدس: 20-9-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية “شبيبيك زينب” للأديب الفلسطيني رشاد أبو شاور، صدرت طبعة الرواية الثالثة عن دار الشّروق للنّشر والتوزيع عام 2018 ، وتقع في 111 صفحة من الحجم المتوسّط، وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عام 1994 عن دار الآداب في بيروت، في حين صدرت الطبعة الثّانية لاحقا عن دار الأسوار في عكّا.
وأديبنا أبو شاور كاتب ومناضل معروف، ولد عام 1942 في قرية ذكرين قضاء الخليل، والتي احتلت ودمّرت في نكبة العام 1948. عاش أديبنا في عدّة مخيّمات منها:”الدهيشة، النويعمة واليرموك”، كما تنقّل في عدّة دول عربيّة، حتى انتهى به المطاف في العاصمة الأردنيّة عمّان. صدرت له حتّى الآن ثماني مجموعات قصصيّة وسبع روايات.
حصل على عدّة جوائزمنها:جائزة القدس للعام 2016 من الاتّحاد العامّ للأدباء والكتّاب العرب، جائزة القصّة القصيرة عام 1996على اسم القاصّ الرّاحل محمود سيف الايراني من رابطة الكتّاب الأردنيّين. ومنح وسام المنظّمة العالميّة للصّحفيّين عام 1982.
افتتحت الأمسية ديمة جمعة السمان مديرة الندوة، فأشادت بالرّواية مع ابداء بعض الملاحظات.
وقال جميل السلحوت:
تعتبر رواية شبابيك زينب للأديب رشاد أبو شاور رواية الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى، وتدور أحداثها في مدينة نابلس ومخيّم بلاطة المجاور لها، وإن امتدّ مكان الرّواية إلى مدينة القدس، إلى مستشفى المقاصد الخيريّة حيث نقل أحد المصابين إصابة بالغة إليه.
وسيلاحظ القارئ أنّ الأديب أبو شاور قد صاحب فعاليّات الانتفاضة في مدينة نابلس ومخيّم بلاطة رغم أنّه لم يدخلهما قبل كتابته للرّواية، التي كتبها أثناء إقامته في تونس بعد خروج منظّمة التحرير من بيروت عام 1982. لكنّه كان يتابع الأوضاع من خلال وسائل الاعلام. ، وبالتّأكيد فإنّ أديبنا زار نابلس عندما دخل الأراضي الفلسطينيّة زائرا بعد قيام السّلطة الفلسطينيّة. وما يهمّنا هنا أنّ الكاتب وصف المدينة قبل أن يدخلها، فتحدّث عن جبليها “جرزيم وعيبال” ، وعن حاراتها القديمة، وعن الطّائفة السّامريّة وهذا يذكّرنا بما كتبه الدّكتور عادل الأسطة عن الأدباء الذين كتبوا عن مدن لم يعيشوا فيها.
واكتسبت الرّواية اسمها “شبابيك زينب” من تلك الفتاة النّابلسيّة زينب التي كانت تقف على شبابيك بيتها، تراقب الحمام الذي هو رمز للسّلام، كما كانت تراقب بغصّة دوريات الاحتلال العسكريّة التي كانت تجوب شوارع المدينة. وعندما انطلقت الانتفاضة الأولى في 8 ديسمبر 1987، بعدما قام مستوطن اسرائيليّ حاقد بدهس ثمانية عمّال فلسطينيّين من مخيّم جباليا في قطاع غزّة عند حاجز إيرز.
فوقفت زينب عند شبّاك بيتها تحمل شعلّة ناريّة، وخرجت مئات المشاعل معلنة بدء الانتفاضة، لكنّ زينب استشهدت برصاص قنّاص اسرائيليّ، استشهدت وخطيبها معتقل في سجون الاحتلال.
وسيلاحظ القارئ للرّواية أنّ أديبنا أبو شاور، قد وصف فعاليّات الانتفاضة وكأنّه مشارك في فعاليّاتها، حيث ينتقل بشخوص روايته من جبلي نابلس”جرزيم وعيبال” إلى حاراتها، إلى رفيديا بوّابة نابلس الشّماليّة، مخيّم بلاطة بوابّة المدينة الجنوبيّة الشّرقيّة، ليصل بالقارئ إلى القدس.
وسيلاحظ القارئ من خلال الرّواية كيف اكتمل مشهد الفلسطينيّين الذين يعيشون في وطنهم التّاريخيّ، ففلسطينيّو الأراضي المحتلة عام 1967هم المنتفضون، وفلسطينيّو الدّاخل يجمعون التّبرّعات والموادّ التموينيّة ويقدّمونها كمساعدات لاخوانهم المنتفضين.
وقد لفت انتباهي اسم “صالح” من جماعة حركة الأرض، فهل جاء هذا الاسم عفويّا في الرّواية، أم أنّ الكاتب قصد به المناضل المرحوم صالح برانسي “1928-1999″ ابن الطّيبة في المثلث؟ وهذا ما أعتقده، فالمرحوم صالح برانسي مؤسّس رئيس لحركة الأرض، التي ظهرت كتيّار قوميّ في الدّاخل الفلسطيني عام 1958. وقد قمعها الاحتلال في مهدها واعتقل رموزها، ومنهم صالح برانسي لسنوات عديدة ولأكثر من مرّة، وهذا ما أخّر زواج برانسي.
كما لفت انتباهي دكتور التاريخ”عزّالدّين” الذي يشكّل الذّاكرة الفلسطينيّة.
الطّبقات الاجتماعيّة
تطرّقت الرّواية إلى الصّراع الاجتماعيّ والطّبقيّ الذي لا تزال رواسبه موجودة في أوساط الشّعب الفلسطينيّ، رغم أنّ الاحتلال يقمع الجميع، فالتّاجر الحاج فخري بن المدينة رفض حتّى مجرّد الاستماع لأحد أبناء مخيّم بلاطة الذي جاء خاطبا لابنته. ومعلوم أنّ هكذا موقف لا يقتصر على اللاجئين من أبناء المخيّمات، بل يتعدّاهم إلى أبناء القرى أيضا. وهذا يذكّرني بعيدا عن الرّواية بما كنّا ندرسه في كتاب التّاريخ في المرحلة الابتدائيّة في خمسينات القرن العشرين عن طبقات المجتمع، حيث تقسم كالتّالي: “سكّان المدن، سكان القرى”الفلاحون” وسّكان الباديّة!”
الموت والحياة
في الجزء الثّاني من الرّواية طرح الكاتب قصّة الفلسطينيّ “ناصر” الذي أصيب برصاصة فتّت دماغه، وتمّ نقله من المستشفى في نابلس إلى مستشفى المقاصد الخيريّة في القدس، حيث بقي حيّا من خلال الأجهزة الطّبّيّة، مع أنّه ميّت”اكلينيكيّا”موت سريري. وهناك حاولت أسرة اسرائيليّة ثريّة مساومة العائلة من خلال “صحفي عربيّ” لشراء قلب “ناصر” لزراعته في جسد ابنهم “يسرائيل” الذي يعاني سكرات الموت، ولا ينقذه إلّا زراعة قلب. وهنا نرى المفارقة فوالدة ناصر التي تجلس منهكة حزينة بجانب سرير ابنها في المستشفى تدعو الله أن يشفيه، يقابلها أهل “يسرائيل” الذين يريدون انقاذ حياة ابنهم بشراء قلب “ناصر”! ويحتدم النّقاش فلسطينيّا إلى أن جاء خبر وفاة “يسرائيل”. وكأنّي بالرّواية تريد أن تصل بنا إلى ما مفاده، أنّ الصراع الفلسطينيّ صراع حياة أو موت.
الأسلوب:
اعتمد الكاتب أبو شاور في روايته هذه أسلوب السّرد القصصي، من خلال لوحات قصصيّة متتابعة مترابطة، فأبدع في إيصال فكرة الرّواية التي تحدّثت عن الحبّ والجمال، عن الصّراع الطّبقيّ، عن مقاومة المحتل وعن الحياة والموت.
وكتبت نزهة أبو غوش:
الصّراع في رواية شبابيك زينب
في الباب الأوّل تحدّثت الرّواية عن الأحداث والاشتباكات والمقاومة الشّعبيّة ضدّ الاحتلال الّتي جرت في آب عام 1988م في مدينة نابلس.
أمّا الباب الثّاني فقد برز فيه خطّ الصّراع الرّوائي الّذي تركّزت عليه الحبكة الرّوائيّة. يبدو أنّ الكاتب أبو شاور قد تعمّد فصل الحبكة عن الأحداث في الباب الأوّل؛ وأنا أرى لو أنّه دمغها مع الأحداث بشكل متدرّج، وأبرز الخلفيّة النّفسيّة للشّخصيّات؛ لتناغمت المركّبات اللغويّة والنّفسيّة معا لتشكّل (هرمونيا ) تضيف للرّواية واقعيّة أُخرى غير الأحداث التّاريخيّة الواقعيّة الّتي حدثت في شباط عام 1988م. مع الملاحظة بأنّ ما قام به الكاتب لا يعيب الرّواية أبدا.
نجد بأنّ لغة الكاتب في الرواية لغة موحية موجزة تحمل الدّلالات والمعاني الّتي هدفت اليها؛ من أجل ايصال الفكرة.
أمّا المكان والزّمان في الرّواية فنجد أنّهما مرتبطان ببعضهما ويكمّل أحدهما الآخر، حيث نهج الكاتب بأن تكون نابلس والقدس المكان، وقد استخدم أُسلوب السّرد السّريع؛ كي يخدم البناء العامّ لحركتيّ الزّمان والمكان في الّرواية.
خطّ الصّراع في الرّواية امتدّ على طول الباب الثّاني حتّى نهاية الرّواية.
كانت المشكلة، طلب الجهة الصّحيّة الاسرائيليّة في مستشفى هداسا من الجهة الفلسطينيّة في مستشفى نابلس ومستشفى المقاصد في القدس؛ أن يتبرع بقلب المصاب في الجبهة الشّعبيّة الفلسطينيّة المدعو ناصر، حيث أُصيب بطلقة ناريّة في رأسه من قبل جندي الاحتلال أثناء المظاهرة، واعتبره الأطبّاء ميّتا من النّاحية (الكلينيكيّة). القلب يحتاجه مريض قلب في هداسا يدعى (يسرائيل) الّذي يعيش من خلال قلب اصطناعي، وهو معرّض للموت في أيّة لحظة على الأغلب 72 ساعة.
هنا استطاع الكاتب أبو شاور خلق صراع بين الطّرفين الاسرائيلي والفلسطيني، وبين أهل وأصدقاء وزملاء المريض والأطبّاء .
نجد كيف كان الصّراع الدّاخلي للطّبيب الّذي سئل من الطّرف الاسرائيلي:
– “أنا من مستشفى هداسا، هل يوجد عندكم قلب للسّيّد يسرائيل…أُلحّ عليك بالسّؤال كطبيب هل…
أغمض الطّبيب الفلسطيني عينيه، وفرك جبينه، وسال عرقه، ليس بسبب التّدفئة، لكن لأنّ دمه سخن في عروقه.” ص 82
يجيب الطّبيب في أثناء اجتماع أعضاء الجبهة الشّعبيّة؛ من أجل اتّخاذ القرار :
” تصوّروا يريدون قلبه،…وهم من أطلق النّار على رأسه…أليسوا هم؟”ص83. عندما أعطى الطّبيب حالة القرار الأخير وكأنّه تخلّص من حالة الصّراع:
– انتبه: ناصر ميّت اكلينيكيّا، لكنّه مع ذلك حيّ، يتنفّس، دمه يجري في عروقه،…هل أقتل جسده وأتبرّع به؟” ص96.
– نشعر بأنّ الطّبيب عاش حالة من الصّراع بين الانسانيّة الّتي تربّى عليها، وبين قوميّته وانتمائه لشعبه وعروبته.
لكنّه في النّهاية يجد الحلّ المنطقي، وهو عدم اللجوء إِلى القتل مهما كان السّبب.
غسّان الأخّ الأكبر لناصر عاش صراعا مريرا، خاصّة حين اتّصلت به الممرّضة من هداسا:” يسرائيل خلال ساعات بموت إِذا ما لقيناش قلب مناسب، يسرائيل غني بيدفع الكم كويّس مصاري”ص 86.
أطبق غسّان سمّاعة الهاتف بقوّة حتّى أوشكت أن تنكسر” ص 86.
مراوغة الصّحفي يوسف صلاح زادت من حدّة التّوتر وأضافت صراعا في داخله، ورفضا بأنّ أخاه ” ميّت اكلينيكيا”.
قال الصّحفي بكلمات ايحائيّة وكأنّه يعزّي غسّان:
” الله يساعده- الأبّ- أن يرى ابنه ميّتا ولا أمل في أن…قطع عليه غسّان استرساله:
” أن يراه حيّا وليس ميتا، ولا يستطيع أن يكلّمه” ص88.
لقد لجأ غسّان من المأزق الّذي وضعه أمامه الصّحفي الّذي أراد أن يحقّق خبطة صحفيّة إِلى القرار الفلسطيني الجماعي:
– شفت يا أُستاذ يوسف ناصر ليس أخي فحسب، إِنّه ابن نابلس وأبعد من ذلك ابن فلسطين، وفي نابلس لجنة شعبيّة واتّجاهات وشخصيّات وطنيّة هؤلاء جميعا هم أصحاب القرار” ص 91.
هنا نرى كيف تحوّلت مشاعر غسّان نحو النّاحية السّياسيّة الّتي تحكم البلد؛ أمّا في جانب آخر فنرى بأنّه قد تردّد قليلا نحو النّاحية الانسانيّة:
– ” لو أنّ الأمر يتعلّق بيهوديّ سامريّ من نابلس لصار للكلام معنى آخر”ص91.
الشيخ حسام كان متردّدا جدّا وعاش صراعا مع نفسه، عندما طلب منه الادلاء بصوته:
– “ولماذا أنا يا أخي مصطفى، علما بأنّي أكبركم سنّا؟”ص102.
لكنّه عندما بدأ حديثه نسب الأسباب للدّين بعيدا عن السّياسة:
– “المبشّر بالجنّة لا بدّ أن يدخل جنّة الله الّتي وعد بكامل أعضائه الّتي عاش بها واستشهد بها”ص103.
– كذلك خالد
“توتّر وجه خالد وبدا كأنّ أنفه استطال، وبدا العرق يتفصّد ويسيل على وجهه…..” لكنّه تحدث بعد أن أنهى الجميع كلامهم:
– “نحن في حالة حرب، وطننا محتلّ، وحياتنا عذاب وموت وخراب، وليس مطلوب منّا أن نثبت سلوكا حسنا وأخلاقا حميدة.”
أمّا فهمي فقد أبدى برأيه صريحا دون تردّد، أي أنّه لم يعش نفس الصّراع مثل الآخرين من زملائه:
– “رأيي أنّ التّفكير في الأمر ربّما يفيدنا… أقصد إِن كنّا نحقّق تأثيرا على الرّأي العام الاسرائيلي فالأمر جدير بالتّضحيّة”
أمّا مصطفى فقد أبدى هو أيضا برأيه دون تردّد ولم يعش نفس الصّراع:
– ” نحن لا نقبل بقتل ناصر وانتزاع قلبه، ولسنا نخضع للابتزاز”
وأخيرا جعل الكاتب رشاد أبو شاور نهاية لهذا الصّراع بموت الرّجلين المتصارع عليهم.
وقالت رفيقة عثمان:
تضمَّنت الرواية مائة وأحد عشرة صفحة، قسّمها على قسمين، وأعطى لكل قسم عناوين مختلفة؛ في اثنين وعشرين عنوانا؛ اهتم الكاتب في سرد الأحداث في زمان ومكان محدودين؛ نابلس هو المكان، والزمن هو فترة الانتفاضة الأولى عام 1987.
استطرد الكاتب في وصف المكان بصورة دقيقة جدّا، لمدينة نابلس العريقة، وكما مجّدها ومدح مواطنيها، وثمّن بطولاتهم على مر العصور؛ وأخيرا ركّز على فترة الانتفاضة الأولى، والبطولات التي خاضها الشباب والشابّات أثناء الانتفاضة.
شخصيّات أبطال الرواية محدودة؛ حيث استخدمها الكاتب لتحريك أحداث الرواية، ومن الملفت للانتباه، بأنّ الكاتب أبرز دور ومشاركة البطولة للنساء في الرواية، مثل الشهيدة زينب، وأمّ فدوى، وفدوى المعلمة. صديقة زينب؛ وأمّ ابراهيم. الأبطال الآخرون مثل: ناصر، ومصطفى، والدكتور عز الّدين، وحسام.
استغرق سرد الأحداث في الرواية مطوّلا، في آخر صفحات الكتاب، أظهر الكاتب الحبكة؛ والتي حاور فيها الكاتب الصراع حول التبرّع بالأعضاء، لإنسان من فئة معادية؛ كما حدث مع الشاب ناصر، الذي أصابته رصاصة أثناء الانتفاضة عند رفعه العلم الفلسطيني؛ ممّا أدى إلى غيابه عن الوعي، وتعطيل وظائف دماغه، ولكن قلبه ظلَّ نابضا.
ممّا دعا أهل مريض إسرائيلي، تعطّلت وظائف قلب ابنهم الشاب “يسرائيل”، وتوجّهوا لطلب قلب ناصر؛ لإنقاذ ابنهم قبل ان يفوت الأوان؛ رُفض الطلب؛ كي لا يتكرّر قتل الشباب، وتؤخذ أعضاؤهم الحيَّة، هنا انتهت الرواية.
في رأيي أجد أن اختيار الكاتب للموضوع، وإدارة الحبكة بذكاء؛ إلا أن الكاتب لم يمنح الرواية حقّها، من حيث توزيع أحداث السرد بطريقة متساوية، والحبكة كانت قصيرة جدّا في نهاية الرواية، كان من الممكن أن يتوسّع الكاتب في سرد الحبكة؛ وإظهار الصراع حول موافقة ورفض التبرّع بالأعضاء، خاصّةً في ظروف إنسانيّة، ومناقشة الفكر المتبادل: ماذا لو كان الأمر معاكسا؟ كما أنني أجد من الأجدى أن تتخلّل الرواية نهاية للصراع، كما ينسجها الكاتب. كما ورد صفحة105 ” إخوتي جميعا لو أعطيناهم قلب ناصر فهذا سيشجّع جنود الاحتلال على اصطياد الكثيرين؛ ليصيروا قطع غيار قلوبهم أو كلاهم أو أكبادهم المعطوبة”.
تعتبر الرواية واقعيّة وملحمية، تكشف الصراعات المختلفة، سواء كانت سياسيّة، أو إنسانيّة، أو نفسيّة؛ من خلالها نجح الكاتب في خلق الحوار الذاتي، والحوار الثنائي والجماعي؛ وكما يظهر بانها تخلو من الخيال.
لغة الرواية فصحى وسهلة، وتخلّلها بعض السرد بالعاميّة المحكيّة، وفق ما التزم الأمر، وغير مبالغ فيه، ممّا شكّل اضافة لعنصر التشويق.
شبابيك زينب، هذا هو العنوان الذي اختاره الكاتب؛ نظرا لوجود شبابيك غرفتها مغلقة منذ أن فارقت الحياة، إلى أن دخلتها صديقتها فدوى، وفتحت الشبابيك، وأطعمت الحمامات التي كانت زينب ترعاها؛ رمزا لإحياء زينب ووجود روحها بين أهلها واصحابها. أن تظلّ شبابيك زينب مشرعة؛ تعني بوجودها بين الأحياء.
بما أنّ الرواية ملحميّة وتصوّر حياة مجتمع أثناء انتفاضة، وصراع مرير، لا بدّ وأن تكون العاطفة حزينة، كما ظهرت بالرواية، عاطفة الانتماء وحب الوطن، عاطفة الشعور بالمشاركة الجماعيّة، وعاطفة الحب والعلاقات الإنسانيّة.
هنالك خيوط علاقات حب بين فدوى ومحمود، بن المخيّم، إلا أن الكاتب لم يجد خجلا لهذه العلاقة؛ حبّذا لو توسّع الكاتب في هذا النوع من العلاقة؛ لإظهار الطبقيّة الاجتماعيّة، وكيفيّة تغلّب الشباب عليها، خاصّةً بعد الانتفاضة؛ كذلك يتطبق الأمر على باقي الابطال.
وكتبت هدى خوجا:
ما بين عيبال وجرزيم دمشق الصّغيرة، أبناء جبل النّار تفتّح شبابيك زينب؛ ليمرّ منها دخان ولهيب مشتعل، وتارة نيران حارقة، هبّت النّار والبارود غنّى، ولكن بالرّغم من تلك المخاوف “ارفع رأسك فهذه مدينة الرؤوس الّتي لا تنحني إلا لله العليّ القدير، المدينة كنعانية.”ص10
تمّ وصف مدينة نابلس وأهلها وسكانها بإبداع متناغم مع المدينة. من مدينة البركات إلى الكتف وجبل النّار إلى أهل المدينة العنيدة،مدينة النّار والياسمين وموسيقى العود.
قسّم الكاتب رشاد أبو شاور الرّواية إلى قسمين، كل قسم يشمل عددا محدّدا بعنوان ملائم للحدث والحبكة منها: مدينة البرج، الجوزاء، الخطوبة، العود، وقشره الصّفير، وينتهي في ليلة الميلاد
تبدأ بتاريخ مدينة نابلس جبل النّار وتسلّط الضّوء على عدّة زوايا للمدينة؛ وسكانها وما تمتاز به من ثقافة وحضارة عبر عصور عديدة، بأسلوب جميل وإحساس مفعم بحيوية وصخب جبل النّار.
تطرّق الكاتب للانتفاضة الأولى من خلال عدّة معايير واتجاهات، ركّز على ضرورة نبذ الفروق الطّبقيّة بأسلوب مناسب، والمواقف المتعددّة بطريقة شبه فكاهيّة، مع اللّجوء لعدّة أمثلة واقعية وضرورة نبذها خاصّة عبر الشّعب المناضل.
ركّز الكاتب على القيادة الموحدّة ونبذ أيّة مظاهر للفرقة والخلاف، برزت قوّة المرأة، إخلاصها وعملها الدّؤوب في البيت والمجتمع المحلي ومشاركتها الفعّالة في كافة الميادين؛ مع بيان دور المرأة والفتاة النّضالي، من خلال شخصيّة زينب وفدوى وأمّ حسام وأمّ إبراهيم .
الكبير الصّغير الشّاب المرأة الطّفل؛ لا يفرّق بينهم بالعدوان لأنّ المحتل بالطّبع لايفرّق. هل ستبقى صورة زينب معلّقة على الجدران؟ أم ستكون صورة محفورة في الصّدور والعقول وذاكرة الوطن؟ وشبابيك زينب المؤصدة، الّتي دوما كانت مشرّعة لطيور الحمام المحلّقة؛ أهو فستان عرس زينب أم كفن شهيدة عائلة
الحمام؟ وناصر الذّي أصيب برأسه وأعتبر موتا اكلينيكيا، ومن نابلس إلى القدس، تم نقل ناصرالجريح.
وعلبة حلوى توزّع بولادة طفل صغير سمي ناصر، نعم إنّها حياة وموت، موت وولادة. وبالطّبع رفض انتزاع قلب ناصر لتقديمه لذلك العدو. ميلاد أم رحيل؟ أم أمل يتدفّق في ليلة الميلاد؟ ولماذا ليلة الميلاد؟
وقال سامي قرّة:
تقدّم لنا الرّواية صورا ومقتطفات عن أحداث الانتفاضة الأولى في مدينة نابلس، كما قرأ عنها في وسائل الإعلام. يقول الكاتب في مقابلة له نُشرت في صحيفة الاتحاد بتاريخ 5 تموز 2007: “هذا العمل “شبابيك زينب” كان امتحانًا صعبًا بالنسبة لي، وهو أن أكتب رواية وأفصّل أحداثها وأنا في تونس بعيداعن المكان جغرافيًا، فتغلبت على ذلك بالمتابعة اليومية للانتفاضة عن طريق الاستعارة من الصحف اليومية … فقرأت عن مدينة نابلس التي تدور حولها أحداث هذه الرواية”. وما يمكنني قوله في هذا الصدد أن الكاتب في هذه الحالة كان بعيدًا ليس فقط جغرافيًا ومكانيًا عن مجريات الأحداث، بل أيضا عاطفيا؛ لأنه أصلا لم يختبرها شخصيًا ولم يتأثر بها، ولذلك يشعر القارئ أثناء قراءة الرواية بانفصال الكاتب الوجداني عمّا يكتب رغم اهتمامه بما يكتب، تماما كما يفعل المؤرّخون عندما يكتبون التاريخ، فهم يُخرجون أنفسهم من النّصّ الكتابي، وينصبّ جلّ اهتمامهم على نقل الحقائق. فلننظر على سبيل المثال إلى هذه الفقرة التي يصف فيها المؤلف سلوك الأستاذ محمود لدى وصوله إلى متجر الحاج فخري: “توقّف، أخذ نفسا عميقا، اندفع في شارع فيصل. صار قبالة متجر الحاج فخري، تأمل من موقعه على الرّصيف المقابل لافتة المتجر … تطّلع إلى ساعته … اندفع يقطع الشارع إلى محلّ الحاج فخري” (ص 17). نلاحظ هنا الوصف الواقعي المحض الذي يكاد يخلو من الحياة والحيوية بسبب رتابته. لدينا في هذه الفقرة جُملا فعلية قصيرة متراصة جميعها تبدأ بفعل يدل على سلوك معيّن يقوم به فخري، وكأنّه آلة يحركها الظرف البيئي الذي يجد نفسه فيه. وربما هذا السلوك ناتج عن شعوره بالنّقص كونه من مخيم بلاطة، وكون الحاج فخري من مدينة نابلس وهو ميسور الحال، لكن من الواضح أنّ الكاتب يتعامل مع الشّخصيّات وكأنّها أدوات تحركها البيئة المحيطة بهم، وتتحكم بتصرفاتهم ظروفهم المعيشية، فهم يعيشون أسرى احتلال عسكري بغيض، وأيضا اسرى تضاريس طبيعية على الرغم من جمالها إلا أنها تحاصرهم في واد بين جبل عيبال وجبل جرزيم، وكأنهم في سجن كبير من صنع الطبيعة، ولا مفر لهم سوى الانصياع لبيئتهم والتأقلم مع ظروفهم.
يستخدم الكاتب في روايته أساليب مختلفة هي أسلوب الكتابة التّاريخية التي تركز على الحقائق، والأسلوب الصّحفي الإخباري، والأسلوب السردي الرّوائي. أمّا أسلوب الكتابة التاريخية فنجده في الفصل الأوّل بعنوان “مدينة البرج الجوزاء” الذي يتحدث فيه الكاتب عن نشوء مدينة نابلس وتضاريسها الجغرافية وغزو الصليبيين لها، والطائفة السامريّة التي تعيش على قمّة جبل جرزيم. ومن الواضح أنّ الكاتب لجأ إلى مراجع أو مصادر ثانويّة؛ كي يتمكن من تقديم هذه اللمحة التاريخية الموجزة من تاريخ مدينة نابلس، التي يسميها “مدينة النّار والياسمين وموسيقى العود” (ص 13). ويبدو أنّ الكاتب يهدف من وراء ذكره للطائفة السامريّة التي تعتبر دولة اسرائيل “باطلة لأنّها دولة أغراب” (ص 8)، والتي رفضت حمل جوزات سفر إسرائيلية بعد الاحتلال عام 1967، إلى الإعلان عن موقفه المعارض لممارسات إسرائيل، كما يهيئنا الكاتب لما سيأتي لاحقًا في الرّواية عندما يتحدث عن الصّراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
نرى الأسلوب الصّحفي الإخباري في فصلين اثنين بعنوان “إيقاع” و”المساجد”، حيث يُسجّل الكاتب ما يحدث أثناء الانتفاضة في شهر آب من العام 1988 مع ذكر التّاريخ واليوم. ولا شكّ أنّ المعلومات الواردة في هذين الفصلين مأخوذة أو مستوحاة من مصادر اعلامية كانت تنشر الأخبار اليومية للانتفاضة، ومنها كما أعتقد المنشورات التي كانت تصدرها القيادة الفلسطينية وتنشر فيها البرنامج اليومي للمقاومة الشعبية. نقرأ مثلا: “أغلقت سلطات العدوّ يوم 10/8/1988 مداخل البلدة القديمة بالإسمنت والبراميل”، وأيضًا “غدا، 19 آب، إضراب بأمر القيادة الموّحدة ، سنكسر محاولة العدوّ التحكم بحياتنا وإيقاع انتفاضتنا” (ص 51). ومثل هذا الأسلوب أقرب إلى أسلوب النّسخ واللصق. وفي هذين الفصلين نشهد شدّة المواجهات اليومية ودمويتها بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمقاومة الشجاعة التي يبديها الشباب الفلسطيني في وجه البطش العسكري الاسرائيلي.
أمّا الأسلوب الثالث فهو الأسلوب السّردي الرّوائي وهو الأكثر استخدامًا في الرّواية، ومن خلاله نقرأ عن حياة الفلسطينيين في مدينة نابلس أثناء الانتفاضة الأولى، ونتعرّف على شخصيات تمثل ليس فقط المجتمع النابلسي بل المجتمع الفلسطيني برمته. فما كان يعانيه الفلسطينييون في نابلس أثناء الانتفاضة الأولى كان أيضًا يعانيه جميع الفلسطينيين في المدن الأخرى. فما نابلس سوى عالم أصغر لعالم أكبر تتجلى فيه معالم المقاومة والتّحدي، والبحث عن الحرية والكرامة. لذا نرى الكاتب يتحدّث عن نابلس التي تمثّل الضّفة الغربيّة وجوهرتها القدس، وعن الأرض المحتلة عام 1948. وكما يقول الأستاذ شكري عزيز ماضي في كتابه الرّواية والانتفاضة: نحو أفق أدبي ونقدي جديد: “تتحول الدّلالة في هذه الحكاية من دلالة فرديّة جزئيّة وخاصّة إلى دلالة كلية شمولية رامزة”. ويؤكد غسان شقيق ناصر ليوسف ويقول: “ناصر ليس أخي فحسب، إنه ابن نابلس، وأبعد من ذلك ابن فلسطين كلها” (ص 90). فالقضيّة هنا قضيّة شعب واحد، شعب متحّد في مسيرته النّضالية.
تتكوّن الرّواية من قسمين، يتحدّث القسم الأوّل عن فعاليّات الانتفاضة، ويقدّم لنا المؤلّف عددا من الشّخصيّات المختلفة، والتي تمثل جميع شرائح المجتمع الفلسطيني، فيما يتحدّث القسم الثاني عن ناصر الحوّاش، وعن محاولة الحصول على قلبه من جانب الطرف الإسرائيليّ؛ لنقله إلى مواطن اسرائيلي اسمه يهيل يسرائيل، وهو “رجل في السّادسة والآربعين، رجل أعمال، من أسرة ثرية، أب لثلاثة أبناء” (ص 81). ولقلب ناصر دلالة هامّة، فهو أوّلا يرمز للوطن، وثانيًا يرمز للجماعة. فمن ناحية، فكما على الفلسطينيين أن لا يفرطوا بوطنهم فهم لا يقبلون أن يتبرّعوا بقلب ناصر لإنقاذ حياة إسرائيلي على شفا الموت. من ناحية ثانية، قلب ناصر هو الأداة التي تؤدّي إلى الوحدة الوطنية، فنرى في نهاية الرّواية ممثلي الأحزاب السياسية كافّة يلتقون ليقرّروا في مصير قلب ناصر، لذلك يتساءل مصطفى مازحًا: “ما هذا؟ أنحن مدعوّون لانجاز الوحدة الوطنية”؟ ص 100.
لا شكّ أنّ استخدام هذه الأساليب من الكتابة أعطت أهمية خاصّة للرّواية؛ لأنّها تجاوزت أسلوب الكتابة التقليدية، وتحدّت الأعراف السّائدة في عملية السّرد الرّوائي. وكما يقول الآستاذ أبو شاور عن روايته: “كلّ كلمة مكتوبة في مكانها وكان بامكاني أن أكتبها بأكثر من 400 صفحة، ولكنّي كتبت النّصف بتقنية ليست سهلة، وكنت أسأل نفسي في الرّواية كيف سأوصل للقارئ الشعور السريع بالحدث، والحركة السريعة داخل المدينة في أجواء الانتفاضة”؟ وهذا ما دعا الأديب الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا لأن يصف الرواية بأنها مثال جيّد للحداثة في الأدب· فهي مثل لوحة الكولاج التي يستخدم فيها الفنان موادّ خام متعدّدة ومختلفة لتكوين لوحة فنية تعكس إبداعه وخياله الخصيب.
تتحدث رواية شبابيك زينب عن زمن جميل مضى، هو زمن المقاومة الشعبية الشريفة، وزمن الانتفاضة الأولى التي قدّمت تضحيات جمّة في سبيل تحرير الوطن. وعلى الرّغم من عدم تحقيقها لأهدافها الوطنية إلا أنها تبقى رمزا للحرية يتغنّى بها الشعراء والأدباء والفنانون على مختلف ألوانهم وأطيافهم، كما تغنّى بها الكاتب رشاد أبو شاور. لكنّها تبقى مجرد ذكرى ومجرد فصل من فصول تاريخ النضال الفلسطيني، الذي انتهى بتوقيع اتّفاق لم يجلب إلا العار والخنوع لشعب كان يومًا رمزا للتّضحية والعطاء. فالميلاد الذي تتحدّث عنه الرواية في نهايتها يجلب أملا زائفا؛ لأن التاريخ أعلن وفاة القضيّة ووفاة الوحدة الوطنية ووفاة المقاومة ووفاة الوطن. رحل ناصر ورحل معه الوطن، ويبقى هذا الوطن مفقودًا وما يزال البحث عنه قائما وقد يبقى قائما لعقود وعقود.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
يقسّم الكاتب الرّوايّة إلى فصليّن، الفصل الأوّل يصوّر لنا مشاهد من الانتفاضة، ويعتبر الفصل الأوّل عرضا لمشاهد تظهر فيه عدّة شخصيات، وقد قام الكاتب بعنونتها. أمّا الفصل الثّاني فيتطرق حول الجدال في قضيّة التّبرع بقلب الشاب ناصر الهوّاش المريض “موت سريري” في مستشفى المقاصد، إثر إصابته من قبل قوّات الإحتلال في مدينة نابلس لصالح الإسرائيلي “يهيل يسرائيل” ، وموت الاسرائيلي والفلسطيني في النهاية دون أن يتبرع القلب للمريض .
المكان نابلس، مخيّم بلاطة، والقدس، أمّا الزّمان فهو 1988 الإنتفاضة.
جاء سرد الرّوايّة منذ البدايّة بطريقة تقريريّة غير مشوّقة حيث بدأ الكاتب بسكب معلومات من التّاريخ والجغرافيّا تتعلق بنابلس وكأنّنا نقرأ كتابا في التّاريخ أو الموسوعة.
ويمضي الكاتب في سرده التّقريري، فتحت عنوان “إيقاع” يستخدم مثلا الكلمات المتداولة في نشرات الأخبار مثل ،شمل الإضراب، وضعت قوات العدو ّ، أغلقت سلطات الإحتلال” دون احتواء المشهد على محسنات بلاغيّة أو فنيّة تثير مشاعر القارئ. وهكذا في عدة مشاهد “المساجد، القلب المعطوب.”
بينما نلاحظ إختلاف السّرد تحت عنوان هديل الحمامّة” و”الصقر الحزين” حيث برز الوصف والتّعبير عن المشاعر من خلال الشخصيّات. جاء السّرد خاليّا من وصف الشّخصيّات الفلسطينيّة في الرّوايّة للباس الثّوب الفلسطينيّ والفلاحيّ مثلا .
برزت الشّخصيات النسائيّة في الرّوايّة كمساندة وفعّالة في مقاومة الإحتلال والنضال وهي تحمل رموزا.
شخصيّة أُمّ إبراهيم تنسج المقاليع وتوزعها على الشّباب، زينب التي تحمل عنوان الرّوايّة هي رمز للسّلام، هي تبحث عنه فمن أقوالها “الحمام عائلتي”، فدوى المثقفة هي المدرسة في مخيّم بلاطة رمز للأمل، وقد سميّت على اسم ابنة نابلس الشاعرة فدوى طوقان.
الحاجة أُمّ راضيّة الثائرة هي المساندة لمجتمعها تنزل إلى ميدان الحدث تناضل وتُصاب، وتنتمي للجنّة الأُمّهات وتهتم بمواساة الشّهداء.
شخصيّة ناصر تمثل الشّباب المناضل المليء بالحماس والشّجاعة، حيث يقول ناصر لأمّ إبراهيم “أكثري من صناعة المقاليع”.
يستخدم الكاتب الأُسلوب السّاخر من خلال مدرس التّاريخ محمود، حيث يظهر من خلال محاورته لتلاميذه، فيعبّر عن سخطه وهمومه السياسيّة. كما عبّر الكاتب عن حالة الحزن من خلال النّكت عن الخلايلة تحت عنوان التّين والعنب.
أمّا العاطفة فجاءت حينا موفقة كما في عنوان “الصقر الحزين” حيث ظهرت عاطفة الحب والمشاعر بين مصطفى وزينب مؤثرة ، بينما تحت عنوان”مكالمة” لم يسترسل الكاتب بإسهاب في عاطفة الغضب، إنمّا جاءت مختصرة بعد انتهاء الطبيب الفلسطيني من مكالمة مع الطبيب الإسرائيلي.
أمّا الحبكة والصّراع حول قلب ناصر لمنحه للمريض الإسرائيلي، فقد ظهر في الفصل الثاني بشكل متدفق سريع، تخلله محاولة الاقناع من قبل الطبيب والصّحفي من الجهة الإسرائيليّة، بينما كان الفصل الأول يتحرّك على وتيرة هادئة.
جاءت اللغة بالفصحى البسيطة غير المعقدة قريبة من نبض الشارع، وقد جاء الحوار أيضا بالفصحى القريبة إلى العاميّة.
وكتب نمر القدومي:
الإنتفاضة .. أيقونة تُجَسِّد مرحلة سياسيّة إجتماعيّة وطنيّة ماضية، شملت النساء والرجال والشباب والشيوخ والأطفال، سلاحها الجسد الفلسطيني والحجر. ميزتها أللُّحمة الوطنيّة تحت راية فلسطينية واحدة.
. إنها رواية عن أحداث الإنتفاضة الأولى عام 1987، وخصَّ بالذِكر مدينة نابلس (جبل النار) وأهلها واستبسالهم في المقاومة الشّعبيّة، وكما خصَّ بالوصف رتابة التنظيمات الصغيرة وقيادة هبّة الحجارة في ذلك الوقت.
أستطيع القول بأنَّ الرواية غَلَبَت عليها الحكايات الإجتماعية أكثر منها السياسيّة؛ قصة حُب ممزوجة بثورة، أحداث نهايتها مأساوية لا فرح فيها، رواية مُشبّعة بالدماء، أسماء شهداء وأحياء، أسماء شوارع وشخصيات. كما أنها أظهرت حُسن العلاقات بين عرب الداخل وبين الأهل في الضفة وقطاع غزة، في حين أشار الكاتب إلى بعض الإنتقاضات الطبقية الإجتماعية، وتلك النّعرات الموجودة بين المخيم والقرية والمدينة. وكان للمرأة نصيبًا كبيرًا في هذه الرواية، وقد ذُكرت مشاركتها في هذه الانتفاضة الباسلة. كلُّ ذلك جاء في حكايات مُبَوبة بعناوين تُلائم الحَدَث، وبأسلوبٍ سرديٍّ بالإضافة إلى أسلوب الحوار بين الشخصيات، والرواية مقسّمة إلى قسمين.
حاول (أبو شاور) الاستمرار في الضغط على عاطفة القارئ واستحواذها منذ البداية، وذلك من خلال طرحه المواضيع الإنسانيّة الحسّاسة؛ شهداء، ثكلى، إصابات، دمار، هدم، رصاص، دماء، وليُقدِّم بعض النِّكات الترفيهيّة والتي لم أجد شخصيًّا حاجة لها، الرواية لم تفِ بما هو مطلوب منها؛ (زينب) بطلة الرواية غَيّبها الكاتب منذ البداية برصاصة قاتلة، وعاشت في أحلام صديقتها (فدوى) وخطيبها (مصطفى) الذي بصعوبة أظهر حزنه العادي، بالإضافة إلى بعض المواقف التي تركها الكاتب عائمة.
إنني أرى من الأجدر بمكان وزمان أن يكتب الروائي أحداثا عاشها بنفسه تحت وطأة القذائف ووابل الرصاص، وصعوبة الحركة والتّنقل والجوع وقلّة الأموال، وكذلك رائحة الموت في الطرقات وعذاب السجون وأنين الجرحى؟
قد يتكلّم الأديب من بعيد عن جغرافية أي بلد وحاراتها وزقاقها وما تشتهر به، لكنه لن يستطيع أن يُترجم بحرارة وعاطفة مكتملتين عمّا جرى من حقيقة محضة، تماما كمشاهدة العين. نحن لا نريدك أن تُقدِّم الانتفاضة العظيمة بأبسط صورها، في وقتٍ كانت أعنف وأقوى وأكبر من ذلك بكثير؟
في القسم الأول من الرواية، لم تكن هناك حِبكة تُذكر ولم نبحث عنها. أمّا في القسم الثاني، فكانت هناك محاولة لمعرفة هل ستتبرع عائلة (محمد ناصر الهواش) من نابلس، والميت سريريًا في مستشفى المقاصد في القدس، هل سيتبرعون بقلب ابنهم لإنقاذ حياة يهودي قلبه معطوب؟ هل راهن الكاتب على هذا التبرع بأنه سيؤثر على الرأي العام السياسي، وتُعتبر حالة فريدة من نوعها تُعيد لنا فلسطين وما عليها، مات (يسرائيل) ومات من بعده (محمد) وماتت أحلام الكاتب
نجد أنَّ الروائي (أبو شاور) استخدم اللغة البسيطة وابتعد عن المحكية، أما صورة الغلاف فتوحي إلى (زينب) وشبابيك عِلِّيتها التي كانت تُحاكي منها الحمائم.
وعليه، نرى أنّ الكاتب اعتمد على ترجمة الكلمات المسموعة والمقروءة إلى خيال ربطه بالمكان، وخَلَقَ من ذلك سيناريو الرواية. فنحن لا نُريد أن يُصبح الشعب الفلسطيني حدثا إعلاميًا، لكن يجب نقل الناس من حَدَث إعلامي إلى آخر تاريخي وحقيقي ينبض بالحياة.
وقال عبدالله دعيس:
أراد الكاتب رشاد أبو شاور أن يرسم لوحة اجتماعية متناسقة، وصورة نضاليّة، لمدينة نابلس خلال أحداث الإنتفاضة الفلسطينيّة عام 1988؛ فخلط ألوانه وخطّ خطوطا متشابكة بدت فيها المدينة المتجذّرة في أعماق التاريخ، والأحداث تتفاعل بين جبليها الشامخين -اللذين لا يهزّهما احتلال ولا زلزال مدمّر- صاخبة بالحياة، عامرة بالتضحيات، مترفّعة على محتلّها، قاهرة له.
والمدينة تعلو وترتفع نحو قمّتي جبليها كلّما هزّ زلزال بيوتها، وتتدفق عين جديدة كلّما غاضت عين ماء، لتستمرّ الحياة فيها، غير عابئة بالمارّين على هوامش تاريخها الحافل. ثمّ تشتعل النّيران على قمّة جرزيم؛ ليعمّ وميضها أنحاء فلسطين، ولتنتفض فلسطين كلّما انتفضت نابلس في وجه عدوّ.
حكى الكاتب عن شبابها وفتياتها ونسائها وشيوخها، وعن مدنيّيها وقرويّها وعن شهدائها وجرحاها، فرأينا المرأة التي تحيك المقاليع؛ ليتلقّفها الشباب يقذفون بها العدو، والشاب الذي يخيط الأعلام لتعلو مباني المدينة وأعمدتها، والمرأة العجوز ترتدي حذاء رياضيا؛ لتشارك الشبان انتفاضتهم، والشّيخ يتلقّى هراوات الجنود بصبر وثبات. وزينب التي كانت شبابيكها مقصدا للحمام، رمز السّلام، تدفع دمها ثمنا لحريّة منشودة، فتعلو المدينة إلى القمّة، ولا تدع زلزال الأعداء ينال منها. وتبدو المدينة متعاونة متكاتفة، تحاول أن تتخلّص من إرثها القديم في التفريق بين أبناء عائلاتها وبين مدنيّيها وقرويّيها، وتلتئم فصائل المقاومة داخلها وتتعاون بكل وفاق بعيدا عن صراعاتها المعهودة.
هل نهب للعدوّ الحياة بينما هو يمنحنا الموت؟ قضية طرحها الكاتب من خلال الحيرة التي وقع فيها أهل الشهيد الذين طُلب منهم التّبرع بقلب ابنهم من أجل إنقاذ حياة مستوطن صهيونيّ. في لحظات إنسانيّة همّ الضحيّة أن ينفخ الرّوح في جلّاده، لكنّ الكاتب انتصر للضحيّة، وجعل الموت يختطف المستوطن دون أن ينال قلب الشّهيد، أمّا الشهيد فيسمو حيّا في عليائه. ولكن، هل فعلا وهب الفلسطينيّون لجلّادهم الحياة، هل أعطوه قلوب شهدائهم وسقوه دماءهم نبيذا مقدّسا فانتشى بها؟ نعم فعلوا. ألم يطفئوا نيران جبل النّار، ويئدوا انتفاضتهم باتّفاق هزيل مع العدو منحه جلّ فلسطين، ومنحه أمنا لم يكن ليحلم به حتى وهو في أوج انتصاراته؟ ألم يحوّلوا أبطال الانتفاضة إلى حرّاس يحمون المستوطنين الذين يدنّسون أرضهم؟ ألم يلقوا مقاليعهم ليلتقطوا بعضا من سلاح يشدّون به أزر عدوّهم ويقمعون به إخوانهم؟ نعم، هم وهبوا قلب الشهيد للعدو، يوم رضوا أن يكونوا حرّاسا له.
لجأ الكاتب في رواية (شبابيك زينب) إلى أسلوب سرديّ مباشر، فتحوّلت بعض صفحات روايته، وكأنّها صفحات من كتاب تاريخ أو درس جغرافيا، يلقّن لطالب بدأ يتململ على مقعد درسه، أو كتاب يوميّات تكتب على عجل. وعمد الكاتب لاستخدام لغة بسيطة تحاكي اللغة العامّية وتتلاقى معها في كثير من التعبيرات حتّى في السّرد. أمّا الشّخصيات فهي غير مكتملة وغير متطوّرة، فلم يسبر الكاتب أعماقها ولم يطلعنا على خفايا صدورها، ولم ينشغل بالحوار الداخلي الذي كان من الممكن أن يضطرم في نفوسها، ممّا أضعف هذا العمل الروائي. والأحداث في الرّواية غير متتابعة ولا مترابطة بشكل مقنع، بل يتوه القارئ بين أحداثها رغم عدد صفحاتها القليل وأحداثها القليلة. وعنصر التشويق في الرّواية غير عالٍ، فهي تروي أحداثا عاديّة خلال الانتفاضة الفلسطينيّة، عدا عن حادثة محاولة نقل قلب شهيد لمستوطن، والتي خلقت نوعا من الأزمة وأعطت الرواية صفحات قليلة من الإثارة.
رواية (شبابيك زينب) حلقة أخرى تضاف إلى حكايات النضال الفلسطينيّ، حلقة في سلسلة طويلة لن تنكسر ما دام هناك قلم فلسطيني ينضح بالمداد.
وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، د. عزالدين أبو ميزر، د. غسان عبدالله، ماجد الماني وسهير زلوم..